محاربة الإصلاح للفكر المتشدد نابع من عقيدة راسخة, امتدت منذ ظهور الحزب الى الحياة السياسية, وجعلها إحدى ثوابته {الوطنية} التي يسير عليها في مسيرته النضالية سلوكاً وثقافة وفكراً.(1)
تكشف أدبيات التجمع اليمني للإصلاح منذ التأسيس مروراً بعدد من المواقف السياسية وفي نشاطه الفكري والثقافي والمعرفي, تمسكه المطلق بالمسار السلمي المنافي للعنف بكل أشكاله وأساليبه وصوره, وعلى مدى عقدين ونصف لم يتورط الإصلاح بأي قضية أو موقف من شأنه الخروج عن هذا المسار الواضح.
ولذلك عملت عدد من القوى الحزبية والدينية والسياسية وفي مقدمتها النظام السابق على جر الإصلاح مراراً ومنذ وقت مبكر للعدول عن موقفه السلمي والانجرار نحو العنف, وهو ما كان يرفضه الإصلاح ويحبط كل المحاولات التي تسير به في هذا الاتجاه, وقد اتسمت مواقفه الواضحة تجاه العنف والإرهاب بكافة اشكاله بموقف ثابت لا يتغير, ابتداء بالبيانات السياسية الواضحة في هذا الجانب وانتهاء بالفعاليات الفكرية والسياسية التي ترفض العنف وتراه مناوئ للتوسط والاعتدال الذي هو نهج الإسلام ومنهج يضر بالمصالح العامة للبلاد.
تناول عدد من الكتاب الحديث عن نهج الحزب وهنا فقد " انتهج الإصلاح أسلوب الحوار مع جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية في الساحة عبر السنوات الثمان من عمر الجمهورية اليمنية، ولم يتخلف عن أي حوار {حيث} بادر إلى تبني العديد من الحوارات، لم ينغلق على نفسه ولم يرفض الآخر في أي لحظة من اللحظات, وكانت نوافذه مفتوحة على الجميع بلا استثناء, في الفترة الانتقالية وقع الإصلاح على اتفاق تنسيق وتعاون مع حزب البعث العربي الاشتراكي, ووقع على صيغة لميثاق الشرف مع كل من الوحدوي الناصري والبعث العربي الاشتراكي، وبعد ذلك شارك في ائتلاف حكومي مع الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي ووقع عدة اتفاقات للتعاون والتنسيق مع المؤتمر الشعبي العام, ولا ننسى في هذا الصدد البرنامج المشترك الذي كان توقيعه محصلة لحوار الإصلاح مع أحزاب مجلس التنسيق الأعلى للمعارضة وكذلك وثيقة مبادئ العمل النقابي.(2)
الموقف من التنظيمات الإرهابية والعنفية
انطلق الإصلاح من كونه كيان سياسي بخلفية إسلامية, ينضبط في أعمال إدارته لهيكلة مؤسسية واضحة لا يخضع لتجمعات متضاربة, أو جيوب داخلية أو أسماء لامعة خارج إطارها المعروف والمحدد بدقة, فلديه دوائر متخصصة تعتمد المهنية الاحترافية العالية في عملها, وهذه الهيكلة التنظيمية سلسة قوية, وليس فيها مجال للمزاجية أو الشطحات الفردية, كما لا يقوم أي نشاط ميداني أو سياسي يخص الحزب رأساً إلا بعد حصوله على موافقة مبدئية من قبل الحزب وأطره التنظيمية.(3)
وقد أتسم موقف الحزب في تعامله مع من حوله بالانفتاح السياسي والتسامح الفكري, فقد مد الحزب جسور التواصل مع سائر التنظيمات السياسية المعلنة في الساحة السياسية للعمل معاً ضمن تكتلات سياسية بحته, وكانت تجربة اللقاء المشترك واحدة من أهم تلك التجارب والتي لاقت إعجاب المتابعين في الداخل والخارج, وقد استطاعت تلك التجربة الفريدة أن تصمد أمام الكثير من التحديات لقرابة عقد ونصف العقد, مخلفة إرث كبير من العمل المشترك والتناغم بين الفرقاء السياسيين رغم المشارب المختلفة.!
