تعز بعد ثماني سنوات من الحصار: جرائم حوثية بالجملة وتخاذل أممي مريب
الموضوع: اخبار وتقارير

 

لم تكن الجريمة التي ارتكبتها مليشيا الحوثي بمدينة تعز، مساء السبت الماضي، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة 12 طفلا في حي الموشكي وسط المدينة؛ إلا واحدة من سلسلة الجرائم البشعة التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق المحافظة منذ مطلع 2015 وحتى اليوم.

كشفت هذه الجريمة الحوثية بحق الأطفال عن مدى الحقد الأسود الذي تحمله مليشيا الإرهاب الحوثية بحق أبناء تعز؛ حيث صبّت المليشيا جام غضبها على عاصمة الثقافة، وحاصرتها وخنقتها، ومنعت عنها المواد الأساسية، وفرضت عليها حصارًا خانقًا منذ سبع سنوات، تسبّبت في وفاة الآلاف من الجرحى والمرضى، وسط صمت دولي، وتواطؤ أممي.

ورغم الإدانات الحقوقية المحلية والدولية لهذه الجريمة الحوثية البشعة بحق الطفولة في تعز؛ إلا أنها غير كافية لوقف سلسلة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين من أبناء المحافظة، وسط استمرار الحصار والقصف العشوائي على الأحياء السكنية بصورة دائمة، وارتكاب الجرائم البشعة على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن.

حيث جاءت هذه الجريمة بالتزامن مع زيارة المستشار العسكري للمبعوث الأممي رئيس لجنة التنسيق للشؤون العسكرية الجنرال انتوني هايورد إلى المدينة، وهو ما اعتبرته أحزاب تعز في بيان لها، "استهتاراً غيرَ مسبوق بدماء المدنيين وحقوق الإنسان والقانون الدولي، وبالقيم الإنسانية كنتيجة طبيعية لتعامل المجتمع الدولي الناعم مع جماعة إرهابية ترتكب كل يوم مجازر ضد المدنيين".

وأكدت الأحزاب في بيانها، "أن هذه الأعمال لن تثني تعز ولا اليمنيين عموما عن مسيرة النضال ودرب الحرية والتحرير من أنصار الظلام وأعداء الإنسانية"، داعية "أبناء تعز وعموم الوطن إلى إعلان النفير وتجديد العزم وأن يتسلحوا بالوحدة وروح التضحية، والوقوف صفا واحداً وراء الجيش الوطني والمقاومة الباسلة حتى النصر المحتوم".

2600 يوم من الحصار

ترضخ مدينة تعز لحصار حوثي منذ ثماني سنوات، كانت حصيلتها بعد 2600 يوم من الحصار، 31 الف انتهاك، ونحو 22 آلاف قتيل مدني، بينهم نساء وأطفال سقطوا برصاص مليشيا الحوثي، منذ مارس 2015م، وفق تقرير حقوقي حديث صدر عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن الأسبوع الماضي.

حيث وثق التقرير الحقوقي أكثر من 31 ألف انتهاك للحوثيين خلال 2600 يوم من الحصار المشدد الذي تفرضه المليشيات الانقلابية على مدينة تعز، كما كشف أرقام مفزعة عن جرائم الانقلابيين في تعز منذ بدء الحصار الذي فرضه الحوثيون بدعم إيراني في 21 مارس 2015.

وبحسب التقرير، فقد وثق خلال الفترة 21 مارس/ آذار 2015 وحتى 30 أبريل/ نيسان 2022، أي خلال 2600 يوم ارتكاب الحوثيين انتهاكات بلغت 31178 جريمة طالت المدنيين وأملاكهم بشكل مباشر، وأن 21 ألفا و676 مدنيا سقطوا ضحايا بنيران مليشيات الحوثي بما فيهم 3 آلاف و988 قتيلا بينهم 855 طفلا و458 امرأة.

كما أصيب نحو 17 ألف و688 مدنيا بينهم أكثر من ألفي طفل وألفي امرأة، فيما تصدرت الألغام الأرضية المضادة للأفراد المحرمة دوليا للحوثيين في صدارة القائمة بواقع 2050 قتيلا وجريحا.

