من أبناء الهادي إلى مليشيا الحوثي.. حروب داخل السلالة على خرافة "الحق الإلهي" في الحكم
الموضوع: اخبار وتقارير
 

 

من أبرز مساوئ الإمامة السلالية الكهنوتية في اليمن أنها مشروع حروب وسفك دماء وخراب ودمار يشمل الأرض والإنسان تحت لافتات وشعارات مقدسة، لا فرق في ذلك عندما تقاتل لأجل السيطرة على السلطة أو في حال استقر الأمر لها، كما حدث في بعض مراحل حكم الإمامة، وفي كلتا الحالتين يكون اليمنيون هم الضحية.

فإذا قاتلت السلالة الكهنوتية للاستيلاء على السلطة تكون نتيجة ذلك سفك دماء عدد كبير من اليمنيين ودمار عدد كبير من المدن والمزارع والمنشآت، وإذا استتب الأمر للإمامة وتمكنت من السيطرة على السلطة وحكمت بعض المناطق، فسرعان ما تشتعل الحروب بين أجنحتها جراء التنافس على السلطة، وقد تكون الصراعات والحروب بين أخوين متنافسين على الإمامة، أو بين أبناء عم، أو بين والد وولده، فيلجأ كل واحد منهم للتحالف مع بعض القبائل، وإقناعها بالقتال إلى جانبه، أو التحالف مع أطراف أجنبية ضد المنافسين له ولو كانوا من إخوانه.

- صراعات الأئمة.. من الأحق بالسلطة المقدسة؟

استمرت الصراعات بين المتنافسين على الإمامة من السلالة الكهنوتية طوال تاريخهم، كانعكاس للرغبة المتأصلة لدى كل واحد منهم في التسلط والهيمنة، وإن كان ثمن ذلك دماء عدد كبير من المواطنين، وكانت تلك الصراعات قد بدأت في وقت مبكر من تاريخ الإمامة الكهنوتية، وتحديدا بعد وفاة الإمام الثالث أحمد الهادي، في عام 322 هـ، فتفجر صراع دامٍ بين ولديه القاسم ويحيى، وقد انتهى ذلك الصراع بدمار مدينة صعدة، مما دفع القبائل هناك لخلع إمامتهما معا، وبذلك اندثرت الدولة الإمامية الكهنوتية الأولى.

وكان الصراع بين القاسم يحيى فاتحة صراعات أصبحت أشبه بالحالة المرضية في أوساط الأئمة أو السلالة الكهنوتية، مع أن الحكم انحصر في سلالة واحدة ثم توارثته أسر معدودة جدا، وتوارث الحكم الأبناء والأحفاد والأقارب بدعوى دينية أو بالسيف، وتقاتلوا حوله دون حياء وتهالكوا عليه حتى لا يكاد يخلو تاريخ إمام منهم من محارب من داخل بيته أو من سلالته.

ومن نماذج صراع الأجنحة السلالية في زمن الإمامة الكهنوتية، ما حدث خلال حكم الإمام القاسم بن علي العياني، الذي واجه تمردات قوية ومتواصلة مدعومة من آل الهادي يحيى بن الحسين الذين وجدوا في العياني منافسا لهم على ميراثهم في الإمامة، وتزعم تمرد آل الهادي الداعي يوسف حفيد الهادي.

وبعد تمكن جند العياني من هزيمة آل الهادي، تصالح معهم ابن العياني على أن يكون لهم نصف خراج صعدة فضمن هدوءهم ولكن إلى حين، فما لبث يوسف (حفيد الهادي) أن تمرد من جديد بسبب انقطاع تسليمه نصف خراج صعدة، وخرج آخرون من آل الهادي مطالبين بنصيبهم.

استمرت التمردات ضد العياني من داخل البيت، فتمرد عليه الحسن بن القاسم الزيدي، الذي جاء معه إلى اليمن، احتجاجا على تولية الإمام لابنه جعفر على صنعاء، فقاد تمرده من ذمار إلى صنعاء، فاستولى عليها وأسر ابن الإمام، ولم يطلق سراحه إلا بعد موافقة العياني على تولية الزيدي ولاية عامة من وسط همدان إلى ذمار جنوبا بما فيها صنعاء.

