الجمعة 19-04-2024 11:19:55 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الشيخ صادق الأحمر.. رمز جمهوري ومناضل وطني جسور حتى آخر لحظة

الأحد 08 يناير-كانون الثاني 2023 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت/ الصحوة نت - يزن قحطان

 

 

كان الشيخ "صادق الأحمر" يتوكأ على عكازته بالزي الشعبي اليمني، يحتفظ بهويته بالشكل اليمني المَهِيب يتحدث بلهجته الأصيلة الأقرب إلى الوجدان، وخلال نحو 15عاماً من تزعمه قبيلة حاشد أكبر القبائل اليمنية، شارك بفاعلية في الحياة السياسية والاجتماعية قبل أن تندلع الحرب التي أشعلتها المليشيات الانقلابية.

رغم ذلك كان الشيخ "الأحمر" يحتفظ ببساطته وارتجاله في التعبير عن مواقفه السياسية خلال مسيرته القصيرة في تصدر المشهد السياسي، وبرز كمساندً لطموحات اليمنيين في التغيير السياسي، وصولاً إلى الصمود في وجه التجريف التي شهدته الجمهورية، عقب سيطرة المليشيات على العاصمة صنعاء قبل ثمان سنوات.

وفي فجر الجمعة السادس من يناير/ كانون الأول توفي الشيخ صادق عبد الله بن حسين الأحمر عن عمر 67 عاماً (1956 - 2023)، بعد صراع مع المرض، في العاصمة الأردنية عمّان التي وصلها في أغسطس/ آب 2022 للعلاج، قادماً من العاصمة صنعاء التي لم يغادرها إلى مرات قليلة في حياته.

ظل الشيخ "صادق الأحمر" في منزل والده متمسكاً ببقائه في صنعاء رغم الاعتداءات الحوثية والاستهداف المباشر من الميلشيات التي بدأت حروبها ضد اليمنيين، من معقل قبائل حاشد ومنازل "آل الأحمر" في قرية "خمر" بمحافظة عمران (شمال اليمن)، قبل أشهر من سيطرتها على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

"كان فقيدنا الراحل من خيرة الرجال أخلاقاً وتواضعاً، سمحاً في التعامل، قريباً من الناس، صادقاً شجاعاً في قول الحق، نقي السريرة"، هكذا وصف الإصلاح في بيان نعيه الشيخ صادق، الذي كان أحد قيادات الحزب ومؤسسيه، إلى جانب حضوره الأبرز كفاعل في القضايا اليمنية المختلفة، كأحد أهم الشخصيات القبلية في البلاد.

 

من هو الشيخ صادق الأحمر؟

يعد الشيخ صادق الأحمر، أحد أبرز مشايخ اليمن، وهو رئيس تحالف قبائل اليمن، وشيخ مشايخ قبيلة حاشد، أحد أبرز القبائل اليمنية، وورث الأحمر زعامة القبيلة في العام 2008 باجتماع قبلي عقد في منطقة "خمر" مسقط رأسه بمحافظة عمران، خلفا لوالده الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر الذي توفي في ديسمبر 2007، الذي كان من أبرز رجال الجمهورية منذ تأسيسها في ستينات القرن الماضي.

ولد الشيخ صادق الأحمر في 5 أكتوبر/ تشرين أول 1956، في قرية الخمري التي تقع شمال غرب مدينة خمر التاريخية في محافظة عمران (شمال اليمن)، وتلقى تعليمه الأولي عند كتَّاب القرية، وعند قيام الثورة سنة 1962م وعند خروج والده المناضل من سجن المحابشة في محافظة حجة انتقل هو ووالده إلى مدينة خمر. أكمل الفقيد الشهادة الابتدائية في مدرسة (نشوان الحميري) بأمانة العاصمة وتنقل في المرحلة الإعدادية بين اليمن ومصر، وحصل على الثانوية العامة سنه 1975 من مدرسة (الأورمان) في القاهرة.

شارك في قيادة العديد من حملات الجيش الشعبي لمواجهة حروب التخريب في المناطق الوسطى خلال الأعوام 1981-1982مـ وعقب ذلك توجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الطيران المدني، حيث مكث هناك أربع سنوات وحصل على شهادة في مجال قيادة الطائرات المدنية الصغيرة ليعود إلى اليمن سنة 1987، وفي العام التالي ترشح لعضوية مجلس الشورى وفاز بعضوية دائرة منطقة حوث والعشة في محافظة عمران.

