الثلاثاء 07-05-2024 00:09:31 ص : 28 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

اتفاق ستوكهولم.. تكلفة السلم أكثر من تكلفة الحرب

الإثنين 16 ديسمبر-كانون الأول 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبد السلام الغضباني
  

 

المتأمل في النتيجة التي أفضى إليها اتفاق ستوكهولم، بعد مرور عام على توقيعه الذي تم في 13 ديسمبر من العام الماضي، سيجد أن ما حدث على أرض الواقع مناقض تماما لمحتوى الاتفاق، جراء تعنت مليشيات الحوثيين والتفافها على بنود الاتفاق من جهة، وعدم جدية الأمم المتحدة في الضغط على المليشيات لتنفيذ الاتفاق من جهة أخرى، بل فقد اتهم مراقبون الأمم المتحدة بالتواطؤ مع مليشيات الحوثيين، بدليل مباركتها للخطوات الحوثية الأحادية الجانب المتمثلة في الانسحاب المزعوم من موانئ الحديدة الثلاثة في مايو الماضي وتسليمها لأفراد تابعين لها.

وكان اتفاق ستوكهولم قد تضمن أن تنسحب مليشيات الحوثيين من مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة في المحافظة، وأن تنسحب القوات الحكومية من المدينة، على أن يتم تسليم مهمة الحفاظ على الأمن في المدينة والموانئ إلى قوات خفر السواحل وقوات الأمن المحلية التي كانت منتشرة هناك عام 2014، أي قبل الانقلاب، وقد فسرت السلطة الشرعية ذلك بأنه لصالحها، كون تلك القوات تتبعها، بينما فسرت المليشيات الحوثية الاتفاق لصالحها، وظلت تعمل على الالتفاف عليه.

- ما نتيجة الاتفاق؟

يتضح بعد مرور عام على اتفاق ستوكهولم أن مليشيات الحوثيين هي المستفيد الوحيد منه، بل فقد كان بمثابة فخ للسلطة الشرعية، ذلك أنه قيدها وأعاق تحرير مدينة الحديدة ومينائها، كونها تمثل الشريان الرئيسي الذي يمد الحوثيين بأسباب البقاء.

وبخصوص المليشيات الحوثية، فالاتفاق أنقذها من هزيمة وشيكة بعد أن بدأت معركة تحرير الحديدة، وفي نفس الوقت منحها الوقت الكافي لتعزيز حضورها العسكري داخل مدينة الحديدة، ذلك أنها انتهجت سياسة استهلاك الوقت لتعزيز مكاسبها، واستحدثت جبهات جديدة في منطقة حجور بمحافظة حجة وفي بعض مديريات محافظتي إب والضالع، بهدف صرف الأنظار عن ملف الحديدة واتفاق ستوكهولم، وأيضا صرف الأنظار عن استمرار تعزيزاتها العسكرية إلى هناك، واستمرار انتهاكاتها ضد المدنيين وخروقاتها المتكررة للاتفاق.

والمثير للجدل هو أن تعزيزات المليشيات الحوثية العسكرية إلى مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة كانت تتم على مرأى ومسمع الأمم المتحدة التي لم تحرك ساكنا ولم تدِن الحوثيين أو على الأقل تسميتهم كطرف معرقل لاتفاق ستوكهولم، وبدا التواطؤ الأممي مع الحوثيين وكأنه مبدأ ثابت لدى المنظمة في تعاملها مع الأزمة اليمنية، ويتضح ذلك من خلال أداء المبعوثين الأمميين إلى اليمن منذ بدء الأزمة، الذين تماهوا مع مليشيات الحوثيين في مراوغاتها ونقضها للاتفاقيات وانتهاجها سياسة استهلاك الوقت، وكانت النتيجة دخول الحوثيين العاصمة صنعاء، ثم سيطرتهم على عدة محافظات وتعزيز سيطرتهم تلك، وصولا إلى مرحلة محاولة فرض تقاسم السيادة بينهم وبين السلطة الشرعية.

- كيف تم الاتفاق؟

كان اتفاق ستوكهولم، الذي تم في السويد في 13 ديسمبر من العام الماضي، هو الاتفاق الوحيد الذي توصل إليه طرفا الصراع في اليمن، السلطة الشرعية والمليشيات الحوثية الانقلابية، بعد أن تعمدت المليشيات إفشال مختلف محطات الحوار السابقة (جنيف 1، جنيف 2، الكويت، جنيف 3)، وكانت موافقة الحوثيين على اتفاق ستوكهولم تحت ضغط عسكري بعد أن أوشكت القوات الحكومية، وبإسناد من التحالف العربي، على تحرير مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة (الحديدة، الصليف، رأس عيسى).

