الحصار على تعز.. بين بشاعة الإرهاب الحوثي وصمت المجتمع الدولي
الموضوع: اخبار وتقارير

 

تعيش تعز في ظل حصار مليشيات الحوثي لها منذ العام 2015، دون أن تلتفت أي جهة بشكل جدي لما يجري فيها، حتى في الوقت الذي اضطر فيه السكان لشرب مياه غير صالحة للشرب، وتقليص عدد وجباتهم إلى أقل قدر ممكن، بعد اشتداد الحصار عليهم.

في العام 2016، تم كسر الحصار جزئيا من الجهة الغربية، بعد استمرار معاناة أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن في المحافظة طوال أشهر، ومعارك شرسة خاضتها قوات الجيش الوطني ضد مليشيات الحوثي.

الحصار بداية الحرب

قبل كسر الحصار بشكل جزئي، كانت تلك هي الفترة الأشد على المواطنين في تعز، بسبب إغلاق مختلف المنافذ، وعدم وجود طرق فرعية أخرى جاهزة ولو بشكل محدود يمكن استخدامها لتسيير أمور الحياة.

عاش المواطنون الذين استطلع آراءهم "الإصلاح نت" أسوأ أيام حياتهم خلال تلك الفترة، فإضافة إلى القصف العشوائي الذي تتعرض له المدينة، نفدت أغلب المواد الغذائية، وانقطعت المياه وتحديدا المخصصة للشرب، وأغلقت الأسواق المخصصة لبيع الخضروات والفواكه، بسبب عدم وجود بضائع.

بحسب السكان، فقد اختفت كثير من الأدوية أيضا، ومع مرور الوقت ارتفعت أسعار المواد الغذائية وغيرها، وأصبح المدنيون مضطرين للشرب حتى من مياه غير صالحة للشرب، إذ لا بديل آخر، أما الأكل فكان ما توفر من طعام في المنزل، وغالبا ما يكون وجبة واحدة أو وجبتين فقط، وأصناف تفتقر لحاجة الإنسان اللازمة من الفيتامينات والمعادن.

مع مرور الوقت، بدأ حفر الآبار بالمدينة، وتجهيز طرق فرعية بشكل محدود، ليتمكن السكان من توفير بعض احتياجاتهم الضرورية، كانت وعرة للغاية، وتحتاج كثيرا من الوقت للوصول للوجهة المطلوبة.

وعانى السكان أيضا من انقطاع الإنترنت والاتصالات، فكانوا معزولين، وزاد الأمر سوءا بسبب انقطاع باقي الخدمات كالكهرباء والمياه، ودفع ذلك -إضافة إلى القصف والمعارك- الكثير من المواطنين للنزوح إلى مناطق أخرى داخل المدينة أو إلى محافظات أخرى، بخاصة مع توقف أغلب المستشفيات عن العمل بسبب القصف وانعدام الوقود.

كسر الحصار

أدى استمرار الوضع ذاك على ما هو عليه وتفاقم معاناة السكان، إلى كسر الحصار بشكل جزئي من الجهة الغربية، بعد معارك خاضها الجيش ضد مليشيات الحوثي، بخاصة مع قيام تلك الجماعة بمحاولة إذلال المدنيين في النقاط ومعبر الدحي، الذي تمادت فيه كثيرا، وتعمدت إهانة المواطنين فيه، وجباية كثير من الأموال منهم.

انكسر الحصار جزئيا، لكن لم يكن ذلك كافيا لإنهاء معاناة السكان، فما تزال المنافذ الأخرى في المحافظة تحت سيطرة مليشيات الحوثي، وما زال السفر إلى مناطق داخل المحافظة نفسها أو حين السفر إلى محافظة أخرى يتطلب ساعات عديدة، والمرور بطرق وعرة للغاية.

معاناة حتى اليوم

الأمر اليوم وبسبب الحصار، لا يعني الموت جوعا وربما عطشا كما كان في السابق وبذات الدرجة، لكنه يعني تعرضك للمجاعة والأمراض المختلفة بسبب سوء التغذية، وشرب مياه الآبار مباشرة بدون تحلية، بسبب توقفت المحطات المخصصة لذلك.

كذلك فإن الأسعار ترتفع يوما بعد آخر، ليس فقط بسبب انهيار العملة في مناطق سيطرة قوات الحكومة الشرعية التي وصل فيها سعر صرف الدولار الواحد إلى 935 ريالا (بيع)، بل بسبب تكلفة نقل البضائع في طرقات وعرة وطويلة وفرعية، وكذلك بسبب فارق سعر الصرف بين المحافظات التابعة للحكومة والأخرى التي ما تزال في قبضة مليشيات الحوثي.

