الإثنين 06-05-2024 19:59:56 م : 27 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

محمد قحطان.. رجل الحوار وصوت الجمهورية وداعية الشراكة الوطنية

السبت 08 إبريل-نيسان 2023 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت-خاص

لم يكن القيادي في الإصلاح محمد قحطان، المختطف والمخفي قسرا في سجون مليشيا الحوثي الانقلابية منذ العام 2015، قياديا في حزب الإصلاح فحسب، بل كان رمزا وطنيا وقامة سياسية وأيقونة ثورة وصوتا جهوريا للحوار والنضال السلمي والشراكة الوطنية.

ونتيجة لدوره النضالي وما كان يمثله من حلقة مهمة في العملية السياسية السلمية وترسيخ مبدأ الشراكة الوطنية في اليمن والتي كان قحطان أحد أبرز الشخصيات الفاعلة فيها، من خلال تكريس ثقافة الحوار والمفاهيم الديمقراطية والمبادئ السلمية، فقد أدركت قوى الانقلاب وحملة مشاريع التجزئة والخراب والفوضى خطورة مثل هذه الشخصيات وما تتصف به من نضج سياسي ورؤية وطنية واضحة على مشاريعها، فسعت إلى إسكات صوته وتغييبه عن الساحة تماما منذ وقت مبكر من الانقلاب.

 

صوت حر

يعد محمد قحطان أحد مهندسي التقاربات الوطنية بين الأحزاب والمكونات السياسية التي أسهمت بشكل كبير في تكوين اللقاء المشترك الذي ضم أبرز الأحزاب الوطنية المعارضة آنذاك، ومن أبرز الرافضين للانقلابات الدموية وملشنة الحياة العامة، وأحد عرابي السياسة التوافقية والحوار والشراكة الوطنية، وهو الأمر الذي جعل تركيز المليشيا الحوثية والقوى المتحالفة معها ينصب على استهدافه، لتقوم باختطافه وتغييبه خوفاً من صوته الحر وأفكاره السياسية ورؤاه المدنية.

وبحسب سياسيين فإن قحطان عمل على إكساب السياسة مضمونا مختلفاً ومتجدداً بتجسير العلاقة مع الطرف الآخر ومعه أصبحت القطيعة السياسية أمراً غير مقبول، فقد أسس خطاً متزنا في الحياة السياسية اليمنية المحتدمة بالتنوع وبالصراعات وعدم الثقة والتوافقات والتباينات.

ويرى حقوقيون وقانونيون أن استمرار اختطاف محمد قحطان يأتي في إطار جرائم المليشيا الحوثية الانقلابية وانتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان على مرأى ومسمع من العالم، وأن استمراء الحوثي هذه السياسة إنما هو ناتج عن تراخي المجتمع الدولي تجاه هذه القضية، والذي يفترض أن يكون له دور فاعل بهذا الشأن.

كما أن استمرار هذا الاختطاف ومنع المختطفين من التواصل مع أقاربهم يعد من الجرائم الجسيمة المخالفة للقوانين والمواثيق الدولية، ويعد مخالفة لنصوص القرارات الدولية التي نصت على سرعة الإفراج عن المختطفين وأهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216.

 

مواقف مشرفة

وقد اتسمت حياة المناضل محمد قحطان بالشجاعة ومقارعته للظلم والاستبداد بشتى صورهما، إذ عرف بمعارضته القوية للانقلاب الحوثي، وفي الوقت ذاته كان يمثل صوت العقل والحكمة من بين مختلف القادة السياسيين في اليمن، كامتداد لمواقف نضالية وبطولية عرف بها ضد الاستبداد والظلم منذ شبابه، إذ بدأ ذلك بنضاله ضد الظلم الذي كان يمارسه بعض الشيوخ القبليين في محافظة إب، ثم برز كمناضل كبير ضد الفساد والاستبداد بكل أشكاله.

وخلال مؤتمر الحوار الوطني، الذي ضم مختلف الأطياف اليمنية، أعلن محمد قحطان "الصمت" عدة مرات، احتجاجا على عنجهية الحوثيين وطريقتهم التي كانوا يعتمدونها، ووصف تمدد الحوثيين بـ"الانتفاشة"، وأبدى رفضه للخطوات الانقلابية من قبل الحوثيين والقوى المتحالفة معهم، داعيا في نفس الوقت إلى حل سلمي للأزمة.

