التعددية في الفكر الإسلامي.. إعادة التأصيل مقاصديا (الحلقة 1) التعددية سنة كونية
الموضوع: اخبار وتقارير

 

مدخل: الحكم على الشيء فرع عن تصوره:

قضية التعددية السياسية في الفكر الإسلامي تناولها فقهاء ومفكرون في ضوء الأحكام التكليفية الخمسة المتعارف عليها في أصول الفقه وهي: الواجب، المحرم، المكروه، المندوب، المباح.

وما وقفت عليه من تلك الكتابات وجدت أنها لم تخرج عن النتيجتين التاليتين:
- تحريم التعددية.
- جواز العمل ببعض صور التعددية.

غير أن الجدل الفقهي مستمر، رغم أن فريقي الفقه قد قبلا بالتعاطي مع التعددية -ممارسة- كأمر واقع، لكن الحكم الشرعي على التعددية لم يحسم، والسبب أن الرؤية الفكرية في الفضاء الفقهي لا زالت ضبابية.

وإذا تساءلنا عن الخلل الجوهري الذي خلّف تلك الضبابية الفكرية سنجد أن الخلل بالدرجة الأولى هو خلل منهجي متمثل في غياب المنهج المقاصدي، ذلك أن المنهج المقاصدي يمكّن الفقيه من تقسيم القضايا المستجدة وتحديد مجالاتها، هل هي من الأمور التعبدية البحتة كالصلاة والصيام والصدقات والنوافل وتلاوة القرآن وما شابه ذلك؟ أم هي من القضايا الوسائلية المتصلة بمتغيرات الحياة الدنيوية؟ فالوسائل تختلف أحكامها الشرعية بحسب تحقيق مصالح الإنسان وحمايتها.

ولو أن الفقهاء والمفكرين نظروا إلى قضية التعددية من خلال المنهج المقاصدي، لم ولن يختلفوا، كونهم سيجدون أن التعددية السياسية هي سنة كونية، وهي في ذات الوقت تنتمي إلى منظومة السنن الكونية الحاكمة لسنن الاجتماع: حماية كرامة الشعوب وحقوقها وبناء النسيج المجتمعي وحمايته نموذجا.

الجدير ذكره أن الحكم على قضية التعددية بعيدا عن المنهج المقاصدي قد خلق إشكالية أخرى هي ضعف النظر الفقهي تجاه تصنيف القضايا المستجدة، مثل متغيرات الحياة المتصلة بالمنهج المقاصدي الكاشف عن السنن الكونية الحاكمة للاجتماع.

اتهام الشريعة الكاملة:

نتج عن ذلك الضعف التأصيلي اتهام الشريعة الكاملة بالعجز والقصور من جهة، والدعوة لإحلال قوانين وضعية من جهة ثانية.

إعادة التأصيل:

أولا، تهدف هذه الحلقات إلى إعادة التأصيل من خلال المنهج المقاصدي للقضايا المستجدة ومنها التعددية السياسية وربطها بمنظومة التعددية الشاملة -السنن الكونية- ابتداء من التسلسل التالي:
- التعددية سنة كونية.
- التعددية السياسية هي إحدى مكونات منظومة السنن الكونية ولا تفصل عنها لأنها منظومة متكاملة.
- منظومة السنن الكونية تعمل بانسجام وتكامل فيما بينها دون اختلاف وهكذا أرادها الله واقتضتها حكمته.

لن يستقيم لنا فهم منظومة السنن الكونية مكانة، وغاية، ووظيفة، إلّا إذا قمنا بتعريفها أولا، ثم توضيح وظيفتها الناظمة والمسيّرة للاجتماع الإنساني ثانيا، ودورها في النهوض الحضاري ثالثا.

ثانيا، تعريف السنن الكونية:
السنن الكونية هي منهاج الله الذي اختاره لتسيير الكون، وعمارة الأرض، وحفظ نظام الحياة الإنسانية، وقضاؤه الكوني، وهي القواعد والأصول التي رسمها الله لهداية الناس وإصلاحهم للمعاش والمعاد على مقتضى حكمته وعلمه، ومشيئته وإرادته المطلقة.

ثالثا، مفهوم السنن الكونية:
هي إرادة الله الكونية، والأنسية، والدينية، وأفعاله المطلقة، وأحكامه القدرية في تنظيم الاجتماع البشري وأحوال العمران الإنساني، وهي كلماته التامات، ووعوده الحقة الناظمة لحركة الحياة البشرية، الموجهة للسلوك الإنساني، وسير المجتمعات، وصيرورتها في عالم الشهادة وفاعليتها، وحكمتها في آفاق الكون، وتسلسل حركة التاريخ الجارية بالعباد معاشا ومعادا.

