نقض العهود عند الإمامة والحوثية.. تشريع الأجداد للأحفاد (الحلقة الثالثة والأخيرة)
الموضوع: اخبار وتقارير

 

تتبعنا في الحلقتين السابقتين نقض الحوثيين لكل الاتفاقات مع الدولة والأحزاب والقبائل والكيانات السياسية ومكونات المجتمع اليمني، واستغربنا واستغرب العالم سياسة نقضهم العهود والمواثيق وبأي شرع أو نهج ساروا عليه في ذلك، واتضح جلياً أنهم ساروا على نهج آبائهم وأجدادهم الأئمة المؤسسين، وفي هذه الحلقة الثالثة والأخيرة نعرج على هذا المنهج الإمامي القديم الجديد استقاءً من التاريخ البعيد والقريب..
لقد روت لنا المصادر التاريخية اليمنية المختلفة أن الحركات الخارجية (من الخروج) الإمامية على الدول اليعفرية والزيادية والصليحية والأيوبية والرسولية والطاهرية، وحتى العثمانية، كانت تتم بشكل منتظم ما إن يشعر الأئمة أو فئة الشيعة بضعف الدولة المركزية حتى يقوموا بالخروج المستمر عليها وشن الحروب المختلفة على أطرافها أو محاولة الزحف إلى صلبها للانقضاض على الحكم والاستيلاء عليه بعد تدمير الأخضر واليابس وإهلاك الحرث والنسل.
وكانوا مع كل حملة ينكسرون فيها يبرمون الاتفاقيات والمعاهدات والمهادنات بينهم وبين حكام تلك الدول حتى تقوى شوكتهم مجدداً ثم يثورون من جديد ضاربين عرض الحائط بكل تلك المعاهدات، في تقليد لم يعرفه المسلمون في تاريخهم بعد إسلامهم الذي جعل الإسلام الوفاء بالعهد من أهم مكارمه وأخلاقه وصفاته، فضلاً عن عرب الجاهلية ويمن ما قبل الإسلام والميلاد الذين وصفهم المؤرخون اليونانيون بأنهم "قوم شديدو الوفاء بالعهود والمواثيق".
وقد كانوا أكثر خروجاً على الدولة الرسولية التي بلغ ملوكها 14 ملكاً، بينما بلغ عدد الأئمة في عهدها 21 إماماً.
.....
وفي هذه الحلقة سنستعرض نماذج فقط (وليس استقصاءً لكل الاتفاقات) من نقض الأئمة للاتفاقات مع الدول اليمنية المختلفة حتى صارت ديناً وتشريعاً لأحفادهم الحوثيين اليوم الذين يمشون على خطاهم..

أولاد الهادي في صعدة:
كان الإمام المنصور القاسم العياني (389- 393) قد أعطى أولاد الهادي نصف حاصلات وإيرادات صعدة صلحاً مقابل عدم منافسته في الإمامة بعد تغلبه على صعدة، ومع قبولهم ذلك بادئ الأمر، إلا أنهم في نهايته لم يستطيعوا تقبل هذا الوافد الجديد والمنافس على ميراث أبيهم، فخرجوا عليه وعلى الصلح وقاتلوه حتى أضعفوه لكنهم لم يظفروا بشيء.

الإمام القاسم بن حسين الزيدي:
كان هذا الإمام قائداً لجيوش الإمام المنصور القاسم العياني، فعمل على نقض الصلح والاتفاق الذي كان بينه وبين العياني، فأعلن ولاءه للإمام الداعي يوسف بن يحيى، وقبض على بنيه في صنعاء وأسرهم وساوم بهم أباهم الإمام القاسم العياني مقابل التنازل له عن الإمامة.

الإمام عبدالله بن حمزة:
في أواخر الدولة الأيوبية ملك الوزير سيف الدين سنقر مملكة الأيوبيين وأعطى صنعاء وعمران وما حولها للأمير المملوكي ورد سار وأمره أن يصطلح مع الإمام عبدالله بن حمزة وينزل إلى زبيد لـتأديب المماليك، واصطلح ورد سار مع عبدالله بن حمزة على أن يترك للإمام صعدة والجوف ففعل، فلما نزل ورد سار إلى زبيد نقض عبدالله بن حمزة الصلح وذهب لمقاتلة أتباع ورد سار للاستيلاء على صنعاء وما حولها، إلا أن ورد سار عاد بعد ذلك من زبيد وجرت بينه وبين الإمام عدة وقائع حربية قتل فيها إبراهيم بن حمزة أخو الإمام عبدالله بن حمزة، واصطلحا مجدداً على أن يعطي الإمام عبدالله بن حمزة للأمير ورد سار كل سنة مائة حمل موقرة من الحديد من صعدة مع عشرة أفراس واستمر ذلك حتى وفاة الأميرين ورد سار والأمير سيف الدين سنقر، مالبث أن نقض الصلح مجدداً الإمام عبدالله بن حمزة فدخل صنعاء وأخرب الدار السلطانية وسبى نساء وأولاد صنعاء.

