لا تزال المئات من زنازين مليشيا الحوثيين مليئة بالآلاف من المختطفين الذين تم اختطافهم من قبل عناصر المليشيا، مضى على بعضهم قرابة تسع سنوات أي منذ تاريخ اجتياح المليشيا الحوثية للعاصمة صنعاء وانقلابها على حكومة التوافق والإجماع الوطني في العام 2014، ولا تزال المليشيا الحوثية مصرة على إبقاء هذا العدد الكبير من المختطفين في زنازينها رغم العديد من المناشدات ورغم جولات متعددة من المفاوضات المتعثرة بشأن الأسرى، ورغم التعذيب والمعاناة والظروف القاسية التي يمر بها المختطفون، حيث تحرص المليشيا الانقلابية على إبقاء الملف كما هو حاملا صبغة المعاناة، ليكون وسيلة فاعلة للابتزاز والضغط، وورقة سياسية رابحة لقادة المليشيا.
طبيعة إجرامية
ومنذ اليوم الأول للانقلاب الحوثي باشرت المليشيا الحوثية حملة اعتقالات واسعة في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات التي أحكمت سيطرتها عليها طالت العديد من المواطنين بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم بدون أي تهمة تذكر عدا كونهم من غير المنتمين للمليشيا، حيث شملت تلك الموجة من الاختطافات عسكريين ومدنيين، رجالا ونساء، سياسيين وأطباء وطلاب جامعات وصحفيين ومحامين وعمالا وغيرهم ممن يُتهمون بالانتماء لغير المليشيا السلالية، ليكونوا عرضة للملاحقة وتغييبهم في الزنازين.
ووفقا لإحصاءات حكومية فإن مليشيا الحوثي اختطفت وأخفت قسرا الآلاف من المواطنين منذ اجتياحها صنعاء وحتى 2018 فقط، حيث ذكرت أن أكثر من 15 ألف مختطف تم تغييبهم في السجون، بالإضافة إلى الآلاف الذين تم اختطافهم بعد هذا التاريخ.
وعلى الرغم من الاعتقالات التعسفية التي تنفذها المليشيا الحوثية بحق الآلاف من المواطنين بتهم كيدية، ودون أي مستند قضائي، أو مبرر قانوني، إلا أن المليشيا لم تراع أي اعتبارات دينية أو أخلاقية أو قانونية في التعامل مع الأسرى والمختطفين في سجونها المعلنة والسرية، بل فقد ضربت بكل المواثيق والقوانين والأعراف المعتبرة عرض الحائط، وتعاملت بوحشية مفرطة مع الجميع بلا استثناء، حيث برزت طبيعة هذه المليشيا الإرهابية وتركيبتها الإجرامية التي تنظر إلى كل مخالف لتوجهها وسياستها بأنه مخلوق يستحق الفناء، متجاوزة كل المنظمات الإرهابية في القسوة والوحشية.
تعذيب حتى الموت
ولم يقتصر الإجرام الحوثي تجاه الأسرى والمختطفين على الاختطافات التعسفية وتوزيع التهم الكيدية والمحاكمات الصورية، والأحكام الجائرة والإهمال المتعمد بكل أصنافه الذي يتعرض له السجناء في تلك الزنازين، بل مارست المليشيا الحوثية معهم كل صنوف العذاب والإرهاب، والذي أفضى في الكثير من الحالات إلى الموت.
وقد كشف بلاغ صادر عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، نشر في نوفمبر من العام الجاري 2023، عن رصد أكثر من 1700 حالة تعذيب تعرض لها معتقلون داخل سجون مليشيا الحوثي خلال السنوات الماضية.
وتقول الشبكة اليمنية في بلاغها إن فرق الرصد التابعة لها تمكنت من توثيق أكثر من 1716 حالة تعذيب لمختطفين داخل معتقلات مليشيا الحوثي في مناطق سيطرتها، مؤكدة أن أكثر من 421 شخصاً قتلوا جراء التعذيب الذي تعرضوا له أثناء فترة الاحتجاز.
