الثلاثاء 30-04-2024 17:11:04 م : 21 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح في مهمة البحث عن الحكم الرشيد

الخميس 24 سبتمبر-أيلول 2020 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت – خاص / أحمد أبو ماهر
 

 

يوم بعد آخر وعام بعد عام واليمن بحاجة ماسة إلى بناء دولة حقيقية كسائر الدول ذات مؤسسات فعالة وقوية وكفؤة تحقق للمواطنين تطلعاتهم وآمالهم، وتفتح فرص العيش الطريم لكل أبناء الوطن الواحد شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، تتكامل هذه الأشياء مع مشروع الدولة الجديدة التي اختطها اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني الشامل بدولة اتحادية ذات عدالة اجتماعية ومساواة بين المواطنين في كل شيء، ومنها توزيع الثروة بشكل عادل بين كافة مناطق اليمن الغنية منها والفقيرة.


وعلى أساس من هذا المنطلق والرؤية، عمل التجمع اليمني للإصلاح في كافة مناحي الحياة للوصول إلى هذه الغاية المنشودة، سواء بتقديمه المشاريع المختلفة لبناء الدولة وأجهزتها ومؤسساتها أو لشكلها ونظامها، وصولاً إلى رؤيته في الحكم الرشيد، والتي قدمها ضمن بقية المشاريع في مؤتمر الحوار الوطني 2013-2014.
لم تكن الرؤى التي قدمها التجمع اليمني للإصلاح لهذا المؤتمر بشأن القضايا العامة المختلفة ناتجة عن فائض تنظيري أو مزايدة سياسية وسباق مع بقية القوى الوطنية الأخرى بقدر ما كانت حاجة ملحة يتطلبها الواقع اليمني بعد ترهل الدولة ومؤسساتها ومصادرتها وتوريثها وشخصنتها والخروج بها عن أسس ما قامت عليه الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر أو أسس إعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990.


حيث مرت اليمن بمراحل تاريخية فاصلة ابتداءً من الوحدة اليمنية عام 1990 مروراً بحرب صيف 1994 والتي فعلاً كانت المنزلق الأساس لكل تفاقم مشاكل اليمن وتم الانحراف بالوحدة والوطن نحو الصراعات والتوريث والتقزيم، وصولاً إلى ثورة الشباب فبراير 2011.
كل هذه المحطات كانت تبصر اليمنيين بحاجتهم إلى حكم رشيد حقيقي يعيد لليمن ألقه ومكانته بين الأمم والشعوب ولا يتأتى هذه الأمر إلا من خلال إصلاح بنية الحكم الأساسية وإقامة حكم رشيد عادل وشفاف وقوي يشارك فيه كل أبناء الوطن دون إقصاء أو مصادرة أو شخصنة أو توريث في ظل نظام جمهوري عادل والتي قامت من أجل ذلك الثورات العامة أو التصحيحية.


بعد تناولنا في الحلقات السابقة رؤية الإصلاح في شكل الدولة، وكذلك بناء الدولة، نتناول في هذه الحلقة رؤية الإصلاح في الحكم الرشيد.
ولا شك أن الحكم الرشيد هو غاية وأمل كل إنسان سوي أو قوة سياسية طموحة؛ كون إيجاد نظام الحكم الرشيد في أية دولة من الدول يعتبر الرافعة الأساسية لنهضة الشعوب وقوة الدول، ومن هذا المنطلق انطلقت رؤية الإصلاح في ذلك خاصة وهو اليوم أقوى قوة سياسية في اليمن تشرئب إليه أعناق اليمنيين لإخراج اليمن من هذه الظلمات التي سيقت إليها اليمن بفعل الرعونة والفساد في الأنظمة السابقة.


