الإثنين 06-05-2024 15:26:12 م : 27 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

بين معاناة الاختطاف والتجاهل الأممي.. محمد قحطان مدرسة السياسة المغيب قسرا في سجون الحوثي

الخميس 06 إبريل-نيسان 2023 الساعة 01 صباحاً / الإصلاح نت - خاص

 

 

كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرًا، من يوم الأربعاء 4 نيسان/أبريل 2015، حين داهمت أطقم تابعة لمليشيا الحوثي منزل السياسي اليمني البارز وعضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح محمد قحطان، واختطفته من منزله وبين أسرته، وأودعته غياهب الغياب التام، ولا يزال يتعرض للإخفاء القسري منذ ثماني سنوات على اختطافه حتى اليوم.

وكانت مليشيا الحوثي قد وضعت السياسي "قحطان" قبل اختطافه، تحت الإقامة الجبرية داخل منزله، بعد ايقافه من قبل نقطة تابعة لمليشيا الحوثي في فبراير 2015 بمحافظة إب، حين كان في طريقه إلى مدينة تعز، فأعادوه إلى منزله بصنعاء، ووضعوه تحت الإقامة الجبرية حتى يوم اختطافه في الـ 4 من أبريل 2015م.

تأتي الذكرى الثامنة لاختطاف "قحطان" بالتزامن مع جولة مفاوضات جديدة بشأن الأسرى والمختطفين في جنيف بسويسرا، والتي أعلن التوصل فيها لاتفاق لإطلاق نحو 880 أسيرا ومختطف، وستبدأ يوم الثلاثاء 11 أبريل الجاري، البدء بعملية الإفراج، حيث من المتوقع أن تستمر لمدة ثلاثة أيام متتابعة وفقا للصليب الأحمر.

وفشلت المفاوضات في الإفراج عن قحطان، رجل السياسة والمفاوضات الأول في البلاد؛ بل فشلت حتى في الحصول على معلومات رسمية بشأن حالته الصحية ومكان اختطافه، حيث يرفض الحوثيون الكشف عن مصيره أو التفاوض بشأنه، بل ويحاولون تعقيد هذا الملف في كل مرة يطرح فيه اسمه.

 

من هو قحطان؟

محمد محمد قحطان قائد، ولد عام 1958م، في مديرية العدين، محافظة إب، لديه تسعة من الأولاد، خمس بنات، وأربعة ذكور، وهو برلماني وقيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، خريج كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء، تولى رئاسة الدائرة التنظيمية لحزب التحمع اليمني للإصلاح حتى عام 1994، ومن ثم تولى رئاسة الدائرة السياسية، كما عمل ناطقًا رسميًا لتكتل أحزاب اللقاء المشترك 2003-2011م، كما عين عضوا في مؤتمر الحوار الوطني 2013- 2014، ممثلا لحزب الإصلاح.

تشكّلت شخصية قحطان بين حلقات العلم، وميادين العمل الإنساني، ومدارات القيم الإنسانية الأصيلة، ومضامين العمل السياسي والوطني، فجاءت ثريّة في معانيها الإنسانية، غنية في مواقفها، متنوّعة في عطاءاتها، فهو المثقف الفاعل، والسياسي المحنّك، وهو قبل هذا وذاك الإنسان المؤمن بمعنى الإنسانية، وحقها في العيش الكريم بعيدا عن الإلحاق والتدجين والظلم حتى وإن ارتدى الظالمون مسوح الرهبان، وفقا للدكتور فؤاد البناء في كتابه "عملاق في سجون الأقزام".

 

قحطان: مدرسة السياسة

ظل "محمد قحطان" حاضرًا في مختلف منعطفات السياسة اليمنية، ومحطاتها خلال العقدين الماضين، شاهدًا على أحرج لحظاتها. وحسب مراقبون فإن "قحطان" لم يكن مجرد شاهد على المشهد اليمني فحسب؛ بل شارك وبقوة في صناعة السياسة بمعناها الكبير، باعتبارها أداةً لبناء الإنسان فالدولة فالمجتمع، الثلاثية التي كانت حاضرة في كل خطاباته ونقاشاته ونضالاته منذ بداية مشواره السياسي، وحتى اختطافه واخفائه قسريًا حتى اليوم.

خلال عمله السياسي، كان قحطان، سياسيًا محنكًا، يمد جسور التواصل حتى مع أولئك الذين فقدوا شرف الخصومة، كما كان رمزًا من رموز النضال السلمي في اليمن، استطاع أن يؤسس خطًا في الحياة السياسية اليمنية المحتدمة بالتنوع وبالصراعات وعدم الثقة والتوافقات والتباينات، إنه سياسي من الطراز الرفيع، إذا اتفقت معه شعرت بالاطمئنان، وإذا اختلفت معه شعرت أيضًا بالاطمئنان، وفقا لسفير اليمن في بريطانيا الدكتور "ياسين سعيد نعمان".