لماذا تعز؟

منذ سيطرتها على الدولة في سبتمبر 2014، عملت مليشيا الحوثي على محاولة بسط سيطرتها على محافظة تعز، وذلك بالنظر إلى موقعها الجغرافي، الذي يعد الأكثر حساسية وتأثيرًا في الخاصرة الطبيعية لليمن، وذلك بالنظر إلى قيمتها الاستراتيجية والجيواستراتيجية.

تحتل محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في الجمهورية، ومع نهاية أذار/مارس 2015، عملت مليشيا على نقل معركتها إلى هذه المحافظة التي تقع على مضيق باب المندب، والتي أعطاها إطلالة بحرية واسعة للاتصال بالقرن الإفريقي، حيث اجتاحتها المليشيا في 20 مارس 2015، قبل أن يتم تحرير معظمها من قبل قوات الجيش الوطني والمقاومة خلال السنوات الماضية.

تتميز محافظة تعز بتنوع تضاريسها بين السهلية والجبلية، ما أعطاها ميزة اقتصادية، وهي ميزات لها أهميتها الكبيرة في ظروف السلم والحرب، ولذا تُعدّ بحسب خبراء مفتاحًا رئيسيًا في الصراع الجاري باليمن، وفقا للباحث اليمني الدكتور علي الذهب.

ناهيك عن كونها - تعز - ولّادة الأبطال والملاحم، تشتعل جبهاتها وشوارعها نار ونور، رفع أبناؤها راية التحرير، وتوهّجت برجالها الذين يفخر بهم الزمن، وتغنّى بأرواحهم المكان، حيث تحدثوا ووهبوا أنفسهم فداء لمحافظتهم واليمن الكبير، وتحدثت تضحياتهم بصوت مرتفع، ليكتب في صفحات التاريخ، سيرة بطولة تعز الجمعية، ودورها في ملحمة التحرير الكبرى للوطن.

مأساة الطفولة

منذ أواخر مارس 2015، تتعرض محافظة تعز لقصف عنيف من قبل مليشيا الحوثي، وتعرضت المحافظة لأكثر سقوط للضحايا بين المدنيين جراء الهجوم العنيف الذي تشنه المليشيا بشكل متواصل على المحافظة.

وحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فأن الحوثيين يقصفون المدنيين في مدينة تعز بشكل عشوائي ومتكرر، ما أدى لمقتل الآلاف وجرح أضعافهم.
وذكّرت المنظمة في تقرير لها، بالطفل "فريد شوقي الذماري"، 6 سنوات، والذي تم نشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، في منتصف أكتوبر 2015، حين كان راقد على سرير مستشفى بعد أن أصيب بشظايا حوثية في رأسه، وهو يتوسّل الأطباء بصوت هادئ "لا تقبروناش"، أي لا تدفنوني..

ولقيت هذه الحادثة صدى واسعًا في مختلف وسائل الإعلام العالمية، خاصة بعد وفاة الطفل بعد عدة أيام من أصابته وصرخته المدوية التي كانت تكثيفا لواقع مأساة الطفولة في المحافظة جراء الجرائم الحوثية بحقهم، حيث كان لهم النصيب الأكبر من الانتهاكات التي طالت المحافظة على مدى السنوات الماضية.
وفي ديسمبر 2015، أقيم في نيويورك الأمريكية، معرض صور عن جرائم الحوثيين بحق الأطفال والمدنيين بتعز، تحت شعار "لا تقبروناش"، للتذكير بمأساة الطفل فريد الذماري، الذي كانت مأساته عنوان لواقع الطفولة في اليمن في ظل الانقلاب الحوثي.


موقف أممي متخاذل

ورغم الجرائم المتكررة بحق مدينة تعز من قبل مليشيا الحوثي إلا أن الصمت الأممي، لا يزال هو سيد الموقف، خصوصًا في ظل الجرائم المتكررة بحق المحافظة، واستمرار الهدنة التي تم تجديدها للمرة الثانية.

