تواصل مليشيات الحوثيين الإرهابية تضييق الخناق على المواطنين في مناطق سيطرتها بإجراءات وأساليب قمعية واستبدادية لم يسبق أن اتخذتها أسوأ المنظمات الإرهابية في العالم في حال تمكنت من السيطرة على نطاق جغرافي معين، فالمليشيات الحوثية بعد أن حمّلت المجتمع أعباء الحرب وأنهكته وأفقرته ونهبت كل شيء، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، تطل كل يوم بإجراءات جديدة تعكس نزعتها العنصرية والإرهابية وتلذذها بقمع المجتمع وسحقه واستعباده، غير مبالية بالسخط المكبوت والمتراكم إزاء ذلك الضغط العنيف ضد المجتمع، بل فهي تعتقد أن إجراءاتها الاستبدادية المتتالية تعد بمنزلة الوسيلة الرئيسية لحكم المجتمع وإذلاله حتى لا يثور ضدها.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت أبرز الإجراءات التي اتخذتها المليشيات الحوثية للمبالغة في قمع المجتمع، وضع قيود على حفلات تخرج الطلاب من الجامعات، ومنع طالبات المدارس من الضحك أثناء الرحلات المدرسية، وما سمتها "مدونة السلوك الوظيفي" ذات النزعة العنصرية والطائفية المقيدة لموظفين بلا رواتب أصلا، بالإضافة إلى إجراءات سابقة مشابهة بدأت منذ انقلاب المليشيات على الدولة، في سبتمبر 2014، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
- تطييف شامل وإرهاب باسم الفضيلة
منذ انقلابها على السلطة الشرعية، اتخذت مليشيات الحوثيين الإرهابية سلسلة من الإجراءات التي من شأنها ترسيخ نفوذها في السلطة والمؤسسات الحكومية المختلفة، لصالح مشروعها السياسي والفكري، وأبرزها ما تسميها الولاية أو الحق المقدس في السلطة والثروة، وما تسمى الهوية الإيمانية، والإعلان ميثاق شرف قبلي بهدف تطييف القبائل.
وهناك وسائل كثيرة ممنهجة سبق أن اتخذتها المليشيات الحوثية تباعا لقمع المجتمع وقهره، واتخذت من شعار "الفضيلة" لافتة للتغطية على إجراءاتها الاستبدادية لجعل المجتمع في حالة قهر وذل وخضوع دائم لسلطتها الكهنوتية، ولقطع الطريق على كل ما تعتقد المليشيات أنه قد يهدد سلطتها مستقبلا، وهناك إجراءات كثيرة لا تهتم وسائل الإعلام بتسليط الضوء عليها.
من المعلوم أن مليشيات الحوثيين بلا مرجعية أخلاقية تبرر سلوكها القمعي باسم الأخلاق، لأن قيادات وأتباع تلك المليشيات معروفون بالتفلت الديني والأخلاقي، وهو ما تعكسه تصرفاتهم اليومية في مناطق سيطرتهم وفي بعض الجبهات المحاذية لأحياء سكنية يتعرض سكانها للقنص والهجمات العشوائية التي تسفر عن استشهاد وجرح البعض منهم من مختلف الفئات وخصوصا الأطفال والنساء.
وتتناول وسائل الإعلام المحلية -من حين لآخر- أخبارا غير مألوفة لدى المجتمع اليمني، مثل الاعتداء بشكل هستيري على شبان بسبب ملابسهم أو بسبب طريقة حلاقة شعر رؤوسهم، وعممت على صوالين الحلاقة تعليمات بشأن طريقة الحلاقة التي عليهم التقيد بها، وأحرق بعض قيادييها الميدانيين أربطة الخصور للملابس النسائية، ومنعت مجسمات عرض الملابس النسائية في المحال والمولات التجارية، ومنعت رفع إعلانات تجارية تتضمن صور نساء.
كما أقدمت قيادات في المليشيات على إغلاق مطاعم في صنعاء بذريعة الاختلاط ووجود عاملات فيها، وحلقت شعر شبان بشكل مشوه بذريعة مشيهم بالقرب من مدارس للبنات، واختطفت بعض العرسان وأودعتهم السجون بسبب الأغاني ولم تفرج عنهم إلا بفدى مالية، وأيضا اختطفت فنانين من صالات حفلات زفاف بذريعة أن الغناء حرام، وهكذا حشرت المليشيات الحوثية الإرهابية نفسها في تحديد حتى شكل اللباس وقصة الشعر وطريقة حفلات الزفاف وتحديد أوقات منع الضحك لطالبات المدارس.