وفيما بعد أعلن الحسن الزيدي ولاءه للداعي يوسف حفيد الهادي متحللا من بيعته للعياني الذي اضطر للتخلي عن الإمامة وترك الأمر بالمعروف لعدم وجود الأنصار، وبعد وفاة العياني ادعى ابنه الحسين بن القاسم فحارب آل الإمام الهادي، وأخرب بعض دورهم بعد أن استولى على صعدة.

وفي صراع بيني آخر، حرض آل الهادي القبائل القريبة من صعدة ضد الإمام أحمد بن سليمان حتى أخرجوها من سلطته. وفي عام 565 هـ، حصل قتال بين من يسمونهم الأشراف من بني القاسم العياني بقيادة فليتة القاسمي من جهة، ووادعة من جهة أخرى، والتي بدورها استدعت الإمام أحمد بن سليمان لتواجههم تحت رايته، فاستجاب لكنه هزم ووقع في أسر القاسميين فسجنوه وهو شيخ أعمى، حتى توسط أولاده لدى السلطان علي بن حاتم فعمل على تحريره، فلما خرج من السجن استعان بالسلطان على حرب القاسميين، فاستجاب له فحاربوا القاسميين وخربوا دورهم وحصونهم ثم تصالحوا معهم.

وفي وقت لاحق، تمرد الأمير يحيى بن الإمام أحمد بن سليمان على الإمام عبد الله بن حمزة بحجة عدم توليه أعمال صعدة، لكن الإمام أرسل إليه أخاه يحيى مفاوضا ثم التقاه وولاه صعدة، لكنه بمجرد رحيل الإمام عاد وأعلن ولاءه للأيوبيين أعداء الإمام ووصل صنعاء، ومنها أعلن دعوته للإمامة مع ولائه للأيوبيين بهدف مساندته ضد عبد الله بن حمزة بحجة أحقيته بالإمامة بعد أبيه، وتقابل الطرفان، وانهزم يحيى بن أحمد بن سليمان فاعتقل مدة قبل أن يقتل خنقا بعمامة الإمام لتكرار خروجه.

وفي عام 646 هـ، ساند الأشراف الحمزات (من أسرة عبد الله بن حمزة) الملك الرسولي المنصور عمر بن علي رسول ضد الإمام أحمد بن الحسين، وحصلوا منه على أموال وعتاد للمشاركة في الحرب ضد الإمام، واستمر هذا الإمام يواجه المشاكل مع شيعته والأمراء الحمزات عدة سنوات حتى كانت نهايته على أيديهم، وقتل في إحدى المعارك بعد أن تخلى عسكره عنه، واحتز رأسه، وطيف به في عدة أماكن، واحتفل الحمزات بقتله، وشكلوا وفدا لزيارة الملك المظفر لشكره على مساندته لهم في حربهم لأحمد بن الحسين، وألقيت قصائد الفخر والنشوة بالنصر.

واعتقل الحمزات الحسن بن وهاس خليفة ابن الحسين بعد أن نشبت بين الطرفين حروب انتهت بهزيمته وسجنه 10 سنوات توفي بعدها. وفي المقابل استمرت التحالفات الانتهازية للأشراف الحمزات ما بين التحالف مع ملوك بني رسول لحرب مدعيّ الإمامة، وتكوين التحالفات مع الداعين للإمامة لحرب الملوك.

وفيما بعد، كان عهد الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين من أكثر المراحل دموية في تاريخ الإمامة، فقد نشبت حروب بين عائلة ذلك الإمام وأئمة آخرين، ثم نشبت الحروب بين عائلة ذلك الإمام نفسه، والذي كان قد بدأ حروبه بتحريض المماليك في مصر ضد عدوه السلطان عامر بن عبد الوهاب، ثم انقلب ضد المماليك ودعم ثورة أهل صنعاء ضدهم، ثم سرعان ما اصطدم بأشراف الجوف بقيادة محمد بن عبد الله بن الشويع بعد أن رفض تنفيذ اتفاقه معهم باقتسام الغنائم بعد اشتراكهم في الهجوم على المماليك في صنعاء، وتحالف الأشراف بعدها مع المماليك الخارجين من صنعاء وانضم إليهم إمام صعدة الحسن بن المؤيد ضد الإمام شرف الدين، واندلعت بين الطرفين حروب ضروس استمرت 15 عاما، وبرز في هذه الحروب المطهر بن شرف الدين بدمويته وقسوته وتحقيقه انتصارات أسهمت في توسع ملك أبيه.