وتشير الشبكة إلى أنها رصدت مؤخرا وفاة جندي في الجيش اليمني يدعى محمد أحمد وهبان (21 عاما) من أبناء محافظة عمران، داخل السجن بطريقة غامضة، حيث تم العثور عليه مشنوقا داخل الزنزانة بالسجن الحربي في صنعاء بعد 3 أعوام من احتجازه، موضحة أن هذه الجريمة جاءت بعد عام واحد فقط من إصدار المحكمة العسكرية الابتدائية التابعة للمليشيا الحوثية حكماً في 15 أغسطس 2022، يقضي بإعدام الجندي وهبان تعزيراً رمياً بالرصاص.
حالات وفاة غامضة
وتعد حالة الوفاة هذه جراء التعذيب هي الثالثة خلال شهر واحد فقط، حيث تكررت حالات مشابهة لسجناء قضوا تحت التعذيب الوحشي والمعاملة القاسية التي يتلقاها السجناء داخل الزنازين الحوثية، فقد سبقتها حالة وفاة أخرى في أحد السجون الحوثية اتسمت بنفس الغموض.
ففي 8 نوفمبر من نفس الشهر توفي المختطف عزالدين صالح محمد الحبجي (28 عاما) في أحد سجون المليشيا الإرهابية.
وتفيد مصادر إعلامية بأن السجين الحبجي وهو من أبناء محافظة البيضاء توفي داخل سجن الأمن المركزي الذي كان يحتجز فيه والذي يشرف عليه القيادي الحوثي المدعو عبد القادر المرتضى، الذي يشغل منصب رئيس لجنة الأسرى التابعة للمليشيا الحوثية.
وبحسب المصادر فقد جرى نقل جثمان المختطف إلى مستشفى القدس في العاصمة صنعاء لاستخراج تقرير طبي يفيد بأن أسباب الوفاة كانت طبيعية، في محاولة من الحوثيين للتنصل من الجريمة التي ارتكبتها عناصرهم، بالرغم من وجود آثار للتعذيب الوحشي ظاهرة في جسده.
وفي 25 نوفمبر توفي الجندي الأسير "حسن علي البتينة"، البالغ من العمر 26 عامًا، وهو أحد أبناء محافظة ريمة، وأحد منتسبي قوات المنطقة العسكرية السابعة، والذي تم أسره في جبهة ماس غرب مأرب بتاريخ 11 نوفمبر 2020، حيث توفي نتيجة التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له في سجون الحوثيين بصنعاء.
حالات متعددة للوفاة
وتختلف حالات الوفاة جراء التعذيب في سجون المليشيا الحوثية من سجين لآخر بحسب حجم التعذيب ونوعيته، فكما يتم الإعلان عن وفاة العديد من السجناء داخل الزنازين فإن هناك حالات أخرى من السجناء تم الإعلان عن وفاتهم بعد خروجهم بأيام قلائل من السجون الحوثية وهم في حالة صحية سيئة، فقد تم توثيق العديد من الحالات التي قضت نتيجة التعذيب الشديد على أيدي عناصر المليشيا بعد أيام فقط من الإفراج عنهم.
ويقول شقيق أحد الضحايا الذين تُوفوا عقب خروجهم من معتقل الحوثيين إن مليشيا الحوثي اختطفت شقيقه وغيبته في سجن الصالح بتعز مطلع عام 2022 لمدة شهر، بتهمة امتلاكه رقما عسكريا في الجيش اليمني، على الرغم من أنه لم يكن مزاولا لهذا العمل، بل كان يعمل محاسباً في إحدى الشركات بمناطق خاضعة للحوثيين، وفقا لرواية أخيه.
ويضيف أن شقيقه "تعرّض في السجن لتعذيب جسدي ونفسي شديد، وبعد أيام من الإفراج عنه تعرّض لحالة تسمى بالانفجار الرئوي، ناتجة عن المجهود والخوف، ليتوفى في 2 مارس 2022".
وفي يونيو من العام الماضي 2022، توفي مختطف سابق بعد خروجه بأيام قليلة من سجون المليشيا الحوثية في محافظة عمران شمال صنعاء.
وتفيد المصادر بأن المواطن "حسين قاسم زايد" أحد أبناء المحافظة توفي بعد أيام من إطلاق سراحه من سجون المليشيا.
وأكدت أن المواطن "حسين قاسم" بقي في السجون الحوثية لأكثر من ثلاث سنوات من اختطافه وتعرض لصنوف من التعذيب، مشيرة إلى أن سلطة المليشيا كانت قد أصدرت بحق الضحية حكماً بالإعدام، إلا أنها أطلقت سراحه بعد تدهور حالته الصحية جراء التعذيب ومنعه من العلاج.
