الأربعاء 08-05-2024 23:47:48 م : 30 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

المعلمون وانقطاع الرواتب.. سنة دراسية جديدة ومعاناة متجددة

الخميس 27 أغسطس-آب 2020 الساعة 11 مساءً / الاصلاح نت-خاص-اسماء محمد

سيبدأ الطلاب في المدارس، الشهر المقبل، فصلا دراسيا جديدا في مناطق الحكومة والمناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي، عاما يبدو أنه سيكون مثقلا بالمشكلات التي ستواجه العملية التعليمية، التي تنعكس عليها آثار الحرب وبشدة -وتحديدا- على المعلمين.

عاما بعد آخر، تلاحق المعلمين مشكلة انقطاع الرواتب في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، وتأخرها في المدن التابعة للحكومة الشرعية، الأمر الذي تزداد معه معاناة آلاف المدرسين في مختلف المحافظات، خاصة في ظل استمرار الانهيار الاقتصادي، وتهديد شبح المجاعة لملايين اليمنيين.

 

بداية المعاناة

ما إن صدر قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن عام 2016، بدأت معاناة الموظفين -وتحديدا المعلمين- بشكل كبير، بسبب انقطاع رواتبهم أو عدم انتظامها، حين قامت مليشيات الحوثي بنهب أموال البنك، ورفضت تسليم إيرادات المحافظات الخاضعة لسيطرتها إلى البنك في العاصمة المؤقتة ليقوم بمهامه تجاه كل الموظفين.

عقبها عاش المعلمون لأشهر والبعض لأكثر من سنة في أوضاع معيشية صعبة للغاية، ثم انفرجت الأزمة مع قيام الحكومة الشرعية بتسليم رواتب الموظفين لكن في المحافظات الخاضعة لسيطرتها فقط، بسبب رفض مليشيات الحوثي التعاون مع البنك في عدن.

وطوال تلك السنوات، يتجرع المعلمون في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي مختلف أنواع المعاناة، خاصة أن أغلبهم لم يكن لديهم مدخرات فرواتبهم ليست كبيرة، وبالكاد كانت تكفيهم لتدبر حياتهم اليومية بشكل بسيط.

تستمر معاناة الموظفين في مناطق سيطرة الحوثي، لكنها لم تنتهِ أيضا في مناطق سيطرة الحكومة، فخلال العام الجاري لم يعد المعلمون يستلمون مستحقاتهم بشكل شهري وتتأخر، الأمر الذي دفع الكثير منهم في تعز للتظاهر والمطالبة بحل مشكلتهم، لكن دون جدوى.

 

آثار كارثية

أدى الوضع الاقتصادي المنهار الذي تزامن معه انقطاع رواتب المعلمين وعدم انتظامها، إلى آثار نفسية صعبة لم يتحملها الكثير منهم، وتداول ناشطون من حين لآخر أخبار وصور مدرسين أنهوا حياتهم بالانتحار.

كما تحول بعض المدرسين إلى العمل في مهن أخرى غير التدريس، واضطر عدد منهم للسفر خاصة "المعلمات" اللائي يعيش أزواجهن خارج البلاد، وأدى ذلك إلى تدهور العملية التعليمية، وقام كثير من المتطوعين بالتدريس برغم افتقارهم للخبرة اللازمة، فأصحبت مخرجات التعليم ضعيفة في المدارس الحكومية بشكل لافت مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب.

واضطر بعض المعلمين لبيع بعض المأكولات للتلاميذ في محاولة لجمع بعض المال ليعينهم على الحياة، الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على نفسيات المدرسين، في حين يذهب البعض منهم إلى المدارس مشيا على الأقدام برغم طول مسافة الطريق، لعدم قدرتهم على توفير أجرة المواصلات، وهم في ذات الوقت يخشون من البقاء في المنازل وفقدان وظائفهم.

 

وعود ولا حلول

يظل حتى اليوم ملف رواتب المعلمين من أكثر القضايا المؤرقة، كونه يؤثر على سير العملية التعليمية بشكل مخيف، وعلى نسبة كبيرة من موظفي الدولة. وكان هناك كثير من المحاولات لحل تلك المشكلة، لكن أغلبها باءت بالفشل.

قطع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث الوعود لحل هذا الملف الشائك كون الأزمة إنسانية ويفترض ألا تتأثر بما يجري على الأرض أو على الصعيد السياسي، وجرت ترتيبات عام 2019 لتخصيص عائدات ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة مليشيات الحوثي، يتم جمعها عبر فرع البنك المركزي بالحديدة، ثم يتم تسليم رواتب الموظفين.

أعطى ذلك بارقة أمل للمعلمين وغيرهم من الموظفين الذين اعتقدوا أن أزمتهم سيتم حلها، لكن ما حدث أنهم انتظروا كثيرا، ثم ظهر غريفيث ليقول لهم بكل بساطة إن المليشيات سحبت الأموال التي تم تحصيلها من عائدات ميناء الحديدة والمخصصة لتسليم رواتب موظفي الخدمة المدنية.

أعلن غريفيث عن فشله، لكن أزمة الموظفين لم تنتهِ، وبدا كما لو أن تساهل الوسيط البريطاني مع المليشيات وتدليله لها، جعلها تقوم بمثل تلك الممارسات التي تضرر منها آلاف الموظفين. وحتى الحكومة الشرعية وعلى لسان رئيس الوزراء معين عبد الملك، اتهمت المبعوث الأممي بغض الطرف عن نهب الجماعة إيرادات ميناء الحديدة. وقدرت الحكومة آنذاك المبلغ الذي سحبته المليشيات بشكل أحادي بحوالي 58 مليون دولار.

وتستمر المليشيات بالضغط على الحكومة لإدخال سفن الوقود إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها، لكن دون أن تفي بوعودها، وتقوم بتسليم رواتب الموظفين من الرسوم والإيرادات التي تتحصل عليها جراء تلك العملية التي تتم في ميناء الحديدة.

 

إحصائيات

دفع المعلمون الثمن مثلهم مثل كل اليمنيين الذين يرفضون مشروع المليشيات الحوثية. تقول نقابة المعلمين في تقرير أصدرته أواخر 2019، إن الجماعة قتلت 1500 معلم ومعلمة، وتسببت بإصابة 2400 من العاملين في حقل التعليم. ويتعرض الكثير منهم للاختطاف والتعذيب وتفجير منازلهم وغيرها من الانتهاكات.

بحسب النقابة، فإن 60% من إجمالي المعلمين (290 ألفا)، لم يحصلوا على رواتبهم بشكل منتظم منذ أكثر من ثلاثة أعوام، إضافة إلى وجود تسعة آلاف من المعلمين النازحين لا يتقاضون رواتبهم شهريا.

وتعيش اليمن وضعا اقتصاديا سيئا، وانهيارا مستمرا لقيمة الريال اليمني، خاصة مع منع مليشيات الحوثي تداول العملة الجديدة في مناطق سيطرتها، وقد وصل سعر صرف الدولار الواحد في مناطق سيطرة الشرعية إلى 790 ريالا شراء، و795 ريالا بيع، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير وأصبح راتب أغلب الموظفين لا يصل إلى 100 دولار، وهو ما يجعلهم يعيشون أوضاعا معيشية صعبة تزداد سوءا يوما بعد آخر، خاصة مع وجود أزمات كثيرة متتالية، وانتشار واسع للأوبئة التي ينفق على علاجها المواطن الكثير من المال.