الأربعاء 08-05-2024 16:07:02 م : 30 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون والتعليم.. من نهب رواتب المدرسين إلى فرض الإتاوات على الطلاب

الأربعاء 30 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت-خاص/ زهور اليمني

 

تختلف الصباحات الأولى في المدرسة لطفل يمني، في السادسة من عمره، عن غيره من أطفال العالم.

يحمل على ظهره حقيبة فارغة، إلا من دفتر وقلم وقنينة ماء، وبذلك يكون متأهباً لـ12 عاماً على المحك، فمأساة التعليم ستتجلى أمامه من أسبوعه الأول، ابتداء بمطالبته بالرسوم المدرسية التي لا يقدر على دفعها، وانتهاء بالكتاب المدرسي الذي لن تكتحل عيناه برؤيته، وما عليه إلا أن "يدبر نفسه" في حال استطاع دفع الرسوم المدرسية، وإلا فالشارع الوحيد الذي سيرحب به.

بحسب تقرير حديث لمنظمة "يونيسف"، فإنّ هناك مليونين و350 ألف طفل خارج المدارس من إجمالي 7.3 ملايين طفل في سن التعليم.

وحتى أبريل الماضي، كان هناك 613 ألف طفل من هؤلاء في عداد النازحين الذين يعتبرون أقل الفئات قدرة على الحصول على فرصة تعليم.

تقرير منظمة اليونيسكو حول التعليم للجميع 2018، قال إن 2% فقط من تلاميذ الشريحة الأفقر في اليمن واصلوا تعليمهم بعد الثانوية، مقابل 20% من تلاميذ الشريحة الأغنى.

منظمة "سياج" لحماية الطفولة، اعتبرت الإجراء الذي اتخذه الحوثيون بفرض رسوم دراسية على الطلاب في هذه الظروف، سيؤدي إلى زيادة نسبة الأطفال التاركين للمدارس قسريا، وقدرت فقدان أكثر من ثلاثة ملايين طفل يمني حقهم في التعليم، وأن العدد مرشح للتزايد.

وحذرت من خطورة الوضع الكارثي للتعليم في اليمن، الذي قالت إنه ما لم يتم تداركه فإن كلمة "كارثي" ستكون قليلة جدا على الوضع الأمني والتنموي لليمن مستقبلا.

بدوره، لفت وزير التربية والتعليم في الحكومة الشرعية، إلى أن الرسوم التي فرضتها مليشيات الحوثي الانقلابية تتعارض مع قوانين مجانية التعليم الحكومي، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن في هذا الجانب. وأشار إلى أن استمرار هذا العبث سيزيد من تدهور التعليم في المناطق التي تقبع تحت سلطة الانقلابيين، مما ينذر بكارثة.

 

ضغوط نفسية يتعرض لها الطلاب:

طردت المدراس الحكومية في صنعاء عشرات الطلاب لعدم سدادهم القسط الشهري من الرسوم التي فرضتها مليشيات الحوثي، تحت مبرر استمرار العملية التعليمية في مناطق سيطرتها.

وفيما تزعم قيادات حوثية أن هذه المبالغ طوعية وليست إجبارية، إلا أن الواقع مخالف لتلك المزاعم. وبحسب مدير إحدى المدارس الحكومية بصنعاء، فإن الأوامر الصادرة من سلطات الحوثيين كانت واضحة، "من لا يدفع لا يستحق أن يبقى في المدرسة للتعلم".

الطالبة أحلام تحدثنا بأن إدارة المدرسة وجهت المعلمين للضغط على الطلاب لدفع الرسوم قبل الامتحانات الشهرية، ما لم فإن الطرد من الفصول وقت الامتحانات سيكون مصيرهم.

وأضافت: "صديقتي لم تستطع دفع الرسوم، وفي يوم الامتحان طردتها الأستاذة من الفصل، وكثير من الطالبات في الفصول الأخرى رأيتهن خارج الفصل بسبب عدم دفع الرسوم، بالنسبة لي فقد استلف والدي بعض المال من صاحب البقالة التي بجوار منزلنا، وسدد رسوم تسجيلي والرسوم الشهرية، ولا أدري هل سيستطيع تسديد رسوم بقية الشهور".

وتابعت: "والدي منقطع راتبه منذ ثلاث سنوات، ومع انقطاع راتبه ضاقت عليه السبل، ولا توجد لديه وسيلة أخرى يستطيع من خلالها تأمين رسوم المدرسة ومصروفات المنزل، إلا من خلال العمل بالأجر اليومي الذي نادرا ما يحصل عليه".

