الأحد 05-05-2024 18:32:28 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مليشيا الحوثيين.. مخلب الإرهاب الإيراني لتهشيم اليمن

الأحد 21 أغسطس-آب 2022 الساعة 03 مساءً / الإصلاح نت - خاص | صادق عبدالمعين

 

لم يكن هذا التاريخ (1979) إلا بداية لخطر عظيم وطوفان مدمر اجتاح العديد من البلدان العربية والإسلامية، ليخلف دمارا هائلا وجروحا غائرة في خاصرة الأمة الإسلامية، وسيولا من الدماء، وصورا من المعاناة، وفصولا من المأساة، تحت لافتات دينية، وشعارات إسلامية مزيفة، وعناوين حقوقية ومطلبية، تمثل بميلاد كيان مسخ وبمقدرات دولة هي "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" التي شكلت ولا تزال هاجسا أمنيا وعقديا وسياسيا مؤرقا للعالمين العربي والإسلامي، لما تحمله هذه الدولة من إرهاب فكري وعداء تاريخي للأمة الإسلامية والعربية.

مسمار إيران

وقد سعت إيران منذ اللحظة الأولى لتأسيسها إلى توسيع نفوذها السياسي والثقافي شمالا وجنوبا شرقا وغربا، قبل أن تتدخل في شؤون العديد من الدول التي وصل إليها تأثير المد الشيعي، بحجة الدفاع عن الأقليات الشيعية، كما يحلو لها أن تسوق ذلك.

ووفقا لمجلة "التايم" وصحيفة "الواشنطن بوست" في العامين 1992-1991، فإن الحكومة الإيرانية ترسل الأموال والبعثات إلى بلدان مثل غانا ونيجيريا، وتستقبل الطلاب المسلمين من تايلاند وبورما وإندونيسيا ليتلقوا الدراسة في "قم"، كما أن النظام الإيراني بعث بـ(1300) مبشر للمذهب الشيعي ـوفق تعبير المصدرين- إلى الجمهوريات الإسلامية (السوفيتية سابقا) باسم مدرسين، وأنها أقامت مراكز تدريب لأبناء هذه الجمهوريات في طهران ومشهد وقم وتبريز بتكلفة مالية وصلت إلى بليوني دولار.

حواضن شيعية

وإذا كان ذلك الجهد وتلك الأموال المذكورة هي حصيلة عشر سنوات فقط من عمر تلك الثورة الناشئة، فإن إيران قد ضاعفت جهودها وأنشطتها في الثلاثين عاما التي تلتها إلى حد كبير، إذ ومع قيام الثورة الخمينية في إيران (1979) وبروز مشروع الخميني الداعي لتصدير الثورة، توجهت أنظار الإيرانيين إلى إفريقيا والخليج واليمن وبعض دول الشام، باعتبارها بيئة خصبة لنشر الأفكار ومقارعة الخصم السنِّي، ساعد على ذلك الخصائص الأيديولوجية والتركيبة الثقافية والمذهبية والفكرية لتلك المجتمعات، حيث استطاعت إيران طيلة الأربعين سنة الماضية من العمل الدؤوب والمنظَّم، من خلال المنظمات والهيئات الأهلية، والمراكز الثقافية، والمشاريع الاقتصادية، والعمل الدبلوماسي، والإعلامي، خلق حواضن متعددة وجيوب للفكر الشيعي الاثني عشري في مناطق عدة تتفاوت في قوتها من دولة إلى أخرى.

خيوط المؤامرة

وبعد نجاح الثورة الخمينية وتمكنها من الحكم وإعلان إيران جمهورية إسلامية، سعت إيران لتعزيز قوتها، ومد جسور التواصل بينها وبين الأقليات الشيعية في المنطقة العربية، حيث وطَّدت علاقتها بهم وضاعفت الدعم لهم ليدينوا بالولاء لها على حساب بلدانهم وأوطانهم، وبذلك استطاعت إيران بناء أذرع لها في تلك الدول قادرة على تهديد الأمن والاستقرار فيها لصالح إيران وجعلت منهم عصا غليظة يمكنها التلويح بها عند الحاجة، واستخدامهم كأوراق ضغط في سياستها الإقليمية والدولية.

خطة إيران بتصدير الفكر الشيعي إلى المنطقة العربية وطموحاتها التوسعية، عقب نجاح الثورة الخمينية، قاد طهران إلى بناء علاقة قوية مع جماعة الحوثي في صعدة شمالي اليمن، واستغلال تلك العلاقة لتنفيذ الكثير من أجندتها ومشاريعها الخفية، حيث شرعت بدعم الجماعة المتمردة مالياً وعسكرياً بعد تبنيها لفكر إيران الطائفي الدخيل على اليمن وتأييدها للسياسة الإيرانية بشكل ملفت.

