الخميس 09-05-2024 02:42:49 ص : 1 - ذو القعدة - 1445 هـ
آخر الاخبار

مشروع الانفصال القسري .. تفخيخ لمستقبل اليمن والإقليم

الإثنين 26 أغسطس-آب 2019 الساعة 10 مساءً / الاصلاح نت - خاص / عبد السلام الغضباني

  

شهدت العاصمة المؤقتة عدن وبعض مدن جنوب البلاد، خلال الأسبوعين الماضيين، تحركات عسكرية من قبل مليشيات انفصالية للانقلاب على الحكومة الشرعية ومحاولة فرض انفصال جنوب البلاد بقوة السلاح، مما أضفى مزيدا من التعقيد على الأزمة اليمنية، وأثار المخاوف في أوساط أبناء جنوب البلاد من المآل الكارثي لتلك المغامرة، والخشية من تكرار أحداث 13 يناير 1986 الدموية بين الجنوبيين أنفسهم.

إن محاولة فرض الانفصال بقوة السلاح في ظرف استتثنائي تمر به البلاد، من قبل مليشيات غير شرعية ولا تحظى بالشعبية في الجنوب ولا تملك الحق في تمثيله، ولا تحظى بالتأييد من قبل دول الإقليم والعالم، فإن ذلك من شأنه تفخيخ مستقبل البلاد والمنطقة، نظرا لما سيترتب على الانفصال من صراعات بين أبناء الجنوب أنفسهم، وصراعات بين الجنوب والشمال، واستغلال قوى إقليمية تخريبية لهذه الانقسامات والصراعات لما يخدم مصالحها، مثل إيران ومليشياتها الطائفية المتواجدة في عدة بلدان عربية.

- مخاطر الانفصال بالقوة

لا يبدو أن انفصال جنوب اليمن عن شماله مسأله سهلة، أو أن من امتلك مليشيات مسلحة غير شرعية بإمكانه فرض الانفصال بقوة السلاح. فبالإضافة إلى التعقيدات القانونية لترتيب مسألة الانفصال، هناك التوازنات الاجتماعية من قبلية ومناطقية في جنوب البلاد، ومعظم مكونات المجتمع الجنوبي ترفض أن يحتكر ما يسمى المجلس الانتقالي تمثيل الجنوب والانفراد بحكمه، بما في ذلك المكونات الانفصالية.

ولهذا، لا يدرك "الانتقالي الجنوبي" وداعموه بأنهم يعملون في حقل ألغام، وأنه في حال انفجرت هذه الألغام فإن الدمار سيطال الجميع، وسيطال خطر ذلك دول الجوار، وفي مقدمتها السعودية، وربما يؤثر ذلك على توازنات الصراع في المنطقة، ذلك أن اختلاق المزيد من الصراعات ستكون إيران هي المستفيد الوحيد منها، كون ذلك يلبي طموحها في أن يزداد العرب انقساما وتفتتا، لأن ذلك من شأنه تعزيز ثقافة الانقسام في المنطقة بشكل عام، حيث ستبدأ بعض الفئات برفع مطالب انفصالية، ونخر بلدان المشرق العربي من داخلها، وبالتالي سيجعل ذلك من بعض دول المنطقة لقمة سهلة البلع لإيران أو للمليشيات الطائفية التابعة لها في بعض البلدان العربية.

وستشمل مخاطر انفصال جنوب اليمن، إذا افترضنا جدلاً حدوثه، مخاطر على اليمنيين أنفسهم، وأخرى على الإقليم، بالإضافة إلى المخاوف الدولية من إمكانية فرض انفصال جنوب البلاد بالقوة من قبل فصيل لا يحظى بالشعبية وليس مقبولا شعبيا ليحكم جنوب البلاد، لأن ذلك سيتسبب في اندلاع حروب مناطقية وقبلية وقروية بين الجنوبيين أنفسهم، مما سيوفر بيئة خطرة لتمدد الجماعات الإرهابية، والتي ستشكل تهديدا خطيرا لطريق الملاحة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب.

- خطر على الشعب

ويتمثل هذا الخطر في أن الصراعات البينية التي سيتسبب بها انفصال جنوب اليمن، سيكون لها تأثير كبير للمضي في مشروع تمزيق اليمن لصالح أعدائه وأعداء العرب بشكل عام، وفي المقدمة منهم إيران، التي تستغل مثل هكذا صراعات لتجعل العربي يقتل أخاه العربي بالنيابة عنها، وتكتفي هي بتقديم الدعم المادي والدعم بالسلاح للمليشيات التابعة لها لتنشر القتل والخراب والدمار في كل مكان تصل إليه.

يضاف إلى ذلك، أن الانفصال إذا تحقق، فإنه لن يسهم في إقامة دولة بقدر ما سيفتح الباب على مصراعيه لاندلاع صراع جديد بين أبناء الجنوب أنفسهم، خاصة أن مليشيات المجلس الانتقالي تكرس في نهجها الانقلابي القروية والمناطقية، وبشكل يجر معه ثارات الماضي، التي تشكلت على هوامش صراعات دامية سابقة، لعل أبرزها أحداث 13 يناير 1986، وفشل كل دعوات التصالح والتسامح لتجاوز آثارها، وما زالت تداعياتها قائمة حتى يومنا هذا، وتلقي بظلالها الكئيبة على طبيعة التحولات السياسية في البلاد.

