الأحد 05-05-2024 20:23:21 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المنطق الإبليسي في التمييز السلالي الحوثي (1-2)

الإثنين 17 أكتوبر-تشرين الأول 2022 الساعة 02 مساءً / الإصلاح نت – خاص - توفيق السامعي

 

 

لقد صار من المعلوم أن إبليس هو أول من اخترع نظرية الاصطفاء، حينما تكبر عن السجود لآدم بقوله: "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"، فكان أول صراع في الخليقة بين الخير والشر؛ الخير الذي أراد الله أن يتجسد من خلال المخلوق البشري الجديد الذي كان الغرض من خلقه أن يكون خليفة الله في الأرض، ممثلاً قيم الخير، وقانون التدافع.

برز إبليس مستعلياً ومتحدياً هذا المخلوق الجديد ليكون في الجهة المقابلة تماماً، ممثلاً لمنهج الشر الذي يبدأ من الأنا والاستعلاء الذاتي، وعمل المفاضلة غير المنطقية في القانون الجديد الذي أوجده الله في الخلق الجديد.

صارت تلك المفاضلة والتمييز الإبليسي نظرية في الاتجاه الخاطئ يستن بها كثير من بني البشر أنفسهم؛ متمثلين نظرية الاصطفاء وعلى أساسها يسفكون الدماء ويدمرون الأوطان ويهلكون الحرث والنسل ويسعون في الأرض الفساد لفرض ذلك الأنا والاستعلاء.

تدحرجت البشرية حتى وصلت إلى بني إسرائيل الذين طبقوا ذلك المنطق والنظرية فرأوا أنفسهم أفضل من بقية الخليقة، وأنهم شعب الله المختار، وبالتالي على كل من دونهم أن يكونوا عبيداً لهم وأموالهم حلالاً لأصحاب الأنا الاستعلائي فخاضوا الصراعات المختلفة قديماً وحديثاً، فكذبوا الرسل والأنبياء الذين يمثلون قيم الخير في مقابل قيم الشر والتميز بمنطق (ليس علينا في الأميين سبيل).

وهكذا مضت بعض الأمم على إثرهم؛ متمثلين المنطق الإبليسي الأول ومنها على سبيل المثال الفارسية قديماً التي استلهمت النموذج الإسرائيلي في ذلك؛ حتى إذا ذبلت تلك النظرة ولم يلتفت لها العالم تحولت من الفارسية الواضحة إلى السلالة الهاشمية الواجهة ومن خلفها الفارسية المستترة.

لقد كان الفرس هم رواد ووقود ومحرك ومغذي العرقية السلالية المتمثلة بالهاشمية السياسية حتى خلقت الصراعات بين العرب أنفسهم، واتخذوا السلالية الهاشمية لافتة ومطايا يستترون خلفهم ويحققون أغراضهم من ورائهم، بل وفي عمق الأعماق حتى في إطار القُرشية الأسرية التي تعود كلها والهاشمية إلى أصل واحد وجد واحد.

لقد مزج الفرس واليهود هذا الأمر من خلال اليهودي المتشيع الفارسي عبدالله بن سبأ الذي كان عراب هذه النظرية منذ لحظتها الأولى في أيام وحياة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- والتي رفضها علي في نفس الوقت وحارب عبدالله بن سبأ لتقول بعض الروايات أنه قتله وحرقه بالنار، والبعض الآخر تقول إنه نفاه إلى المدائن.

على سبيل ونهج النظرية اليهودية والفارسية والشيعية، كذلك فعلت النازية التي تأثرت بنظريات السابقين في صفاء العرق فاختلق هتلر نظرية صفاء العرق "الآري"، وعلى أساس من تلك النظرية خاض كل حروبه، ودمر أوروبا، وقُتل عشرات ملايين البشر تحت تلك اللافتة.

بقيت تلك النظرة والنظرية الفارسية متغلغلة في الفكر الفارسي ثم الشيعي لاحقاً حتى أثرت على كل الأذرع الشيعية الفارسية في المنطقة؛ قديماً وحديثاً، ومنها اليمنية على سبيل المثال؛ مجال هذا الموضوع.

جاء مؤسس الإمامة في اليمن يحيى ابن الحسين الرسي فأرسى مداميك نظرية جديدة للإمامة والتمييز السلالي، لم يقل بها حتى زيد ابن علي نفسه، وجعلها عقيدة دينية من يخالفها فهو كافر في نظره!

فقد كفر هذا الإمام الرسي حتى الصحابة أنفسهم وأهل السنة عموماً وليس عامة المسلمين فقط، الذين لا يقولون بوجوب إمامة علي أو أنها ليست فرضاً من الله؛ حيث يقول في مقدمة كتابه (الأحكام): "إن ولاية أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب -عليه السلام- واجبة على جميع المسلمين؛ فرض من الله رب العالمين، ولا ينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الإيمان حتى يعتقد بذلك بأيقن الإيقان، فمن أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا بد أن يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجراً وعند جميع المسلمين كافراً"( ).

لقد كان هذا الرسي يوجب على أتباعه وعلى الناس في اليمن أن ينادونه "يابن رسول الله" ويقول لهم إن الجنة تحت تصرفه يمنحها لمن آمن به وبطاعته، حتى جاء الأئمة من بعده فاتخذوا كل أفعاله وأقواله تشريعات وجوبية الاتباع والتطبيق!

