الأربعاء 08-05-2024 12:04:22 م : 30 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون والمناسبات الطائفية.. توظيف الدين لنهب الأموال وحشد المقاتلين

الثلاثاء 27 أغسطس-آب 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص / أسامة الليث


في غضون بضع سنوات، تحوّل الحوثيون من كونهم مجرد حركة دينيّة محلية في محافظة صعدة، ليصبحوا سلطة الأمر الواقع التي تُسيطر على العاصمة صنعاء وبعض المناطق اليمنية، فهم لم يكونوا سوى مجرد حركة متمردة على دستور الجمهورية اليمنية وقوانينها ودولتها وسلطاتها، في نظر الدولة وفي نظر الشعب والمجتمع.

 نعم هناك عوامل عدة ساعدتهم على الظفر بمثل هذه القوة، بما في ذلك انهيار مؤسسات الدولة، والفرص التي أفرزتها التنافسات المحلية والإقليمية، إلا أن السبب الرئيسي يعود في المقام الأول إلى ابتداع الحوثيين مناسبات دينية ومذهبية والاحتفاء بها، واستغلالها في تجنيد المقاتلين وبناء التحالفات المختلفة.

إن خطورة هذه المناسبات التي ابتدعتها وتحييها المليشيات الحوثية تكمن في أنها ليست مجرد ثقافة معبرة عن فصيل سياسي أو حركة محلية، أو شريحة اجتماعية مختلفة، بل في كونها مناسبات ذات بعد يمتزج فيه السياسي بالديني، والمذهبي بالعنصري، واستحضار الماضي الممتد إلى 14 قرناً وخلافاته وتحويلها إلى مبررات للادعاء بحقوق سياسية لجماعة تمثل مذهباً معيناً، وأقلية سكانية، وهو ما يجعل مناسباتها مشروع سياسي يسعى إلى السيطرة على السلطة والحكم وممارسته بالقوة والعنف تحت مزاعم "الحق الإلهي" المرتبط بدعاوى السلالة والانتساب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

- موسم النهب

تقوم المليشيات باستغلال المناسبات الدينية كالمولد النبوي بفرض رسوم على التجار الذين أطلقوا على الفعالية "موسم النهب"، كون المليشيات تجبرهم على دفع مبالغ مالية كبيرة، وتعاقب من يرفض بالسجن أو الاعتداء عليه ونهب ممتلكاته.

"أصبحت ذكرى المولد النبوي ويوم الغدير ويوم الشهيد التي فرضتها علينا المليشيات الحوثية تخيفنا نحن التجار، حيث نجد أنفسنا مجبرين على دفع مبالغ مالية كبيرة للمليشيات، تتراوح بين مليون ريال و10 ملايين ريال، بحسب حجم العمل التجاري لكل تاجر، لتغطية تكاليف طقوسها الطائفية كتوزيع صور زعيمها وكبار قادتها فضلا عن الشعارات الطائفية المتنوعة"، هذا ما حدثنا به أحد التجار.

وأضاف: "استغرب من مدى إصرار الحوثيين على إقامة فعالية دينية تحمل اسم نبي الرحمة والإنسانية بأموال منهوبة، والغريب أن نبينا لم يحظ من التمجيد بذكرى مولده بقدر ما هي فعالية تمجيدا لمسيرة الحوثي وحزبه وجماعته".

- يوم الغدير

تستغل جماعة الحوثي مختلف المناسبات الدينية والطائفية لحشد المزيد من التأييد، واستقطاب الشباب لرفد جبهاتها بهم.

قبل أسبوعين أحيت الجماعة ما سمي بـ"يوم الولاية"، بفعاليات متنوعة استهدفت كل شرائح المجتمع، ابتداء بطلاب المدارس عبر المراكز الصيفية، ومرورا بالنساء وعقال الحارات والشباب، وانتهاء بالموظفين والمسؤولين الحكوميين في صنعاء ومناطق سيطرتها، وهددت الموظفين بعقوبات صارمة في حال عدم المشاركة في الفعالية، وألزمت مندوبين بحشد الموظفين من مؤسساتهم إلى مكان الفعالية، كما أنها جابت شوارع العاصمة صنعاء صباحا بمكبرات الصوت، لدعوة الناس للخروج والمشاركة في الفعالية، التي تخللتها محاضرات طائفية وتعبوية مليئة بالتحريض والنفير لمواجهة من أسمتهم بأعداء آل البيت.