- طبيعة الأزمة اليمنية

لم تعد الأزمة اليمنية وطبيعة الانقسامات المجتمعية في اليمن منحصرة حول ثنائية شمال وجنوب، أو ثنائية الوحدة والانفصال، فلو كانت كذلك لكان ممكنا اختزال حلها من خلال الانفصال، لكنها معقدة وعميقة، والانقسامات بين الشماليين أنفسهم وبين الجنوبيين أنفسهم أسوأ بكثير من الانقسامات الوهمية بين شمال وجنوب.

ففي الشمال هناك مشروع إمامي طائفي سلالي عنصري مبغوض في الشمال قبل الجنوب، وفي الجنوب هناك مشروع مناطقي قروي عنصري مبغوض في الجنوب قبل الشمال، وهو ما يعني أن أزمة الدولة في اليمن لم تعد حول ثنائية الوحدة والانفصال، وإنما أزمة حول ثنائية الدولة واللادولة، والدولة والمليشيات، مشروع الدولة ومشروع السلالة والقرية، دولة المواطنة المتساوية أو دويلات تحكمها مليشيات همجية استبدادية قادمة من كهوف التاريخ وتنتمي إلى زمن ما قبل الدولة، أي أن أزمة اليمنيين اليوم شمالا وجنوبيا هي أزمة الدولة ونقيضها، وليس أزمة شمال وجنوب أو الوحدة والانفصال.

وبخصوص القضية الجنوبية، فهي قضية لا يمكن إنكارها، رغم أن الأحداث التي تشهدها البلاد قد تجاوزتها، كونها ارتبطت بمساوئ نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، والقضية أصبحت اليوم قضية وطن بأكمله. كما أنه لم يعد من المقبول أن يدعي أي طرف غير شرعي بأنه حامل لواء القضية الجنوبية واحتكار تمثيلها، ومحاولة فرض ذلك بقوة السلاح، لأن ذلك من شأنه إشعال بؤرة توتر وخلق مظلومية جديدة سيتضرر منها الجنوبيون أكثر من تضررهم من الوحدة في عهد نظام علي صالح.

إن حل القضية الجنوبية لا يكون بإشعال الحروب وتمزيق النسيج المجتمعي وسفك الدماء، فالحلول يجب أن تكون مبنية على الحوار والتفاهم والتوافق على بناء دولة مواطنة متساوية، تضمن الحقوق والحريات، وتقوم على التعددية وحق المشاركة السياسية والتداول السلمي للسلطة بأسلوب حضاري وراقي، كون ذلك الأسلوب الوحيد الذي يضمن وضع حد للصراعات والحروب الأهلية التي سيكتوي الجميع بنارها.

- خطر على الإقليم

لا شك بأنه إذا تحقق انفصال جنوب اليمن بقوة السلاح على يد مليشيات مناطقية وقروية تنتمي إلى زمن ما قبل الدولة، فإن ذلك سيؤثر على دول الجوار والإقليم بشكل عام، وفي المقدمة السعودية، التي تعد المتضرر الأول والرئيسي من الحروب والصراعات وغياب الدولة في اليمن، فالانفصال بهذه الطريقة من شأنه التسبب في حروب أهلية بين الجنوبيين أنفسهم والشماليين أنفسهم، وستتسبب في توفير أرضية خصبة للجماعات الإرهابية، وستفضي هذه الحروب جميعها لصالح إيران.

ففي الشمال سيحكم الحوثيون الموالون لإيران، وفي الجنوب سيحكم أشخاص سبق لهم أن كانوا على علاقة مع إيران قبل عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، وهو ما يعني إمكانية اختراق إيران للجنوب من جديد، وبالتالي توظيف نفوذها شمالا وجنوبا ضد السعودية، كنتيجة لحكم مليشيات لا تعترف بمقتضيات الجوار ولا ترقى ثقافتها السياسية لمستوى "الدولة" بالمفهوم المعاصر.

وبما أن منطقة المشرق العربي تعد منطقة نفوذ غربي، وفيها تتركز معظم مصالح العالم، نظرا لغزارة إنتاجها النفطي وإشرافها على أهم المضايق البحرية في العالم، فإن الدول الكبرى لا يمكن أن توافق على سيناريو تقسيم اليمن، وتسليمه لقمة سائغة لإيران، بما يؤدي إلى الإضرار بمصالحها، واكتساب إيران أوراق قوة ونفوذ جديدة، إلا إذا كان هناك مخطط دولي لتمزيق مختلف الدول العربية، وهو ما يقتضي من مختلف الأطراف، محليا وإقليميا، التنبه لأي سيناريوهات قاتمة قد تكون تخطط لها أجهزة الاستخبارات الغربية في المنطقة، لجعلها مسرحا لحروب بينية لا تنتهي، وسوقا رابحة لشركات تصنيع الأسلحة بعد سنوات الكساد.

كلمات دالّة

#اليمن #عدن #صنعاء