الإثنين 06-05-2024 00:44:44 ص : 27 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

التعليم الجامعي في زمن الحوثيين.. انتهاكات جسيمة وفساد يمتد من الحاضر للمستقبل

الخميس 17 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ عبد الرحمن أمين

 

 

لا شيء يبرز هنا في اليمن غير معاول الهدم وآلات الموت، في إجهاز على الماضي وعبث بالحاضر وتفخيخ للمستقبل، وبأدوات أكثر فتكا، ومليشيات أكثر حقدا، في واحدة من أكثر العمليات عبثا وفسادا في التاريخ اليمني المعاصر، سعيا لهدم حضارته وطمس هويته.

استهداف العملية التعليمية واحدة من الوسائل التي ركز عليها الحوثيون منذ سيطرتهم على المحافظات والوزارات والمقرات الحكومية، ليشمل ذلك التعليم من مراحله الأولى حتى التعليم العالي منه، محاولة منهم لطمس هوية المجتمع وتغيير ثقافته بثقافة دخيلة أكثر تطرفا وأكثر ضلالا.

ويعد التعليم واحدة من الركائز الأساسية التي اعتمدت عليها مليشيات الحوثي في نهجها ومسيرتها الانقلابية، فكان التعليم أحد مخططات المليشيات لتدمير البلاد وإدخال المذهبية والعنصرية فيها.

ومثلما أصابت مؤسسات الدولة اليمنية -عسكرية ومدنية- نكبة الانقلاب الحوثي، فإن التعليم الجامعي لم يكن بمنأى عن هذه النكبة، إن لم يكن الأكثر تضرراً، حيث هدمت المليشيا الحوثية الإرهابية الإيرانية كل ما تم تشييده خلال سنوات عديدة من خلال الاستحداثات في المناهج، والتدخل في مسار العملية التعليمية في الجامعات، وإقصاء الكوادر والمتخصصين وفرض شخصيات من خارج المنظومة الأكاديمية، واختطاف وتهديد ومطاردة الكثير من أساتذة الجامعات، ونهب إيرادات ومخصصات الجامعات وغيرها من التجاوزات والتعسفات.

وتواجه منظومة التعليم الجامعي في اليمن تحديا كبيرا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث تم تغيير الكثير من المناهج وإدخال مواد خاصة لتغذية النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية في التعليم، وإنشاء جامعات خاصة بالحوثيين.

إذ أقدمت مليشيات الحوثي على تغيير بعض المناهج في التعليم وإدخال مواد تعليمية جديدة في الجامعات وتدريسها في جميع الكليات والجامعات الخاضعة لسيطرتها كـ"التربية الوطنية" ومادة "الغزو الخارجي"، ويتم تدريس هذه المواد المستحدثة والتي تتضمن مناهج حوثية.

ولاقت هذه المواد استياءً واسعاً، حيث يتم تدريسها بالقوة وفرضها إجباريا على جميع الكليات، وتحمل عداءً فكريا لدول الخليج ومعارضي المليشيا وتحسين صورة إيران.

العبث والفساد في الجامعات الحكومية والخاصة تسبب بإلغاء تصنيف جامعة صنعاء التي تعد الجامعة الحكومية الأولى في اليمن وجامعات يمنية أخرى، من معهد التصنيف العالمي في الصين، وهو المعهد الذي يُعتمد عليه عالمياً في تقييم جامعات العالم سنوياً، وصولا إلى إلغاء اسم اليمن من القائمة بشكل نهائي، مما يشير إلى أن التعليم في اليمن بشكل عام بات غير معترف به أو على الأقل ليس داخلاً ضمن قائمة التعليم الدولي.

ويؤكد مراقبون وأكاديميون أن الحوثيين يسعون إلى فرض وجودهم كأمر واقع لفترة طويلة من الزمن من خلال تشريب أجنداتهم والترويج لأفكارهم الدخيلة وثقافتهم المستوردة بشكل قسري للأجيال عبر تغيير مناهج التعليم في المدارس والجامعات وتعويض فشلهم العسكري.

وتقول مصادر إن الحوثيين قاموا بإغلاق ستة أقسام دراسية في جامعة صنعاء الحكومية، ضمن خطة ممنهجة يهدف من خلالها الحوثيون إلى إضافة أقسام بديلة تتعلق بمشروعهم الطائفي، ودفع الطلاب للالتحاق بالجامعات الخاصة المربحة للمليشيات.

