الإثنين 06-05-2024 17:32:18 م : 27 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

محمد قحطان.. رجل السياسة والحوار المغيب في سجون الكهنوت الحوثي

الخميس 06 إبريل-نيسان 2023 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص

  

 

عندما اختطفت مليشيا الحوثيين الإرهابية القيادي في الإصلاح الأستاذ محمد قحطان من منزله في العاصمة صنعاء، في 5 أبريل 2015، بعد مدة من فرضها الإقامة الجبرية عليه، كان ذلك الخطف والإخفاء القسري، بداية لمعاناة طويلة عاشها وما يزال يعيشها رجل السياسة والحوار ومهندس التوافقات الوطنية في اليمن، كما أن أسرته عاشت ذات المعاناة والمأساة وهي لا تعلم عنه شيئا، ولم تسمح لها المليشيا الحوثية بالتواصل معه أو زيارته، بل إن المليشيا ظلت تتلاعب بمشاعر أسرته وبمشاعر محبيه من خلال تسريبات متناقضة بشأن وضعه الصحي أو مصيره، كما منعت أسرته من الاعتصام للمطالبة بالإفراج عنه أو كشف مصيره والسماح لها بالتواصل معه.

وبقدر ما أن قضية الإخفاء القسري للمناضل محمد قحطان كل تلك السنوات عرت مليشيا الحوثيين أخلاقيا وكشفتها على حقيقتها الإجرامية والوحشية وفجورها في الخصومة وتجردها من أبسط المبادئ الإنسانية، نظرا لكبر سنه وتدهور وضعه الصحي، فإن تلك القضية عرت أيضا المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التي لم تبذل جهودا تذكر للضغط على المليشيا الحوثية لإطلاق سراحه، أو على الأقل السماح لأسرته بالتواصل معه وزيارته، وأيضا السماح له بالحصول على الرعاية الطبية بسبب تدهور صحته.

 

- قحطان كرمز للتحول السياسي

بدأ الأستاذ محمد قحطان نشاطه السياسي مبكرا، وانخرط في العمل الحزبي بعد تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح في عام 1990، حيث تولى فيه رئاسة الدائرة التنظيمية، وبعد العام 1994 ترأس الدائرة السياسية لحزب الإصلاح التي صعد من خلالها إلى عضوية الهيئة العليا للحزب التي ما زال عضوا فيها.

وخلال عمله السياسي، برز اسم الأستاذ محمد قحطان باعتباره رجل السياسة والحوار ومهندس التوافقات الوطنية ورمزا للتحول السياسي في البلاد، وعُرف بصداقته مع مختلف القيادات السياسية من كل الأحزاب والتيارات ومع الصحفيين وقربه من وسائل الإعلام، كما عُرف بشجاعته ومبادراته وجرأته في قول كلمة الحق والتحذير من المخاطر المحدقة بالبلاد، ومن ذلك تحذيره، في حوار صحفي مع موقع "إيلاف" اللندني، نشر في نوفمبر 2010، من مخاطر مشكلة عدم إصلاح السلطة في اليمن، قائلا إنه "إذا لم تعالج مشكلة السلطة، فإنه سيوجد حوثي في كل منطقة، وستحدث انشقاقات وانفصالات في عموم اليمن، وإن الحل هو رشد السلطة ورشد الحكم، فهذا الذي سيمتص الأزمة، أما أن تقف على أعراض المرض وتترك المرض، فستكون كمن يحرث في البحر".

ويعد الأستاذ محمد قحطان من أبرز مناضلي الحركة السياسية الوطنية، وكانت تصريحاته وأحاديثه حول الدولة ونظام الحكم والقانون والشراكة والقبول بالآخر والحوار تمثل اختراقا للجمود الذي كانت تتسم به الحياة السياسية في اليمن. وبالرغم من إدراكه مبكرا لخطورة المشروع الحوثي السلالي العنصري، وخطورة التزاوج بين السلطة والعائلة أو السلالة، وتحذيره من ذلك، إلا أنه كان يدعو إلى النضال السلمي والحوار ونبذ العنف باعتبار ذلك المسار الصحيح لتجاوز الخلافات السياسية والمضي في بناء الدولة، ولذلك فقد كان على رأس وفد ذهب إلى محافظة صعدة قبل الانقلاب الحوثي، لإقناع زعيم المليشيا الحوثية، عبد الملك الحوثي، بالحوار لحل مختلف الإشكاليات والعدول عن العنف والقتال لخطورة ذلك على البلاد بمجملها، لكن المليشيا الحوثية كانت قد عزمت على المضي في الانقلاب وإشعال الحرب.

