الأربعاء 08-05-2024 20:10:10 م : 30 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التفكيك من الداخل.. لماذا إيران والحوثيون أكبر المستفيدين من تمزيق اليمن؟

الأحد 29 مارس - آذار 2020 الساعة 04 مساءً / الاصلاح نت-خاص- عبد السلام الغضباني

  

بدأت إيران بتقديم الدعم لمطالب انفصال جنوب اليمن منذ العام 2007، وهو العام الذي ظهرت فيه حركة الاحتجاجات الحقوقية التي رفعتها جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين على خلفية حرب صيف 1994 الأهلية، لكنها تحولت إلى مطالب سياسية تنادي بانفصال جنوب اليمن، بسبب فشل نظام علي صالح في احتواء تلك المطالب والتعاطي معها وحل مشكلة المسرحين من وظائفهم وتعويضهم عما فات من سنوات التقاعد الإجباري، وزاد الطين بلة عندما شكل ما سماها "جمعيات الدفاع عن الوحدة"، وتتكون من مواطنين جنوبيين، وتولت مهمة الاعتداء على المتظاهرين المطالبين بالانفصال.

وبما أن مطالب انفصال جنوب اليمن جاءت بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا على اندلاع الحرب في صعدة بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، فقد رأت إيران أن أزمة الجنوب من شأنها تخفيف الضغط على حلفائها الحوثيين، وبالتالي فإن من مصلحتها دعم مطالب الانفصال ماديا وإعلاميا، حيث مولت إنشاء قنوات فضائية ومواقع إخبارية على الإنترنت تتبنى دعم مطالب الانفصال، وتحرض على الوحدة اليمنية، وتبث جميعها من الضاحية الجنوبية في بيرت، المعقل الرئيسي لما يسمى حزب الله اللبناني، ويشرف عليها خبراء في الإعلام من العراق ولبنان، وجميعهم من الموالين طائفيا لإيران.

مع العلم أن الفئة التي تشكلت منها مليشيات الحوثيين سبق لها أن ساندت انفصال جنوب اليمن عام 1994، وكان ذلك بإيعاز من إيران. ويمكن تفسير الموقف العدائي لإيران من الوحدة اليمنية بأنه يأتي في إطار سياسة تفكيك وإضعاف الدول والمجتمعات المستهدفة بالتمدد والدور التخريبي لإيران في المنطقة، وإيذاء خصومها الكبار من خلال العبث في حدائقهم الخلفية.

- لماذا دعم الانفصال؟

بدأت مطالب انفصال الجنوب، من قبل بعض فصائل الحراك الجنوبي، منذ العام 2007، أي بعد ما يقارب ثلاثة أعوام من اندلاع المعارك في صعدة بين القوات الحكومية ومليشيات الحوثيين، وهي المعارك التي عكست ذروة النفوذ الإيراني في اليمن حتى ذلك الوقت، ولذا، فإن التوقيت الزمني يعني أن إيران كانت وما زالت ترى أنه في حال تحقق انفصال جنوب اليمن، فإن ذلك سيتسبب في إضعاف الحكومة اليمنية، وتشتيت جهودها واستنزاف مقدراتها في مواجهة مطالب الانفصال، وبالتالي فإن ذلك سيمنح الحوثيين الفرصة للتمدد والانتشار والسيطرة على معظم أنحاء اليمن.

كما أن إيران ترى بأن بقاء اليمن موحدا سيجعل من الصعب على أتباعها الحوثيين اختراق الدولة والمجتمع اليمني، وصعوبة تمرير مخططها التآمري على اليمن ودول عربية أخرى. كما أن بقاء اليمن موحدا يعني لإيران أن حلفاءها الحوثيين سيصيرون أقلية في اليمن الكبير والموحد، وأنه في ظل الوحدة ستكون نسبتهم قليلة جدا إلى المجموع العام للسكان، ولذا فإن إيران ترى بأن مشروعها التخريبي في جنوب الجزيرة العربية لا يمكن أن يتم بدون دعم مطالب انفصال جنوب اليمن، وذلك حتى يتخفف الضغط على الحوثيين، ويتكمنوا من الاستعداد للسيطرة الكاملة على مختلف أنحاء البلاد.

- الاهتمام بالملف اليمني

تزايد اهتمام إيران بالملف اليمني خلال السنوات الأخيرة، وحرصت على استغلال مختلف الثغرات لتعزيز مكاسبها ونفوذها في اليمن، وتوجت ذلك بدعم انقلاب المليشيات الحوثية على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014، وتباهى مسؤولوها بأن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط في يد إيران، وأن الإمبراطورية الفارسية عادت وعاصمتها بغداد، في إشارة إلى سيطرة المليشيات الطائفية التابعة لها على الحواضر العربية الأربع (بغداد، وبيروت، ودمشق، وصنعاء).

وبعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، عمدت إيران إلى استفزاز السعودية، كونها أصبحت تطوقها من عدة جهات، كما دفعت الحوثيين إلى استفزاز السعودية من خلال التهديد بغزوها، وإجراء مناورات عسكرية بالقرب من حدودها مع اليمن، فردت السعودية على ذلك بإعلان عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، وأربكت إيران ومليشياتها، واختفت التصريحات العنترية فجأة، ودخل الصراع العربي الإيراني مرحلة جديدة من المواجهة، ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات، بسبب انقسام العرب، وعدم تكتلهم بمختلف دولهم وفئاتهم ضد المشروع الإيراني التخريبي في المنطقة.

- دعم الفوضى

وفي خضم هذه الفوضى التي زرعتها ورعتها إيران، تشكل مسألة الوحدة اليمنية محور اهتمام العديد من الفاعلين الإقليميين، نظرا لتداخل ملفات الصراع الساخنة في منطقة المشرق العربي خلال السنوات الأخيرة، واستغلت إيران أزمة اليمن الداخلية لتحقيق اختراق سياسي وعسكري يعزز من نفوذها ويخدم أجندتها ويزيد من مكاسبها في صراعها مع الدول العربية الفاعلة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. وكان لظهور المليشيات الحوثية الطائفية في أقصى شمالي اليمن، تزامنا مع رفع بعض الفئات في جنوب اليمن مطالب الانفصال، وسيلة إغراء للتدخل الإيراني في اليمن، حيث قدمت الدعم لفصائل الحراك الجنوبي المطالبة بالانفصال، بالتوازي مع دعمها للمليشيات الحوثية بمختلف أشكال الدعم، تمهيدا لانقلابها على السلطة الشرعية والسيطرة على كل أنحاء البلاد.

استمر الدعم الإيراني للحوثيين وللمطالبين بانفصال جنوب اليمن عدة سنوات، وتعززت علاقات طهران مع هذه الأطراف، حتى توج ذلك بانقلاب الحوثيين وحليفهم علي صالح على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014. وكان لافتا قبل الانقلاب تقارب الخطاب السياسي والإعلامي للحوثيين والانفصاليين، واحتضنت الضاحية الجنوبية في بيروت الوسائل الإعلامية للطرفين، وكلها كانت ممولة من إيران، وتدار من قبل كوادر عراقية ولبنانية ترتبط مع إيران بروابط طائفية. وكان التناغم في مواقف الطرفين (الحوثيين والانفصاليين) بارزا في مواقفهم من العديد من القضايا الوطنية، خاصة أثناء مؤتمر الحوار الوطني، وكانت بصمات إيران واضحة في تلك المواقف المتناغمة، وقد أثار ذلك التناغم بعض المطالبين بانفصال جنوب اليمن في الداخل، الذين تخلوا عن بعض قيادات الحراك الانفصالي، وأبدوا توجسا من الدعم الإيراني لمطالب الانفصال.

- حصاد ثمار التعاون

ثم ظهرت ثمار ذلك التعاون والتنسيق الإيراني بين الطرفين عندما حاول الحوثيون وحليفهم علي صالح فرض سيطرتهم على العاصمة المؤقتة عدن، بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء ومدن أخرى، حيث كان لافتا موقف بعض القيادات الانفصالية المدعومة من إيران، والتي كانت تصف الحرب في عدن بأنها بين قوى شمالية نقلت صراعاتها إلى هناك، وكانت تدعو أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية إلى عدم المشاركة في الحرب، متجاهلة حقيقة أن الحوثيين هدفهم السيطرة على كافة أنحاء البلاد، لكن تلك المواقف كانت تتم بتعليمات من إيران، والتي أقنعت الانفصاليين بأن دخول الحوثيين الجنوب هدفه القضاء على قوى معينة وليس السيطرة على جنوب اليمن.

وفي الوقت الذي كان فيه أحرار عدن، ومعهم أحرار اليمن من كل المحافظات، يخوضون مواجهات مسلحة عنيفة ضد مليشيات الحوثيين وقوات حليفهم علي صالح، ويحررون مدينة عدن شبرا شبرا، كانت الجماعات الانفصالية تكتفي برفع أعلام التشطير والشعارات الانفصالية في الأماكن المحررة. وبعد طرد الحوثيين من عدن ومدن جنوبية أخرى، أقدمت الجماعات الانفصالية على قتل وتصفية كل القيادات العسكرية وقيادات المقاومة الشعبية التي حررت مدينة عدن ومدن جنوبية أخرى، وهي بذلك تكون قد انتقمت لإيران وللحوثيين ممن طردهم من هناك، وفرضت سيطرتها على عدن ومدن أخرى بدعم من أطراف أجنبية.

كلمات دالّة

#اليمن