تم اتفاق ستوكهولم تحت ضغط عسكري على الحوثيين وتحت ضغوط أممية على السلطة الشرعية لإيقاف معركة تحرير الحديدة والانخراط في مفاوضات الحل السلمي للأزمة، ثم حدث أن نقاط الاتفاق لم تكن جراء مفاوضات مباشرة بين ممثلي طرفي الصراع، وإنما كانت عبارة عن إملاءات من الأمم المتحدة تم التحاور حولها ومن ثم التوافق عليها.

هذا التوافق، الذي بدا حينها سريعا، كان نتيجة ثغرات في الاتفاق فسرها كل طرف لصالحه، ليتضح بعد ذلك أن الاتفاق لم يكن سوى إنقاذ للحوثيين من الهزيمة في الحديدة وطردهم منها، وفي نفس الوقت كان فخا للسلطة الشرعية، كونه يهدف إلى تجزئة الأزمة اليمنية وتفكيكها، والشرعنة للانقلاب الحوثي وتقاسمه للسيادة مع الشرعية، وتحويل مسار الأزمة من أزمة بين شرعية وانقلاب إلى أزمة بين طرفين متصارعين على السلطة والسيطرة على الأرض.

وقد كانت الثغرات في الاتفاق، التي تعمدتها الأمم المتحدة، كلمة السر التي جعلت طرفي الصراع يوافقان على بنوده، خاصة فيما يتعلق بالنقطة الجوهرية في الصراع، المتمثلة في الانسحاب من الحديدة وإعادة الانتشار فيها، ويتضح ذلك من خلال التصريحات المتناقضة لبعض ممثلي طرفي الصراع بعد التوقيع على الاتفاق مباشرة والعودة من ستوكهولم.

- التفاف الحوثيين على الاتفاق

فسرت مليشيات الحوثيين الاتفاق بأنه يضمن تقاسم الأدوار السياسية والأمنية بينها وبين السلطة الشرعية، وأن ذلك لصالحها، وهو ما اتضح من خلال ممارساتها لاحقا، فهي أولا استبدلت أزياء أفراد مليشياتها بأزياء قوات خفر السواحل وقوات الأمن المحلية باعتبارهم القوات التي ستسلم لها المدينة والموانئ الثلاثة، واعتبرت أن المطلوب تنفيذه هو عملية إعادة الانتشار في الحديدة وليس انسحاب مليشياتها من المدينة والموانئ الثلاثة.

هذا التناقض في تفسير طرفي الصراع للاتفاق، الذي بدأ فور التوقيع عليه، تزامن مع تصريحات مرحبة بالاتفاق من قبل مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الأمم المتحدة والسعودية ودولة الإمارات وإيران وغيرها. ومن ريمبو في السويد، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن الاتفاق بشأن مدينة الحديدة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين يتضمن وقفا كاملا لإطلاق النار وانسحابا عسكريا.

ورغم المواقف الدولية المرحبة بالاتفاق، بما في ذلك الموقف الإيراني، لكن إيران لم تستطع إخفاء دعمها اللامحدود للحوثيين، وفسرت الاتفاق كما فسره الحوثيون، وأبدت تعصبا في ذلك، وهو ما يتضح في تعقيبها على زيارة وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت إلى اليمن في مارس الماضي، حيث أبدت الخارجية الإيرانية انزعاجها من الزيارة والتصريحات التي تضمنتها، وقال وزير خارجية إيران: "اليمن ليس بحاجة إلى مثل هذه الزيارات، وإن كانت الدول راغبة في خفض وقف هذه الكارثة الإنسانية والمساعدة في حل الأزمة، فعليها أن تستخدم أساليب أخرى وتساعد في كف الهجمات على اليمن".

هذا الهجوم الإيراني على الزيارة جاء بسبب تصريح هنت الخاص بضرورة التزام المليشيات الحوثية باتفاق السويد، خاصة أنه كان ضمن الشهود على تفاصيل الاتفاق، وأوضح أن عملية إعادة الانتشار وفق خطة الأمم المتحدة تتضمن فقط خفر السواحل التابعة لقوات الأمن المسجلة قبل 2014، أي التابعة للسلطة الشرعية، وبالتالي لا يحق للمليشيات الحوثية تشكيل قوات تابعة لها لكي تشارك في عملية إعادة الانتشار، وهو ما كانت تسعى إليه المليشيات الحوثية، حيث قامت بعد الاتفاق بتغيير أزياء مليشياتها في الحديدة لتظهر بمظهر قوات خفر السواحل وقوات الأمن.