فقال الرسي، متقولاً على رسول الله: قال –صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يحيا حيواتي ويموت مماتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي فليتول علياً وذريته من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة"، أخرجه البارودي وابن منده عن زياد بن مطرف، وفي رواية أبي نعيم: وليعتمد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي ورزقوا فهماً وعلماً، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين منهم حبلي لا أنالهم الله شفاعتي. وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس: "النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة اختلفوا فصاروا لحزب الشيطان"( ).

لم يزل هذا المنطق منطق الأئمة وسلوكهم منذ الرسي وحتى اليوم، ولقد دون الأستاذ محمد النعمان (الإبن) مشهداً من مشاهد الإمامة في الاستعلاء والإجرام، فيقول: "كان القبيلي المجند الذي قدم من شمال صنعاء إلى سهول تهامة وإب وتعز والبيضاء لا يسمى جندياً بل مجاهداً في سبيل الله، وعلى هذا الأساس أبيح له أن يسكن في مساكن الأهالي بالقوة حتى لو أدى الأمر - وكثيراً ما كان يؤدي - إلى خروج رب المسكن ليسكنه المجاهد في سبيل الله ويفرض على الزوجة أن تتولى خدمته وإطعامه ما يختار من طعام، وكم أكواخ وبيوت هدمت وأحرقت لأن فلاحاً أو فلاحة اعتذرت بالفقر عن تلبية الرغبات المسعورة للجنود".. والكلام ما زال للأستاذ النعمان الذي يؤكد بقوله: "لقد وجه الإمام يحيى قبائل الشمال التي حاربت تحت قيادته الأتراك نحو الجنوب، تعز وإب وتهامة، بدعوى المحافظة على الراية المحمدية في بلاد "كفار التأويل" و"إخوان النصارى"( ).

لقد كان الأئمة ينظرون إلى إب وتعز وريمة وتهامة ومناطق الجنوب أنها أقل شأناً وأرضاً مستباحة، وأن هاشمييها ليسوا هواشم ولا سادة ولا ينتمون لآل البيت، ولا يعترفون بهم، حتى أن الإمام أحمد حميد الدين ذكر عنده "السادة" من تعز وإب فرد عليهم قائلاً: "مابش سيد من منزل".

لقد كان منطق منزل ومطلع كنوع من أنواع التمييز العنصري الذي فرضته الإمامة، وكذلك الجبلي والتهامي "ام جباليا وام تهامة" صورة تعكس الوضع المزري في التعامل للتفريق بين الناس وظل هذا الأمر قائماً حتى اليوم.

في مقابلة تلفزيونية أجراها الزميل عارف الصرمي مع المرتضى المحطوري كان المحطوري يردد مصطلح "الهاشمي" و"اليمني" عدة مرات، وكان يوجه الخطاب للصرمي قائلاً: أنتم اليمنيون..رد عليه الصرمي: وأنت ألست يمني؟! قال إنه هاشمي، حتى صار هذا التعريف اليوم ينسب للهاشمية كجنس خاص تجتاز الديموغرافيا والجغرافيا والأوطان معاً!

وهكذا نجد بعض القيادات الحوثية تتعامل بنفس المنطق والتقسيم في الخطاب مع اليمنيين أو التعريف بنفسها، وهو أمر خطير جداً يزيد من تمزيق النسيج الاجتماعي وإيجاد الشروخ المختلفة في الصف اليمني يترتب عليه مستقبلاً مواجهات مسلحة.

طيلة التاريخ اليمني كان اليمنيون يرحبون بكل وافد مهاجر إليهم اندمجوا معهم فوق أرض واحدة وصار الجميع يعرف نفسه على أنه مواطن يمني منذ احتلال الأحباش لليمن ثم اندمجوا وذابوا في الهوية الوطنية، وكذا فعل من بعدهم الفرس، وكذا فعل المماليك في عصور متأخرة ثم الأتراك بعدهم، إلا أدعياء السلالة فإنهم ظلوا يرون لأنفسهم تميزاً واستعلاءً على اليمنيين كأنهم جاؤوا حكاما على اليمنيين ويعاملونهم معاملة استعلائية منذ الرسي المؤسس للإمامة وحتى اليوم، ولذلك عكس خطاب المحطوري هذا الأمر بمخاطبة المواطنين باليمنيين، وكذا فعل غيره.

لم يقتصر الخطاب التمييزي والاستعلائي الحوثي الإمامي كخطاب عادي بين المواطنين على المستوى الشعبي بل إنهم يكرسون ذلك من خلال المناهج التعليمية وإدخال ذلك في التعليم كنوع من القداسة والثقافة العلمية، ويقوم المكتب التربوي للمليشيا الحوثية اليوم مثلاً بتغييرات جوهرية على مناهج التعليم تركز على تمجيد الفكر الطائفي لهذه المليشيات والاستعلاء السلالي، من خلال إلغاء جميع الدروس التي تتحدث عن الشخصيات الوطنية اليمنية في كل مراحل التاريخ، وإحلال دروس بديلة تقدس فترات حكم الأئمة الذي كان يظهر في بعض مناطق البلاد لفترة محددة ثم ينتهي، وتقديم تلك المراحل والشخصيات الطائفية باعتبارهم نماذج ينبغي الاحتذاء بها.