قدم الإصلاح رؤيته في هذا الباب في مساهمة منه لإصلاح منظومة الحكم المترهلة ليتوافق اليمنيون عليها والخروج بآلية إصلاح عمود الوطن ورافعته، بعد دراسة وتمحيص وواقع تجربة عملية امتدت لقرابة ثلاثة عقود من عمر الإصلاح شارك فيها في كل مناحي الحياة السياسية في الدولة والسلطة والمعارضة والعمل الجماهيري، ولم تكن تنظيرات عبثية دون انبثاق من الواقع المعاش.
مساهمة الإصلاح في الدولة وفي كل الميادين السالفة أكسبته خبرة عملية تقع على مكامن الجراح لتشخيصها التشخيص الأمثل التي اختصرها في هذا الميدان فكانت متسقة مع رؤياه العامة في نظامه الأساسي التي قام عليها الحزب.


حيث حدد الحزب في رؤيته تلك عنصرين رئيسين في مبدأ الحكم الرشيد، نظري وعملي، رؤية نظرية تتبعها آلية عمل للتطبيق، متطلبات أساسية لتطبيق نظام الحكم الرشيد، ثم الآليات المنفذة لهذه المتطلبات، وحدد تحت البند الأول 15 نقطة أساسية يتطلبها واقع هذا الحكم لتهيئة الأرضية المشتركة لتطبيق هذه الرؤية كلها في غاية الأهمية، حرصاً من الإصلاح على استقامة الحياة العامة للوطن من خلال هذه الآلية.


أولا: متطلبات أساسية لتطبيق نظام الحكم الرشيد
1. إعادة بناء النظام السياسي ليقوم على المؤسسات ذات الاختصاصات والصلاحيات الواضحة، والفصل بين السلطات [التنفيذية والتشريعية والقضائية] والتحديد الواضح للعلاقة فيما بينها، بما يمنع تغوّل سلطة على أخرى، ويحول دون احتكار أو إساءة استخدام السلطة من قبل أي شخص أو فئة أو هيئة من الهيئات.
2. إعادة التوازن في العلاقة بين الدولة والمجتمع، والعمل على تفعيل وتكامل دور المجتمع مع سلطة وأجهزة الدولة، وتوفير الآليات التي تمكنها من تطبيق مبادئ الحكم الرشيد.
3. تبني نظام اللامركزية الذي يتناسب مع ظروف المجتمع اليمني، ويُجسّـد أسس وقواعد الحكم الرشيد، ويحقق غاياته.
4. إعادة النظر في بنية ووظيفة الجهاز الإداري للدولة، وتحديد غاياته، وتهيئته للقيام بدوره في تنفيذ السياسات العامة للدولة بفاعلية أكبر وكلفة أقل.
5. وضع القواعد والأسس التي تحول دون نشوء الأزمات والصراعات السياسية التي تُعتبَر عامل إرباك متجدد يعيق الدولة عن القيام بواجباتها، ويحد من مشاركة المجتمع والقطاع الخاص في البناء والتنمية الشاملة.
6. تبني مشروع وطني للنهوض بالدولة والمجتمع، تشارك في صياغته القوى السياسية والمجتمعية، ويتكامل في تنفيذه جهاز الدولة الإداري والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني.
7. تأسيس مبادئ وآليات الحكم الرشيد على المرجعية الإسلامية لضمان المساندة الفردية، والتفاعل المجتمعي الكامل.
8. استقلال القضاء، وتمكينه من القيام بدوره في تطبيق القانون والفصل في الخصومات، وحماية الحقوق والحريات بعيداً عن تأثير ذوي النفوذ في السلطة والمجتمع.
9. توظيف وسائل التنشئة العامة (التربية الأسرية - مؤسسات التعليم - المؤسسات الشبابية - وسائل الإعلام والثقافة - وسائل التوجيه والإرشاد...إلخ) لخلق ثقافة وقيم تؤكد وشائج الإخاء والتكامل بين اليمنيين، وتعلي مبدأ التعايش والقبول بالآخر في إطار الوطن الواحد، وتعزز ثقافة احترام القانون والدستور، والحفاظ على المال والممتلكات والمرافق العامة.
10. تحييد المؤسسة العسكرية والأمنية عن العمل السياسي، وعدم السماح بأي هيمنة خاصة عليها، وتوجيه طاقاتها لحماية الوطن وسيادته واستقلاله، وتوفير الأمن والاستقرار للمواطنين.
11. تسخير وسائل القوة ومصادر الثروة لصالح الشعب، والحد من انتشار السلاح، وعدم السماح بامتلاك الأسلحة الثقيلة إلا للدولة، والتعامل مع جميع المواطنين دون تمييز أو محاباة.
12. إصدار قانون ينظم الانتقال السلمي للسلطة، ويحدد المناصب التي تخضع للتداول، وتلك التي تخضع للكفاءة والمنافسة، والحيلولة دون تأبيد وتوريث المواقع القيادية، ومنع تعدد الوظائف والمسؤوليات للفرد الواحد.
13. تطبيق العدالة في اعتماد وتنفيذ مشروعات التنمية، وتجريم استخدام المال العام في العمل السياسي، وعدم السماح بالتعامل الانتقائي مع المناطق والجهات.
14. تعميق ثقافة الانتماء للوطن والحرص على مقدراته، وإحياء قيم التسامح والتصالح في المجتمع، ومحاربة الدعوات التي تمجد العصبية أو تدعو إليها.
15. وضع القواعد التي تضمن تكافؤ الفرص بين المواطنين في الاستثمار والعمل والاستفادة من الثروة.