الأمير محمد بن يحيى بن حمزة وأبوه:
هذا الأمير أكرمه الملك المنصور عمر بن علي رسول أيما إكرام، وهو أخو الإمام عبدالله بن حمزة، وولاه المحالب، ولكنه غدر به وأخذ حصن كوكبان بما فيه، فزاد الملك المنصور مؤسس الدولة الرسولية أن أرسل إلى أبيه يحيى بن حمزة بعشرة آلاف دينار ذهبية وهدايا عظيمة، لكنه خرج عن السلطان، وساء ابن أخيه أحمد بن عبدالله بن حمزة على عمه يحيى في نقض الذمم والصلح الذي جرى بين المنصور والأشراف، لكنه لم يفعل شيئاً حيال ذلك ولم يتخل عن عمه يحيى شريف الزيدية يوم ذاك، فما كان من المنصور إلا أن جهز جيشاً قوامه ستون ألفاً فأخذ كل البلاد العليا من حجة والمخلافة في يوم واحد، وأخذ جميع ما كان صالح الأشراف عليه من البلاد العليا.
ويعد يحيى بن حمزة هذا الأكثر نقضاً للعهود والمواثيق جداً للحوثيين اليوم، ويبدو أنهم أخذوا طبائعه في هذا الغدر والنقض للعهود، والغاية تبرر الوسيلة.

الإمام أحمد بن الحسين:
على الرغم من أن هذا الإمام يوصف أحياناً بحسن السيرة إلا أنه كان كثيراً ما ينقض العهود والمصالحات مع ملوك الدولة الرسولية ما إن تسنح له الفرصة.
فقد عمل هذا الإمام على نقض كل صلح اتفق عليه مع الأمير أسد الدين الرسولي أو مع الملك المنصور، ثم بعد ذلك مع الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي رسول، مما أدى إلى تنافر الزيدية إلى ثلاث فرق؛ فرقة مع الإمام أحمد بن الحسين، وفرقة مع الإمام الثاني يحيى بن وهاس، وفرقة ثالثة موالية للملك المظفر الرسولي، وتم الغدر بالإمام أحمد بن الحسين من قبل جماعة يحيى بن وهاس وقْتلِه من قبل الحمزات.

الإمام المطهر بن يحيى (المضلل بالغمام):
مثلما فعل الإمام أحمد بن الحسين فعل كذلك الإمام يحيى بن وهاس، وكذلك من جاء بعدهما مثل الإمام المطهر بن يحيى الذي كان كثير نقض العهد والصلح مع الملكين المظفر وابنه الملك المؤيد داود بن المظفر.
فقد كان ما إن تسنح الفرصة لهذا الإمام على نقض الصلح بينه وبين الملكين السابقين حتى يخرج عليهما ويشن الحروب على أطراف الدولة الرسولية، وقد جرت مساجلات شعرية عدة بين الملك المؤيد والإمام المطهر، وكانت أشهرها في جبل اللوز بخولان التي فر منها الإمام بعد انهزام جيشه أمام جيش المؤيد، وظهرت في هذه الواقعة الخرافة الزيدية (تظليل الإمام بغمامة سوداء) إلى أن أنقذته من بين يدي الملك المؤيد!

الإمام المطهر بن شرف الدين:
لم يكن المطهر بن شرف الدين لينكث ما يبرمه من صلح مع أعدائه فقط ما إن تتهيأ له الظروف المواتية، لكنه فعل الشيء ذاته حتى مع أبيه وإخوته.
وتعامل مع الأتراك لتسهيل دخولهم إلى اليمن نكاية بأبيه وإخوته. ونفس الشيء فعل إخوانه مع أخيهم المطهر، وتعامل الأمير علي بن شرف الدين مع الأمير أزدمر التركي وسهل له دخول صنعاء التي كانت مع أخيه شمس الدين، وفر هذا الأخير إلى كوكبان.

الإمام المؤيد محمد بن القاسم:
حينما تولى الإمامة بعد وفاة أبيه القاسم، استمر على الصلح مع العثمانيين ليستغل فترة الهدنة في التوسع وتكريس نفوذه على الأرض التي تقع تحت سيطرته وتوطيد حكمه فيها، "ولم تمض ثماني سنوات من حكمه حتى تلمس مبررات نقض الصلح ليعلن الحرب ضد العثمانيين في محرم 1036هـ".
وقد قلد الحوثيون هذا الإمام في نقض الاتفاقات والعهود مع الدولة واستمرارهم في توسيع نفوذهم على الأرض.