- المماطلة واستهلاك الوقت

ظلت مليشيات الحوثيين تعمل على عرقلة اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة منذ التوقيع عليه وحتى الوقت الحالي، بغرض استهلاك الوقت، وشجعها على ذلك صمت الأمم المتحدة وتواطؤها معها، وبدأت بالتصعيد عسكريا ضد الجيش الوطني خارج محافظة الحديدة، وكان أول هدف هو العرض العسكري للجيش الوطني في قاعدة العند العسكرية، في يناير الماضي، أي بعد نحو أسبوعين من اتفاق ستوكهولم، وباستخدام طائرات بدون طيار إيرانية الصنع، وأسفر عن ذلك استشهاد وإصابة قيادات بارزة في الجيش الوطني.

كما أنها كثفت من إطلاق الصواريخ البالستية إيرانية الصنع والطائرات المسيرة باتجاه الأراضي السعودية، وظلت تعمل على تعزيز حشودها العسكرية إلى مدينة الحديدة، وفتحت جبهات حرب جديدة في منطقة حجور بمحافظة حجة وفي بعض مديريات محافظتي إب والضالع، وقصفت مطاحن البحر الأحمر في الحديدة مما أسفر عن احتراقها وإتلاف أطنان من الغذاء، وزادت من التجنيد الإجباري في صفوفها خاصة في أوساط الأطفال، واعتقلت عددا كبيرا من المدنيين بدون أي تهمة، لاتخاذهم وسيلة للمساومة والابتزاز، وهاجمت بعض الأحياء السكنية، ووصل بها الأمر أن هاجمت حتى بعثة الأمم المتحدة والفريق الحكومي أكثر من مرة، ورغم كل تلك الانتهاكات، إلا أن الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا.

وبعد حوالي خمسة أشهر من عرقلة مليشيات الحوثيين لاتفاق ستوكهولم، أعلنت المليشيات، يوم 11 من مايو الماضي، انسحابها من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى. وأبدت بعثة الأمم المتحدة في الحديدة ترحيبها بتحركات الحوثيين التي قالت إنها تراقبها عبر الجنرال مايكل لوليسجارد، الرئيس السابق للجنة تنسيق إعادة الانتشار التابعة للأمم المتحدة في اليمن، الذي عبر عن تفاؤله بانسحاب الحوثيين المزعوم، وقال إن اليوم الأول لانسحاب الحوثيين من ثلاثة موانئ على البحر الأحمر في اليمن "سار وفق الخطط الموضوعة"، بينما جماعة الحوثيين اعترفت صراحة أنها سلمت الموانئ لقوات خفر السواحل التابعة لها، أي أنها سلمتها لنفسها.

أما المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث فقد دعا، خلال جلسة لمجلس الأمن حول اليمن، الطرفين في اليمن "للعمل على تنفيذ المرحلة الثانية بالحديدة"، مشيرا إلى أنه "يجب إتباع عملية الانتشار بالحديدة بخطوات لاحقة من الطرفين". وتحدث عن تحقيق "تقدم في تنفيذ اتفاق الحديدة"، قائلا إن "الحوثيين امتثلوا للانسحاب من الحديدة"، رغم إدراكه بأن الحوثيين سلموا الحديدة لقوات تابعة لهم باعترافهم هم، أي أنهم سلموها لأنفسهم.

- تكلفة السلم والحرب

وبالنظر إلى ما آلت إليه الأوضاع في محافظة الحديدة منذ توقيع اتفاق ستوكهولم قبل عام وحتى الآن، فاللافت هو أن تكلفة السلم بدت أكثر من تكلفة الحرب، ذلك أن الضغوط الدولية على السلطة اليمنية الشرعية والتحالف العربي الداعم لها بإيقاف معركة تحرير الحديدة، والذهاب إلى مفاوضات جديدة بين طرفي الصراع، كان بمبرر أن المعركة سيكون لها آثار كارثية على الوضع الإنساني في المدينة.

غير أن ما حدث بعد توقف معركة تحرير الحديدة كان مأساويا وكارثيا بكل المقاييس، ويثبت أن تكلفة السلم أكثر من تكلفة الحرب، نظرا لكثافة الانتهاكات التي طالت المدنيين من قبل المليشيات الحوثية، والتي شملت القصف العشوائي على الأحياء السكنية، وسفك الدماء، والاعتقالات، والإخفاء القسري، وزيادة الفقر والجوع، وانتشار الأمراض والأوبئة، وانهيار الخدمات العامة، ونشر الفكر الطائفي، ونهب الممتلكات العامة والخاصة، وانتهاك الأعراض، والتجنيد الإجباري، وغير ذلك من الانتهاكات والجرائم التي تمارسها المليشيات الحوثية، والتي تؤكد أن تكلفة السلم أكثر من تكلفة الحرب، والتي ستكون مدتها قصيرة وحاسمة وتداعياتها الكارثية محدودة.

كلمات دالّة

#اليمن