وفي مارس من العام 2015م، خرج المبعوث الأممي السابق إلى اليمن جمال بن عمر ببيان هستيري، رداً على تصريحات القيادي الإصلاحي محمد قحطان التي أدلى بها لصحيفة عكاظ السعودية، والتي أكد فيها "أن المبعوث الأممي يسعى لتشكيل مجلس رئاسي، بعد اتفاق مباشر مع عبد الملك الحوثي"، في الوقت الذي كان فيه المبعوث الأممي حينها ـووفقا لمراقبين- يسعى جاهدا إلى تطويق ما تبقى من الشرعية اليمنية، فهو أحد أبرز المهندسين الفعليين لوصول الحوثيين الى العاصمة صنعاء، إذ كان يبحث عبر حوارات عدمية في فندق موفنبيك عن شرعية لعملية تمددهم داخل الدولة والقضاء على الشرعية اليمنية التي كانت عائقاً أمام تنفيذ أجندة إقليمية ودولية، الأمر الذي جعل السياسي اليمني محمد قحطان مستهدفا من أكثر من جهة وفقا للمراقبين.

 

اختطاف السياسة

وفي إطار الحملة المساندة للسياسي اليمني المختطف والمغيب في سجون المليشيا الحوثية منذ العام 2015، بعد اختطافه من منزله في العاصمة صنعاء على خلفية مواقفه السياسية والوطنية، وعن الغموض الذي يكتنف هذا الملف، تحدث لـ"الإصلاح نت" نخبة من الناشطين والسياسيين والحقوقيين مشيدين بالدور الريادي لرجل السياسة والحوار محمد قحطان ومواقفه الوطنية.

ويرى الباحث الدكتور "كمال القطوي" أن اختطاف السياسي محمد قحطان يمثل مشكلة كبيرة وضررا يتعدى قحطان نفسه، يقول القطوي: "اُختطف قحطان وباختطافه اختطفت السياسة والحوار والتعايش، لأنه كان ضابط الإيقاع السلمي السياسي، لقد انتفش العنف والملشنة، والصراع العدمي، عندما غاب الحوار الوطني ومهندسوه الحكماء وفي مقدمتهم محمد قحطان".

ويتفق مع القطوي المحامي والحقوقي عبد الرحمن برمان بالقول: "نحن في مثل هذه الأيام نتذكر محمد قحطان السياسي المتسامح المدافع عن حقوق المجتمع، فلم يكن محمد قحطان مجرد قيادي حزبي، وإنما كان سياسيا يمنيا كبيرا، يدافع عن حق الشعب اليمني بالحرية والديمقراطية والعيش في رقي وكرامة وتمدن، ويعتبر رمز المدنية في اليمن، ونلاحظ كيف أن كل فئات المجتمع اليمني من الناشطين والسياسيين، الذين يختلفون معه يتحدثون عنه بلغة واحدة وصوت واحد بأن محمد قحطان هو رمز التسامح والحوار في اليمن".

 

إيذان بجرائم أخرى

ويضيف برمان: "سيبقى قحطان أيقونة النضال السلمي لدى محبيه وخصومه السياسيين، فلا يختلف اثنان على روحه الوطنية الصادقة. وحدها مليشيا العنف من تنقبض من قحطان وتتلمض من اسمه وشخصه لما يمثله تاريخه وسمته من إدانة صارخة لإرهابها".

من جهته، يقول الكاتب محمد العليمي: "باعتقادي أن اختطاف محمد قحطان وإخفاءه قسرا لنحو ثماني سنوات لا يعد انتهاكا لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية والقوانين العالمية فقط، بل هو إيذان مبكر بالنهج الذي تسير عليه مليشيا الحوثي بشأن أي معارض سياسي أو مخالف للرأي".

وأضاف: "كما أن إخفاء قحطان بهذه الطريقة وتجاهل كل الدعوات العالمية والحقوقية بالإفراج عنه أو الكشف عن حالته ومصيره، وكذلك تجاهل مناشدات أسرته وأسر المختطفين جميعا، يدل على أن مليشيا الحوثي ستسلك هذا النهج مع جميع المعارضين السياسيين والناشطين، وهو ما تؤكده يوميا من خلال اختطاف عشرات المدنيين والناشطين في جميع المناطق التي تسيطر عليها ومقايضة هؤلاء المدنيين بأسرى مقاتلين في صفوفها".

 

حجب الحقيقة

أما الصحفية والكاتبة نبيلة سعيد فتؤكد أن "تلك الكلمات ما زالت محفورة فى الذاكرة الوطنية حيث كانت مناداة السياسي المخضرم محمد قحطان لرفع سقف الاستحقاق الكريم تذكى روح الكرامة الإنسانية، ولا زال صوتها يدق ناقوس الذاكرة حتى لا ينسى أحد صاحب الصوت المرتفع الذى أضاء النضال الوطني ليمن من دون عصابة محفوظ السيادة".

