الأربعاء 24-04-2024 03:12:39 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح.. إستراتيجية الشراكة الوطنية ونبذ الإقصاء (2-2)

الأربعاء 18 يناير-كانون الثاني 2023 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

منذ أن وطئت أقدام المليشيا الحوثية العاصمة صنعاء واستولت عناصرها المسلحة على المقرات والمؤسسات الحكومية وبسطت سيطرتها على المعسكرات وصادرت أسلحة الدولة بمختلف أنواعها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، استشعر التجمع اليمني للإصلاح خطورة الأمر وأدرك أن ثمة حاجة ملحة لجمع الكلمة وتوحيد الصف، وبذل جهودا مضنية في سبيل ذلك من خلال تقديم التنازلات والعمل على تقريب وجهات النظر وتقديم خطاب توافقي تصالحي لا يستثني أحدا من شركاء الدفاع عن الوحدة والجمهورية بكافة السبل ومختلف الوسائل.

ويعتبر الإصلاح من أبرز الأحزاب الفاعلة في اليمن في الدفاع عن الدولة والمساندة للحكومة الشرعية، إذ ظل متماسكًا في بنيته التنظيمية، وموقفه السياسي، إزاء انقلاب مليشيا الحوثيين على السلطة الشرعية في 2014م، فضلا عن كونه الحزب الوحيد الذي لم يشهد انقساما إزاء موقفه الوطني الواضح والثابت الرافض للانقلاب الحوثي، المساند لعودة الدولة والشرعية واستئناف العملية السياسية التشاركية بوصفها المسار الصحيح الذي لا ينبغي الخروج عليه.

 

التحرر من عقد الصراعات

وقد أكد على ذلك رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح الأستاذ محمد اليدومي في كلمة له ألقاها بمناسبة الذكرى الـ32 لتأسيس الحزب بالقول: "نؤكد على موقف الإصلاح الثابت إزاء الشراكة الوطنية في الحاضر والمستقبل لمواجهة التحديات التي يمر بها الوطن، وعلى رأسها الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانيا، والتحرر من عُقد ومخلفات الصراعات الماضية بين القوى والمكونات الوطنية بمختلف صورها، لتتظافر الجهود لإنقاذ سفينة الوطن من الغرق في مستنقع التشظي".

ودعا في الوقت نفسه إلى "الكفّ عن أوهام قدرة أي طرف على إلغاء أو إقصاء أي مكون وطني، كون ذلك سيضاعف المشكلات ويؤسس لمزيد من الفوضى التي تضر بالمشروع الجامع، وأمن واستقرار اليمن ومحيطه الخليجي والعربي، والأمن القومي والدولي لصالح مشاريع الهيمنة الإيرانية وبقية جماعات التطرف والإرهاب".

وشدد في الدعوة إلى موقف موحد تجاه مثل هذه القضايا والشراكة والتعاون والتكامل لإنقاذ اليمن من حالته الراهنة خصوصا وأن "واقع اليمن وتركيبته السياسية والاجتماعية لا تقبل بأي حال من الأحوال تفرد أي طرف بالقرار السياسي، لذا فإن مبدأ الشراكة الذي نصّت عليه أدبيات الإصلاح، قد أكدته وقائع الأحداث وشواهد التجربة العملية، ما جعلها نهجاً راسخاً في سياسة الحزب من أول وهلة".

 

ثمن الموقف

وعلى الرغم من الأخطار التي كانت تحيط بالإصلاح كحزب سياسي، وتتهدد أبناءه ومؤسساته بعد الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية، فقد انحاز الإصلاح إلى جانب الشرعية ومؤسساتها الدستورية، وشكل مع بقية القوى والمكونات الحزبية والسياسية تحالفا وطنيا للأحزاب المؤيدة للشرعية، وظل طوال السنوات الماضية بأنصاره وقواعده العريضة داعماً ومسانداً للدولة والشرعية في كافة المجالات، بالإضافة إلى وقوفه بحزم أمام المشاريع الصغيرة التي حاولت الانتقاص من الشرعية لتحقيق أهداف ومصالح ضيقة، وبذل جهداً مضنياً في سبيل توحيد الصف الوطني لمواجهة الانقلابيين الحوثيين.