وقد تكشفت خيوط علاقة جماعة الحوثي بإيران شيئاً فشيئاً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بدءاً باستقطاب قيادات المليشيا الحوثية ومناصريها وإرسالهم إلى قم الإيرانية لتعلم الفكر الرافضي الاثني عشري وأدبيات السياسة الإيرانية، مروراً بالدعم العسكري والمالي للجماعة المتمردة التي أرادت إيران تحويلها إلى ذراع لها في جنوب الجزيرة العربية، والسيطرة على مضيق باب المندب أحد أهم ممرات الملاحة في العالم، كواحدة من إستراتيجياتها في المنطقة.

اعتراف

وعلى مدى ما يقارب أربعين عاما وطدت إيران علاقتها بمليشيا الحوثيين، وقدمت لهم خلال تلك الأعوام أشكالا مختلفة ومتعددة من الدعم الذي واكب احتياجاتهم ومتطلباتهم العسكرية والسياسية واللوجستية، مع كل عملية يتم تنفيذها، أو تقدُّم كانوا يحرزونه في سبيل سعيهم للوصول إلى السلطة.

وقد اعترفت إيران بدعمها للمليشيا الحوثية الانقلابية، وذكرت ذلك بوضوح على لسان مساعد قائد فيلق القدس الإيراني للشؤون الاقتصادية "رستم قاسمي" في مقابلة تلفزيونية منتصف العام الماضي 2021.

ويكشف الجنرال الإيراني أن "كل ما يملكه الحوثيون من أسلحة ومعدات عسكرية هو بفضل مساعدة إيران"، وزاد على ذلك بأن الحرس الثوري قدّم تدريبات عسكرية للمليشيا الانقلابية.

وتمثل تصريحات رستم دليلا قاطعا على الدور التخريبي الذي تقوم به إيران في اليمن، وأن المليشيا الحوثية ليست أكثر من أداة إيرانية لتنفيذ مخططات التخريب في اليمن والمنطقة برمتها، ناهيك عن عرقلة جهود التحالف العربي لدعم الشرعية في إرساء الأمن والاستقرار في هذا البلد.

تخادم مشترك

وقد التقت أحلام الإماميين الطامحين إلى عودة حكم الإمامة بأفكارها الرجعية المتخلفة وبنسختها الجديدة، مع أطماع الإيرانيين الساعين إلى إعادة وبناء إمبراطوريتهم الفارسية البائدة وأطماعها التوسعية، ليجد كل طرف في الآخر ضالته، ويحقق من خلاله أهدافه.

فالطرف الإيراني رأى في الحوثيين الأداة المناسبة لتحقيق مشروعه وتنفيذ مخططاته، حيث عمل على تهيئة هذه الجماعة ودعمها وإعدادها من الناحية العسكرية والأيديولوجية، لخلق ذراع إيرانية في المنطقة، وعصا غليظة يتم التلويح بها في أي وقت، وبؤرة توتر وأوراق ضغط يمكن التفاوض من خلالها لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.

وفي المقابل فإن مليشيا الحوثيين استغلت هذه الرغبة لدى الإيرانيين في تعزيز قوتها وتدريب أفرادها، وجني الأموال الطائلة التي حصلت عليها المليشيا من النظام الإيراني، بالإضافة إلى المواقف السياسية المساندة للمليشيا من قبل الحكومات الإيرانية المتعاقبة.

فساد مبكر

ولم تمض سوى سنوات قليلة على قيام الثورة الخمينية، أي في منتصف الثمانينيات، حتى توجهت أنظار المرشد للجماعة ومن يشاركونه الحلم نفسه في إعادة حكم للإمامة في اليمن نحو طهران والنظام الجديد هناك، بحثاً عمن يتبنى دعما لمشروعهم، وما أن حل العام 1985 حتى شد بدر الدين الحوثي رحاله صوب إيران وتحديدا مدينة قم، المركز الديني الأبرز والأهم في إيران، ليتخذها مركزاً لإعداد خطته، وإرسال واستقبال الشباب من اليمن -سيما محافظة صعدة التي مثلت الحاضنة الأولى لجماعته- لتدريبهم وتأهيلهم فكرياً وعسكرياً واستخباراتياً.

ومن الوهلة الأولى وبفاعلية كبيرة، وصل العشرات من شبان هذه المحافظة ومناطق أخرى ومجتمعات ظلت منذ الإطاحة بحكم الإمامة في 26 سبتمبر 1962 حبيسة لتلك الحقبة وأسيرة لنزعتها السلالية وأفكارها الرجعية، إذ وافقت تلك الفرصة هوى الكثير من الأسر ذات النزعة السلالية للدفع بأبنائها استجابة لدعوة زعيم المليشيا التي أطلقها وإن بشكل سري من خلال تنسيق وترتيب التنظيم السري للهاشمية السياسية في اليمن والتي احتفظ قادتها بأفكارهم السلالية والترتيب لإحيائها من خلال النفوذ الاجتماعي والديني والسياسي طوال 50 عاماً.