وإزاء هذا الصمت تشهد مدينة تعز مظاهرات حاشدة تطالب بإنهاء الحصار الحوثي على المدينة، والتنديد بالتواطؤ الأممي إزاء جرائم المليشيا الحوثية تجاه المدنيين رغم الهدنة الأممية.
وندد المتظاهرون بصمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة حيال الجرائم التي تطال المدنيين من قبل مليشيا الحوثي وآخرها الهجوم الذي استهدف حي الروضة وأدى إلى مقتل وإصابة 12 طفلاً.

ودعا المحتجون المجتمع الدولي والمبعوث الأممي إلى إدانة الجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي بحق المحافظة، في ظل الهدنة الأممية التي يجري التسويق لتمديدها، مع استمرار تعنت المليشيا رفض فتح الطرق إلى المدينة وإنهاء الحصار عنها.
مؤكدين أن هذا الصمت الأممي والدولي إزاء الجرائم الحوثية بحق أبناء المحافظة، انعكس في استغلال المليشيا الحوثية لتوغل في الإجرام، وتستمر في إطباق حصارها الخانق على المحافظة منذ العام 2015 وحتى هذه اللحظة.

فشل دولي في فك حصار تعز

ويرى مراقبون أن الصمت الدولي والأممي تجاه مليشيا الحوثي شجعها على الاستمرار في قصف المدينة، وفرض الحصار الخانق عليها، مشيرين إلى أن الأمم المتحدة تستكثر حتى إصدار بيانات تدين المليشيا بشكل واضح، حيث عمدت على إصدار بيانات دون ذكر الفاعل الحقيقي، والاكتفاء ببيانات مطاطية لا تتحدث عن جذر المشكلة وقاعدتها.
ولعل أخر ما يشير إلى هذا الأمر، هو إدانة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الهجوم على حي سكني أسفر عن سقوط مصابين أطفال مساء السبت، دون الإشارة لمرتكب الجريمة مليشيا الحوثي، مكتفيا بالتعبير عن قلقه إزاء هذا الهجوم الذي وقع خلال الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة.

ومن المهم الإشارة في هذا الصدد إلى أن استمرار حصار تعز من قبل مليشيا الحوثي، هو أحد الأسباب في استمرار تلك المجازر ضد السكان، وبالتالي يتحمل المجتمع الدولي جزء كبير من مسؤولية ما يجري من جرائم بحق المدنيين؛ كونه يقف عاجزا عن فك الحصار عن المدينة طيلة ثمان سنوات.
وتأتي التناقضات الأممية في بيانات الإدانات التي تصدرها بين كل وقت وأخر، من خلال قيامها بإصدار بيانات شديدة اللهجة في حال تم ارتكاب أي خطأ من قبل التحالف في مناطق سيطرة الحوثي، مقابل الصمت والتغاضي إزاء الجرائم الحوثية المرتكبة بحق الشعب اليمني منذ انقلابهم على الدولة في سبتمبر 2014.

حيث عمدت الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن على الاكتفاء بمراقبة الوضع في اليمن، وإصدار بيانات التنديد والقلق، وعدم التحرك الفعلي والجاد لإنهاء المأساة التي يعيشها الشعب اليمني وتحديدا أبناء مدينة تعز المحاصرة منذ سبع سنوات.
وقد فشلت الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن في اقناع المليشيا بفك الحصار، تنفيذا لبنود الهدنة الأممية التي تم تجديدها للمرة الثانية، ومن المتوقع تجديدها لستة أشهر قادمة مطلع الشهر الجاري، حيث تضغط الأمم المتحدة بهذا الاتجاه، دون النظر إلى رفض المليشيا تنفيذ أهم بنودها المتمثلة بفك الحصار عن تعز، والذي وصفه المبعوث الأممي بأنه حجر الأساس في اتفاق بنود الهدنة.

الإصلاح نت-خاص | مدين قاسم
الثلاثاء 26 يوليو-تموز 2022
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=9395