تواصل مليشيا الحوثيين الإرهابية نهب الموارد العامة واحتكار التجارة والاستثمار وتبديد الأموال في تجارة الممنوعات، لتقضي على كل مقومات الحياة في مناطق سيطرتها، وتزيد من معاناة المواطنين، لا سيما أنها ما تزال تنهب رواتب الموظفين الحكوميين، وسط ارتفاع معدلات البطالة، وتفشي الفقر والجوع، وعودة الأمراض التي تفتك بالمجتمع جراء تردي القطاع الصحي، وزيادة وفيات الأطفال بسبب منع اللقاحات.
وبعد تسع سنوات من الانقلاب وما تبعه من تدمير ممنهج للاقتصاد الوطني والانتهاكات المتواصلة بحق الرأسمال المحلي والجرائم المالية، برزت طبقة جديدة من الأثرياء الذين ظهروا من العدم، في ظل سباق لا يتوقف على نهب الموارد ومصادرة الأملاك واحتكار الاستثمار، وتحقيق الثراء غير المشروع عبر أقصر الطرق، فازدهرت تجارة المخدرات والممنوعات بجميع أنواعها، مما يتسبب بتضاعف المخاطر والأضرار التي ستطال المجتمع جراء جشع الحوثيين وهدرهم موارد البلاد في ما يدمر الوضع المعيشي للمواطنين ويدمر صحتهم.
لقد ألقى الفساد السياسي والإداري والأخلاقي لمليشيا الحوثيين بظلاله على مختلف جوانب الحياة، وفي مقدمتها الوضع المعيشي خصوصا والقطاع الاقتصادي عموما، ذلك أن الفساد يمتص حجما كبيرا من موارد البلاد ويبددها في ما يعود بالضرر على المجتمع ويحقق الثراء السريع لقيادات المليشيا، وتشكلت مراكز قوى وعصابات إجرام داخل سلطات الحوثيين الانقلابية، وكل عصابة من تلك العصابات صنعت شبكة مترابطة ومنظومة متكاملة داخل المؤسسات والهيئات، فتحمي نفسها وتعزز من نفوذها وتعمق جذورها لامتصاص المزيد من موارد البلاد، ولها امتدادات لتصل إلى أنشطة الأفراد ومؤسسات الأعمال التابعة للقطاع الخاص.
- الاقتصاد الخفي للمليشيا
وقد قدرت دراسة أكاديمية حديثة حجم "الاقتصاد الخفي" الناتج عن الأنشطة غير المشروعة للحوثيين خلال الفترة 2018 - 2023، بـ28.34 في المئة من حجم الاقتصاد الكلي، في ظل تزايد عمليات النهب للمال العام وانتعاش المتاجرة في الممنوعات منذ انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية على السلطة الشرعية.
ويقصد بالاقتصاد الخفي الأنشطة غير المشروعة التي تساعد المليشيا على استمرار واتساع الجرائم المالية، وأيضا استمرار دورتها المالية وتدفق عوائدها وأرباحها على القيادات والعصابات الحوثية التي تمارسها.
وأفادت الدراسة المعنونة بـ"الآثار الاقتصادية الكلية للجرائم المالية في اليمن"، للدكتور مشعل الريفي، أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، أن حجم الجرائم المالية وأنشطة الاقتصاد الخفي تصل إلى 6.6 مليار دولار، وتسببت في ضياع فرص اقتصادية بنفس القيمة.
وبينت الدراسة أن الفرص الاقتصادية المضاعة جراء الاقتصاد الخفي، تمثل خسائر كبيرة على الاقتصاد تقترب من 30 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، إذ إنها تشغل موارد مالية واقتصادية كان يمكن استغلالها في فرص إنتاجية استهلاكية أو استثمارية أو في بُنى تحتية أو التوسع والتحسين للخدمات العامة، كالصحة والتعليم والبحث العلمي.
وقدرت الدراسة الموارد الضريبية المفقودة بسبب أنشطة الاقتصاد الخفي والجرائم المالية المرتبطة به ما بين 448 و509 ملايين دولار، أي ما نسبته 58 في المئة من عجز الموازنة العامة للدولة.
وأوضحت الدراسة أن حجم الإنفاق الكلي السنوي على استهلاك المخدرات ما بين 153 مليونا و284 مليون دولار، ما يمثل 43 في المئة من نسبة الإنفاق الفردي العام.
وأشارت الدراسة إلى أن أنشطة الاقتصاد الخفي المغطاة بالجرائم المالية لا تخضع للتحصيل الضريبي، ومن ثم تحرم الموازنة العامة للدولة من موارد عامة كان يمكن لها أن تغطي عجز الموازنة العامة، وتوفر أوجه إنفاق حكومي إضافية تعود على المجتمع والاقتصاد بالفائدة كالبنى التحتية ومرافق تقديم الخدمات العامة.