وعلى مستوى الجماعات الدينية والسلفية منها بشكل خاص, اقتصر الاتصال مع من يعمل بشكل رسمي في الإطار السياسي الجامع, أما في حدود التنظيمات العنفية فقد كان الإصلاح واضح منذ البداية, يرحب بالحوار بينها وبين الدولة الجهة الرسمية, كما هو الحال مع جماعة الحوثيين أثناء الحروب الست ومع تنظيم القاعدة بداية نشاطه وحتى اللحظة, وشجع الإصلاح الحوارات التي أجرتها الحكومة اليمنية برئاسة وزير الأوقاف السابق القاضي حمود الهتار قبل أن يتوقف الحوار لأسباب غير واضحة, كما أن القاضي الهتار ذاته اشار الى تلاعب النظام السابق بملف التنظيم وذلك في مناسبات عدة كان أخرها في صحيفة كويتية قبل سنوات. (4)
يمكن القول أن الحرب الأخيرة في البلاد خلقت ظروفاً مكنت تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من التوسع, الى كان الاستغلال الذي مارسه النظام السابق مع التنظيم وتخويف العالم, كما وضح ذلك عدد من الشهود, (5)يقابله في نفس الوقت توسع وسيطرة من قبل جماعة الحوثيين المسلحة المدعومة من إيران والموالون للرئيس المخلوع على عبد الله صالح, واستطاعت هذه الجماعة أن تسيطر على بعض المحافظات في أواخر العام 2014 وأوائل العام 2015 الأمر الذي دفع الحكومة الى مغادرة البلاد والعمل بداية من الرياض ثم العودة الى مدينة عدن بعد التحرير.
لقد كان الإصلاح واحداً من الذين عانوا من الإرهاب وقدم دعوات مستمرة للحكومة بالتعامل الحازم مع التنظيمات الإرهابية وعدم اللعب بمثل هذه الملفات والأوراق الخطرة, وقدم عدد من أعضاء مجلس النواب المحسوبين على الحزب - على مدى تاريخ المجلس - استفسارات ومسائلات لأعضاء في الحكومة في عهد النظام السابق عن الموقف من القاعدة والإرهاب في البلاد, وصدرت بيانات من الحزب تدين جرائم الإرهاب بكافة اشكاله وصوره, كما بقي الحزب يصر على انتاج العمل السلمي في التغيير والدعوة الى الله بالتي هي أحسن.
وبالنظر الى حركة الوعي التي اشتغل عليها الإصلاح لتمدين المجتمع اليمني وفك عقد الطائفة والمناطقية واعتماد المنهج الوسطي المعتدل في الخطاب, كان هو السمة البارزة سواء عبر المؤسسات التي أدارها ومنها المعاهد العلمية التي شهدت لها الكثير في الداخل والخارج, ومثلت واحد من المشاريع التي استطاعت أن تقدم خطاباً متوازناً, وقضى بالتدريج على كثير من العادات والتقاليد المناوئة لفكرة الدولة, الى جانب تخفيف حدة التوتر المذهبي الى مستويات قياسية.
.................
هوامش:
(1) منقول بتصرف من تقرير خاص منشور في موقع الإصلاح بتاريخ 14مايو/أيار 2017م
(2) الإصلاح الفكر والمسار عبدالرشيد الفقيه نشرت المقالة على الانترنت في منتصف سبتمبر/ أيلول 2003م
(3) جزء من مقالة نقلت بتصرف لأبو الحسنين محسن معيض في منتصف إبريل/ نيسان 2013م
(4) تصريحات للقاضي الهتار في صحيفة الرأي الكويتية نشرت بتاريخ في الأول من سبتمبر/ أيلول 2011م
(5) تحقيق استقصائي أجرته الجزيرة بتاريخ 4/06/2015م, حيث سعت فيه إلى فحص صدقية ادعاءات هاني محمد مجاهد مخبر القاعدة الذي تحدث عن استفادة نظام الرئيس المخلوع علي صالح وتعاونه مع التنظيم.