وبعد وصول الحملة العثمانية الأولى إلى اليمن، سارع الإمام شرف الدين، ومثله عامر بن داؤود حاكم عدن، إلى الاتصال بقائدها سليمان الخادم ليطلب كل منهما معاونة الحملة له ضد الآخر.

وبعد سنوات قليلة من استقرار الحكم العثماني في الساحل اليمني، دبت الخلافات داخل أسرة الإمام شرف الدين، وأعلن ابنه المطهر تمرده على أبيه وأخيه شمس الدين، وبدأ "بطل المقاومة اليمنية ضد العثمانيين" كما سيلقب بعد ذلك، في تحريض القبائل اليمنية والعثمانيين ضدهما، وأرسل إلى القائد العثماني الجديد أويس باشا في زبيد يحرضه على محاربة أبيه، والقضاء على سلطته في اليمن، وفي السياق نفسه حرض الإسماعيليون أويس باشا على حرب شرف الدين الذي اضطهدهم وشردهم من مناطقهم.

وبعد أن حقق أويس باشا انتصارات كبيرة، وتقدم الحملة العثمانية إلى تعز وذمار باتجاه صنعاء، بدأت سلطة شرف الدين في الانهيار، ولم يجد هو وابنه شمس الدين من وسيلة إلا استرضاء المطهر، فعرضوا عليه الصلح مقابل تسليم السلطة والحكم له، والحصون والمعدات الحربية ليواجه العثمانيين، فانقلب المطهر على العثمانيين الذين سبق وحرضهم ضد أبيه الإمام وأخيه.

لم يكن ذلك الصلح داخل أسرة شرف الدين حاسما في إنهاء الخلافات، فقد تخلى بعض إخوته عنه عندما بدأ الصدام مع العثمانيين، وتآمر بعضهم معهم ضد المطهر. وفي أول معركة حول صنعاء، تكبد المطهر هزيمة كبيرة كان أحد أسبابها خذلان أخيه شمس الدين له وانسحابه وأتباعه من المعركة.

استمرت الصراعات بين أبناء شرف الدين فيما بعد، وذلك عندما اتصل شمس الدين بالعثمانيين سرا، وحرضهم على مواصلة الحرب ضد أخيه، ومن قبله حرض علي بن الإمام شرف الدين (الذي كان مرشح الأب لتولي الإمامة بدلا من المطهر) أزدمر باشا في ذمار على التوجه إلى صنعاء لحرب المطهر، وتعهد له بدفع رواتب الجنود لمدة سنة.

وفي صعدة، رفض عز الدين بن شرف الدين التعاون مع أخيه المطهر في صنعاء، ورفض أمر أبيه بالعودة من جيزان إلى صعدة لمواجهة العثمانيين. أما الأشراف، وخصوصا أشراف الجوف، فقد جاهروا بعدائهم للمطهر بعد هزيمته في صنعاء، واتصلوا سرا بالعثمانيين للتعاون معهم في القضاء على حكم شرف الدين وأبنائه، واتفقوا سرا على إعاقة تقدم عز الدين من صعدة إن فكر في دعم أخيه، وعندما رغب في الهجوم على صنعاء انسحبوا من الجيش وأثاروا ضده القبائل في جنوب صعدة، فانهزم واستسلم وتم نفيه إلى إسطنبول، لكنه مات في الطريق.

