قراءة في مسارات ثورة 14 اكتوبر (الحلقة الاولى)
الموضوع: اخبار وتقارير

 



مثّل الرابع عشر من أكتوبر/ تشرين أول 1963م تتويجاً مباشراً لنضال أبناء الجنوب اليمني استمر لعقود طويلة, فيما كان ثمرة ذلك النجاح التنسيق المستمر بين الشمال والجنوب لدعم الجبهة الوطنية حتى الاستقلال في الـ30 نوفمبر/تشرين ثاني 1967م وخروج المستعمر بعد فترة احتلال لقرابة 129 عاماً.
في الجنوب -كما الشمال- كان لمصر أثناء فترة الخمسينيات - مرحلة ما قبل انفجار الثورتين - تنامي الشعور القومي والوطني بالرفض المطلق لحكم الإمامة في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب, وهي اللحظة التي شعر فيها الأحرار بالجاهزية لتفجير الثورة والانطلاق نحو مراحل جديدة من النضال بعد أن وصلت الأحداث الى ذروتها. (1)
لقد مثلت ثورة 14 اكتوبر مصدر إلهام لثورة سبتمبر بالنظر الى ما قامت به من حراك ثوري وعسكري استمرت لسنوات اربك الاستعمار وعزز من تنامي الشعور الشعبي بأهمية التحرر والاستقلال وبأي ثمن, إلا أن سير الأحداث في الجنوب تأخرت عن تفجير الثورة الى ما بعد ثورة سبتمبر نظراً للوضع الذي كانت تعيشه الجنوب في ضل الاستعمار البريطاني والذي كان الى حد كبير اقوى بكثير من نظام الإمامة في الشمال.
ومع نجاح ثورة سبتمبر وسقوط حكم الإمامة الكهنوتي البائد في الشمال تحولت تعز وصنعاء الى محاضن للحركة الوطنية الفتية في الجنوب, والتي كانت قيد التشكل, فقد عقد بدار السعادة بصنعاء في الـ24 فبراير/ شباط 1963م مؤتمر "القوى الوطنية اليمنية" شارك فيه قرابة 1000 شخصية سياسية واجتماعية ومستقلة، إلى جانب عدد من الضباط الأحرار وقادة فرع حركة القوميين العرب. ( 2)
توصل المجتمعون خلال أعمال المؤتمر وبعد نقاش جهيد إلى اتفاق لتوحيد جميع القوى الوطنية اليمنية في إطار جبهة موحدة, وجرى في المؤتمر استحداث مكتب تكون مهمته وضع مشروع ميثاق مؤقت للتنظيم الجاري تشكيله، وذلك على هيئة نداء لجميع القوى التي تؤمن بوحدة الحركة الوطنية اليمنية في النضال لحماية النظام الجمهوري في المقام الاول والدفاع عن ثورة سبتمبر الخالدة.
وهنا استقر الرأي على تسمية هذه الجبهة باسم "جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل"، وأخذت في أغسطس من نفس العام تسميتها النهائية "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل" على أساس الاعتراف بالثورة المسلحة أسلوبا وحيدا وفعالا لطرد المستعمر الاجنبي, وقد تمخض عن هذا المؤتمر تشكيل لجنة تحضيرية من الشخصيات والقيادات المشاركة فيه كان على رأسها قحطان محمد الشعبي. (3)