 

- مهندس اللقاء المشترك

وقد تمكن الأستاذ قحطان خلال مساره السياسي من أداء دور محوري وأساسي ليس فقط على مستوى حزب التجمع اليمني للإصلاح، بل على مستوى المشهد السياسي اليمني ككل، وبدا ذلك واضحا بعد تأسيس تكتل "اللقاء المشترك"، الذي مثل تحالفا نادرا وتجمعا مشتركا بين مختلف الأحزاب اليمنية.

وبعد تأسيس تكتل اللقاء المشترك، اختير محمد قحطان ناطقا رسميا باسمه، وهي الوظيفة التي ظل يشغلها لفترات متقطعة حتى العام 2011، وهو العام الذي اندلعت فيه الثورة الشعبية السلمية.

ويوصف الأستاذ محمد قحطان بأنه مهندس تكتل "اللقاء المشترك" هو والقيادي في الحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر، رحمه الله، وضم هذا التكتل تيارات وقوى إسلامية وقومية ويسارية، وكان بمنزلة أرضية مشتركة وحلقة وصل بين القوى السياسية اليمنية المعارضة.

 

- جريمة إخفاء قسري

 وفي 5 أبريل 2015، اختطفت مليشيا الحوثيين الإرهابية الأستاذ محمد قحطان من منزله في حي النهضة بالعاصمة صنعاء، ومنذ ذلك اليوم لا تعرف أسرته عنه شيئا، وكانت مليشيا الحوثيين قد وضعته تحت الإقامة الجبرية في منزله بصنعاء قبل عملية اختطافه.

وفي 20 يناير 2016، قالت منظمة العفو الدولية، في بيان لها، إن محمد قحطان معرض لخطر التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة، وإن هناك مخاوف من أن صحته قد تتدهور.

وأضافت أن مليشيا الحوثيين طلبت من عائلته التوقف عن جلب الطعام إليه بعد بضعة أيام من اعتقاله، وهو يعاني من النوع الثاني من مرض السكري، ولكنه لم يستطع أخذ أدويته معه عند اعتقاله، وهناك خطر من أن صحته تتدهور، وقد يكون بحاجة للعناية الطبية.

وتعد عملية اختطاف محمد قحطان وإخفائه كل هذه السنوات جريمة إخفاء قسري ترقى إلى جرائم الحرب التي تجوز ملاحقة مرتكبيها سواء في القضاء الدولي أو المحلي، وهذا يتطلب من المجتمع الدولي أن يكون جادا في التعاطي مع قضية الإخفاء القسري للأستاذ قحطان، والتعامل مع مليشيا الحوثيين بجدية والضغط عليها للإفراج عنه، فضلا عن كونه، أي المجتمع الدولي، ملزما بمحاسبة جميع مرتكبي تلك الجرائم.

كما أن جريمة إخفاء قحطان هي جريمة ذات طابع سياسي ودولي، وهناك قرار صدر من مجلس الأمن الدولي أمر مليشيا الحوثيين الإرهابية بسرعة الإفراج عنه وعن الثلاثة الآخرين المشمولين في القرار نفسه، وبرفض مليشيا الحوثيين ذلك القرار فإنها تعد متمردة على القرارات الدولية، وتمارس جرائم الإخفاء القسري والخطف والتعذيب في السجون بوحشية، وهناك الآلاف من المعتقلين الذين تخفيهم المليشيا قسرا، منهم من ظهر مكان اعتقاله، والبعض الآخر لم تُعرف أسرهم عنهم إلا نبأ وفاتهم جراء التعذيب.

 

- غياب الضغوط الدولية

من المؤسف أن المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية لم تولِ قضية الأستاذ محمد قحطان أي اهتمام، وما زالت الضغوط الدولية على المليشيا الحوثية للإفراج عنه ضعيفة، رغم وجود قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن، لكنه ظل حبرا على ورق.

وأخيرا، إن جريمة الإخفاء القسري للأستاذ محمد قحطان وتغييبه كل هذه السنوات، تعيد إلى أذهان اليمنيين كابوسا وتاريخا طويلا مشابها لها، والتي حدثت في فترات متقطعة منذ ستينيات القرن الماضي في البلاد، وشملت سياسيين وناشطين في أنظمة سياسية مختلفة سواء في شمال البلاد أو في جنوبها، وما زال مصير بعضهم مجهولا، واسرهم تبحث عنهم دون جدوي.