يضطر المواطن اليوم القادم من الريف بتعز كمنطقة مخلاف على سبيل المثال، لقطع قرابة سبع ساعات إلى ثمان، للوصول إلى المدينة، بعد أن كان سابقا يحتاج فقط ساعة أو ساعة ونصف الساعة للوصول، ويمر بالطبع بنقاط تفتيش عديدة تابعة لمليشيات الحوثي، إضافة إلى مناطق عديدة كجبل حبشي وهجدة، وطرق وعرة للغاية، تتسبب بإرهاق وتعب كبيرين للمسافرين بسبب الزحام وسط وسيلة النقل، برغم أن كل مسافر يدفع مبلغا يتراوح بين ثمانية آلاف ريال إلى عشرة آلاف ريال.

تلك الطرق الوعرة وساعات السفر الكثيرة، تضاعف معاناة مئات المرضى الذين يضطرون للقدوم من الأرياف إلى المدينة للعلاج بخاصة مرضى الفشل الكلوي والسرطان الذين يخضعون لجلسات غسيل كلوي وعلاجات دورية، نتيجة لعدم وجود مراكز علاج في مناطقهم، ويصعب على البعض منهم السفر بشكل دوري، ما يتسبب بتدهور وضعهم الصحي بشكل متسارع ثم الوفاة.

نتيجة لصعوبة انتقال السكان بين مناطق سيطرة الحكومة والمليشيات في المحافظة ذاتها، فقد تسبب ذلك بقطع أواصر العلاقات الاجتماعية، واقتصارها على الاتصال من وقت لآخر فقط، ومر على البعض حتى اليوم ما يزيد على خمس سنوات من الغياب، بسبب الحرب والحصار الذي تفرضه المليشيات، والذي هو وسيلتها أيضا لاختطاف الخصوم وابتزاز المدنيين، والأمر كذلك بالنسبة للموظفين بالحوبان، الذين يضطرون للغياب عن أسرهم لبضعة أشهر، بسبب صعوبة السفر، فيكبر أبناؤهم وهم بعيدون عنهم، محرومين من حنان آبائهم.

تختفي من أسواق ومحال تعز كثير من الأصناف والمواد الغذائية والاستهلاكية، وحتى الأدوية، بسبب الحصار، وصعوبة إيصال كل المتطلبات عبر تلك الطرق، بخاصة التي تتأثر منها بالحرارة، أو تكون عرضة للكسر بسبب وعورة الطرق. وتمر تعز -بسبب الحصار- بأزمات بسبب نقص الأكسجين، الذي أدى غيابه -خصوصا في بداية الحرب- إلى وفاة عدد من المواطنين بخاصة من الأطفال الخُدج.

الطرقات الوعرة تلك، تتسبب من حين لآخر بحوادث عديدة، وتكون نسبة الوفيات كبيرة، لعدم قرب مراكز صحية أو مستشفيات من تلك الأماكن، ويزداد الأمر سوءا في موسم سقوط الأمطار، إذ كثيرا ما تُباغت السيول المسافرين.

ساهم حصار مليشيات الحوثي لتعز، في خنق عمل المنظمات وسرقة الإغاثة ومنع عمل المنظمات كما يجب لإنقاذ السكان، وحتى أخذ جبايات كبيرة على المؤسسات وحتى الأفراد الذين يكون لديهم بضائع قادمة من محافظات أخرى، للسماح لهم بإدخالها.

إضافة إلى كل ذلك، فإن الأوبئة المختلفة تفتك بالمدنيين من وقت لآخر لأسباب عديدة، من بينها التلوث الحاصل بالمدينة بسبب وجود مَقلب القمامة السابق في مناطق ما تزال خاضعة لسيطرة المليشيات، ما أدى إلى استحداث مقلب للقمامة يتم إحراق النفايات فيه في منطقة الضباب التي تعد المتنفس الوحيد لأبناء المدينة، وسلة الغذاء لهم، ومصدر المياه لهم.

إحصائيات

مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، في تقريره السنوي لعام 2020، رصد قتل مليشيات الحوثي نحو 117 مدنيا، بينهم 31 طفلا، و22 امرأة، تنوعت أساليب القتل بين القصف بالقذائف والصواريخ الباليستية والألغام والرصاص المباشر والعبوات الناسفة والحرق والإعدام والاغتيال والتعذيب حتى الموت.

إضافة إلى إصابة 292 مدنيا، بينهم 85 طفلا و 50 امراة، واعتقال المليشيات 50 شخصا، و30 آخرين تعرضوا للإخفاء القسري، بحسب المركز، الذي رصد أيضا تضرر 429 ممتلكات عامة وخاصة، بينها مستشفيات هي "الثورة، الصفوة، مستشفى الجذام، والأمل لمرضى السرطان".

