التحولات السياسية والعقدية.. مليشيا الحوثي..من الشباب المؤمن إلى مليشيا الإرهاب (الحلقة الثالثة والأخيرة)
الموضوع: اخبار وتقارير

 

تُوّج تحالف الحوثي وصالح في مؤتمر الحوار الوطني من خلال معارضتهم لكثير من رؤى بقية القوى الوطنية وعلى رأسها التوافق على مشروع اليمن الاتحادي الذي اعتبره تحالف صالح والحوثي انفصالاً، ووقفوا ضد مخرجات الحوار الوطني بكل تفاصيله رغم أنهم يعلنون في بعض المواقف أنهم مع الحوار ومخرجاته.
وبينما كان المتحاورون يتحاورون في قاعة الحوار كان الحوثيون وصالح ينسجون التحالفات الميدانية ويعززونها بالاغتيالات السياسية من ناحية وبالتمدد المسلح في جبهات الجوف وحجة وصعدة وعمران من ناحية أخرى لإرباك المشهد السياسي وعرقلة عملية نقل السلطة.

 

كانت المليشيا الحوثية تزحف رويداً رويداً باتجاه تلك المدن وكذلك محافظة عمران، ودخلت في كثير من التعنت الذي لم يسبق إليه بشر وحركة مليشيا من قبل، حيث طالبت بالتظاهر بكامل أسلحتها، فبينما كان مسلحوهم يقاتلون في الميدان ويرتكبون العمليات الإرهابية المختلفة وينكلون بالمواطنين ويختطفون الشباب ويسحلونهم ويعذبونهم حتى الموت، كان صالح يتواصل بالمشايخ وقيادات المعسكرات بالتسليم وعدم المواجهة ومناصرة الحوثيين، فكان الموالون له من الحرس الجمهوري الذي يضم في طياته الحوثيين يخلعون الزي العسكري ويلبسون الزي الشعبي ويقاتلون إلى جانب الحوثي.


كانت تحركات الحوثي من صعدة وحتى صنعاء تبدو وكأن هناك قوة ترعاها وتخطط لها – غير إيران بطبيعة الحال- فقد كانت صور هذه التحركات تتقاطع مع أهداف دول وقوى دولية أخرى دفعت بالحوثيين لهذا التحرك؛ فالحوثيون كانوا أقصى ما يخططون له ويتمنونه هو صعدة فقط لتكون مثابة الضاحية الجنوبية في لبنان، وفي كل مرة معهم مبرر وعذر يسوقونه أمام تحركاتهم.

 

كانت هذه الرعاية لا تتم للحوثيين لوحدهم بل عن طريق الرئيس السابق من خلف ستار بعد أن وثق تحالفه مع الحوثيين بعد ثورة 2011 التي غدر بها الحوثيون أنفسهم رغم ادعائهم مناصرتها والحرص على نجاحها.
لم يكن الحوثيون مصدقين أنفسهم أن يتم فتح كل تلك الأبواب أمامهم فلم يكونوا يخططوا لذلك أصلاً، ويكذب من يقول أنهم كانوا يطمحون لأكثر من صعدة، ولكنهم وجدوا الأمر ميسراً أمامهم فاستغلوا الفرصة لا أكثر، وكانت معول هدم المعبد الذي بشر به صالح طيلة الفترات الماضية.
في أكثر من لقاءات لقادة سياسيين حتى العام 2014 وقبل دخولهم صنعاء لم يكن الحوثي يحسب حساب الدخول لصنعاء، وهذا بدا من تريثه كثيراً على أبوابها حتى اكتملت حلقة التخطيط والدعم.


لم يكن صالح ومن وراءه فقط هم الداعمون للحوثية، بل إن بعض السياسات غير المدروسة قدمت لهم خدمات جليلة سهلت من دخولهم صنعاء، حيث أعطت عملية رفع سعر البنزين بما يسمى الجرعة المبرر الكافي للحوثي ليداهم صنعاء تحت غطاء شعبي وثوري ضد الغلاء والفساد، وفق زعمه، رغم أنه لا يكترث لذلك وعلم الشعب كل الشعب أنه سيبيع البنزين بعشرة أضعاف ما ثار من أجله.

رغم النصائح وتوصيات السياسيين يومها محذرين من خطوة رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ورغم مخاطر الحوثي الجاثم على أبواب صنعاء المدمر للمدن في طريقه إلا أن الإصرار العجيب يومها برفع ذلك الدعم وعدم التراجع عنه جعل الكثيرين ينظرون بريبة إلى تلك الخطوة التي استغلها الحوثي كمسوغ لإسقاط الحكومة وصولا إلى إسقاط الدولة لاحقا.