وتذكر الكاتبة "نبيلة سعيد" دوافع اختطاف المليشيا الحوثية للقيادي قحطان فتقول إن "الخوف الذي تعيشه هذه العصابة بسبب مفعول تلك الكلمات على استمرار إذكاء روح المقاومة هى ما تجعلهم يغيبونه فى غياهب السجن حيث لا قانون ولا ضوابط إنسانية، فقامة مثل محمد قحطان تجعل مثل هذه العصابة وكل من يقف خلفها يعانون قلقًا مستمرا من التصريح بأى معلومة عنه".

وعلى نفس المنوال يشاطرها الإعلامي أحمد اليفرسي الرأي بالقول: "محمد قحطان عنوان مرحلة كان للسياسة الصوت الأعلى فيها، وكان منطقها هو المسموع غالبًا، وحين قرر وكلاء الخراب وعرابو مشاريع الخارج أن ينفذوا ما أمروا به من الخارج بتدمير اليمن، وإيقاف زحفها الآمن صوب المستقبل، عبر دستور توافقي ومخرجات حوار وطني، أعلت مصلحة الوطن على كل مصلحة فصائلية أو مناطقية، رأوا أنه لا بد أن يغلقوا كل نافذة يدخل منها ضوء السلام والنظام والقانون ومنطق الدولة، وكان قحطان عنوانا لذلك كله، فهو أحد موجهي دفة السياسة اليمنية، وأحد منظري بناء الدولة، وثقافة التعايش والسلام، ورائد الحوار والتوافق، وهذه المزايا جعلت منه زعيمًا وطنيًا، تجاوز حالته الحزبية إلى ريادة الحالة الوطنية".

 

ثمن الموقف

وعلى الرغم من تطلعات قحطان المدنية ورؤاه السلمية ونبذه للعنف بكل أشكاله وسعيه الحثيث لتكريس المفاهيم الديمقراطية وتعزيز روح الشراكة وتغليب لغة الحوار، إلا أن الرجل لم يحظ بالاهتمام المطلوب، بل تم خذلانه والتخلي عنه من قبل منظري الديمقراطية ودعاة السلام، في لحظة حرجة كالتي مر بها، وأحوج ما يكون فيها للمساندة ومد يد العون، دون أي اعتبار للمبادئ التي يحملها والتي ناضل من أجلها.

ويبدي الدكتور كمال القطوي استغرابه من تخاذل المجتمع الدولي تجاه قضية قحطان قائلا: "إن الذي يثير الاستغراب أن الجهد السياسي الدولي لتحريك عملية السلام في اليمن دأب على تجاهل قضية قحطان، مما يعطي المتابع انطباعا بغياب النية الجادة لطي حقبة الملشنة، إذ لا أقدر من الحكماء كقحطان على إحياء صوت السياسة والحوار الوطني السلمي".

وعن هذا تقول الكاتبة نبيلة سعيد: "الأكثر خجلًا هو حالة الصمت لمنظمات المجتمع المدني الدولية التى تحكى باستمرار عن جريمة الإخفاء القسري خاصة تلك التى تغيب فيها كل البيانات والمعلومات عن المعتقل ولا يسمح لأسرته بالاطمئنان عليه، والغريب أن يعجز مبعوث الأمم المتحدة من التوصل من الوصول لأي معلومة تتعلق بمصير الرجل"، وهو ما ذهب إليه اليفرسي أيضا إذ يقول إن "المجتمع الدولي لا يعول عليه، فمصالحه أولوية ولا علاقة لها بالإنسانية أو بأي ملف متعلق بهذه القضايا، ولكن كان لدى الشرعية، ولا يزال، متاحات كثيرة للضغط على مليشيا الحوثي لإطلاق قحطان".

ويقول الكاتب الصحفي أحمد الصباحي: "ثمانية أعوام على اختطاف السياسي اليمني البارز الأستاذ محمد قحطان وتغييبه في سجون مليشيا الحوثي وإخفاء أي معلومات عنه في خطوة قبيحة من قبل مليشيا سلالية لا تعترف بحقوق الإنسان ولا حقوق المعتقل والأسير".

ويستطرد الصباحي قائلا: "اختطاف وتغييب القيادي محمد قحطان صورة واضحة لحجم الإجرام الذي يكتوي داخل هذه المليشيا ضد الساسة والناشطين والإعلاميين وكل من يخالفها في الرأي والفكر".

