الإثنين 06-05-2024 01:55:22 ص : 27 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح وأشواق بناء الدولة اليمنية والشهود الحضاري

الإثنين 14 ديسمبر-كانون الأول 2020 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت/ الصحوة نت - يحيى اليناعي

 

 

لفترة طويلة، ظل التجمع اليمني للإصلاح ومواقفه من قضايا الدولة مجالا للبحث والسجال الإعلامي والسياسي لمراكز بحثية يمنية ودولية حاول بعضها تقديمه على غير ما هو عليه.

 معظم من استقصوا مراحل الإصلاح المختلفة راهنوا على أن الإصلاح حزب ينتمي لليمن ولمستقبلها، ويأتي كإضافة وطنية مميزة للحياة العامة ولمشروع الدولة اليمنية.

 واستند هؤلاء في رهانهم على أن الإصلاح تميز عند تشكيله بتركيبة تنظيمية وفكرية تتعاطى مع المتطلبات المعاصرة، وتتعامل مع التحولات والمتغيرات بواقعية كبيرة، ولا ترى لوجود الدولة أي بديل.

وهنا لا ننس أن البعض عند التأسيس كانوا قد راهنوا بأن التركيبة الفكرية للإصلاح حينها تفتقر لعوامل الاستمرار والثبات والتطور في مجال الموضوعات ذات الصلة بالدولة.

 غير أن الخط البياني لأداء الإصلاح منذ تأسيسه في الثالث عشر من سبتمبر 1990م، والذي مر بمراحل ومنعطفات صعبة، كان خطاً تصاعدياً ومتطوراً باتجاه الأفضل في كل ما يتعلق بالدولة، وأثبت تماسكاً ورشداً من مختلف القضايا الوطنية الجامعة، وتمكن الإصلاح من تحقيق نقلات نوعية في خطابه السياسي والفكري داخل أطره ومع الآخر؛ كما كان من أولى الحركات الوطنية التي اعتمدت برنامجاً سياسياً ونضالياً معلناً ومكتوباً يتمسك بالدولة والديمقراطية والتعددية السياسية.

وأكدت الوقائع حجم إسهاماته الوطنية وضخامة تضحياته في سبيل الدفاع عن مشروع الدولة والحفاظ على مؤسساتها والتمسك بدستورها وقوانينها، ودعم جيشها وأمنها، وتمتين علاقة اليمن بجيرانه من الأشقاء في الخليج.

ورغم أن الإصلاح أدار خلال أزيد من 3 عقود الكثير من المناشط وكان حاضراً في مختلف المحطات السياسية، إلا أنه لم يسجل موقفا واحدا أو حادثة وحيدة يعيق مشروع الدولة وبنائها أو يضر بوجودها وبأمنها.

فيما يلي نعرض بنوع من التفصيل أشواق ورؤى الإصلاح لمفهوم الدولة وبنائها، استناداً إلى أدبياته وإصداراته المختلفة، وفي مقدمتها النظام الأساسي والبرنامج السياسي وبيانات مؤتمراته العامة والمشاريع المكتوبة التي قدمها سابقا لمعالجة الأوضاع المتفاقمة، ولمنع وصول اليمن إلى انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة والشرعية، والدخول في أتون حرب متواصلة منذ 6 أعوام.

 

بناء دولة المؤسسات والقانون

منذ البدايات الأولى لنشأته قدم الإصلاح نفسه كمشروع وطني "يحمل أشواقاً لبناء دولة المؤسسات والشهود الحضاري، ويهدف إلى تقديم نموذج حضاري جديد، وبناء مجتمع يمارس التفكير والاجتهاد والإبداع والمناقشة والحوار والحرية والشورى والمثاقفة والتجديد والتغيير في ضوء هدايات معرفة الوحي ومرجعية القيم الإسلامية في الكتاب والسنة، يكون فيه الحكم شوروياً عادلا، فيه تصان كرامة الإنسان من الامتهان والأذى، وفيه دعائم البناء القائم على الإدارة الحديثة الفعالة المتميزة بالنزاهة والأمانة والكفاءة والخبرة كأداة لخوض معركة البناء والتعمير والتنمية وتحقيق الرفاه الاقتصادي" وفقا للبرنامج السياسي.

