الإثنين 06-05-2024 19:24:27 م : 27 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

حصار تعز.. الوجه الآخر لقبح المليشيات الحوثية

الأحد 15 ديسمبر-كانون الأول 2019 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت-خاص- اسامه الليث

  

في عام 2013، اختيرت تعز كعاصمة ثقافية لليمن، ووصفها الأكاديميون والكتاب حينها بأنها موطنهم، وكانت مليئة بالحياة.

تغير كل شيء، حتى ملامح المدينة الحالمة تغيرت، ودفعت تعز الثمن الأكبر لانقلاب الحوثيين.

استهدفتها المليشيات بكافة الأسلحة، وفرضت عليها حصاراً من كافة الجهات، عُدَّ الأسوأ في تاريخ البلاد، ومن أكثر حصارات العالم سوءاً وكارثية، وبالأخص فيما يتعلق بحياة الناس، وما يضمن لهم ديمومة استمراريتهم في الحياة، حتى بات الخبز والدواء هو جل ما يحلم به المواطن.

كل هذه الأوضاع الإنسانية كان للمليشيات المحاصرة للمدينة اليد الطولى في زيادة المعاناة، بل أصبح حصار مدينة تعز المستمر، عقاباً جماعياً وانتهاكاً متعدد الأوجه لحقوق الإنسان وللقوانين الدولية والإنسانية.

وسلّط تقرير صادر عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان الضوء على الحصار الذي تفرضه المليشيات الحوثية على مدينة تعز منذ خمس أعوام، مشيراً إلى أن هذا الحصار يدخل ضمن أطول أنواع الحصار الذي تعرضت له المدن على مستوى العالم.

وقال التقرير إن حصار تعز من قبل الحوثيين سيدخل موسوعة الأرقام القياسية ضمن أطول أنواع الحصار الذي تعرضت له مدن في حروب مختلفة بعد حصار سراييفو وحصار غزة وحصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية، حيث تكمل تعز عامها الرابع على التوالي وهي في حصار دائم.

باعد الحوثيون بين أسفارهم:

تتفاقم معاناة أكثر من 4 ملايين شخص يوماً تلو الآخر، وسط مدينة مُسيجة بالحصار منذ قرابة أربعة أعوام ونصف.

تنصب مليشيات الحوثيين عشرات الحواجز ونقاط التفتيش لتمنع قائمة طويلة من متطلبات المواطنين، على رأسها الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الاستهلاكية الغذائية، وتحولت مع هذه الإجراءات حياة المواطنين إلى معاناة وصلت إلى حد الموت، لصعوبة نقل المرضى إلى خارج المدينة.

يحدثنا المواطن أحمد عبد السلام قائلا: "منذ إغلاق الطريق المؤدي من وسط المدينة عبر حوض الأشراف إلى الحوبان من قبل الحوثيين، أصبحت حياة الكثير جحيماً، حيث يواجه الناس العابرون إلى تعز ومن تعز يوميا طرقاً محفوفة بمخاطر الموت".

وأضاف: "لقد باعد الحوثيون بين أسفارهم، حيث تحولت مسافة الدقائق المعدودة التي كان يفترض الانتقال فيها من المدينة إلى الحوبان، إلى رحلة ساعات عديدة، تمرّ من طرق فرعية بوديان ومرتفعات، منها طريق الأقروض خدير، الذي تحوّل إلى شريان رئيسي من المدينة وإليها، لكنه يستغرق ساعات يدفع فيها المدنيون تكاليف باهظة للتنقل، في رحلة أقرب إلى مغامرة، لا تنتهي مخاطرها عند حوادث السير، بل أحيانا تتعدى ذلك إلى خطر الألغام".

وتابع: "قبل عدة أشهر انقلبت سيارة كانت محملة بالمواد الغذائية وهي في طريقها إلى مدينة تعز نتيجة ضيق الطريق ووعورتها، وكثير من الحوادث المماثلة حصلت خلال السنوات الماضية أودت بحياة العشرات من المسافرين من وإلى تعز.. أما بالنسبة للمرض فيفضل المريض أن يمكث في تعز على أن يخرج منها، فمعاناته ستكون طويلة، بل البعض منهم لم يكمل الطريق وتوفى قبل أن يخرج من تعز".

الحصار شاهد على قبح المليشيات:

مطلع أكتوبر الماضي، عاشت تعز على وقع أنباء عن مبادرة جديدة تهدف إلى فتح طريق الحوبان، المنفذ الرئيسي من مدينة تعز وإليها.

تعززت الآمال مع إعلان رئيس لجنة مفاوضات فتح الطرقات عن الشرعية، النائب في البرلمان عبد الكريم شيبان، أن الحوثيين أبلغوهم عبر وزير الأشغال والطرق في الحكومة التابعة للمليشيات أن هناك توجيهات عليا من قيادة الحوثيين بفتح طرقات تعز.

ورغم قيام القوات الحكومية بإزالة الحواجز الترابية من الجهة التي تسيطر عليها باتجاه الحوبان، تفاجأت السلطات بتعز بتراجع الحوثيين عن وعود لممثلي الحكومة الشرعية بتخفيف الحصار المفروض على المدينة.