هذه الحادثة سبقتها حالات أخرى بنفس المحافظة خلال فترة قصيرة، حيث عُثر على جثة الحاج "حزام بن علي القشيري" (مُسن) في بئر ماء قديمة، عقب خروجه بأيام من أحد سجون الحوثيين، وذلك بعد أقل من شهر على وفاة الشاب "يحيى ناصر أبو سراج"، وهو شاب عشريني بعد يوم واحد من خروجه من ذات السجن.
إرهاب طال المنظمات
وفي أكتوبر الماضي، أّعلن عن وفاة هشام الحكيمي، أحد موظفي منظمة رعاية الأطفال، في سجن تابع لمليشيا الحوثي بصنعاء، بعد اختطافه من قبل ما يسمى جهاز المخابرات التابع للحوثيين في 9 سبتمبر 2023، وتغييبه لمدة 55 يوما دون أن يعرف أحد عن ظروف الاختفاء وما يتعرض له من تعذيب، حتى أعلمت قيادة الحوثيين أسرته بعد ذلك باستلام جثته.
وبحسب مصادر حقوقية في صنعاء فإن هشام تعرض للتعذيب الشديد من أجهزة مخابرات الحوثي، ولم تسمح مليشيا الحوثي لأحد بالتواصل معه أثناء عملية الاختفاء، التي رافقها تعذيب وحشي أفضى إلى وفاته.
وقد طالب مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، بسرعة كشف التفاصيل عن مقتل هشام الحكيمي الموظف في منظمة رعاية الأطفال الدولية باليمن.
وقال المركز في بيان أصدره في 28 نوفمبر إن كشف تفاصيل الحقيقة ومعاقبة مرتكبي جريمة القتل بحق موظف في منظمة إنسانية هي أقل ما يمكن عمله من قبل الجهات المسؤولة في صنعاء، مؤكدا أن ما حدث للحكيمي يعد جريمة ضد الإنسانية يجب أن يقف أمامها اليمنيون والمجتمع الدولي بجدية، ومتابعة مرتكبي هذه الجريمة التي لم تكن عملاً فردياً أو حادثة فردية عابرة، بل هي ضمن منهج متبع لدى المليشيا الحوثية في صنعاء والتي تمارس انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان تجاه مختلف النشطاء والإعلاميين وموظفي المنظمات الإنسانية والحقوقية.
حالات متزايدة للوفاة
وبحسب وكيل وزارة حقوق الإنسان المهندس نبيل عبد الحفيظ، فإن تزايد وفاة العديد من الأسرى والمختطفين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون مليشيا الحوثي تعود إلى أسباب عدة، منها: الأساليب الوحشية المستخدمة من قبل المليشيا، ومحاولة إثارة ثقافة الخوف من خلال المعلومات المتواردة حول ما يحدث في السجون والأقبية، معتبرا أن ذلك "أيضاً أسلوب من أساليب الضغط في إطار التفاوض حول الصراع في اليمن".
ويقول عبد الحفيظ إنه "يصعب حصر عدد الأسرى والمختطفين في سجون الحوثيين حالياً، لأن هناك عمليات خطف مستمرة، وأن من يُعتقلون ليسوا أسرى حرب، ونسبة أكثر من 70 في المئة منهم يعتبرون بمثابة مختطفين، وأناس عاديين اعتُقلوا من الشوارع ومن بيوتهم وأماكن عملهم".
وطبقا لتقارير حقوقية وروايات لمختطفين وشهادات لأهالي مختطفين، فإن العديد من المعلومات عن أساليب التعذيب الوحشية التي تمارسها المليشيا الحوثية في سجونها بحق المختطفين بدون استثناء.
وتقول إن من بين أساليب التعذيب ما يعرف بـ"الشواية" وتتمثل بربط اليدين والقدمين بشدة وإدخال عصا تمتد بين اليدين والقدمين ويكون الجسد معلقا إلى الأسفل، ويتم إشعال النار في "البوتغاز" -الذي يُطهى به الطعام- وتُترك لفترة طويلة ثم يطفئها السجان ويأتى بالمختطف وهو معصوب العينين ومربوط اليدين ويُجبر على الجلوس عليه وهو شديد السخونة.