 

دولة ترفع من سلطان المجتمع ولا تحط من قدر الأفراد

 حدد التجمع اليمني للإصلاح رؤيته للدولة الحديثة وأسسها ومقوماتها وأطرها وواجباتها منذ تأسيسه، فهو يرى أن"الدولة ضرورة اجتماعية ووسيلة شرعية لازمة، غايتها بسط العدل ورعاية مصالح المواطنين، السلطة فيها وظيفة اجتماعية مسئولة يتحملها الكافة، فكل فرد مسئول عليها ومحاسب باعتبارها أداة المجتمع الهامة لتنمية الإنجاز الاجتماعي في خدمة أهدافه المشتركة وتعزيز رصيده الحضاري والإنساني داخل المحيط الدولي، يجسد نظامها السياسي والقانوني قيم الحق والحرية والعدالة والشورى، ويضمن حقوق الإنسان ويصون كرامته، ويتحقق في ظله سلطان المجتمع وأسبقيته فتنبثق السلطة عن إرادته الحرة يتولاها القائمون عليها بتفويض من الشعب ويمارسونها طبقاً للمبادئ والقواعد التي تمثل الثوابت المحققة فيه للإجماع العام، ولهم من الولاء والطاعة بقدر التزامهم بتلك الثوابت وخضوعهم لها واستقامتهم عليها -أطيعوني ما أطعت الله فيكم - فهي بحق دولة مؤسسات لا تتداخل شخصيتها بأشخاص الحاكمين" حسب برنامجه السياسي.

الرؤية تركز على دولة المؤسسات التي تُعلي من شأن المجموع ولا تغمط الفرد حقه، أو تحجزه عن القيام بالدور المنوط به، وترفع من سلطان المجتمع ولا تحط من قدر الأشخاص، بل تحملهم على الفعل للإسهام في الإنجاز العام، وتحقيق الأهداف والغايات المشتركة، كما أنها دولة لا تنكفئ على ذاتها وتغرق في اهتماماتها الداخلية فقط، بل تتجاوز الحدود وتعزز من رصيد الأمة الحضاري والإنساني، بتجويد أدائها وحسن صنيعها وتقديم القدوة الحسنة في السياسة والحكم الرشيد واحترام المبادئ الإنسانية السامية.

 

الدولة امتداد للمجتمع

الدولة العادلة والديمقراطية هي في الأساس امتداد للمجتمع، وجزءاً مرتبطاً به لا منفصلاً عنه، لها حضورها الدائم وتفاعلها البنيوي مع المجتمع واهتماماته وآماله؛ لا تغرد خارج السرب، أو تغرق في لجج الدوران حول الذات والمطامع الشخصانية والعصبوية، فتستحيل إلى خصم لدود للأمة، تنهب خيراته وتقمع حريته وتصادر كرامته وتزوّر إرادته وتجعل منه مطيّة لتحقيق رغباتها الدنيئة.

 رؤية الإصلاح لهذه الأبعاد تذهب إلى أنه لا بد من "توفر الصيغة الكفيلة بتحقيق أمثل صورة لتضامن المجتمع وتفاعل عناصره مع مؤسساتها، لأنه في هذه الحالة ليست الدولة سوى امتداد عضوي لهم وتعبير عن ذواتهم وتنظيم لإرادتهم، وليست كياناً منفصلاً عنهم أو في مواجهتهم، دولة تمارس دوراً وسطياً يحقق مصلحة الفرد والجماعة ويحفظ توازن المجتمع والدولة" وفق البرنامج السياسي.