وبالنظر إلى هذه المتطلبات فإنها عمق الأرضية التي تتطلبها المرحلة فعلاً، خاصة مرحلة اليوم في مواجهة الانقلاب الحوثي؛ إذ تعتبر مرحلة انهيار الأنظمة أو الدول هي مرحلة أساس لإعادة بناء الأوطان بناءً سليماً من الصفر تتطلب مزيداً من الجهد والتضحية والصبر والمصابرة والإمكانات والمثابرة.
فغالبا الظروف التي تتشكل عليها الحكومات الرشيدة وأنظمة الحكم الرشيدة في مثل هذه الظروف ظروف التحولات سواء في الحروب أو تأسيس الدول أو تصحيح الاختلالات بعد مواجهة الانقلابات لأنها يفرضها واقع جديد بناء بعد الهدم، وتوافق بعد شتات.
حرص التجمع اليمني للإصلاح على بناء الدولة ومؤسساتها وحكمها منبثق من نظامه الأساسي الذي يسير عليه منذ النشأة وحتى اليوم، ومن باب الواجب الوطني الذي يعد فيه في الصدارة، ومن باب أيضاً واجبه الأخلاقي والديني في بناء وإعمار الأرض بناءً أمثل ليحقق غاية الشعب الذي يثق فيه وفي إمكانياته أكثر من وثوقه ببقية القوى الأخرى.


حيث حمل الإصلاح على عاتقه هذه المسؤولية الأخلاقية في كل منعطف من منعطفات الوطن، ولذلك هو دائماً في الصدارة من ناحية وحتى في صدارة التناولات الإعلامية وإن كان معظمها قادحاً في حقه بناءً على تغذية من الكراهية والتحريض من قبل قوى إقليمية ومحلية أخرى تجد في الإصلاح سداً منيعاً أمام مخططاتها في اليمن.


زادت الأوضاع السياسية اليوم ما بعد الانقلاب من المطالب الملحة لتطبيق هذه الرؤية الإصلاحية على أرض الواقع بعد التوافق عليها من كافة القوى الوطنية الحريصة على بناء اليمن البناء الأمثل بعيداً عن المناكفات وتصيد الأخطاء وتصفية الحسابات لتعيش كافة هذه القوى وضعاً آمناً يمكنها من تطبيق برامجها والمساهمة الفعالة مع بقية الشركاء في هذا البناء بعيداً عن لغة التخوين والإقصاء والتحريض، فعيش الجميع من أمان الوطن وبناء دولته وحكمه، وإلا فالجميع في عداد الاندثار أو المشردين من قبل قوى متخلفة غاشمة تعمل على تنفيذ أجندة خبيثة في الوطن لصالح قوى أخرى لن يسلم منها الجميع الساكتون والمتواطئون والمحرضون والفاسدون المدمرون لهذا الوطن المعطاء.