- نادي الخريجين وقمع الطلاب
يُعد الطلاب من أكثر شرائح المجتمع استهدافا بالقمع والتضييق، لدرجة أن هناك إجراءات تُتخذ بحقهم من دون أن يكون لها مردود معين، ولا تعكس سوى مبالغة المليشيات الإرهابية في القمع والاستبداد والإرهاب، حيث تعمل المليشيات على مضايقتهم ومحاصرتهم في مدارسهم وجامعاتهم، وتدخلت في كل شيء، حتى حفلات التخرج شكلت لها ناديا تتكون إدارته من أفراد يعملون في جهازها المخابراتي.
ويهدف ما سمته المليشيات "نادي الخريجين" إلى التحكم في حفلات الخريجين، واستبعاد الفقرات ذات البعد الوطني، مثل الأناشيد الوطنية وغيرها من الفقرات، التي تشعر مليشيات الحوثيين أنها موجهة ضدها أو لا تتوافق مع سياستها الطائفية، بالإضافة إلى استخدام النادي لنهب أموال الطلاب، حيث يطلب النادي مقابل كل حفل يقيمه الخريجون مبالغ مالية تحت مسمى فتح ملف، ناهيك عن الضوابط الحوثية لإقامة الحفل، مشترطين أن يكون الفنان وجميع الفقرات بواسطتهم، وإذا استقدم الخريجون فنانا أو منشدا من دون الرجوع للنادي الحوثي يتم منعه، كما أن النادي الحوثي منع التجار من تقديم الدعم لحفلات التخرج.
ويعكس السلوك القمعي للمليشيات الحوثية ضد الطلاب والمؤسسات التعليمية مخاوف أمنية وسياسية أكثر من أي اعتبار آخر، فالطلاب يمثلون الفئة الحيوية في أي مجتمع، وهم من يقودون عملية التنوير في مجتمعاتهم، وتختزن الذاكرة الجمعية لليمنيين أدوارا وطنية عظيمة للطلاب في محطات التحول المهمة التي شهدتها البلاد.
فالطلاب اليمنيون في الخارج، وتحديدا في مصر، كانوا أول فئة نظمت مظاهرات ضد الإمامة الكهنوتية قبل اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962، وكانوا هم العمود الصلب للثورة السبتمبرية بعد عودتهم إلى البلاد، وكان طلاب الجامعات هم من أشعلوا ثورة 11 فبراير 2011، والآن أصبحت حفلات التخرج من الجامعات تمثل إحدى وسائل المقاومة المجتمعية والتعبير عن الرفض الشعبي للمليشيات الحوثية الإرهابية من خلال الأناشيد الوطنية ورفع علم البلاد وإعلاء قيمة العلم، وهي رسائل تفهمها المليشيات الحوثية جيدا، وبسببها يزداد عداؤها الهستيري للطلاب وللمؤسسات التعليمية.
- منع الطالبات من الضحك في الرحلات المدرسية
لا يبدو أن قمع مليشيات الحوثيين الإرهابية للطلاب سيتوقف عند حد معين، وكانت آخر الإجراءات التي اتخذتها المليشيات في هذا السياق، هي منع المدارس الحكومية والأهلية في العاصمة صنعاء، التي تسيطر عليها، من تنظيم رحلات مدرسية للطلاب إلا بموافقة مسبقة منها.
وأصدرت المليشيات الإرهابية اشتراطات جديدة تضيق على طلاب وطالبات المدارس في صنعاء، حيث كشفت وثيقة موجهة من مكتب التربية والتعليم بأمانة العاصمة، التابع للمليشيات، عن اشتراطات موجهة للمدارس كافة بعدم القيام بأي رحلات مدرسية إلا بعد الرجوع للمنطقة التعليمية في الأمانة، والتنسيق مع قيادات المليشيات الحوثية.