وشملت البرامج التي نظمتها المليشيات فعاليات استقطابية، بهدف جذب الشباب ودفعهم للالتحاق في صفوفها، من خلال مخاطبة عواطفهم بالتركيز على مظالم آل البيت، والظلم الذي وقع على الإمام علي، وحقه في الحكم بناء على حادثة الغدير التي وقعت في 18 ذي الحجة، ومن ثم ربط هذا كله بكون زعيم الجماعة الحوثية من نسل آل البيت، وطاعته امتداد لطاعة الإمام علي.

يقول الدكتور عبد السلام المحني إن الاحتفاء بيوم الغدير أو ما يسمى "يوم الولاية" هو مناسبة مذهبية لا علاقة لبقية المذاهب الإسلامية أو المؤمنين بهذه المذاهب بها، إلا أن مليشيات الحوثي تسعى لفرضه كمناسبة يجب على اليمنيين ليس إحياءها فقط، بل الإيمان بها وبتبعاتها السياسية والدينية والمذهبية بناءً على أوهام مرتبطة بالنسب والسلالة، وهي مزاعم ما أنزل الله بها من سلطان، بل إن الأخطر من ذلك أن مليشيات الحوثي باتت تعتبر من يرفضها أو يعبر حتى عن عدم القناعة بها كافراً ومنافقاً وداعشياً يجب قتاله، بل وعدواً لله ولرسوله وللمؤمنين مع ما يستلزمه ذلك من تكفيره وإهدار لدمه، بل والإفتاء بالجهاد ضده حتى يؤمن بمزاعمهم".
 
- استغلال يوم الشهيد لحشد الطلاب للجبهات

تم تنظيم الحدث السنوي (يوم الشهيد) الذي يقام في تاريخ حدده الحوثيون بشكل عشوائي (19 يناير) بالتوافق مع احتفالات شبيهة ليوم الشهيد الذي ينظمه حزب الله وإيران.

في هذه المناسبة خضع تلاميذ المدارس في صنعاء وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين للحشد والتعبئة، كما في كل مناسبة، لدفعهم في المستقبل للجبهات كمقاتلين، وذلك من خلال إجبارهم على المشاركة في احتفالات يوم الشهيد.

يحدثنا أحد مدراء المدارس قائلا: "الاحتفالية تحاكي بصورة واضحة احتفال حزب الله بيوم الشهيد، الذي أقيم أيضا لتمجيد قتلى الحزب وتحفيز عناصر جديدة للالتحاق بصفوفه، والحوثيون يستغلون هذه المناسبة للدفع بمقاتلين جدد من طلبة المدارس لمحارق الموت".

ففي احتفال هذه السنة، وتواصلا مع سلسلة من الفعاليات والأنشطة، أقيمت في المدارس العديد من الأنشطة، بغرض تعظيم مقاتليهم الذين سقطوا في ساحات المعركة ومعاملتهم كأبطال، وتحفيز الطلبة للالتحاق بصفوفهم.

شملت الأنشطة زيارات ميدانية قسرية إلى مقابر قتلى المليشيات المسماة "رياض الشهداء" التي تضم معارض لصور من سقطوا من مقاتلي الحوثيين مع تمجيد شهادتهم، بالإضافة إلى تمجيد من قتلوا من قيادات المليشيات.

وأضاف: "لقد أمرت وزارة التربية باستمرار فعاليات يوم الشهيد في المدارس طوال أكثر من أسبوع، وقد تم إصدار توجيهات إلى مدراء المدارس بإقامة احتفالات عامة بحضور قادة من الحوثيين، تم خلالها تكريم مدراء المدارس الذين ينفذون توجيهات الجماعة.
إنهم ينفقون الملايين على مثل هذه الاحتفالية، وأمام أعين المعلمين في المدارس الذين يموتون جوعا، بسبب عدم استلامهم حقوقهم ورواتبهم".