ويضيف الصباحي: "محمد قحطان سياسي بارز وصاحب رسالة سلام ولم يحمل بندقية أو مسدس في جيبه وتم اعتقاله واختطافه في نقطة أمنية وهو في طريقه لمدينة عدن رافضاً للانقلاب الحوثي ومسانداً لشرعية الدولة ومؤسساتها، فتم تغييبه عن الأنظار خوفاً من مواقفه القوية وتأثيره على الناس لأنه قريب منهم وواحد منهم".

وأشار إلى أن "ما تمارسه مليشيا الحوثي بحق الأستاذ محمد قحطان هو حالة انتقام عدوانية ضد العمل السياسي في اليمن ونموذج لمعالم مستقبل سياسي مشوه طالما استمرت هذه المليشيا على رأس سلطة وفي يدها سلاح ومليشيا طائفية".

وعن موقف المجتمع الدولي من قضية اختطاف محمد قحطان فيتفق الصباحي مع ما ذهب إليه اليفرسي ونبيلة سعيد ويؤكد على ذلك بالقول: "للأسف عجزت الأمم المتحدة ومكتبها في اليمن عن إيجاد معلومات بسيطة عن حالة قحطان المغيب منذ ثماني سنوات فكيف يمكن أن نراهن على سلام وتعايش مع هذه المليشيا الطائفية".

أما أستاذ العلوم السياسية الدكتور إسماعيل السهيلي فيقول: "لقد طال انتظار أسرة الأستاذ محمد قحطان وزادت عذاباتهم ونسأل الله أن يعجل له بالفرج، ويجب العمل على إنجاز صفقة تبادل شامل لجميع الأسرى والمعتقلين من كل الأطراف بموجبها يتم طي صفحة مؤلمة ومعيبة في تاريخ اليمن".

 

عجز أممي

وقد دعت منظمة "رايتس رادار لحقوق الإنسان" مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن "هانز غروندبرغ" للقيام بدور فعال لإنهاء حالة الغموض التي تلف مصير السياسي اليمني "محمد قحطان" واللواء "فيصل رجب" المختطفين في سجون مليشيا الحوثي بصنعاء منذ ثماني سنوات.

وتقول المنظمة التي تتخذ من أمستردام بهولندا مقرا لها في بيان لها مطلع أبريل الجاري: "كنا نأمل أن تفضي جولة المباحثات الأخيرة بشأن الأسرى والمختطفين بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي الأخيرة إلى أن تشمل كافة المختطفين والأسرى من القيادات السياسية المدنية والعسكرية، إلا أن ذلك لم يحدث، حيث تم استثناء القيادي محمد قحطان واللواء فيصل رجب لأسباب غير واضحة"، معبرة عن أسفها لعجز مبعوث الأمم المتحدة بما يمثله من نفوذ وثقل دولي وصلاحيات عن انتزاع حتى معلومة تتعلق بمصير قحطان الذي لا تعرف أسرته عن مصيره أو وضعه الصحي شيئا، مشيرة إلى أنه "لا يوجد ما يبرر بقاء قحطان رهن الإخفاء القسري، خصوصاً مع صدور مذكرة من النيابة الجزائية المتخصصة التابعة لمليشيا الحوثي إلى الأمن السياسي التابع لها بتاريخ 5 فبراير 2019 يقضي بالإفراج عنه، وهو اعتراف ضمني رسمي منهم بمعرفتهم بمكانه ومسؤوليتهم عن احتجازه على الأقل بصفتهم سلطة أمر واقع في العاصمة صنعاء".

واعتبرت منظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان، عدم قدرة مبعوث الأمم المتحدة وكذلك الصليب الأحمر الدولي على كشف سر مصير السياسي قحطان مؤشر عن عجز أممي وفشل في الملف الإنساني، خصوصاً وأن كل المواثيق والاتفاقات الدولية تؤكد حق أسرة قحطان في معرفة مصيره، وقبل ذلك تضمن حقوقه الإنسانية -كمختطف- بسلامته الصحية والنفسية.

وطالبت مليشيا الحوثي في الوقت ذاته بمراعاة الاعتبارات الإنسانية الخاصة بحالة قحطان أولاً لكونه شخص مدني كبير في السن، يعاني ظروفاً صحية، ومراعاة لمعاناة أولاده وأسرته جراء حرمانهم منذ سنوات.

كلمات دالّة

#اليمن