وقد دفع الإصلاح ثمنًا باهظا جراء هذا الموقف الوطني الواضح والمعلن إزاء رفضه للانقلاب ووقوفه مع الشرعية والتحالف الذي أعلنه من اليوم الأول للانقلاب والذي ظل ثابتا عليه حتى هذه اللحظة، فقد تعرض أنصاره للملاحقة والتنكيل والاختطاف، حيث اختطف الحوثيون أكثر من 122 فردا من قيادات الإصلاح وأعضائه ونشطائه في العاصمة صنعاء خلال يوم واحد، وذلك بعد ساعات فقط من إعلان الحزب تأييده لعملية "عاصفة الحزم"، بالإضافة إلى اقتحام 17 منزلا من منازل قيادات ونشطاء الإصلاح، وتسعة من مقرات الحزب التي تعرضت لأعمال نهب واسعة، ناهيك عن الآلاف من أنصاره الذين طالهم الاختطاف والإخفاء القسري والملاحقة والتهجير، والمئات من المنازل والمقار والمؤسسات التابعة للحزب والتي تعرضت للهدم والمصادرة، وفقا لتقارير محلية وحقوقية.

 

في الطليعة

ويؤكد الإصلاح في أدبياته وخطاباته على أهمية إحياء قيم ومبادئ وأهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر وتعزيز مفاهيم الوحدة والسيادة الوطنية والتصدي للمشاريع الكهنوتية التي تريد العودة باليمن إلى عصور الإمامة والتشطير والظلام.

وفي الوقت الذي تسعى المليشيا الحوثية الانقلابية والجهة المحركة لها وقوى إقليمية أخرى إلى استئصال النظام الجمهوري والشرعيةِ الدستورية والوحدة اليمنية وتقويض السلم الاجتماعي، فقد هب الإصلاح مبكرا للدفاع عن هذه المبادئ والمسلّمات الوطنية، ودفع أكثر من أي طرف آخر ثمناً باهظاً لموقفه ذاك، من شبابه وقياداته وكوادره وأنصاره، شهداء وجرحى ومعاقين ومعتقلين ومختطفين ومخفيين قسرياً، فلم يتذبذب الإصلاح في مواقفه، أو يضع قدماً هنا وقدماً هناك، بل نزل بثقله واصطف بكل هيئاته ومؤسساته إلى جانب الشعب وشرعيته، ثم إلى جانب عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل لإعادة الشرعية واستعادة الدولة اليمنية ودحر الإنقلاب.

وبعد انطلاق عملية "عاصفة الحزم" في 26 مارس 2015، التي أطلق فيها التحالف بقيادة السعودية عملية عسكرية بهدف دعم الشرعية وتثبيت أركان الدولة اليمنية ودحر إنقلاب الحوثيين والقوى المتحالفة معهم على السلطة الشرعية، كانت هناك أطراف عدة داخل البلاد وخارجها تترقب موقف التجمع اليمني للإصلاح منها، خصوصا بعد تردد أنباء تفيد بأن الانقلابيين عرضوا على الإصلاح إصدار بيان يدين تدخل التحالف العربي ويصفه بـ"العدوان" على البلاد وسيادتها، مقابل الإفراج عن قياداته المعتقلين في سجونهم وإشراكهم في السلطة، بالإضافة إلى التهديد الذي أصدره الحوثيون بمحاكمة كل من يؤيد ذلك التدخل بتهمة الخيانة العظمى.

غير أن موقف الإصلاح جاء مغايرا للكثير من التوقعات والتكهنات، فلم يتعاطَ مع الموقف بأسلوب العصابات أو البحث عن مصالح خاصة على حساب الثوابت الوطنية، في الوقت الذي حاد عنها الكثيرون، وتهافتوا نحو مصالح ضيقة، إذ سارع الإصلاح وعلى الفور إلى تأييد عملية "عاصفة الحزم"، ليشكل موقفه عاصفة أخرى أربكت الكثير من الحسابات منها حسابات الانقلابيين أنفسهم، حيث مثلت هذه الخطوة موقفا صلبا شجع مختلف الأطراف في البلاد على إعلان موقف مماثل مؤيد للتحالف العربي في مساندة الحكومة الشرعية ضد الانقلاب، فضلا عما يعنيه ذلك التأييد من منح التحالف شرعية التدخل، نظرا لحالة الإجماع الوطني على ذلك، والذي كان أيضا بمنزلة إدانة شعبية للانقلاب ورفضا له.