وحسب الكاتب والسياسي نبيل البكيري، فإن "قحطان" مدرسة سياسية يمنية فريدة وفارقة في تاريخ اليمن الحديث باعتباره صانع السياسة الأول على مدى عقدين من الزمن، حيث ظل حاضرًا بقوة كأبرز سياسي أنعش الحياة السياسية اليمنية، وأمدها بفاعليته وكاريزميته التي جعلت السياسية في اليمن أكثر ديناميكية.

 

الشخصية الحزبية المُجمع عليها

إن الدور الكبير الذي لعبه محمد قحطان في صناعة السياسية اليمنية، ومحاولته مد جسور التواصل مع مختلف التيارات السياسية في اليمن، جعله محط إجماع من مختلف القوى والمكونات السياسية اليمنية، من خلال تقديمه السياسة باعتبارها جسر التواصل، ومادة بناء المشتركات الوطنية العليا، وأداة لتحصين الوطن من العصبيات القبلية والمذهبية والسلالية والطائفية.

فحسب الدكتور ياسين سعيد نعمان، فإن "محمد قحطان" ظل ينظر إلى القطيعة في الحياة السياسية بأنها مسألة غير مقبولة، بل كان يقترب من خصومه إلى حد التماهي، وذلك بإيمان من أن هناك قواسم مشتركة لا بد من اكتشافها واختبارها في اخصاب التنوع السياسي والثقافي.

وأكد نعمان، أن جهد محمد قحطان قد أثمر في تكوين هذا الخط في الحياة السياسية اليمنية في توسيع دائرة التفاهمات التي قامت على قراءة موضوعية للتخلص من سياسة تصفية الخصم بالتشويه أو القتل أو المقاطعة، وبدلاً عنها بناء نموذج جديد يقوم على الاعتراف بالتنوع والاختلاف السياسي والثقافي وإدارتها لإنضاج الحياة السياسية والاجتماعية.

لقد كان قحطان يرى أن هذا المجتمع المتنوع هو خلاصة تجارب تاريخية حضارية لا بد من استحضارها عبر حوارات ثقافية وسياسية واجتماعية، وباعتبارها الخلفية التاريخية التي لا تستغني عنها المفاهيم السياسية المعاصرة، فقد كان في نقاشاته مسلحاً بكثير من الوقائع والحكايات التي تعكس وعياً بالتراث المعرفي للمجتمع وما يشكله ذلك من تأثير على الحياة السياسية، وفقا لنعمان.

إن هذه المفاهيم التي ظل قحطان يؤمن بها، ويضعها في كل خطاباته وحواراته وتصريحاته، جعلته محط إجماع القوى والمكونات السياسية اليمنية، وهو ما يدفع مليشيا الحوثي لممارسة اخفاءه قسرا، ورفضها السماح لعائلته حتى بمجرد زيارته أو الاتصال به.

 

معاناة الاختطاف

إن استمرار مليشيا الحوثي إخفاء السياسي اليمني البارز محمد قحطان منذ ثماني سنوات، كان له معاناة كبيرة سواء على أسرته، أو على السياسة برمتها، حيث كان اختطافه اختطاف للسياسة والحوار، لصالح المليشيات والحرب.

"ثمانية أعوام لم نحصل فيها على مكالمة هاتفية أو رسالة بخط والدي..." هكذا تروي "فاطمة" ابنت "محمد قحطان"، معاناة أسرتها منذ اختطاف والدها قبل ثمان سنوات، دون مراعاة لسنّة الذي تجاوز الستينات من العمر، مضيفة "لا نعلم كيف أصبحت صحته، ولا نعلم عنه شيئا ولا هو يعلم كيف أسرته".

إن قصة معاناة أسرة قحطان لم تنتهي، حيث تتعرض أسرته لصنوف من المعاناة والقلق، خصوصًا مع كثيرة الشائعات التي تبثها مليشيا الحوثي حول صحته، تارة بإنزال صورة شبيهة له أنه قد توفي، وأخرى بأنه مريض، وثالثة بأنه قد قتل في القصف، وغيرها من المعاناة التي تعيشها أسرة قحطان.