فقاسة الإرهاب

وخلال تلك الفترة وما تلاها أرسل المئات من الشباب إلى إيران ولبنان، لغرض تلقي تدريبات عسكرية واستخباراتية وفنية في مجال الإعلام وإنشاء شبكات الاتصالات الخاصة، وصناعة المتفجرات، على أيدي عناصر إيرانية وعناصر من حزب الله اللبناني.

ووفقا لمصادر مطلعة فإن معظم هؤلاء الشباب يصلون إلى العاصمة السورية دمشق، ومنها يتم نقلهم إلى إيران من دون ختم جوازات سفرهم حتى لا تعلم السلطات بدخولهم إلى إيران، بالإضافة إلى وصول آخرين إلى بيروت، لتلقي تدريبات ودورات مختلفة في المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله في الجنوب والضاحية الجنوبية، على أيدي خبراء من الحزب في مجالات عدة، وبإشراف ومشاركة ضباط من المخابرات الإيرانية.

بلغ السيل الزبى

ولم يقتصر الدعم الإيراني للمليشيا الحوثية على التدريب والتأهيل وتكثيف الدورات والتلقين وغسل أدمغة الشباب وحشوها بالأفكار الضالة والمنحرفة والمشبعة بالإرهاب والإجرام، بل تعدى ذلك إلى الدعم العسكري بمختلف الأسلحة وبشتى الطرق سواء المعلنة أو الخفية منها.

وذكرت وكالة "رويترز" للأنباء في وقت سابق أن إيران "ترسل أسلحة متطورة ومستشارين عسكريين إلى مليشيا الحوثي المسلحة في اليمن لتزيد الدعم لحليفتها الشيعية في حرب أهلية قد تغير نتيجتها ميزان القوى في الشرق الأوسط".

وتضيف الوكالة نقلا عن مصادرها أن إيران ضاعفت من جهودها في الفترة الأخيرة من الحرب في الصراع المستمر منذ عامين حيث "كثفت إمدادات السلاح وغيرها من أشكال الدعم، ليضاهي ذلك نفس الإستراتيجية التي انتهجتها لدعم حليفتها جماعة حزب الله اللبنانية في سوريا".

وتضيف الوكالة أيضا أن إيران "تستخدم سفنا لتوصيل إمدادات إلى اليمن إما مباشرة أو عبر الصومال لتتحايل على جهود التحالف لاعتراض الشحنات.

وبحسب وكالة رويترز فإنه ما إن تصل السفن إلى المنطقة يتم نقل الشحنات إلى قوارب صيد صغيرة يصعب رصدها لأنها منتشرة في تلك المياه، مضيفة أن عملية النقل الأخيرة "شملت أسلحة وذخائر سلسلة من (طائرات بدون طيار) أبابيل الإيرانية المزودة برؤوس حربية شديدة الانفجار واستخدمها الحوثيون ضد أهداف لها أهمية كبيرة مثل الرادارات وبطاريات صواريخ باتريوت".

وعلاوة على ذلك فإن طهران -تكشف الوكالة- توفر خبراء أفغان وعرب شيعة لتدريب وحدات للحوثيين وللعمل كمستشارين فيما يتعلق بالإمداد والتموين، ومن بين هؤلاء أفغان قاتلوا في سوريا تحت إشراف قادة بفيلق القدس.

وذكرت مؤسسة "كونفليكت أرمامنت ريسيرش" المهتمة ببحوث التسلح في الصراعات، قبل أكثر من عام، أنه لديها أدلة تظهر أن الطائرة من دون طيار (قاصف -1) صنعت في إيران ولم تصمم وتصنع محليا، في تناقض لتصريحات الحوثيين.

منبع الشر

ولم يكن التمرد الذي قادته مليشيا الحوثي الإرهابية والذي أفضى إلى الانقلاب على الحكومة الشرعية والاستيلاء على السلطة في 21 سبتمبر من العام 2014 إلا واحدا من صور العبث وفصلا من فصول الإرهاب الذي تمارسه إيران في مناطق متفرقة من العالم.

فقد ترك ذلك التمرد المدعوم من إيران بكل أشكال الدعم خرابا واسعا وجرحا غائرا ودمارا هائلا في الأرض والإنسان، تمثل بعشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الجرحى، وتشريد الملايين من الناس، وتدمير واسع للبنية التحتية، وارتفاع مخيف لمعدل البطالة، وازدياد غير مسبوق لنسبة الفقر الذي وصلت نسبته إلى أكثر من 80%، وتوقف للنشاط الاقتصادي، وانعدام لفرص العمل، وازدياد لمعدل الجريمة، وانتشار للفساد على نطاق واسع، وغير ذلك مما خلفته الحرب التي شنتها وتشنها مليشيا الحوثي المتمردة، والتي استلهمت فكرتها وأفكارها من إيران مأوى الإجرام ومنبع الإرهاب.

كلمات دالّة

#اليمن #ايران