وحتى تمضي هذه الرؤية نحو التطبيق بسلام ينبغي أيضاً أن تكون هناك آليات تطبيقية لها من خلال تعاون الجميع وتفعيل مؤسسات الدولة المختلفة وتنقيتها من الفساد ووضع أسس سليمة لتفعيلها، وهو ما أتت به رؤية الإصلاح من الشق الثاني لها.
تمثلت هذه الآليات في عدة نقاط منها وتندرج تحتها نقاط فرعية مكملة ومفسرة تتطلبها أيضاً طبيعة المرحلة التطبيقية لها.


ثانياً: الآليات لتطبيق الحكم الرشيد:
1 - سيادة القانون والتوازن بني السلطة والمسؤوليــة
2- تطبيق المساءلة والمحاسبة والشفافية
3 - محاربــــة الفســــــــــاد 4 - تكافؤ الفرص بني المواطنين وتحقيق العدل والمساواة
5 - توسيع المشاركة الشعبيـــــة
6 - كفاءة الإدارة العامـــــــة
7 - دور منظمات المجتمــــع المدنـــي
8 - دور الأحـــــــــــــزاب
9 - أُسس السياسة الخارجيـــــــــــــة

تحت كل بند من هذه البنود بنود أخرى تفسيرية تشرح كيفية الخطوات العملية لتنفيذ هذه الرؤية على أرض الواقع.
بالنظر إلى هذه المطالب كافة وكيف تعامل الإصلاح معها منذ وقت مبكر من خلال أنشطته وممارساته على أرض الواقع سواء كان من خلال منبر مجلس النواب أو المشاركة في الحكومة أم من خلال مؤسساته الداخلية لا تخلو خطواته من تطبيقها على أرض الواقع، حال دون تمكنه من إحداث التغيير فيها أو تطبيقها عدم امتلاكه زمام الأمور في البلاد من خلال الحكومة، وغالباً من يكونه بيده آليات التطبيق هو الحكومة المتسنم مؤسسات الدولة وتبنيها ضمن برامج الحكومة والدولة.


الشخصنة التي حكمت البلاد طيلة العقود الماضية هي التي أحدثت بوناً شاسعاً بين ما يطمح إليه الشعب وبين الممارسات على أرض الواقع أنتج واقعاً مشلولاً وخصباً للمليشيات التي تغذت من خلال عدم ممارسة المؤسسية والحكم الرشيد، والذي جعل الدولة كلها مع مؤسساتها ترتكز على العمود الشخص لا على العمود المؤسسة.


ربما كانت هذه المطالب والرؤى التي يقدمها الإصلاح بين فترة وأخرى، أو برامجه التي تعمل على بناء وطن حر عزيز لم يرق للكثير من القوى المحلية والإقليمية وتعاون الجميع لتصويب سهامه تجاه الإصلاح الذي يعول عليه الشعب اليمني في إخراجه من ظلمات الأزمات إلى نور الحرية والاستقلالية والدولة وبناء المؤسسات.


لم يكد ينتهي مؤتمر الحوار الذي علق عليه الشعب اليمني آماله حتى تم الانقلاب عليه وعلى الدولة ودفع الجميع الثمن الباهظ لذلك وكان الإصلاح أكثر من دفع الثمن والفاتورة الأعظم منها.
بالنسبة للإصلاح لم ينته الدور عند الانقلاب الحوثي على الدولة وصار ينظر إلى هذه الرؤى على أنها نظرية من الماضي، بل مضى في نضاله العملي على أرض الميدان يخوض غمار الحرب والتحدي بجانب الدولة يشد من أزرها ويحافظ عليها من التهاوي والسقوط حتى يساهم في تطبيق رؤيته لشكل الدولة ونظامها وتعزيز حكمها الرشيد.

كلمات دالّة

#اليمن