ولم يكتفِ الحوثيون بذلك، بل أطلقوا النار على مواطنين واللجنة الحكومية بشكل عشوائي، في 12 أكتوبر الماضي، في إشارة لرفضهم للوفاء بوعد فك الحصار.

يتحدث الناشط عادل غالب عن حصار تعز قائلا: "حصار تعز مأساة إنسانية شاهدة على قبح المليشيات، إذ لا يوجد هدف عسكري للحصار منذ سنوات، فطريق الإمداد العسكري معروفة، لكنها الرغبة في الانتقام من أبناء تعز.. لا يوجد سبب غير انعدام المروءة والضمير والأخلاق والشهامة لحصار تعز، ولاستمراره كل هذا الوقت".

وأضاف: "رغم أن الحوثيين ينكرون الحصار، لكن الحقيقة أن العالم شاهد وتابع تعنتهم في ملف حصار تعز في مفاوضات ستوكهولم، ولو أحسنت الحكومة إدارتها بحيث تصبح ملفاً دائماً في كل اللقاءات والفعاليات الخارجية، لحاصرت الحوثيين، وستشكل حرجاً كبيراً للمجتمع الدولي، وعلى رأسهم المبعوث الأممي".

وختتم حديثه قائلا: "إن أحاديث رفع حصار تعز تبدو مجرد مناورة سياسية من الحوثي، فلقد أعطت أملاً كاذباً عبر شخص لا يشغل منصباً قيادياً، يعرض فتح معبر غرب المدينة".

إدانات أممية:

أواخر سبتمبر الماضي 2019، وصف تقرير فريق الخبراء الدوليين البارزين التابع لمجلس حقوق الإنسان حصار الحوثيين المستمر على مدينة تعز بـالعقاب الجماعي، وانتهاك متعدد الأوجه لحقوق الإنسان والقوانين الدولية والإنسانية.

وأضاف تقرير الفريق المعروض على الدورة الـ42 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، أن مليشيات الحوثي فرضت على تعز حصاراً وعقاباً جماعياً على سكانها، وتسبب بانعدام السلع الغذائية والمياه وبندرة الأدوية وانعدام الخدمات الصحية وتراجع التعليم وغيرها من أشكال الحياة.

ووفق التقرير، فقد استمرت المرحلة الأولى من حصار تعز حتى آذار/مارس 2016، حيث كانت نقاط التفتيش التي سيطر عليها الحوثيون تغلق بشكل اعتباطيّ، كما تم في هذه النقاط إيقاف الناس لعدة ساعات، وتم تفتيشهم ومصادرة البضائع التي كانوا يحملونها بما فيها الخضراوات والمواد الغذائية الأخرى.

وأشار التقرير إلى معبر الدحي خاصةً، وهو معبر سيئ السمعة بسبب المعاملة القاسية للمواطنين التي حصلت هناك، وكان هذا المعبر نقطة العبور الرئيسية للمدنيين من وإلى مدينة تعز، وأجبر الناس على المشي لمسافات طويلة تتراوح من 400 متر إلى أكثر من كيلومتر واحد للوصول إليها، وأشار التقرير إلى أن هذا الأمر شكّل مهمة شاقة بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين.

ونقل فريق الخبراء شهادات عن النساء اللواتي يتعرضن للمضايقة وعن أكياس الطعام التي تمزق أو يتم الدوس عليها، كما فحص فريق الخبراء لقطات تظهر رجالاً مسلحين يطاردون المدنيين عند نقطة التفتيش، ويقومون بضربهم عشوائياً وإطلاق النار في الهواء، كما شملت أساليب الحصار المبلغ عنها استخدام القناصة لإطلاق النار على المدنيين عند نقاط التفتيش، ووثَّق التقرير حالات الاعتقال التي حدثت بالقرب من نقاط التفتيش أو أثناء عبور المدنيين.

كما نوَّه تقرير الخبراء بأن الحصار ليس الأسلوب الوحيد الذي استخدمه الحوثيون لإخضاع تعز ومحاولة استعادة السيطرة عليها، حيث فرضت المليشيات قيوداً على العمل الإنساني والإغاثي، بل وحولت المساعدات عن مقاصدها وقامت بالاستيلاء عليها، مما فاقم صعوبة عمل المنظمات الإنسانية التي تدير عمليات نائية في العديد من الحالات، ولا تستطيع مراقبة ومتابعة التوزيعات بشكل صحيح، أو رصد حالات تحويل أو سرقة إمدادات المساعدات.

وقال خبراء مجلس حقوق الإنسان إن الحصار كان له تأثير أكبر على المرضى، حيث قيدت عمليات وصولهم لتلقي العلاج المتخصص كغسيل الكلى. كما تم تقييد الوصول إلى التعليم، حيث لم يتمكن الطلاب من الوصول إلى الجامعة داخل المدينة.

وأكد التقرير أن الحصار وانتهاكات الحوثيين طالت النساء اللواتي أصبحن في خطر، كما فُرضت عليهن مصاعب كثيرة بعد تحولهن إلى معيلات رئيسيات لعائلاتهن.