ومن بين الأقسام التي أغلقتها المليشيات الحوثية التاريخ والعلاقات الدولية، الجغرافيا والفلسفة، الآثار والسياحة والمكتبات، وقسم المعلومات، حيث تم تسريح كوادرها تمهيداً لإعادة افتتاحها بمسميات أخرى من شأنها الترويج للفكر الحوثي.

وتضم جامعة صنعاء أكثر من 124 تخصصاً، وهي تخصصات متوزعة في 14 كلية في المقر الرئيسي بصنعاء، و10 كليات فرعية، ويصل عدد الطلاب فيها إلى نحو 150 ألف طالب وطالبة.

وفي الوقت الذي شرعت فيه مليشيا الحوثي -حسب مصادر- في عملية توظيف أحادية الجانب لأكثر من 340 كادرا جديدا في الطواقم الأكاديمية بجامعة صنعاء، وإمعانا منها في الفساد فقد غيبت المليشيات في سجونها نحو 60 أكاديمياً، كما فصلت نحو 115 من أساتذة الجامعات، حسب إحصائيات حقوقية وأكاديمية صدرت قبل خمسة أشهر.

ويعاني أكاديميو وموظفو الجامعات الحكومية من ظروف قاسية بسبب نهب مستحقاتهم، مما اضطر عددا كبيرا منهم إلى مزاولة مهن مختلفة لا تناسب مستوياتهم الأكاديمية، كبيع الخضار ونقل الطوب وخلط الإسمنت والعمل في المطاعم والأفران وغيرها من الأعمال، بعد أن وقعت أسرهم تحت طائلة الفقر المدقع.

لم يقتصر العبث والفساد والفوضى على الجامعات الحكومية فقط، بل طالت يد العبث والإفساد الجامعات الأهلية أيضا، إذ تعاني هي الأخرى من دوامة الفوضى الحوثية منذ أكثر من خمسة أعوام.

وتتنوع طرق وأساليب المليشيات الحوثية في استهدافها المتكرر للجامعات الخاصة في صنعاء ومدن يمنية أخرى لتشمل الإغلاق والاعتداء والاعتقال، فضلا عن فرض إتاوات بمبالغ خيالية والتهديد والوعيد بالنفي والتصفية الجسدية لكل من يخالف قرارات المليشيات المتخذة حيال أي جامعة أهلية.

ففي سبتمبر من العام الجاري، أعلنت أقدم وأكبر الجامعات الأهلية في اليمن نقل مقرها الرئيس إلى العاصمة المؤقتة عدن، على خلفية إجراءات تعسفية من قبل مليشيات الحوثي الانقلابية، التي تسيطر على مقرها في صنعاء منذ مطلع العام.

وأقرت جامعة العلوم والتكنولوجيا نقل مقرها الرئيسي من صنعاء إلى عدن بسبب إجراءات ومخالفات إدارية وقانونية من جانب مليشيا الحوثي.

إذ ظلت الجامعة تخضع للابتزاز والاستيلاء على جزء كبير من مواردها منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، قبل أن يتم الاستيلاء عليها بشكل كلي.

وعقب اقتحام عناصرها حرم الجامعة، نصبت رئيساً جديداً من أتباعها الطائفيين عليها، مستغلة في الوقت نفسه حيلة ما يعرف بـ"الحارس القضائي" في عزل واختطاف رئيس الجامعة وفرض السيطرة الكاملة عليها.

ولا يزال رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور حميد عقلان مغيبا حتى هذه اللحظة بعد اختطافه ونقله إلى أحد السجون السرية الخاضعة لسيطرتها، وفرضت أحد أتباعها ويدعى عادل المتوكل رئيسا لها.

منع التجمعات داخل الجامعات وممارسة النشاطات المتعارف عليها بما فيها حفلات التخرج، ومنع الاختلاط بين الطلاب من الجنسين وفرض أزياء معينة ومنع أزياء أخرى وفق مواصفات حوثية خاصة ومنع كريمات التجميل، كل هذا وغيره ممارسات دأبت عليها المليشيات داخل الجامعات الحكومية والخاصة، في حالة أشبه ما تكون بممارسات داعش في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

التضييق والإرهاب داخل الجامعات وصل إلى مرحلة مستفزة ومخالفة لأعراف المجتمع وقيمه النبيلة، إذ تعرضت بعض الطالبات للضرب من قبل المليشيات بطريقة همجية كما حدث في جامعة صنعاء.

وفي منتصف مايو/أيار الماضي، خضعت طالبات في جامعة صنعاء للاعتقال داخل سكن الجامعة، من قبل قيادي حوثي، بطريقة مخالفة لعادات المجتمع وتقاليده التي تحترم المرأة وتوليها مكانة رفيعة، مستغلاً سطوته ونفوذه.