وأضافت: "لقد بعنا معظم أثاث بيتنا من أجل توفير الأكل والشرب، والآن تأتي رسوم الدراسة التي زادت من معاناتنا أكثر، وأتوقع أنني سأمنع من أداء اختبار الشهر القادم، وسأغادر المدرسة مثل زميلاتي".

وأضافت بنبرة فيها الكثير من الحزن: "لم أعد قادرة على رؤية والدي يطرق الأبواب للبحث عمن يسلفه رسوم دراستي، لذا إذا أصرت المدرسة الشهر القادم على أن أدفع الرسوم سأغادر المدرسة دون رجعة".

 

سطل ومكنستين مقابل تسجيل ابنتها في المدرسة:

الأمر ليس مزحة، بل هي حقيقة، فبالإضافة إلى رفع رسوم التسجيل، فرضت المليشيات على أولياء الأمور اشتراطات تعسفية لقبول أبنائهم للدارسة لأول مرة.

تحدثني إحدى الأمهات إنها ذهبت لتسجيل ابنها في الصف الأول، فتفاجأت بكثير من الطلبات التي قصمت ظهرها، قائلة: "عندما ذهبت لتسجيل ابني في الصف الأول الابتدائي، طلبت مني الإدارة رسوم التسجيل، بالإضافة إلى إحضار أدوات نظافة عبارة عن سطل ومكنسة".

وأضافت: "أخبرتني صديقتي أن المدرسة التي سجلت ابنتها فيها، طلبت منها إحضار فواتير المياه، وعليها ختم التسديد حتى آخر شهر مقابل قبول ابنتها في المدرسة، وقالت إن إدارة المدرسة أخبرتها إن هذا تعميما من مكتب التربية".

 

20 مليون فرضت على المدارس الأهلية:

الأمر لم يقتصر على المدارس الحكومية فقط، بل قامت المدارس الخاصة برفع رسوم التسجيل على الطلاب، بسبب الجبايات الكبيرة التي فرضها الحوثيون عليهم. 

حول الأسباب التي دفعت بالمدارس الخاصة لرفع الرسوم المدرسية، يحدثنا مدير إحدى المدارس الأهلية قائلا: "فرضت وزارة التربية والتعليم التابعة للانقلابيين ضرائب وجبايات كثيرة على المدارس الأهلية، وصلت إلى حوالي 20 مليون ريال، وهو ما حدا بنا إلى رفع الرسوم على الطلاب، بالإضافة إلى أنهم اشترطوا دفع 12 مليون ريال مقابل طباعة المنهج المدرسي، ومنعونا من طباعته بأنفسنا".

وأضاف: "ما الذي يمكننا فعله إزاء هذه الانتهاكات، فنحن لا يد لنا في ارتفاع الرسوم المدرسية.. إننا مرغمون على ذلك حتى نستطيع تسديد ما علينا من التزامات تجاه المدرسين، وإيجار المباني، ودفع تلك المبالغ التي ذكرتها سابقا للوزارة، والتزامات أخرى كثيرة".

واختتم حديثه بالتنويه إلى أن الحوثيين قاموا بإنزال لجان إلى الفصول للتأكد من عدد الطلاب في كل فصل.

 

هذا العام بات هو الأصعب على الطلاب وأولياء الأمور:

بعد أن فرضت وزارة التربية والتعليم الانقلابية على المدارس الحكومية رسوم تسجيل تتراوح من 1000 إلى 1200 ريال على كل طالب، بالإضافة إلى الرسوم الشهرية المقرة 100 ريال على كل طالب، ألزمت المدارس بدفع ما نسبته 85% للمليشيات، مما أثقل كاهل الطلاب وذويهم، في ظل الوضع المعيشي المتردي جراء استمرار نهب الحوثيين للرواتب، وشحة مصادر الدخل الأخرى إن وجدت.

يحدثنا أحد أولياء الطلاب قائلا: "مدير المدرسة المعين حديثا من قبل الحوثيين فرض على أولياء الأمور دفع رسوم 5000 ريال على كل طالب للنصف الأول من العام الدراسي، وفي بداية النصف الثاني لا بد من دفع نفس المبلغ، بحجة أنهم سيأتون بمدرسين جدد بدل السابقين المنقطعين، مع أنه لا أمل في انتظام دراسة الطلاب لهذا العام، ولنا تجربة من العام السابق، فقد كان أبنائي يوميا يعودون من المدرسة بسبب عدم وجود المدرسين وغيابهم المتواصل".

وأضاف: "هذه الرسوم إنما هي ضمن مسلسل سلب أموال الناس بلا أي فائدة يمكن أن تعود على الطالب أو حتى المدرسين، إنما ستذهب لجيوب الحوثيين".