بينما كان مؤتمر الحوار الوطني يختتم أعماله كان الانقلابيون الحوثيون وأنصار صالح قد أتموا السيطرة على عمران ويتوجهون نحو صنعاء لإسقاط الشرعية، وكانت الجرعة المبرر التام للإنقلاب.
لم يكتف الانقلابيون بمبرر الجرعة بل إنهم ساقوا مبرراً آخر وهو عدم قبولهم بمخرجات الحوار الذي يقسم البلاد إلى ستة أقاليم في دولة اتحادية فيدرالية، وعمدوا على الفور إلى تصفية ثلاثة من أهم أعمدة الهاشمية السياسية وهم محمد المتوكل، وعبدالكريم جدبان، وأحمد شرف الدين.
ظهرت تلك التصفيات من فريق الهاشمية كما لو كانت موجهة ضدهم، لكن الحقيقة كانت لها أبعاد متعددة؛ منها:
- مزيداً من تأجيج الصراع، والبحث عن مبررات وإيغار صدر الحوثيين على المضي في الانقلاب وعدم التراجع.
- وكذلك بسبب ترحيب تلك الشخصيات وموافقتها على مخرجات الحوار الوطني وذهابهم للتوقيع على تلك المخرجات، وكان صالح والحوثيون يريدون وقف تلك التوقيعات حتى لا تحرجهم.
- وهناك هدف خفي ومبطن فيه مصلحة عليا للحوثيين وهو تصفية أقطاب هاشمية صنعاء حتى تكون الحوثية هي رأس المشروع الهاشمي الإيراني دون منازع، وهي خطة إيرانية بحتة كما يراها محللون ومتابعون.
كان اغتيال المتوكل وشرف الدين وجدبان تحقق مصالح داخلية للحوثيين.


من يتذكر المراحل الأولى لنشأة الحوثيين في حربهم الأولى فقد وقف كثير من هاشميي صنعاء مع صالح ضد الحوثي وأصدر علماؤهم الفتوى المتعددة بخروج حسين الحوثي عن الإجماع الزيدي وعلى النظام الحاكم، ورغم أن حسين الحوثي قبل الحرب الأولى بأيام وافق على دعوة صالح لمقابلته في دار الرئاسة لحل الإشكال، كان أبوه يحذره من ناحية عدم الوصول إلى صالح حتى لا يغدر به، وكان هاشميو صنعاء يرون ذلك، ولهم سبب خفي أيضاً، يتمثل في توسيع الهوة بين حسين الحوثي وصالح وأن قيام الحرب لصالحهم في كبح جماح الحوثي الذي انشق أساساً عن المشروع الهاشمي بشكل عام، وحتى لا يتصدر هو المشروع، وهو ما كان لاحقاً، وبقي في نفس الحوثي حتى دخوله صنعاء وما بعدها من قيامه بالتصفيات المختلفة لكثير من شخصيات صنعاء وذمار.
هذه النقطة تحديداً ستظل مثل جمرة متقدة من تحت الرماد هي التي ستدمر المشروع الحوثي من داخله بمحاولة سيطرة الهاشمية العتيقة لصنعاء وذمار وحجة على المشروع الحوثي وستدمره من داخله وسيخلق الصراع المتكرر بين هاشميي الطيرمانات وهاشميي كهوف صعدة.
تم الانقلاب على الدولة ودخول صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وتم توقيع اتفاق السلم والشراكة، وحتى تلك اللحظة أيضاً والحوثيون يدركون نجاح مشروعهم وربما يكتفوا بصنعاء وما حولها وإبقاء الرئيس هادي تحت سيطرتهم ومطالبتهم بتعيين الصماد نائباً له لكي يسهل عليهم السيطرة على الشرعية من خلاله، ولما رفض الرئيس هادي ذلك التعيين انقلبوا عليه وجعلوه تحت الإقامة الجبرية.

لم يكد حبر اتفاق السلم والشراكة يجف حتى بدأ الحوثيون غزو المحافظات الجنوبية ذمار والبيضاء وإب وصولاً إلى تعز، رغم أن ذلك الاتفاق كان لصالحهم 100% إلا أنهم فهموا أو هناك من أوعز لهم أن نظام هادي والشرعية مازالوا محتفظين بقوتهم وبالتالي لابد من إنهاء كل شيء.
أجزم يقيناً أن كل تلك الخطة لم تكن من خطط الحوثيين بل من خطط صالح الذي فتح لهم الأبواب عبر المشايخ الموالين له وقادة المعسكرات والضباط والنافذين في حكمه الذين صنعهم من الصفر طيلة 33 عاماً وخاصة في إب والبيضاء وغيرها، وكلنا يدرك كيف كانت مواقف المشايخ الذين هبوا لنصرة صالح والحوثيين وفتحوا المدن لهذا الغزو، حتى أن حذرهم من تعز كان شديداً فلم يدخلوها بالسلاح كما دخلوا بقية المحافظات بل دخلوها بغطاء الدولة وبالزي العسكري على أنها تعزيزات عسكرية ضد الحوثيين أنفسهم وكانوا في الأساس حوثيين(متحوثين) وأنصار صالح، وكذلك عبر المعسكرات الداخلية التي هي في الأساس معسكرات صالح قيادة وضباطاً، أما الجنود فلا حول لهم ولا قوة فهم على دين قياداتهم ويأتمرون بأمرهم.

