لا يعوز التجمع اليمني للإصلاح التأكيد على نهجه السلمي الذي جعله شعاراً فكراً وممارسة منذ تأسيس ما يسمى بالحركة الإسلامية في منتصف خمسينيات القرن الماضي في الجنوب وفترة الستينيات في الشمال وما بعدها في الشمال والجنوب معاً.
" اكتفت الحركة الإسلامية منذ بداية تشكلها بالعمل من خلال الواجهات الموجودة على الساحة اليمنية, فقد نشط عمر طرموم أحد أبرز المؤسسين في الجنوب من خلال "الجمعية الإسلامية" ثم "الرابطة" ثم انصرف إلى العمل التربوي رسمياً في المعهد الإسلامي بالتعاون مع الشيخ محمد سالم البيحاني عام 1957م (1).
وهنا يظهر بجلاء أن النهج انطلق نحو العمل التربوي والتثقيفي والفكري وهو خط على النقيض من خط العنف الذي لم يكن له طريق أو مسار داخل أروقة الحركة منذ النشأة وحتى البروز مع العملية السياسية المرافق لقيام الوحدة اليمنية.
تعد تلك الفترة (الستينيات) من أخصب المراحل في تاريخ الحركة الإسلامية في اليمن, مع فترة النشأة والتكوين نهاية الخمسينيات وستينيات القرن الماضي, وتحديد مع المؤسسين الأوائل والذين كانوا يعدون بعدد الأصابع, وقد اتسمت تلك الفترة بأحداث محورية وذات أهمية بالغة بالنظر إلى ما كانت تمر به البلاد العربية ذاتها في سوريا والعراق ومصر واليمن من أحداث وتحولات على مستوى الفكرة والثقافة, بل والجغرافيا كما هو الحال بين مصر وسوريا, وهي ذات الفترة التي كانت معركة الحرب الباردة بين قطبي العالم في أوجها.
على إثر هذا الواقع تحددت ملامح الخطاب التنويري الإصلاحي - آنذاك - منذ اللحظات الأولى, وهو ما جعل الحركة تنطلق من خطاب متوازن وجامع, يستوعب المتغيرات الخارجية وطبيعة الواقع في الداخل في نفس الوقت, كما تمثل أيضاً من خلال الانخراط المبكر ضمن صفوف حركة الأحرار في الخارج, والعمل من أجل إحداث تغيير داخل تركيبة البلاد من الناحية السياسية والفكرية معاً, بعد أن كانت معركة الأفكار الوافدة هي الأخرى تمر بوتيرة عالية والعمل على صدها والتأثير من حدتها الى حد كبير.
الوسطية والاعتدال
بسبر أغوار تاريخ الحركة الإسلامية اليمنية في الماضي القريب, ثم تاريخ الإصلاح كحزب سياسي ولد من رحم الحركة الإسلامية وبروزه إلى الحياة السياسية اليمنية في بداية تسعينيات القرن الماضي, يبرز الخطاب الإصلاحي المتوازن والمعتدل في كل مراحله, رغم ما مرت بها البلاد من أزمات حادة, بل ومحاولات جر الإصلاح إلى مربعات العنف إلا أنه كان يلتزم بخطه السياسي القائم على رفض العنف واعتماد الخطاب السلمي في كل وسائله.
معضلة المذهبية
كانت أول معضلة واجهت الحركة الإصلاحية منذ تشكلها الأول هي جملة من المشكلات الاجتماعية والثقافية المترسخة منذ عقود, والتي كانت تمثل بيئة خصبة لبقاء حكم الأئمة وإسنادهم بل وتعزيز نفوذهم وبقائهم جاثمين على صدر الشعب اليمني, وفي نفس الوقت يعرقل هذا الواقع البائد الملبد بالجهل والفقر والمرض في صد أي محاولة للتغيير وفتح نافذة نحو النور.
كان اختيار المسار السلمي الدعوي التثقيفي الفكري دليل واضح على مسار الخط السلمي لدى الحركة وهو مسار يخفف من حدة العنف والحروب التي كانت تعيشها قرى ومناطق في البلاد, فقد كان مسار الحركة العمل إعادة صياغة مفاهيم كثيرة لها ارتباط وثيق بالفهم الواعي للدين وغير متصادم مع قيام ومبادئ الشعب اليمني العريق.
ومع خروج ثورة سبتمبر إلى النور في السادس والعشرين من سبتمبر 1962م, ذات اللحظة التي تم القضاء فيها على نظام الحكم السياسي, إلا أن النظام الثقافي والفكري ظل قائماً, بل أن النظام السياسي بقي يصارع لفترة ثمان سنوات مسنوداً بالفكر والثقافة الكهنوتية والتي لا زالت أثارها قائمة حتى اللحظة.
تمثل نشاط الحركة الإسلامية بعد نجاح ثورة سبتمبر في اختيار المسار التربوي التنويري الدعوي كأساس في التغيير وهو أن كان بطيء الى حد كبير, نظراً إلى أن الحركة الإسلامية حينها كانت في طور النشأة, وهذا يحتاج إلى إمكانات ووقت طويل وصبر أطول, إلا أن النتائج تأتي مع السنوات والأعوام ولا تأتي في عيشة أو ضحاها, وهو ما جعل الحركة تستنفذ كثير من الوقت والجهد في هذا المسار.
هامش .. ..
(1) سعيد ثابت سعيد في مقالة قديمة له نشرت في مجلة نوافذ اليمنية