- ذكرى استشهاد الحسين

على غرار ما تمارسه كل الفرق والحركات المرتبطة بالمذاهب الشيعية الإثني عشرية، وعلى وجه الخصوص ما تشهده إيران، وما تقوم به حركات العراق الشيعية وحزب الله اللبناني في مناسبة كهذه، تحاول المليشيات الحوثية تحويل يوم استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب إلى مناسبة تحتفي بها، ويجب على كل مؤسسات الدولة وسلطاتها المركزية والمحلية في مناطق سيطرتها إحياءها بالطريقة والكيفية التي تريدها، وتستحضر فيها كل معطيات تلك الفترة التي تمتد لأربعة عشر قرناً، والسعي لإسقاطها على الواقع المعاصر بما يضمن ترسيخ مزاعمها في أحقيتها بالحكم. ولعل إحدى أبرز المزاعم التي تحاول المليشيات الحوثية فرضها كثقافة على اليمنيين في هذه المناسبة، هو الادعاء بضرورة الأخذ بثأر الحسين بن علي بن أبي طالب، باعتبار ذلك هو الوضع الطبيعي الذي يجب الإيمان به والجهاد في سبيل تحقيقه في نظر هذه المليشيات. 

وتحت مزاعم شعارات "يا لثارات الحسين" التي ترددها المذاهب الشيعية ومنها المليشيات الحوثية، وحتى تربط الحاضر بصراعات ذلك الماضي، تسعى هذه المليشيات لترسيخ ثقافة الأخذ بالثأر لدم الحسين من كل من يعارضها مذهبياً أو سياسياً، حيث يتحول هذا المعارض لأفكار وثقافة وعنصرية هذه المليشيات أحد أتباع يزيد بن معاوية ومناصريه يتوجب مواجهته وقتله أخذاً بثأر الحسين، وإعادة حق السلطة إلى مستحقيه وهم سلالة الحسين، وهم في اليمن ممثلون بـ"عبدالملك الحوثي" وأسرته ومن معهم من الهاشميين.

- تعليق صور القتلى في حرم الجامعة

في تصريح له نشره على مواقع التواصل الاجتماعي في 25 يناير، وصف وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني قرار السماح للمليشيات بتعليق الصور والجداريات في جامعة صنعاء بالأمر "المفزع".

وقال: "المحزن أنه وبدلاً من أن يتخرج هؤلاء المغرر بهم أطباء ومهندسين ومحامين، ليكونوا لبنة صالحة في المجتمع، زجت بهم المليشيات في حروب عبثية مع الشعب اليمني، تنفيذاً لأجندة إيران التخريبية في المنطقة".

وإضافة إلى استهداف الطلاب بحملتهم الترويجية، أجبر الحوثيون الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم على زيارة مقابر من قتلوا من المقاتلين الحوثيين ووضع الزهور عليها.

الجدير بالذكر أنه خلال فعاليات يوم الشهيد انتشرت جداريات وصور القتلى التابعين لمليشيات الحوثي في حرم جامعة صنعاء، الأمر الذي أثار موجة سخط بين العديد من أفراد الكلية، على إثره أصدرت هيئة التدريس والأكاديميون في جامعة صنعاء بيانا استنكروا فيه استخدام الحوثيين ساحات الجامعة من أجل إقامة الفعاليات الطائفية وحشد المقاتلين.

- استشهاد الإمام زيد

 لا يختلف إحياء المليشيات الحوثية لذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي بن أبي طالب عن ذكرى استشهاد الحسين، فهي مناسبة تسعى من خلالها المليشيات لترسيخ مزاعم الأحقية بالسلطة وحصرها في سلالة أولاد علي بن أبي طالب باعتبارهم أحفاد الرسول. 

ومن يستقرئ مضامين الخطابات والكلمات والقصائد والزوامل والشعارات التي تحيي بها مليشيات الحوثي هذه المناسبة، لا يجد صعوبة في إدراك الأهداف الخفية التي تحاول من خلالها هذه المليشيات تحقيقها، من خلال دعاوي أحقيتها بالحكم وربط ذلك بصراعات السلطة التي شهدتها فترة ما بعد الخلفاء الراشدين.

- مناسبات دينية ذات بعد سياسي

يعتقد الدكتور قاسم الربيعي أن إقامة المليشيات احتفالا بالمولد النبوي الشريف، يأتي ضمن سياسة التوظيف الديني بهدف جذب الناس من قبل الجماعة، فلم يحظ النبي محمد عليه الصلاة والسلام من التمجيد، بقدر ما تم تمجيد مسيرة الحركة الحوثية وتوسعها التخريبي، وهذا ما تجسّده خطابات عبد الملك الحوثي في هذه المناسبة الذي لا ينوبه أحد فيه، من تكريس للثقافة الطائفية والمذهبية في اليمن.