وخلص فريق الخبراء إلى أن الأدلة التي جمعها تشير إلى أن مقاتلي الحوثي قد استخدموا الحصار كشكل من أشكال العقاب الجماعي على السكان المدنيين المقيمين داخل تعز، لدعمهم للمقاومة الشعبية وللحكومة.

وذكّر التقرير بأن القانون الإنساني الدولي يحظر كلاً من التجويع كوسيلة من وسائل الحرب والعقوبات الجماعية، مضيفاً أن التجويع كأسلوب للحرب، هو جريمة حرب في النزاعات غير الدولية، التي قد تؤدي إلى مسؤولية جنائية فردية.

تعز لم تعد الحالمة:

الوضع متفاوت ليس بمقدور الناس هنا أن يلامسوا الاستقرار بكل جوانبه، الكل يدرك حقيقة ما يجري، وقد طوّع نفسه للتكيف مع الوضع ومستجداته مهما كانت التكلفة، موت من كل الجهات بسبب الحصار المفروض والقذائف التي لا تتوقف، وموت على مستوى المعيشة بسبب ندرة الحملات الإغاثية وارتفاع كلفة السلع الغذائية الأساسية، بسبب تكاليف النقل الباهظة التي يتحملها التجار أثناء نقلهم للبضائع المختلفة القادمة من المحافظات المجاورة لتعز، حيث يسلكون طرقاً وعرة جداً لمسافات طويلة تكلفهم الكثير.

سميرة عبد الرقيب، معلمة تحدثنا عن معاناة المواطن في تعز نتيجة حصارها قائلة: "تعز لم تعد الحالمة، لقد تحولت إلى كومة من الدمار، تحتاج الى سنين لإعادة بنائها من جديد.. بداية اجتياح الحوثين لتعز نزحت عند أهلي في إب، وقبل سنة رجعت مع أسرتي لبيتي في المدينة.. أصابني الرعب وأنا أرى الدمار الذي لحق بالمدينة، وقبلها رأيت الموت أمامي ونحن نسافر من الحوبان إلى المدينة، فالطريق محفوفة بالمخاطر، وعند وصولي تعز بدأت معاناتي".

وأضافت: "الأسعار مرتفعة بصورة جنونية مقارنة بالمحافظات الأخرى، يفتقد السوق المحلي العديد من السلع الغذائية والكماليات المختلفة.. الحياة أصبحت متعبة جدا، فأبسط متطلبات الحياة لا يجدها الساكن في تعز، كل ذلك نتيجة إغلاق طريق الحوبان".

وتابعت: "لا أدري إلى متى سنظل نرزح تحت هذا الحصار الظالم، فبين الحين والآخر نسمع عن بدء الحديث عن مبادرات ووساطات تقضي بفك الحصار عن المدينة، فنشعر بقرب الفرج، لكن سرعان ما تتحول تلك الوعود إلى اتهامات كل طرف للآخر بالتراجع عن الاتفاق، والتسبب في استمرار الحصار".

وقالت: "لقد فقدت الأمل في فك الحصار عن المدينة.. أعتقد الآن أنه في حال كان هناك سلام ليوم واحد، فإنه من الممكن ألا أكون هنا لأراه، فكل ما أراه في الوقت الحالي هو الموت.. إن ما يفعله الحوثيون ومن له مصلحة في حصار تعز، إنما هو نوع من الحقد المذهبي والطائفي، الهدف منه استمالة الناس إلى ما يؤمنون به".

أخيرا، في حسابات فرقاء الصراع لا أهمية للمعاناة مهما طالت، فبقاء الحصار ضرورة لها لجني ثمار اقتصاد الحرب.. انتهت المسارات التفاوضية التي قطعتها اللجنة المشتركة لفتح منافذ مدينة تعز إلى طريق مسدود، وتمسّك كثير من الأطراف بالمكاسب المترتبة على الحصار، إذ أوجدت البيئة المستقرة للحصار منافع متعدّدة ومتداخلة للمتحاربين من خلال اقتصاد حرب نشط يتحرّك بين الجبهتين، يتجاوز صراع الفرقاء إلى تفاهمات اقتصادية متبادلة، تسيطر عليه طبقة من أثرياء الحرب الجدد من تجار ومقاولين تابعين لمليشيات الحوثي. 

تأبيد معاناة المدنيين في مدينة تعز، يعكس لاأخلاقية الحوثيين بدرجة رئيسية، كونه حصارا بلا هدف عسكري، كما أنه لم يكن ذا أولوية في حسابات أطراف الصراع وتفاهماتها، ولا في أجندة المبعوثين الدوليين المتعاقبين في اليمن، فالأمم المتحدة في اليمن كما يبدو لم تر في بقاء هذا الحصار من عدمه أثراً مهماً في سياقات الحرب الشاملة، أو في التسوية السياسية بين فرقاء الصراع، ومن ثم جعلته ملفا سياسيا داخليا، يخضع لإرادة فرقاء الصراع المحليين في اليمن وتقديراتهم، لا معاناة إنسانية يقتضي حلها لتحسين الشروط الإنسانية لأبناء المدينة.

كلمات دالّة

#اليمن