كما تعددت تلك المعاناة، بتهديد مليشيا الحوثي المستمر لأسرة قحطان بإخراجهم من المنزل، حيث طالبت مليشيا الحوثي في وقت سابق، أسرة قحطان بمغادرة منزلهم بالقوة، ما لم فسيتم اقتحامه وطردهم منه، وهو الأمر الذي أدى إلى مضاعفات صحية لزوجة "قحطان"، الذي أكد الأطباء أن مرضها سببه الحزن والقلق، وفقا لفاطمة ابنت محمد قحطان.

وكانت والدة قحطان قد توفيت نهاية نوفمبر 2021، بعد سنوات من الانتظار لفلذة كبدها، المُغيّب في سجون مليشيا الحوثي، حيث مضت والدة قحطان إلى باريها مخلّفة وراءها رجلا شامخًا خلف أسوار طغيان السلالة الحوثية، التي حرمتها من رؤيته، نتيجة اخفائه قسرًا دون ذنب أو جريرة، ولخص "زيد" نجل محمد قحطان في منشور له على صفحته في الفيس بوك، بعد وفاة والدة أبيه بالقول: "أبي.. ماتت جدتي، لا هي ولا نحن استطعنا سماع صوتك".

 

دور أممي هزيل

بالنظر إلى اختطاف "قحطان" لا يزال دور المنظمات الدولية هزيلا، ولا ترتقي لمستوى الجريمة الحوثية باختطاف رجل السياسة والحوار من قبل مليشيا الحوثي، واخفائه للعام الثامن على التوالي. إذ لم تمارس هذه المنظمات على الحوثيين أي ضغوط حقيقية للإفراج عنه، أو على الأقل تأكيد حياته أو موته. وفي هذا الصدد، حمل حزب الإصلاح، المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبيرج، "المسئولية الكاملة عن التواطؤ مع مليشيات الحوثي في استمرار عملية التعتيم المقصودة عن المناضل محمد قحطان"، داعياً مجلس الأمن الدولي للتحقيق في "عملية التعتيم المقصودة" عنه.

وفي الوقت الذي رحب حزب الإصلاح بنتائج مباحثات إطلاق سراح الأسرى والمختطفين التي تمت في العاصمة السويسرية، فقد أكد على موقفه الرافض منذ البداية للخلط والمساواة في قضية الأسرى التي تتم بين المدنيين المخفيين قسرياً، وبين أسرى القتال.

واعتبر الإصلاح "المبعوث الأممي ومعاونيه شركاء مع الحوثيين في استمرار الإخفاء القسري لقحطان والمعاناة التي يتعرض لها وتلقاها أسرته وكل محبيه وأعضاء حزبه"، مؤكدًا أن "ممثلي الأمم المتحدة أصروا على السير في مفهوم الخلط المشار اليه وذلك استجابة للطرف الذي هو السبب الأساسي في صناعة هذه المشكلة كلها، وهم الانقلابيون الحوثيون".

إن الدور الهزيل لكل المبعوثين الأمميين في هذا الجانب، رغم مزايدتهم بشأن الوضع الإنساني في اليمن؛ لتخفيف الضغوط على مليشيا الحوثي؛ لكنهم في قضية السياسي "محمد قحطان" يتجاهلون تماما الجانب الإنساني، كون هذه المعاناة لا تقتصر على المخفيين قسريا فحسب؛ بل تتعداها لتشمل عائلاتهم وأقاربهم.

 

جريمة ضد الإنسانية

إن ما يتعرض له السياسي "محمد قحطان" من إخفاء قسري من قبل مليشيا الحوثي، تعد إحدى الجرائم ضد الإنسانية المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وتنص الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، كما ينص إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري "أنه لا يجوز التذرع باي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري".

وفي الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، يعرف بالاختفاء القسري للأشخاص بأنه "الاعتقال أو الاحتجاز او الاختطاف أو أي شكل من اشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون".

كما يدرج نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما يوم 17 يوليو 1998 الاختفاء القسري ضمن الجرائم ضد الإنسانية.

ختامًا، يبقى قحطان مدرسة السياسة، وخيط التواصل بين المكونات السياسية اليمنية، التي عمل على ردم الفجوة بينها، وتجاوز التباينات والخلافات، مُعلنًا قيم الحوار، والنضال السلمي، والعمل على تعزيز وعي الشعب بأهمية هذه القيم التي تسهم في نيل الحقوق والحريات، بعيدًا عن السلاح ولغة العنف، وان غيبته المليشيا؛ لكن مدرسته السياسية ستظل نبراسًا يهتدي بها اليمنيون في حل خلافاتهم وتبايناتهم، أما خاطفيه مليشيا الحوثي فهي مجرد "انتفاشة"، كما وصفها قحطان، وستتلاشى قريبًا، وإن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.