وتعكس هذه الأرقام حجم الخسارة الاقتصادية التي يتحملها المجتمع اليمني جراء انتشار الأنشطة غير المشروعة وتوظيف جزء من موارده المالية والاقتصادية المحدودة فيها، وهي خسارة تصل إلى قرابة 30 في المئة من الناتج الكلي السنوي للبلد، ما يعني حرمان اليمنيين من فرص إنتاج واستهلاك السلع والخدمات التي تغطي احتياجاتهم، وكذلك حرمانهم من فرص البناء وتطوير البنية التحتية للاقتصاد وفرص توسيع وتحسين الخدمات العامة كالصحة والتعليم، وترافق الخسارة في الإنتاج خسارة أخرى في فرص النمو الاقتصادي.
- رفع قيمة الضرائب والجمارك
وفي الآونة الأخيرة، أعادت مليشيا الحوثيين طرح مشروع قرار يقضي بسلسلة هائلة من ضرائب المبيعات والدخل والأرباح والجمارك، لعرضها على أعضاء مجلس النواب الموالين لها في صنعاء ليتم تمرير مشروع القرار، رغم عدم قانونية كذلك كون البرلمان في صنعاء فاقد للنصاب.
وينص القانون على منح وزير المالية في حكومة مليشيا الحوثيين -غير المعترف بها دوليا- حق اقتراح فرض ضرائب أو رسوم أو رفعها وتصدر بقرار من رئيس الحكومة الانقلابية أو من رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى دون الحاجة إلى مجلس النواب.
- احتكار الأنشطة الاقتصادية بميناء الحديدة
كما عمدت مليشيا الحوثيين الإرهابية، خلال الأسابيع الأخيرة، لتنفيذ أكبر عدد ممكن من القرارات التي مكنتها من الاستحواذ الشامل على الأنشطة الاقتصادية في موانئ الحديدة، التي كان ينشط فيها القطاع الخاص وقطاع النقل العام من المواطنين.
ومن بين تلك الإجراءات حرمان الآلاف من مالكي شاحنات النقل الثقيلة التي يعمل سائقوها في نقل بضائع التجار من الميناء إلى مختلف المحافظات التي تسيطر عليها المليشيا، وذلك مقابل منحها لمصلحة هيئة نقل أنشأها الحوثيون لمصلحتهم، كما احتجزت المليشيا بعض سفن الشحن التجارية، وفتحت منافذ متعددة للجمارك، لإغلاق الباب أمام مواصلة نشاط القطاع الخاص في مناطق سيطرتها.
وكانت مليشيا الحوثيين قد أصدرت قرارا غير معلن يقضي بمنع شاحنات النقل من العمل والنقل من ميناء الحديدة إلى بقية المحافظات التي تسيطر عليها المليشيا.
وضمن مساعيها لإحكام سيطرتها الشاملة على ميناء الحديدة، والتحكم بحركة الملاحة فيه، والسماح والاحتجاز للسفن الواصلة إلى الميناء، أظهرت بيانات الحركة الملاحية في موانئ الحديدة أن المليشيا الحوثية احتجزت مجددا إحدى سفن نقل الحاويات في ميناء الحديدة ومنعتها من المغادرة بعد أن احتجزتها في وقت سابق في يونيو الماضي.
وتشير بيانات حركة الملاحة الصادرة عن مؤسسة موانئ البحر الأحمر أن السفينة "رينا" التي تنقل الحاويات محتجزة في رصيف المغادرة بأمر قضائي دون توضيح نوعية القضية، وتفسير سبب حجزها وإطلاقها.
والسفينة المذكورة ترابط في موانئ الحديدة منذ الثاني من أغسطس الماضي، وهي تتبع شركة عالم البحار السبعة، وكانت تحمل على متنها 5800 طن من النخالة والإسمنت، واحتجزها الحوثيون في مطلع أكتوبر الماضي.
- جرائم مالية لا تتوقف
ومنذ انقلابها على السلطة الشرعية، حولت مليشيا الحوثيين اليمن إلى سوق مفتوحة للمخدرات، ومقلب واسع لكل الممنوعات والمحظورات المجرّمة قانونيا، بهدف الإثراء السريع، وباتت البلاد سوقا رائجة لكثير من المنشطات والمخدرات بشكل لافت وبطريقة غير معهودة.
كما تمارس المليشيا العديد من الجرائم المالية في مناطق سيطرتها، من بينها: نهب المال العام، والنصب والاحتيال، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتزييف والتزوير، والإتجار غير المشروع بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، والجرائم الاقتصادية، وجرائم الإنترنت، وتهريب المهاجرين، والجرائم البيئية، وغير ذلك من الجرائم.