كما وضعت قائمة لما سمتها "ضوابط الرحلات المدرسية"، وألزمت مديري المدارس بالتقيد بها، ومنها منع الطالبات من الضحك في حافلات الرحلات المدرسية، ومنعهن من سماع الأغاني داخل الباص أو خارجه ومنعهن من حمل الهواتف المحمولة، واشترطت على المدرسة التي تعتزم تنظيم رحلة للطلاب تقديم طلب إلى المنطقة التعليمية يتضمن كافة تفاصيل الرحلة، والفصل بين الجنسين.
- منع النساء من السفر
وفي وقت سابق، أصدرت مليشيات الحوثيين الإرهابية تعميما بمنع النساء من التنقل أو السفر من دون "محرم"، وتنفذ إجراءات صارمة في نقاط التفتيش على مخارج ومداخل العاصمة صنعاء لتنفيذه، كما يطبق القرار أيضاً على النساء اللواتي يسافرن عبر مطار صنعاء إلى خارج البلاد.
- مدونة السلوك الوظيفي
وفي 7 نوفمبر الجاري، أعلنت مليشيات الحوثيين بدء سريان ما سمتها "مدونة السلوك الوظيفي" بعد أن صادق عليها رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط. وتتكون المدونة من 36 صفحة تلزم كل الموظفين في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الإرهابية بقواعد سلوك تفرض على الجميع.
وقد أثارت تلك المدونة انتقادات واسعة في أوساط الموظفين والسياسيين والناشطين داخل المناطق التي تسيطر عليها المليشيات وخارجها.
وتضم تلك "المدونة" مجموعة من "الضوابط الأخلاقية والدينية والوظيفية"، حسب توصيف المليشيات، يلتزم الموظف بالعمل بها ويعاقب على مخالفتها، وأثارت تلك المدونة انتقادات واسعة بسبب مرجعياتها والهوية الدينية الجديدة المفروضة فيها، والتي تحل مكان الهوية اليمنية.
وقد اعتبرت الحكومة اليمنية الشرعية تلك المدونة أنها تهدف إلى أدلجة الوظيفة العامة، وتطييف المجتمع والدولة وفق أفكار مليشيات الحوثيين الإرهابية.
- قمع وتنكيل شامل
يصعب رصد جميع إجراءات الحوثيين القمعية والتنكيلية بحق المواطنين في مناطق سيطرتها، منذ بداية الانقلاب حتى الآن، وسنتطرق إلى أكثرها إقلاقا للمجتمع، وتحديدا خلال عام 2020، حيث شاعت خلال ذلك العام ظاهرة اختطاف المليشيات للنساء وتعذيبهن، وأيضا اختطاف الأطفال والزج بهم في جبهات القتال، مما تسبب بقلق اجتماعي واسع النطاق.
كما كثف الحوثيون خلال ذلك العام التضييق على الحريات الشخصية بشكل غير مسبوق، لدرجة إغلاق عدد من الكافيهات بذريعة الاختلاط، واعتقال عدد من الشباب لاحتفالهم بما يسمى "عيد الحب"، في 14 فبراير، وإصدار أحكام إعدام بحق سجناء من الطائفة البهائية، قبل التراجع عن تلك الأحكام بفعل ضغوط دولية، واستبدالها بالإفراج عنهم وتهجيرهم خارج اليمن.
وفي مطلع يونيو 2020، أعلنت المليشيات الحوثية قانونا يجيز لها الاستيلاء على 20% من ثروات اليمنيين، أو ما يسمى في مذهبها "الخمس"، وتسبب ذلك بأزمة اجتماعية جعلت المليشيات تبحث عن تبريرات لذلك القانون بدت غير مقنعة.
لم يكن ما سبق سوى غيض من فيض، لأن معظم إجراءات مليشيات الحوثيين الإرهابية ضد المجتمع لا تصل إلى وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية، فمعظم الانتهاكات تحدث في الأرياف والقرى المعزولة عن الإعلام، ومن بين تلك الانتهاكات الاستفراد بالضعفاء ونهب مواشيهم ومحاصيل مزارعهم بذريعة دعم المجهود الحربي، وإثقال كاهلهم بالزكاة، والإجبار على التجنيد، والزواج بالإكراه، والتهجير، ونهب الأراضي والبيوت، والتطييف العنيف والإجباري، وغير ذلك من وسائل القمع والإرهاب.