الإمام المهدي أحمد بن الحسين بن القاسم:
كان هذا الإمام ينقض عهوده كثيراً مع خصومه أو مع مناصريه، فضلاً عن عهوده مع اليهود.
وقد غدر المهدي أحمد بن الحسين بأهالي خولان الشام (صعدة) حينما طلب عونهم على عمه الإمام المتوكل إسماعيل، وأعطاهم المواثيق بذلك "وقال لهم: أنتم عون لي على عمي المتوكل، وجعلت لكم بالنصرة رفع المطالب عنكم في هذه المدة، فلما انقضت تلك الأمور الماضية، ومات المتوكل، وصارت الأمور إلى هذه الحالة الثانية، طالبهم في الذي عليهم من أول العادة، فأبوا عنها ولم يمتثلوا أمره فيها وشكاهم إلى المهدي، فطلبهم إلى رحبان، وقال لهم يسلمون ما عليهم من المطالب ولا يخالفون عليا في شيء من المآرب، فقالوا: إذا لم يحصل منه الوفاء بما وضع فليس لنا بولايته مطمع ونولي بلادنا غيره ونسلم ما علينا".

الإمام الهادي محمد بن المتوكل:
اصطلح هذا الإمام مع النقيب حسين بن سعيد أبو حليقة نقيب ذو محمد من بكيل وعامله على خيانة الفقيه سعيد الدنوي ثائر اليمن الأسفل، والقبض على قادات جيشه، عندما كان النصر قريباً من جيش الفقيه على الإمام الهادي.
وعندما تحققت الخيانة وآل النصر إلى الإمام الهادي، قام بقطع رأس النقيب أبي حليقة بعد ما قطع رأس الثائر الفقيه سعيد الدنوي.

الإمام المهدي صاحب المواهب:
كان هذا الإمام كثير الغدر ونقاضاً للعهود والمواثيق، ومن ذلك مثلاً "في الثورة التي حدثت ضد صاحب المواهب وبعد ثلاثة أعوام من حكمه انضم الحسين بن عبدالقادر الكوكباني إلى خاله علي بن أحمد بن القاسم صاحب صعدة، وفي إحدى الحملات التي جهزها صاحب المواهب كان إسماعيل ابنه قائدها فلما وصل إسماعيل إلى عمران وأرسل إلى الحسين بن عبدالقادر في كوكبان مرسوماً من والده أنه يكون كفارة خروجه مع خاله على ابن أحمد بن القاسم الخروج عليه مع ولده إسماعيل وأن الحسنات يذهبن السيئات، فغره ذلك وتحمل بمن معه من العسكر والخيل فلما وصل عمران فرق جميع أصحابه ولبث عند إسماعيل بن الناصر إلى الليل ثم أبرز له مرسوماً آخر يتضمن الأمر بإيداعه السجن بقصر صنعاء، فسرى به ليلاً وذلك في سنة 1104هـ ولبث في السجن إلى سنة 1110هـ.
قال لطف الله جحاف في حوادث سنة 1125هـ "وكان في هذه الجهة الفقيه حسن بن صالح كعيبة من خواص أصحاب المنصور فعامل عليه بن الأحمر حتى قتله وأرسل برأسه إلى وادعة ومن وادعة أرسل الرأس إلى المواهب".

الإمام المنصور حسين بن القاسم:
كان هذا الإمام قد أعد وليمة وخيمة للصلح بينه وبين قبائل حاشد وبكيل بزعامة الشيخ علي الأحمر، إنسحبت بعض القبائل بسبب شراء الإمام المنصور بعض القبائل وفرق صفوفها، واستمر الشيخ علي الأحمر في الحصار إلى أن غدر به الإمام المنصور في بير الشايف في مضيفة الإمام وقتله ذو الفقار من موالي الإمام وأخذ الإمام رأسه على سنان حربته ودخل بها صنعاء، وأخذت قبائل حاشد جثمان الشيخ علي الأحمر إلى حاشد ودفنوه فانتفضت حاشد ضد الإمامة من جديد وساندت خصمه الناصر محمد بن إسحاق الذي تحرك بجموع القبائل من عمران محاصراً بها المنصور حسين في صنعاء.
وقد غدرت أشراف صعدة بعمال ورسل وجند عامر بن عبدالوهاب الطاهري في سنة 920هـ، حينما جاؤوا إليه من صعدة إلى صنعاء وطلبوا إليه أن يرسل معهم من يقبض صعدة، فجهز معهم أميراً وجنداً، فلما وصلوا بعض الطريق أراد بن النهال الغدر بهم والقبض عليهم، وأظهر لهم الكمين، لكنهم ثبتوا حتى جاء إليهم أمير صنعاء علي بن محمد البعداني وخلصهم من الكمين وأنقذهم.

الإصلاح نت - خاص / توفيق السامعي
الخميس 06 مايو 2021
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=8059