 

رائد العمل المشترك

بذل الإصلاح جهودا مضنية في سبيل جمع الكلمة وتوحيد الصف الجمهوري وفرقاء العمل السياسي والدفع بها قدما لتعزيز النضال السياسي والعسكري المشترك، ولم يمانع بانضمام أي قوى سياسية إلى صف المواجهة والتصدي للانقلاب، بقدر مادعا إلى ذلك وحث عليه ورحب به للعمل ضمن مكونات الدفاع عن الوحدة والجمهورية، لاسيما وأن ذلك كان يمثل جزءا من المشكلة في وقت سابق.

ولم تُخفِ الكثير من القوى الوطنية والنخب السياسية صراحتها إزاء الدور الذي قام ويقوم به الإصلاح على كافة الأصعدة في خدمة العمل الوطني المشترك.

ويرى الباحث الدكتور "عادل الشجاع"، عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، أن مشاركة الإصلاح تعتبر ركيزة أساسية لاستمرار العملية السياسية في اليمن. وبحسب تعبير الشجاع فإن "وجود الإصلاح شرط لقيام الديمقراطية واستمرار التعددية السياسية البناءة".

ويضيف الشجاع مخاطبا الإصلاحيين: "ثقوا بأنه في هذا البلد من يثمن عاليا حمايتكم للوحدة ويثمن دفاعكم عن النظام الجمهوري وهذا استثماركم، لكن إذا اعتبرتموه وسيلة شخصية للسلطة فسيجعل منكم حطب مرحلة لا أحجار بناء".

واستطرد حديثه بالقول: "إن المشروع الديمقراطي في حالة احتضار لذلك يعول عليكم أنتم أكثر من غيركم أن تستكملوا كتابة النص الديمقراطي، فليكن عيدكم تحولا عميقا في حواركم مع الأحزاب ومع التحالف فيما يخص مستقبل اليمن والسلام لا مناسبة خطابية".

أما القيادي الإصلاحي "عبد العزيز العسالي" فيرى أن الإصلاح كانت له في هذه المرحلة جهودا مضاعفة للدفاع عن الثوابت الوطنية وحمايتها من الأخطار التي أحاطت بها من كل جانب، ويصف الدور الذي قام به الإصلاح بأنه هو "الدور الوطني والجمهوري والوحدوي، وله الفضل في الأدوار التي قامت بها مؤسسة الجيش والأمن والشعب، حيث قاد كل الوحدويين والجمهوريين معه، وخاض معهم معركة الدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة، والدفاع عن مخرجات الحوار الوطني وعن الإجماع الشعبي والشرعية الدستورية".

ويضيف العسالي في حديثه لـ"الإصلاح نت" أن الإصلاح "له إيجابيات في هذا المقام أداها، في حين تخاذل الكثيرون وعملوا على خذلانه، فهو أكثر الأحزاب جهودا وتضحية، ومع ذلك هو لا ينكر دور الآخرين في جواره، فقد عمل على بث روح التوافق والشراكة، وعمل على إيجاد التفاف شعبي وطني جماهيري، لاسترداد الجمهورية، والشرعية الدستورية، وكفى بهذا أنه نحت تاريخه في الصخر الصلب، إنها وقفة لم ولن ينساها التاريخ".

وفي وقت سابق، أكد وزير الإعلام والثقافة والسياحة "معمر الإرياني" أن التجمع اليمني للإصلاح قدّم خيرة منتسبيه في المعركة الوطنية ضد الجماعة الحوثية الانقلابية في مختلف الجبهات، مشيرا إلى أن الإصلاح "انحاز منذ الطلقة الأولى للدولة والإجماع السياسي والوطني".

وأضاف الإرياني، خلال مساحة صوتية نظمتها صحيفة عكاظ، مطلع فبراير من العام الماضي 2022، أن "الإصلاح دفع ثمناً باهظاً لوقوفه ضد المشروع الإيراني فتم مصادرة مقراته وممتلكاته في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي وتم التنكيل بقياداته وكوادره وما يزال المئات منهم في السجون الحوثية، من بينهم سياسيون وإعلاميون، وتعرضوا إلى صنوف التعذيب النفسي والجسدي حتى اللحظة".