ولي أمر الطالب باسم يحدثنا عن معاناته قائلا: "إنني لا أستطيع توفير جميع مستلزمات المدرسة للثلاثة من أبنائي، فكيف سأقدر على دفع ثلاثة آلاف ريال شهريا، في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة وانقطاع الرواتب".

وأكد أن هذا العام بات الأصعب على الطلاب وأولياء أمورهم، فبعض الأسر حُرم أبناؤها من الدراسة، لأنها عاجزة عن توفير مستلزمات التعليم، من رسوم مدرسية وزي مدرسي وكتب وغيرها.

كما أوضح أن الارتفاع الجنوني للأسعار زاد الطين بلة، إذ بلغ سعر الدفتر الواحد 400 ريال، أي ضعف ما كان عليه في السابق.

وأضاف: "أسرتي وكثير من الأسر ستعمل على التقليل من نفقاتها على القوت الضروري إلى حد كبير، من أجل توفير الرسوم الشهرية وشراء مستلزمات المدارس من حقائب وأزياء، وربما قد تلجأ إلى البحث عمن يقرضها المال".

 

تسرب المئات من الطلاب من المدارس:

ذكرت مصادر تربوية في محافظة إب، أن العشرات من الطلاب الذين لا يستطيعون دفع تلك المبالغ باتوا خارج المدارس.

ففي تلك المحافظة التي تقع تحت سيطرة الحوثي، ألزم الطلاب بدفع مبلغ 18000 ريال خلال العام في المدارس الحكومية، وأجبرت أولياء الأمور على توقيع عريضة التزام بدفع مبلغ 2300 ريال، مبينة أن هناك مدارس أخرى في محافظة إب ألزمت أولياء الأمور بدفع 5000 ريال كرسوم تسجيل لطلاب الابتدائية، و8000 على طلاب الإعدادية (المتوسطة)، و10000 على طلاب الثانوية العامة.

وأشارت المصادر إلى أن المليشيات خيرت أولياء الأمور بين دفع المبلغ الشهري المحدد بـ2300 أو دفع المبلغ بالكامل، وهو ما تسبب بتسرب المئات من الطلاب من المدارس جراء عدم قدرتهم على الوفاء بتلك الالتزامات.

 

المعلم المتأزم نفسياً ومعنوياً:

مع بدء العام الدراسي الجديد، تتفاقم المأساة لدى أولياء الأمور في ظل انقطاع الرواتب لدى موظفي الدولة وفرض الحوثيين رسوما باهضة على الطلاب.

مر العام الدراسي السابق بدون معلمين بالتزامن مع انقطاع رواتبهم، حيث شهدت العديد من المدارس إضرابات كلية أدت إلى توقف الدراسة بشكل نهائي، ويطل هذا العام الدراسي الجديد بحزمة قرارات، منها رفع رسوم التسجيل والذي كان شبه مجاني وبمبلغ رمزي، بالإضافة إلى فرض مبالغ شهرية على الطلاب بحجة تسليم رواتب المدرسين المنقطعة منذ نحو ثلاث سنوات.

 

إذلال للمعلم والطالب:

حول هذا الموضع تحدثنا الأخصائية الاجتماعية "ابتسام" التي تعمل في إحدى مدارس العاصمة قائلة: "الناس تعبوا من الوضع والمأساة الإنسانية التي خلفها انقلاب الحوثي، وجاء قرار فرض رسوم على الطلاب ليزيد من المعاناة والقهر اليومي الذي تواجهه الأسر في ظل انقطاع الرواتب، لذا أصبح من الصعب عليهم دفع أي مبالغ مالية، قليلة كانت أو كثيرة، هذا الوضع أثر نفسيا على الطلاب، والعديد منهم انقطع عن الدراسة بسبب الذل والمهانة التي تتسبب بها إدارة المدارس للطالب الذي لا يدفع الرسوم".

وأضافت: "إنهم يتحججون أن هذه الرسوم ستذهب للمدرسين، والحقيقة أنها لم تصلهم أي مبالغ، ولا تزال المليشيات ترفض دفع رواتب المعلمين وتجبرهم على ممارسة عملية التدريس وتهديدهم بالفصل في حال رفضوا، وقد تم خلال الأعوام الثلاثة التي مضت إقصاءات واسعة لكوادر تربوية على مستوى وزارة التربية والتعليم ومديري مكاتب التربية ومديري المراكز التعليمية ومديري المدارس في العاصمة صنعاء، وأحلت بدلاً عنهم قيادات تابعة للمليشيات".