رابعا، مكانتها التشريعية:
منظومة السنن الكونية متداخلة مع القيم الكونية والقيم الخلقية، وبالتالي نجد أن منظومة السنن الكونية متصلة بالعقيدة، قال تعالى: "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم • والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما • يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا".

إذن السنن الكونية هي مراد الله وأوامره المقترنة بالأمر بالإيمان، والإيمان بها واجب ومخالفتها يستنزل عقوبة الله عاجلا وفي الدار الآخرة، كما سنوضح لاحقا، فكل ذلك "سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنة الله تبديلا".

- منظومة القيم و السنن الكونية احتلت المرتبة الثانية بعد العقيدة.
- فرائض الإسلام (الصلاة والزكاة... إلخ أركان الإسلام) جاءت في المرتبة الثالثة.

والقرآن زاخر بالنصوص المكية والمدنية على السواء بدءا من سورة الماعون التي بدأت بالعقيدة: "أرأيت الذي يكذب بالدين • فذلك الذي يدع اليتيم"... إلخ. أيضا: "فلا اقتحم العقبة • وما أدراك ما العقبة • فك رقبة • أو إطعام في يوم ذي مسغبة • يتيما ذا مقربة • أو مسكينا ذا متربة"... إلخ. "كلا بل لا تكرمون اليتيم"... إلخ. "ويل للمطففين • الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون" إلى قوله تعالى: "ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون • ليوم عظيم"… "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" (الإسراء، 22) إلى نهاية الآية 39 (مقطع زاخر بمنظومة السنن الكونية والقيم الناظمة للحياة)، وانتهى المقطع بتقرير ربط بين القيم والسنن الكونية وركني الإيمان بالله واليوم الآخر.. قال سبحانه: "ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا".. "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدىً ورحمة وبشرى للمسلمين" (النحل، 89)، ثم تلاها بقوله سبحانه: "إن الله يأمر بالعدل والاحسان" إلخ الآية 97.

خامسا، غاية السنن الكونية:
من خلال تعريف منظومة السنن ومفهومها ومن خلال النصوص الآنفة نستطيع القول إن غاية السنن الكونية ووظيفتها هي "بناء المجتمع".

سادسا، نتائج وآثار مخالفتها:
رتب القرآن عقوبات أخروية ضد من خالف سنن الله، والأدلة كثيرة أكتفي منها بقوله سبحانه: "ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا".. ملوما معذبا في الآخرة.. مدحورا في دنياك ضعيف متخلف محقور بين المجتمعات.

سابعا، العقوبة الدنيوية:
من يتعسف أو يتجاهل منظومة السنن الكونية أو يخالفها أو صادمها، فالعقوبة الدنيوية سريعة إليه، ذلك أن السنة الكونية ترتبط بالعقوبة الدنيوية ارتباط سبب بنتيجة دونما تأخر - تخلف العالم الإسلامي والعربي نموذجا صارخا، لأنه أهمل منظومة سنن الله المحركة للنهوض الحضاري، والحامية لكرامة الإنسان فردا وشعبا، ثم نأتي نتساءل: لماذا نحن في حروب ودمار وفقر؟ لماذا نحن سوق استهلاك لمنتجات الآخر؟

للمزيد حول العقوبات:
انظر قصص القرآن الذي أخذ حيزا قارب ثلث القرآن، قصص كلها تحدثنا عن عقوبات مخالفة السنن الكونية. إذن، فالأنبياء جاؤوا يعلمون الناس الحكمة: "ويعلمهم الكتاب والحكمة".. ومن الحكمة تجنب عقوبات الله، ثم إن الحكمة مصطلح قرآني ناظم لجميع السنن والقيم الكونية والقيم الخلقية الحاكمة للاجتماع البشري.

الخلاصة، منظومة السنن الكونية الشاملة هي قضاء الله وإرادته الكونية المتصلة بركني الإيمان بالله واليوم الآخر، وقد احتلت المرتبة الثانية بعد ركني الإيمان بالله واليوم الآخر.

- مخالفة السنن الكونية يترتب عليها عقوبة في الدنيا -تخلف إنساني- انسحاق كرامة الإنسان، ضياع حقوق، تأخر حضاري - عالة على الغير. وفي الآخرة عقوبات - الإلقاء في جهنم ملوم، محسور، مدحور.

الفرق بين التعددية والتفتيت، نموذج السلالية الإرهابية الانقلابية في اليمن.
نلتقي بعون الله..

الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي
الأربعاء 17 أغسطس-آب 2022
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=9468