الفتنة أكبر وأشد من القتل.. انقلاب مليشيات الحوثي أنموذجاً
الموضوع: اخبار وتقارير

 

جريمة القتل، لأن القرآن العظيم نص بصريح العبارة: {.. أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}.

لم يكتفِ القرآن بتكييف جريمة القتل على النحو الآنف، وإنما توعد القاتل عمدا بالخلود الأبدي في جهنم مصحوبا بغضب الله ولعنته: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما}.

لا داعي للتعليق حول النصين الآنفين، لأن أي تفسير سيفسد جلال النصين وهيبتهما قطعا.

السؤال: إذا كانت فضاعة جريمة القتل عند الله بأنها كقتل الناس جميعا، فكيف نفهم وصف القرآن للفتنة بأنها "أكبر من القتل"، وأنها "أشد من القتل"؟.

الحقيقة، لا يستطيع كبار البلغاء أيا كانوا أن يكشفوا حقيقة الفتنة وأبعادها أولا، وأيضا إقناع المجتمع بنتائج الفتنة وآثارها ثانيا، والسبب أن العقلاء جل ما يفعلونه هو تقديم أمثلة افتراضية حول الفتنة، وهذه الافتراضات قطعا هي قليلة الأثر بل ومحل نقد، وعليه، فالآثار التي سنستعرضها هي نتائج واقعية بارزة للعيان ناجمة عن انقلاب "مليشيا العفاشحوثية".

وسيجد القارئ مقاصد القرآن تتجلى في إبراز خطورة الفتنة وانعكاساتها المدمرة على كل جوانب الحياة.

فلنتأمّل الوصف القرآني: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فِيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل..} (البقرة : 217).

تضمنت الآية إحدى أسس الفتنة وهي: إخراج الناس من ديارهم.

والسؤال المنطقي هنا يفرض نفسه قائلا: ما هي أسباب إخراج الناس من ديارهم؟

يأتي الجواب في آيات عدة ومنها: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ..} إلخ سورة الحج.

وعليه، فإن سبب إخراج الناس من ديارهم بغير حق هو: حرية التفكير وحرية الاعتقاد وحرية التعبير.

فهناك عقول إبليسية تريد التسيد على عقول الناس وقلوبهم، "أنا خير منه"، "ما أريكم إلا ما أرى"، "آمنتم له قبل أن آذن لكم".

وما لم يخضع الآخر للفرعنة والأبلسة، فالجزاء للأحرار هو التهجير من الديار والتشريد والنفي.. مصادرة للحريات والتي هي أبرز مظاهر الكرامة الإنسانية.

ثم إن أخلاق التسيد الإبليسي الفرعوني الطاغي تظهر في صور مختلفة، منها التعصب الديني، أو الطائفي، أو المذهبي، أو السلالي، أو العنصري، أو الجهوي، أو القروي، أو المناطقي، أو العرقي.

وهل يُعقل أن ننسى ما حصل في مدينة تعز من تمزيق النسيج المجتمعي والذي وصل الفجور السياسي إلى إعلان جهوية غريبة هي "المدينة الداخلة والمدينة الخارجة".. هذا شعار تردد مرارا طيلة ثلاث سنوات.. فأين ومتى تم شحن تلك العقول بهذه اللوثات القذرة؟ ولم هذه التعبئة الإجرامية وضد من ولصالح من؟

الأكثر فضاعة هو صدور هذه التصرفات المنحطة باسم الإسلام والشريعة، خدمة للتسيد أو لصالح ولي الأمر.

- التكييف القرآني للفتنة

القرآن وضع للفتنة تكييفين عقديا وتشريعيا، أي عقوبة. فالتكييف العقدي نجده في الآية 86 من سورة البقرة والتي سنقتصر منها على الشاهد: {وتخرجون فريقا من ديارهم}، إلى قوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض..}.