أساليب وحشية
وتذكر روايات أخرى أساليب مرعبة من التعذيب في سجون مليشيا الحوثي وثقتها شهادات بعض المختطفين الذين عاشوا تجربة الاعتقال، تنوعت ما بين الصعق الكهربائي ونزع الأظافر والكي بالنار والضرب بالعصي والأسلاك الكهربائية.
وبحسب تلك الروايات فإن الحوثيين كانوا يكبلون أيدي المعتقلين وأرجلهم ويضربونهم بوحشية في وجوههم ورؤوسهم ومؤخراتهم، مشيرة إلى أن عددا من المختطفين كانوا ينزفون ويتقيؤون دما، ولم يتلقوا العلاج، في حين يموت البعض تحت وطأة التعذيب.
ويروي الصحفي محمد الواشعي أنه تعرض للضرب بالهراوات والأسلاك الكهربائية حتى أغمي عليه أكثر من مرة، وأن قدمه وساقه اليمنى كسرتا من شدة الضرب والتعذيب، مشيرا إلى أنه شاهد خلال فترة وجوده في السجن عشرات المختطفين تعرضت أجسادهم للكي بالنار.
ويضيف الواشعي أن الحوثيين مارسوا بحقه مختلف صنوف التعذيب النفسي والجسدي، غير أن أنواعا من التعذيب النفسي التي تعرض لها في السجن كان وقعها عليه أشد وأقوى من الجسدي، مبينا أنه كان يشعر بالموت كل لحظة، مشيرا إلى أن الحوثيين كانوا ينقلونه أثناء الليل بعيدا خارج المعتقل بعد تقييده وتغطية عينيه وإيهامه أنهم بصدد إعدامه، وكانوا يشهرون أسلحتهم ويضعون فوهات بنادقهم فوق رأسه، في حين يقوم آخرون بإطلاق النار في الهواء إمعانا في إرهابه، مردفا بالقول إنهم كانوا يقولون له أنت الآن في المكان الذي قتل فيه زميلاك قابل والعيزري، وستموت كما ماتا هنا تحت القصف، في إشارة منهم إلى الصحفيّين عبد الله قابل ويوسف العيزري، اللذين قتلا على أيدي عناصر المليشيا.
أرقام مخيفة
ووفقا لتقارير حقوقية نشرت في وقت سابق، فقد قُتل بسبب التعذيب (293) معتقلاً مدنياً، و(147) تمّت تصفيتهم داخل السجون، و(282) توفوا بسبب الإهمال في السجون، و(92) قضوا بنوبات قلبية بعد حرمانهم من وصول العلاج اللازم لهم.
كما أصيب (52) معتقلاً بفشل كلوي وشلل كُلِّي أو نصفي نتيجة التعذيب والإهمال، فيما توفي أكثر من (98) معتقلاً بعد خروجهم من سجون مليشيا الحوثي بأيام قليلة. وتذكر التقارير أنّ مليشيا الحوثيين قامت بإخضاع نحو (4012) معتقلاً ومختطفاً للتعذيب النفسي والجسدي، منهم (463) حالة تم اتخاذهم دروعاً بشرية.
وقد أشار وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، في أكتوبر الماضي، إلى أن "وزارة حقوق الإنسان رصدت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب من إجمالي 1635 حالة تعرضت للتعذيب في معتقلات المليشيا الحوثية".
ولفت إلى أن منظمات حقوقية وثّقت "قيام المليشيا بارتكاب جريمة الإخفاء القسري بحق 2406 من المدنيين في معتقلات المليشيا غير القانونية، يتعرضون لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي، والحرمان من الرعاية الصحية".
ويضيف وزير والإعلام أن التقارير الحقوقية كشفت أن "مليشيا الحوثيين تدير نحو 641 سجناً، منها 237 سجناً رسمياً سيطرت عليها، و128 سجناً سرياً استحدثتها بعد الانقلاب (2014)، كما أن 32 مختطفاً تعرّضوا للتصفية الجسدية، فيما انتحر آخرون للتخلص من قسوة وبشاعة التعذيب، كما سجلت 79 حالة وفاة للمختطفين 31 حالة وفاة لمختطفين بنوبات قلبية، بسبب الإهمال الطبي ورفض إسعافهم إلى المستشفيات".