المدير العام لمركز الأمل لمرضى السرطان بتعز مختار أحمد سعيد، ذكر في تصريحات صحفية أن الحصار على المدينة وكذا الدمار الذي تعرض له المركز نتيجة القصف، تسبب بارتفاع حالات الوفيات بين مرضى السرطان خلال 2015 إلى 664 حالة وفاة.

وهناك حالات عديدة توفيت سواء من الأطفال الخدج أو مرضى الفشل الكلوي وغيرهم، لكن المراكز الحقوقية بداية الحرب لم تكن قد ظهرت بشكل جيد، لتقوم برصد كل الانتهاكات والأضرار التي طالت السكان وبدقة.

وكان وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، قد أكد سابقا أن الحصار المفروض على محافظة تعز خلف مأساة إنسانية غير مسبوقة ومعاناة يومية لأكثر من 4 ملايين مدني، في سياسة عقاب جماعي لأبناء المحافظة ترقى لمرتبة جرائم حرب.

وفي مجال الإغاثة، تحدث رئيس وحدة الاتصال والتقارير في منسقية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) في اليمن، تابيوا غومو، في تصريحات صحفية، عن إبلاغهم عن 489 حادثة إعاقة لوصول المساعدات الإنسانية، أكثر من 75% منها تضمنت تقييد الحركة داخل اليمن وإليها، خلال شهري يناير وفبراير الفائتين.

حضور خجول

طوال سنوات الحرب، وجولات المفاوضات المختلفة، ظل ملف حصار تعز غائبا ومهمشا بشكل كبير في أجندة المجتمع الدولي، إذا ما قورن بملفي ميناء الحديدة ومطار صنعاء، تم ذكر تعز في اتفاق ستوكهولم، على أن يتم تشكيل لجنة لمعالجة الوضع فيها، لكنه بالطبع لم يرَ النور.

وفي وقت سابق، اعتبر عضو مجلس النواب، علي المعمري، في منشورات على صفحته بموقع فيسبوك، أن أي ترتيبات لفتح موانئ ومطارات لا تشمل إنهاء حصار تعز هو استهتار بتضحيات أبناء المحافظة.

مؤخرا، تطرق المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لملف تعز، وبشكل خجول، لا ينبئ بإمكانية تقديم حلول لمأساة أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون، فقد أشار في إحاطته لمجلس الأمن إلى فشل تنفيذ التفاهمات التي ذكرت باتفاق ستوكهولم، وإلى معاناة السكان بسبب الحرب، وأنه لا يجب أن يعيش أي أحد بتلك الطريقة، مؤكدا أن الوضع بالمدينة ما زال خطيرا.

وفي تفسيره لإهمال ملف تعز، يعتقد المحلل السياسي مصطفى ناجي، في تصريحات صحفية، أن السبب وراء ذلك هو أن المشاورات لا يديرها الطرف المحلي المناهض للحوثي (ويقصد الحكومة)، وكذا وجود أولويات مختلفة، موضحا أن "الأولويات الدولية والإقليمية لا ترى من اليمن إلا صنعاء، ومؤخرا مأرب".

بينما رأى الباحث بالشؤون الإيرانية عدنان هاشم، في تصريحات صحفية، أن عدم الاهتمام بملف "حصار تعز" يعود السبب في أساسه إلى ضعف الحكومة الشرعية، وتجاهل طرح هذا الملف الهام، إضافة إلى وفشل وضعه في إطاره الإنساني المطلوب.

تمسك المليشيات بالحصار

ظهرت مبادرات وجهود أخرى شخصية سعت إلى فك الحصار عن تعز، لكنها فشلت، وأظهرت مدى تمسك المليشيات بحصار المدينة، كونها تعلم حجم تأثير محافظة كهذه في معادلة الحرب الحالية.

وتخرج في تعز مظاهرات عديدة تطالب بإنهاء الحصار، وتم سابقا توقيع عريضة عليها نحو 40 ألف توقيع وهي الأطول بمنطقة الشهر الأوسط، للمطالبة بفك الحصار، إضافة إلى تأهيل طريق هيجة العبد الذي يربط أبناء المحافظة بباقي المدن.

وقبل أيام، طالب مدنيون في تعز بفتح طريق فرعي يربط مدينة المخا بمركز محافظة تعز، مستغربين من سبب إغلاقه، برغم الحاجة الماسة له، لتخفيف معاناة السكان الذين يقطعون عشرات الكيلومترات للوصول إلى قراهم أو للخروج من تعز.

وبرغم كل المعاناة التي يلاقيها السكان بتعز بسبب الحصار وانقطاع أكثر الخدمات العامة، فإن ذلك لا يمنع أن تقوم أيضا بقصف المدينة بشكل عشوائي من حين لآخر، وأن تقتل المدنيين قنصا، وتفرض عليهم الجبايات المختلفة.

الإصلاح نت-خاص / أسماء محمد
الخميس 22 يوليو-تموز 2021
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=8299