هذا التكييف في الجانب العقدي أن الذي يخرج الناس من ديارهم -وإن ادعى أنه مسلم- فهو واقع في الكفر الصريح بنص الآية دون تأويل، والعقوبة التشريعية في الآية 86 من السورة ذاتها.

"فما جزاء من يفعل ذلك إلا خزي في الدنيا"، أي من يخرج الناس من ديارهم لا مفر من تعزيره دنيويا.. وأن رب العزة وهو الحكيم العليم لم يترك للأمة حق اختيار العقوبة ضد المتأبلسين المتفرعنين الطغاة.. وإنما تولى سبحانه تقدير العقوبة المناسبة لهذا الإجرام حيث قال سبحانه:
{.. واخرجوهم من حيث أخرجوكم..}.
{فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به..}.
{وجزاء سيئة مثلها..}.
{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس بغير الحق..}.

فهل توقف التشريع الإلهي عند المعاقبة الدنيوية؟ لا.. وإنما رتب عقابا أبديا وخلودا في جهنم: {ولهم عذاب جهنم خالدين فيها}.

القارئ العزيز: أرجو عودتك إلى الآيات 84، 85، 86 من سورة البقرة وتأمل في السياق.

- نكبة التعالم

ادعى بعض الدخلاء على الفقه أن هذه الآيات هي في بني إسرائيل، فقلت هذه طريقة من طرق مغالطة الذات.. لقد طغت أهواء الدخلاء على الفقه فنسوا قول الله: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به..}.

بل تعامى الدخلاء عن نص صريح يخاطب الصحابة حول الشهر الحرام إلى قوله: {واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل..}.

- نظرات في نتائج فتنة انقلاب المليشيات الإرهابية

بطبيعة الحال فقد تشظت الفتنة الانقلابية فتولدت عنها فتنا عنقودية مفزعة بدءا من التهجير، والاعتقالات، والاختطاف، والتغييب القسري، والنفي، والسجن، والقتل، وتدمير المنازل، ومصادرة الممتلكات.. وكل واحدة من هذه الجرائم تحتاج وقفات طويلة لإيضاح آثارها التدميرية نفسيا وتربويا واجتماعيا وقيميا.. علما بأن الآثار هي ما سيظهر مستقبلا. أما النتائج فهي ما نعانيه الآن.. فما هي النتائج؟

- سقوط المقدس

هذه صورة مصغرة لأخطر نتيجة وهي سقوط المقدس.. صورة مصغرة جدا لبعض نتائج فتنة التهجير والنزوح الجماعي.

هي نظرة قليلة الوقت في مجموعة خيام نازحين شوهدت فيها محن وأي محن؟ محن.. تتضاءل معها جريمة القتل على فضاعتها.

في الدقائق الأولى عند طرف المخيم:

- داخل الخيمة عشرة إخوة من الجنسين تجاوز أكثرهم سن البلوغ، والبقية مراهقون، ينام الجميع مع الأبوين في خيمة واحدة + المطبخ + دبة الماء + الحمام والمستور بقطعة قماش.. ومع هذا الجمع: أم الزوجة، وأخت الزوج أرملة، وبنتها المطلقة معها.

المعاناة:

- قلة التغذية، انتشار الأوبئة المختلفة، قلة العلاج، بطالة.

اندفع أبناء الأسرة إلى التسول.. وما أدراك ما التسول؟ أي امتهان نفسي يلاقيه هؤلاء؟ وأي امتهان عابث بالقيم وصولا إلى سقوط المقدس.

- تلاحظ أيضا في الخيمة المجاورة نفس الحشد مضاف إليه وجود الجدة الطاعنة في السن، والخالة المطلقة وبنتها اليتيمة من زوج سابق، وأيضا العمة، والبنت الغائب زوجها، وحالات مرض سكر، ضغط، قلب.