 

تغليب المصالح الوطنية

ورغم التحولات السياسية التي شهدتها اليمن والمحطات التي مرت بها، منذ انتخاب الرئيس التوافقي السابق "عبد ربه منصور هادي" وحتى هذه اللحظة، فقد ظل موقف الإصلاح ثابتا ومساندا لكل ما من شأنه أن يصب في مصلحة التوافق وتقوية اللحمة الوطنية، جنبًا إلى جنب مع شركائه في الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية، داعمًا ومؤيدًا لكل ما تتخذه القيادة السياسية والحكومة اليمنية من مواقف وقرارات توافقية.

وقد بادر الإصلاح مبكرا في تأييده ومباركته لانتخاب الرئيس السابق "عبد ربه منصور هادي" ومشاركته الفاعلة لإنجاح الانتخابات الرئاسية التي تمت في 21 فبراير 2012، كإسهام منه لإخراج اليمن من حالة الاحتقان السياسي والأمني اللذين شهدتهما اليمن في تلك الفترة، بعد ثورة 11 فبراير 2011 وما أعقبها من توقيع الرئيس الراحل "علي عبد الله صالح" على المبادرة الخليجية وتخليه عن الحكم والذي استمر فيه طيلة 33 عاما، غير أن مشاركة الإصلاح وتفاعله مع العملية الانتخابية بشكل لافت، عكس مرونة الإصلاح وتعاطيه مع الحدث بشكل إيجابي، دون الالتفات للانتماءات السياسية أو الجهوية، متخطيا المصالح الحزبية الضيقة والمشاريع الصغيرة، ومغلبا المصلحة الوطنية ومشروع اليمن الكبير.

وتعزيزا لموقفه الداعم للتوافق ووحدة الكلمة، فقد بقي الإصلاح متمسكا بخياره الثابت ومبدئه الراسخ في سبيل المصلحة العامة والإجماع الوطني، تجلى ذلك من خلال تأييده الكامل لإعلان الرئيس "عبد ربه منصور هادي" رئيس الجمهورية السابق، تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل من العام الماضي، برئاسة الدكتور "رشاد العليمي" وعضوية سبعة آخرين، وما تلاها من قرارات حكومية، وما اتخذته القيادة السياسية الجديدة من مواقف، إذ بادر الإصلاح كعادته لتأييد ودعم تلك القرارات، وهو ما يعبر عن استمراره في مواقفه السابقة التي لم تتغير منذ انقلاب مليشيا الحوثي المدعومة من إيران على الدولة في سبتمبر 2014م.

 

جهود توافقية

وتأكيدا لجهوده التوافقية فقد رحب الإصلاح بتشكيل الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي لمجلس القيادة الرئاسي مطلع العام الماضي 2022 الذي وصفه بـ"التوافقي"، معربًا عن أمله في "أن يكون مدخلاً لتوحيد الجهود العسكرية والأمنية والسياسية بما يؤدي إلى استعادة أمن واستقرار اليمن، وينعكس إيجابًا على حياة المواطنين"، متطلعًا إلى أن يُشكّل "صفحة جديدة لتلافي أي أخطاء وتقصير في المرحلة الماضية"، وفقا لبيان الحزب الذي أصدره في 7 أبريل من العام 2022.

واعتبر أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي "بداية لإنهاء الصراعات السياسية بين مكونات الشرعية وبارقة أمل لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب"، وفقا لرئيس دائرته الإعلامية علي الجرادي، وهو ما أكّده الحزب من خلال لقاء قياداته مع عدد من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي للتأكيد على بداية عهد جديد، عنوانه الشراكة الوطنية، وطي صفحة الماضي وترسباتها وما خلفته من ضغائن وحزازات.

وسيظل التجمع اليمني للإصلاح أكبر طرف يمني مؤازر للدولة والحكومة المعترف بها دوليا، وأكبر مكون سياسي داعم للوحدة والتوافق الوطني والنسيج الاجتماعي اليمني، باذلا جهوده في تجاوز الانقسامات السياسية والقبلية والمناطقية والمذهبية وغيرها من الشروخ التي مزّقت النسيج المجتمعي اليمني نتيجة الدمار الذي أحدثه انقلاب المليشيا الحوثية الإرهابية على الدولة والنظام الجمهوري.

كلمات دالّة

#اليمن