وأشار الربيعي إلى حضور شعار الصرخة المكثف والمتكرر بالهتافات، وهذا ما لا يمت بصلة لمناسبة من هذا النوع، بل برزت الثقافة الحوثية وأدبياتها على اللوحات والملصقات والمنشورات، وإشهار رموز جماعة الحوثي بعباراتهم ومأثوراتهم، في حين انعدمت الآثار والأحاديث النبوية، لافتاً إلى أن عملية الإعداد للاحتفالية في كل سنة لا تخلو من استفزاز أتباع الحوثي للوسط الشعبي، ومضايقة من يخالف هذه المظاهر الغريبة على المجتمع اليمني.

واعتبر الربيعي أن إقامة هذه المناسبة في اليمن بهذه الصورة من قبل الحوثي، لا شك أنها من الطقوس ذات البعد السياسي والتخدير العاطفي لأتباعهم، ولم نعرف بتاريخهم الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف، بل اشتهر الشيعة بتقديس رموزهم، وآل البيت، وإحياء المناسبات التي تربطهم كالغدير وعاشوراء وغيرها من المناسبات.

- صنعاء الطريق للتمكين

"صمودنا في وجه هذه القوى هو دليل من الله على تمكيننا في الأرض"، هذه العبارة كررها عبد الملك الحوثي في خطاباته، بغرض ترسيخ فكرة التمكين لدى أتباعه. وبعد انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على صنعاء، ترسخت أكثر فأكثر لدى أتباعهم فكرة الوعد الإلهي لهم ولسيدهم عبد الملك الحوثي، وأن التمكين الإلهي لهم بدأ بالتحقق.

ففي المراجع الشيعية يتحقق التمكين قبل ظهور المهدي، على يد شخصية اليماني التي تخرج من اليمن لتحقق النصر على أعداء آل البيت وأعداء الأمة وتحرّر المقدسات الإسلامية، ليس في فلسطين فحسب بل حتى الحرمين الشريفين. هذا الاعتقاد لا يسود فقط لدى الحوثيين، بل لدى معظم أتباع الطائفة الشيعية في العالم، وراج في اليمن أن عبد الملك الحوثي هو اليماني المذكور في مراجعهم.

- أدبيات شيعية إمامية

عبر تسهيلات قدمتها القيادات الحوثية للجانب الإيراني، استطاعت طهران أن تخلق وجودا لها في المجتمع الزيدي، وقد أدى هذا التوغل، إضافة إلى التأثير الأيديولوجي الإثني عشري على القيادة الحوثية الزيدية، إلى دخول بعض المناسبات والأدبيات الشيعية الإمامية إلى الزيدية، منها:

1- عيد الغدير الذي تسميه الجماعة "يوم الولاية" (18 ذي الحجة)، ويوم عاشوراء (10 محرم)، الذي يصادف يوم مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب في كربلاء، وذكرى استشهاد الإمام زيد، ومناسبة مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم (12 ربيع أول)، والذي أعلنته الجماعة يوم إجازة رسمية.

هذه مجرد نماذج لأيام ومناسبات مذهبية خاصة بالمليشيات الحوثية تحتفي بها وتسعى لتحويلها إلى مناسبات سياسية، تفرض من خلالها رؤيتها ومنهجها ومذهبها وعقيدتها وفكرها وثقافتها المتخلفة على الناس بالقوة والسلاح.

2- شعار الصرخة (الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام) على غرار الشعار الإيراني المعروف (الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل).

3- أناشيدهم والزوامل الطائفية، على غرار الأناشيد الإيرانية والعراقية الشيعية، لحنا ومضمونا.

4- بروز بعض رجال الدين الذين ينالون من بعض الصحابة رضوان الله عليهم، خاصة في احتفالات وطقوس عاشوراء.

5- إعادة إحياء احتفالات عيد الغدير، وكان الزيديون قد تخلوا عنه لسنوات عديدة.

6- الشعارات والمصطلحات المعادية لدول المنطقة.

7- التركيز على القضية الفلسطينية في الخطب، واللعب على وتر النزاعات السياسية في الداخل اليمني بهذه القضية لأهداف سياسية بحتة على النمط الإيراني.