وأكدت مصادرها حينها أن المدعو "بشير ثوابة" هو القيادي المسؤول عن اعتقال ست طالبات في سكن جامعة صنعاء، دون أي مسوغ قانوني يبرر هذه الجريمة الوحشية، حيث فرضته وعينته الجماعة بغرض التجسس على الفتيات ومراقبتهن.

بطش المليشيات وإجرامها لم يستثن أحدا بمن فيهم الفئة المهمشة، إذ استحوذت المليشيات في نوفمبر الماضي على عدد من المقاعد الدراسية المجانية في جامعة صنعاء المخصصة للمهمشين في إطار خطة لدمجهم في المجتمع.

وتشير تقارير تم نشرها خلال العامين الأخيرين إلى ممارسات فساد مكشوفة بالمليارات تمارسها العناصر الحوثية التي تم إحلالها في الجامعات دونما أي رادع، فيما يتضور الموظفون وأسرُهم جوعاً دون رواتب لأكثر من 3 أعوام متواصلة.

وتشير الإحصائيات إلى أن إيرادات الجامعات الحكومية البالغة 5 مليارات ريال سنوياً تتحصلها من رسوم التسجيل ورسوم التعليم الموازي، تبتلعها المليشيا الحوثية سنوياً، إضافة إلى مبالغ كبيرة تتحصلها من الجامعات الأهلية.

وكان ناشطون قد تداولوا وثيقة في سبتمبر الماضي على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف خطة حوثية لمنح عناصرها شهادات جامعية مختلفة من الجامعات الرسمية الخاضعة لسيطرتها.

وتكشف الوثيقة عن توجيه من قيادة محور الحديدة الحوثي إلى رئيس جامعة الحديدة تقضي بمنح طالب "مرابط في الجبهات" تعاوناً كاملاً في المستوى الأول وكل المستويات، وتثبت تحويلاً من رئاسة الجامعة إلى عمادة شؤون الطلاب للقيام باللازم، بهدف التعجيل في منح مقاتلي المليشيا شهائد جامعية.

وفي أبريل الماضي، شنت المليشيات في محافظة ذمار حملة اعتقالات واسعة طالت 20 طالبا جامعيا من أصل 35 طالبا وضعتهم ضمن قائمة المطلوبين، بتهمة قيامهم بأنشطة مخالفة لتوجه الجماعة.

وفي محافظة ذمار أيضا، فرضت جامعة ذمار الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي مبلغ 27 ألف دولار كرسوم للدراسة في كلية الطب.

وأكدت مصادر أكاديمية أن المليشيات الحوثية رفضت قبول الطلبة برسوم عادية إلا للمنتمين لها والذين يتم ترشيحهم بحصص من عدة محافظات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.

وفي محافظة إب، اعتدت عناصر تابعة لمليشيات الحوثي في نوفمبر الماضي على طلاب وطالبات في قسم المختبرات الطبية التابع لجامعة الجزيرة.

وقالت مصادر إن عددا من أعضاء "ملتقى الطالب الجامعي"، وهو كيان جديد تابع لمليشا الحوثي بجامعة إب، اعتدوا بالضرب المبرح على خريجي قسم المختبرات بحجة "الاختلاط".

وتمارس مليشيا الحوثي عبر كيانها "ملتقى الطالب الجامعي" انتهاكات واسعة وعمليات تضييق على طلاب وطالبات جامعة إب، وسط رفض وممانعة من الطلاب والأكاديميين في الجامعة.

وفي إطار حوثنة التعليم والترويج للفكر الحوثي وبث النزعة الطائفية، نظمت مليشيات الحوثي ندوة في جامعة إب منتصف سبتمبر الماضي بذكرى مقتل زيد بن علي، وسط استياء في الأوساط الأكاديمية والطلابية جراء حرف الجامعة عن مسارها الأكاديمي والتعليمي والذي أنشئت لأجله الجامعة كأكبر صرح أكاديمي وتعليمي بالمحافظة ورفضهم تحويل الجامعة إلى حوزة شيعية تهان فيها العملية التعليمة وتتحول الجامعة إلى منبر طائفي.

هذه الممارسات والتجاوزات كانت كفيلة بتراجع إقبال الطلبة على التعليم الجامعي خلال السنوات الماضية نتيجة الفساد والانتهاكات المتكررة التي تستهدف الطلاب والكوادر التعليمية والقرارات التعسفية إلى جانب الممارسات القمعية المتكررة والتي تسببت في إضعاف جودة التعليم في الجامعات الحكومية والأهلية.