لما تمت خديعة تعز باسم توقيع اتفاق بين القوى السياسية الذي رعاه محافظ المحافظة حينها، شوقي أحمد هائل، كان يتم استقبال التعزيزات باسم المعسكرات، وبسرعة سيطروا على تعز، وبدأوا بأول مجزرة بحق المتظاهرين أمام بوابة معسكر الأمن المركزي، وبعدها تشكلت المقاومة.

تحولات عديدة من الإرهاب الحوثي حتى أنهم دمروا تعز عن بكرة أبيها فكانت أكثر المحافظات دماراً ودفعاً لثمن صمودها في وجه هذا الغزو.
غرور القوة أغرى الحوثيين على قيامهم بمناورة عسكرية على الحد الجنوبي للملكة العربية السعودية، وهي الرسالة بعيدة المدى لإيران عبر الحوثيين بتهديد المملكة، الأمر الذي فهمته المملكة على الفور فكونت تحالف دعم الشرعية وانطلاق عاصفة الحزم ضد تحالف الحوثي وصالح لاستعادة الشرعية.


لم يكن غرور القوة ليوقف الحوثي عند حد الانقلاب والسيطرة على المدن وقيامه بمناورة عسكرية على حدود المملكة، بل إنه بات يتطلع لحكم البلاد منفرداً دون شريكه صالح الذي سهل له هذا الانقلاب والذي لولاه ما كان الحوثي استطاع الخروج من صعدة، ووجدها الحوثي فرصة سانحة فاستقدم الخبراء الإيرانيين واللبنانيين وبدأوا يضيقون الخناق على صالح وأنصاره حينما أدركوا أن كل معسكرات صالح وأسلحتها باتت في أيديهم وانصراف الناس عن صالح مولين وجوههم شطر الحوثي، فبدأ بتقليص قوة صالح رويداً وريداً عبر التخلص من أنصاره المخلصين، واستقطاب المشايخ بعيداً عنه، ثم سيطرته على كل موارد الدولة والمال الذي يشتري به ذمم المشايخ والنافذين، وتم تقليم مخالب صالح وصولاً إلى التخلص منه وقتله في 4 ديسمبر 2017، فكان "عاقبة المحنش للحنش" كما في المثل الشعبي، ومن رقص على رؤوس الثعابين لدغته.


لم يعد الحوثي بحاجة أي شريك، كما لم يعد بحاجة أية مفاوضات وهو لم يجد عراقيل أمام مشروعه الكبير الذي يعمل ضمن دائرة المشروع العام الإيراني، والشيعي وبغطاء خارجي، حتى أنه رفض كل الحوارات، ورفض التوقيع على أي من الاتفاقات التي رعتها الأمم المتحدة والقوى الدولية من جنيف إلى الكويت إلى استكهولم، كما يرفضها اليوم بوساطة عمانية.
مشروع الحوثي هو الغدر والإرهاب والاستفراد بالحكم ورفض كل المبادرات.
حينما خلت الساحة للحوثيين من أي منافس أو تهديد لهذا المشروع توجت إيران مشروعها بإرسال حاكمها العسكري إلى صنعاء (حسن إيرلو) الذي يستخدم القوة المفرطة والتضحية بالحوثيين تضحيته بالخرفان في سبيل تحقيق مشروع إيران العام؛ فما الحوثي إلا حلقة دائرة في فلك هذا المشروع وعليه السمع والطاعة، ولذلك كان إصرارهم على غزو مارب مهما كان الثمن، ومهما كانت التضحيات أولوية لإيرلو وإيران وتماهيا مع هذا الغزو بتلك التغريدات والمواقف السياسية التي كانت تبشر بها قبل رمضان بدخول مارب فانكسرت رؤوسهم ومشروعهم على أسوار مارب.


فقد خسر الحوثيون على أسوار مارب فقط منذ يناير 2021 وحتى مايو 2021 أكثر من 10 آلاف صريعاً، وأكثر من 20 ألفا من الجرحى بحسب مصادر عسكرية خاصة وموثقة، وهذا الثمن لا يراه إيرلو ولا إيران شيئاً أمام طموحهم بغزو مارب، ولذلك في تلك المعارك تبينت وظهرت التكتيكات الإيرانية في الحروب التي استخدمتها في العراق وسوريا من الدفع بالمجاميع إلى المحارق دون هوادة لإرهاق الشرعية بقتلهم ويصل منهم من يصل.
صمود مارب العظيم دفع بالإرهاب الحوثي إلى قصف الأحياء المكتظة بالسكان بالصواريخ الباليستية وحرق الأطفال وقصف المساجد والمستشفيات وإرسال الخلايا تلو الخلايا لزرع العبوات فباؤوا بالفشل بفضل الله، ولم يستثن حتى النساء اللواتي جندهن وأرسلهن خلايا لزرع الألغام والمتفجرات فوقع الجميع في شباك الأمن وحراس العرش هناك.

الإصلاح نت-خاص / توفيق السامعي
السبت 19 يونيو-حزيران 2021
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=8231