وأضافت: "أعرف معلمة لجأت للعمل كخادمة في المنازل بعد عودتها من المدرسة، كي تتمكن من إعالة أسرتها جراء انقطاع راتبها".

وتساءلت: "كيف نطلب من المعلم المتأزم نفسياً ومعنوياً أن يستعد للجد والبذل والعطاء، والعام الدراسي يمر عليه وهو يخوض غمار الاحتجاجات والمناشدات والتوسلات، التي لا يجد لها صدى يذكر؟".

أصبحنا نراهم في الشارع يتسكعون.. أي مدارس سيتلقى فيها الطلاب التعليم؟ هل تركت المليشيات المدارس بحالها ليتلقى الطلاب فيها التعليم الصحيح؟

هذا تساؤل بدأ به الأستاذ خالد حديثه معي، عندما سألته عن كيف بدأ العام الدراسي الجديد؟ وأضاف: "نحن في ظل أوضاع بائسة يعيشها كل من المعلم والطلاب والعملية التعليمية على حد سواء، المليشيات حولت المناطق التي تسيطر عليها إلى جحيم مستعر، تزايدت معه مآسي التعليم الذي بات يندثر مع كل عام.
جرائم المليشيات متواصلة للقضاء على ما تبقى من التعليم والعملية التعليمية في اليمن، من خلال جرائمها السابقة والحالية لتنفيذ أجندتها المستورة والمتعلقة بتغيير الفكر والهوية اليمنية بفكر طائفي ممنهج".

وأوضح بقوله: "إنهم يريدون تجهيل هذا الجيل من خلال وضع كثير من المعوقات التي تحول بينه وبين مواصلة التعليم، ومثال على ذلك الرسوم التي فرضت على كل طالب، فهم يعلمون أن هذه الرسوم لن يستطيع معظم الآباء دفعها بسبب قطعهم لرواتب الموظفين، لذا كان القرار إذا لم يدفع الطالب الرسوم يطرد من المدرسة، وهذا ما حصل فعلا، كثير من الطلاب طردوا من مدارسهم، وأصبحنا نراهم في الشارع يتسكعون".

 

كسرت أصبعه لعدم استطاعته دفع الرسوم:

قبل أن أنهي كتابة هذا التقرير، صادفت وأنا في طريقي إلى مكان ما جارة لي، وبعد السلام عليها لاحظت على عيونها آثار الدموع، وعندما سألتها عن سبب بكائها، أخبرتني إنها للتو خرجت من مدرسة ابنها، الذي قامت الأستاذة بضربه، مما أدى إلى كسر إحدى أصابع يده، وعندما سألتها عن سبب هذه الوحشية؟ أجابت أن الأستاذة دخلت بالأمس على الطلاب وهم يؤدون الاختبار الشهري، وطلبت من الذين لم يدفعوا الرسوم دفعها حالا، وعندما أخبروها إنهم لم يستطيعوا توفير المبلغ، قامت بضربهم بـ"لي دبة الغاز" وكان ابنها أحد الطلبة الذين لم تستطع الأم الأرملة توفير المبلغ للمدرسة، والذي نال القسط الأكبر من وحشية الأستاذة، التي كسرت أصبعه التي سالت منها الدماء على ورقة الاختبار.

بصراحة لم أصدق رواية الأم، فأنا لم أتخيل أن الأمر سيصل إلى هذا الحد، لذا طلبت منها مرافقتي للمدرسة للتأكد من الموضوع، لم تعترض وذهبنا للمدرسة وهناك رأيت كثيرا من الأمهات المتواجدات في حوش المدرسة.

أخبرتني جارتي إنهن جميعا أتين ليطلبن من إدارة المدرسة مهلة حتى يستطعن توفير مبلغ الرسوم، مقابل دخول أبنائهن قاعة الاختبار.

توجهت إلى الأمهات لسؤالهن عن سبب تواجدهن في المدرسة، فأخبرني إنه تم حرمان أبنائهن من أداء الاختبار بعد أن تم ضربهم جميعا بنفس الوحشية التي وصفتها لي جارتي، وإن الإدارة لم تلتفت لتوسلاتهن، بل وأعطت كل أم ملف ابنها بعد أن أخبرتهن الإدارة بأن "يدبرن" أنفسهن، أو يبحثن عن مدرسة أخرى تقبل أبناءهن بدون أن يدفعن الرسوم.

اسم المدرسة طارق بن زياد، وتقع في بيت معياد، هذا لمن أراد أن يتأكد من صحة الخبر.

كلمات دالّة

#اليمن