- بيئة للمخدرات

في البداية يتحرك مروجو المخدرات قريبا بعيدا من المخيمات، فيقترب منهم الذكور فيجدون إغراءت مادية ويتم توظيف الأبناء في البداية.. عمل توزيع المخدرات فقط، ثم يتطور الموقف إلى طلب البنات للعمل في بعض البيوت.. وهنا يتم استغلالهن.. تعود الفتاة إلى الخيمة ولديها نقود فتغطي بعض احتياجات الأسرة، بل قد يتم شراء علاج الضغط والسكر للأبوين المحرومين من العلاج.. فيستقبل الموقف بفرحة فينسى الأب أو يتناسى السؤال.

يتم تشجيع الذكور على الهروب من قسوة العيش إلى عالم نسيان الواقع فيبتلع حبة ثم.. ثم.. وخلال أربعة أيام تكون الكارثة حيث يصبح الشباب عرضة للجريمة الجنسية.. سقوط المقدس ببساطة.

تحركت الأسر مؤخرا وحصلت متابعة بتعاون الخيرين فظهرت أرقام مفزعة، وقد انتهى الحال إلى هروب بعض الفتيات إلى مدن أخرى للترويج بأنواعه.. قس على قولي تكن فقيها.. وصدق الله القائل: {والفتنة أكبر من القتل}، {والفتنة أشد من القتل}.

- شهادة موثقةعلميا

سأنقل بإيجاز شديد هذه السطور من كتاب يقع في مجلدين.. والكتاب في حقيقة الأمر "ندوة" قام بها مجموعة باحثين متخصصين، صادر عن فرع جامعة فلادلفيا الأمريكية ومقرها الأردن، والكتاب بـعـنوان "ثـقـافة الخـوف".

تضمن الكتاب أوراق عمل علمية متخصصة أكثر من رائعة.. غير أن أقوى ورقة هي بعنوان "ثقافة الخوف من زاوية نفسية".

مضمون الورقة باختصار هو
استبيان قامت به مدارس ألمانية متخصصة في علم النفس، والاستبيان محكم وفي أعلى درجات القياس العلمي الدولي.

تم إنزال الاستبيان في لبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية خلال الأعوام 1977 - 1987م.

الاستبيان شمل شرائح وأحياء مختلفة من أبناء الطبقة الوسطى، كانت الأسئلة كثيرة شاملة ودقيقة وفحواها باختصار:

هل تتناول المسكرات؟
هل تتناول المخدرات؟
هل تمارس الدعارة؟
هل تمارس الدعارة مع المثل أم مع النوع، مع المحارم؟ هل التبادل المثلي يحصل؟
لماذ تمارس الجريمة الأخلاقية؟
إلى أي شريحة تنتمي: الفقراء.. الفقراء جدا.. المتوسطي الحال.. الأغنياء.. الأغنياء جدا؟

جاءت النتيجة أن الواقعين من أبناء الطبقات المتوسطة أكثر من الفقيرة.. والمجموع العام 72%.

كانت إجابة السؤال: لماذا تمارس...؟ الجواب: أنا لا قيمة لي.. أنا بلا هوية.. أنا بلا وطن.

رعب وأي رعب؟ إنه شعور بالضياع.. وجاء اتفاق الطائف بعد عراك المتحاورين طيلة شهرين توصلوا إلى السلام.. نزلت المدرسة الألمانية بنفس الاستبيان وإلى نفس الأحياء والشرائح.

فجاءت نتيجة المجموع العام: أن الذي يمارس الجريمة 22%.. سؤال: لم تركت الجريمة؟ الجواب: أشعر الآن بقيمتي.. وأحس أن لي هوية وأن لي وطن.

اللهم عليك بصانعي الفتن والانقلابات.. أرنا فيهم عجائب قدرتك.. اللهم إنا نجعلك في نحور المجرمين المفسدين.. واركسهم في هاوية الذل دنيا وأخرى.

الاصلاح نت-خاص- عبد العزيز العسالي
السبت 28 سبتمبر-أيلول 2019
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=4406