وبالرغم من أن المواجهة بين العثمانيين والأئمة انتهت بإبرام صلح يقضي ببقاء كل طرف في مكانه، واعتراف المطهر بالسيادة العثمانية، والخطبة للسلطان العثماني، وضرب النقود باسمه، إلا أن المؤامرات بين المتنافسين على الإمامة استمرت، وسرعان ما دب الخلاف بينهم، فهاجم أشراف الجوف الإمام أحمد بن الحسين المؤيدي في صعدة الذي لجأ بدوره إلى العثمانيين في صنعاء للاستنجاد بهم.

وبعد وفاة المطهر، استقل أبناؤه بحكم المناطق وتنازعوا فيما بينهم حول السلطة والنفوذ أو توسيع الممتلكات، واشتعلت بينهم الحروب العنيفة حتى لجأ بعضهم إلى العثمانيين للاستعانة بهم ضد منافسيهم.

وعندما قامت دعوة الإمام الحسن بن علي المؤيدي في الأهنوم وجاهر بعداء العثمانيين، استعان أبناء المطهر وباقي الأمراء الهادويين بالعثمانيين ضد الإمام الجديد.

وبعد ظهور حركة الإمام القاسم بن محمد، تعاون آل شرف الدين مع العثمانيين ضده، وكان عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن المطهر، حاكم حجة وأقاليمها، أول من حارب الإمام القاسم، وأول من أبلغ العثمانيين بثورته، ودبر مكيدة لتسليم كبار قادة القاسم لولا أنها انكشفت، ولعب أحمد بن محمد شمس الدين حاكم كوكبان الدور الرئيسي في إخماد ثورة القاسم الأولى، وبصورة عامة ظل آل شرف الدين حكام كوكبان يناهضون الإمام القاسم حتى هزموا على يد أبنائه.

وبعد خروج العثمانيين من اليمن عام 1635م، وقيام الدولة القاسمية، ظل التنافس على السلطة قائما بين السلاليين، وإن كان قد خف كثيرا في عهد الإمامين محمد وإسماعيل ابني القاسم، قبل أن تنفجر الخلافات والحروب والمؤامرات من جديد بين المتنافسين على الإمامة فيما يعرف بفترة الفوضى التي انتهت بعودة العثمانيين إلى اليمن بعد احتلال بريطانيا لعدن عام 1839م.

- ماذا عن صراع أجنحة المليشيا الحوثية؟

جاءت مليشيا الحوثيين الإرهابية من نسل الإمامة الكهنوتية وتعمل على استعادة الحكم الإمامي، وبالرغم من أنها لم تتمكن بعد من ترسيخ حكمها وإدراكها استحالة ذلك، إلا أنها تعمل على قطع الطريق خشية ظهور إمام منافس لعبد الملك الحوثي، من خلال اغتيال كل من تشكك بأنه طامح للسلطة من السلالة الكهنوتية، وبدأت الاغتيالات الدموية قبل انقلابها على السلطة الشرعية وما بعد الانقلاب، وتعمل على تحجيم دور العوائل السلالية وتهميشها.

ومع أن ذلك قلل من المخاطر التي تهدد سلطة عائلة آل الحوثي، لكنه لم يمنع من ظهور تصدعات وشروخ في جسد السلالة العنصرية، فصراع الأجنحة السلالية يعبر عن نفسه بوسائل متعددة لكنها لم تصل بعد إلى الصدام المسلح، وهذا ما سيحدث حتما عندما تحين لحظة النضج لصراع الأجنحة السلالية المنخرطة في المشروع الحوثي الكهنوتي الطائفي.

وأما ما تطرقنا له من حالات الحروب والصراعات بين الأئمة أنفسهم، في زمن الحكم الإمامي، فهو مجرد نماذج فقط لتاريخ الإمامة المرصع بالدماء وليس كل الحروب والصراعات البينية المدفوعة بغريزة التسلط وشهوة القتل، ولتلك الصراعات البينية دلالات كثيرة، من أهمها أن السلالة الكهنوتية مشروع قتل وخراب ودمار بلا حدود، وإذا كانت لا تتورع عن التناحر فيما بينها، فكيف يمكن لها أن تتعايش بسلام مع الشعب اليمني في حال امتلكت السلاح والدعم الخارجي؟!

الإصلاح نت - خاص
الإثنين 31 يوليو-تموز 2023
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=10458