مسارات الثورة
وبالنظر الى مسارات الأحداث التي سبقت قيام الثورة في الجنوب سنجد جملة من العوامل التي ساعدت في توحيد الجبهة الوطنية, وتعزيز الروح الثورية لدى الأحرار في الجنوب, الى جانب استيعاب متنامي لدى الشارع الجنوبي كله والذي تعزز لديه فكرة الاستقلال وخاصة بعد نجاح ثورة سبتمبر في الشمال.
وهنا أقرت في الـ 8 مارس/أذار 1963م نص الميثاق القومي الذي كان يتألف من مذكرة والميثاق نفسه، وبرز في صدر الميثاق شعار الجبهة "من أجل التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية" ونشرت في مايو 1963 الوثيقة الموضحة للخط السياسي لهذا التنظيم, ورغم الخلافات التي اثيرت حول رئاسة الجبهة بين مصر والجبهة الوطنية في الداخل الجنوبي للبلاد إلا أن ذلك لم يكن له تأثير سلبي كبير على مجريات الأحداث والسير نحو تفجير الثورة والسير معها حتى خط النهاية.
وفي 19 أغسطس/ آب 1963م تم إعلان تأسيس "الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل" وتم تشكيل قيادة الجبهة من 12 شخصاً, وقد تكونت الجبهة من خلال اندماج سبعة تنظيمات سرية أعلنت إيمانها بالكفاح المسلح هي: حركة القوميين العرب، الجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، المنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، الجبهة الوطنية، التشكيل السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية (تشكيل القبائل)، ثم التحقت ثلاثة تنظيمات أخرى بالجبهة القومية وهي: منظمة الطلائع الثورية بعدن، منظمة شباب المهرة، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل. (4)
لقد كان هذا التوحد هو إحدى ثمار المؤتمر الذي عقد بصنعاء وهي الخطوة التي سيكون لها ما بعدها من خلال توحيد الجهود وتقليل الأخطاء والقصور في المواجهة التي جعلت الاستعمار ينفرد بمناطق كلاً على حد محاولاً القضاء على عدد من المحاولات والانتفاضات التي كانت تتولى باستمرار في عدد من مناطق الجنوب.
وفي أغسطس 1963 استقبل أبناء ردفان الثوار العائدين من شمال الوطن بقيادة غالب بن راجح لبوزة، بعد مشاركتهم في الدفاع عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الوليدة. (5)

المعركة من الريف الى المدينة
انحصرت أغلب انشطة الثوار في المناطق الريفية, ومثلت استنزافا واسعا للاستعمار البريطاني بل وسهولة تحرك الثوار داخل تلك المناطق من ردفان الى الضالع والحبيلين, إلا أن هذا التصاعد في العمليات لم يعطي الاثر الإيجابي على المستوى الدولي, قبل نقل المعركة الى المدينة بما يسمى حادثة مطار عدن الشهيرة.
ففي الـ10 ديسمبر/كانون أول 1963م نفذ خليفة عبد الله حسن عملية فدائية عبر إلقاء قنبلة في مطار عدن أسفرت عن إصابة المندوب السامي البريطاني (تريفاسكس) بجروح ومصرع نائبه القائد جورج هندرسن، كما أصيب أيضاً بإصابات مختلفة 35 من المسؤولين البريطانيين وبعض وزراء حكومة الاتحاد الذين كانوا في طور الصعود الى الطائرة والتوجه إلى لندن لحضور المؤتمر الدستوري الذي أرادت بريطانيا من خلاله الوصول مع حكومة الاتحاد إلى اتفاق يضمن الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لها في عدن. (6)
كانت هذه العملية الفدائية التي أعاقت نجاح المؤتمر هي البداية التي نقلت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني من الريف إلى المدينة, وهي الخطوة التي ستدخل المواجهات في طور جديد.
بعدها بيوم واحد فقط 11 ديسمبر/ كانون أول 1963م من نفس العام صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، قضى بحل مشكلة الجنوب اليمني المحتل وحقه في تقرير مصيره والتحرر من الحكم الاستعماري البريطاني, وهنا دخلت القضية اليمنية في الجنوب في طور جديد كتتويج مباشر لكل النضالات السابقة, والتي كانت غائبة عن وسائل الإعلام المحدودة أو عن العالم الخارجي.
............................
هوامش:
- ثورة 14 أكتوبر.. الدلالات والعبر مقالة للعميد الركن / ثابت حسين صالح
(1) يوميات المناضل أحمد مهدي المنتصر
(2) ضمن حوار صحفي لـ عبدالحميد الشعبي - عضو المكتب العسكري للجبهة القومية
(3) الموسوعة الحرة
(4) علي احمد السلامي في ندوة أكتوبر 1991م بمركز الدراسات أكد أن اسم الجبهة القومية اتخذ في اجتماع أغسطس 1963م بـ تعز عبر اقتراح تقدم به في الاجتماع عوض الحامد
(5) يذهب بعض الباحثين الى التأكيد أن راجح لبوزة قتل قبل هذا التاريخ بوقت ليس بالقصير في إطار خلاف داخل السلطنات
(6) نشرت صحيفة الأيام العدد رقم 59 الأربعاء 1 يناير/ كانون الثاني 1992م تصريحا للمناضل خليفة عبدالله خليفة الذي ألقى القنبلة على الوفد.

الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان
الجمعة 06 أكتوبر-تشرين الأول 2017
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=688