كان من ضمن أعضاء مجلس الشورى في شمال اليمن الذين صوتوا لتحقيق حلم اليمنين بالوحدة اليمنية التي تحققت في 22 مايو/ آيار 1990، وخلال عضويته في المجلس بين عامي (1988م، 1993م) كُلف بمعالجة الكثير من الخلافات بين القبائل وأصبح أكثر قرباً ودراية بشؤونها.

فاز بعضوية مجلس النواب في ثلاث فترات متتالية ما بين (1993 - 2003)، وعين في شهر سبتمبر 2005م عضواً في مجلس الشورى للمرة الثانية، وبعد ذلك بثلاث سنوات تحديدا في 2008 تزعم قبيلة حاشد خلفاً لوالده، لم يتولى الراحل أي وظائف حكومية إدارية، ولم يشغل وظيفة عامة، وعمل مع الدولة كعضو في مجلسي النواب والشورى، وهما مناصب رقابية وليست تنفيذية.

 

في عمق المشهد السياسي

بدأت مسيرة الشيخ صادق كواجهة سياسية وقبلية عقب توليه زعامة القبيلة، وتصدر جزء من المشهد السياسي في البلاد مع ثورة فبراير 2011، حيث أعلن في مارس/آذار 2011 انضمام قبيلة حاشد إلى الثورة السلمية، وحينها أصبح إحدى ركائز المعارضة، وتحول إلى خصم للنظام السابق، وزعيماً للقبائل اليمنية الأخرى التي ساندت الثورة وأعلنت انضمامها تباعاً.

وعلى خلفية موقفه الداعم للثورة تعرض منزله لهجوم من قوات الرئيس الأسبق على عبد الله صالح، والذي كان حدثاً محورياً في محاولة تحويل الثورة الى صراع مسلح، بالإضافة إلى أن توقيت الهجوم تزامن مع وجود وسطاء من مشائخ القبائل وعسكريين لحل خلافه مع على عبد الله صالح، وأدى الهجوم الذي استمر لعدة أيام إلى إصابة بعض الوسطاء ومقتل عدد من رجالات الشيخ صادق الأحمر.

وبعد تنحي صالح وتولي عبد ربه منصور هادي السلطة اندمج صادق الأحمر في المسار السياسي في إطار أحزاب اللقاء المشترك، ودعم مؤتمر الحوار الوطني، وكان من ضمن الموقعين على المبادرة الخليجية التي رعتها السعودية لانتقال السلطة في اليمن، ومن ثم عضو في مؤتمر الحوار الوطني، الذي كان آخر المحطات السياسية في اليمن، قبل أن تدخل البلاد في الحرب الجارية منذ انقلاب المليشيات.

رغم الأصوات الشبابية التي ارتفعت عقب ثورة الشباب في 2011، ضد سلطة القبيلة في الدولة اليمنية، إلا ان الشيخ الأحمر كان أبرز الزعماء الأكثر مرونة في تقبل إرساء دولة مدنية ديمقراطية حديثة وقال في إحدى تصريحاته التلفزيونية "نريد إخراج اليمن إلى طريق سوي بعدالة صادقة، نريد نعيش بحرية مستعدين للتخلي عن سلاحنا والعيش مثل الجميع".

كان حينها موقف "الأحمر" شجاعاً وجريئا في تحول مسار القبيلة اليمنية في مساندتها للدولة كسلطة حقيقة تقوم بواجبها تجاه الجميع، وعلى إثر ذلك كان يدعو كل القبائل لتبني ذات الموقف، وقال في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة في يونيو 2011: "شبعنا عسكرة نريد ان نعيش مواطنين مسالمين، يحكمنا القانون فقط"، في إشارة إلى استعداد القبائل التخلي عن السلاح لحماية أنفسهم.

 

مناهضة الحوثيين

خاض الشيخ "صادق الأحمر" المعارك ضد ميلشيات الحوثي مبكراً في مسقط رأسه بمديرية خمر بمحافظة عمران في مطلع عام 2014، ففي الوقت الذي كانت البلاد تعيش مرحلة انتقالية وهشاشة في الجانب العسكري والأمني، استغل الحوثيين ذلك لبدء مشروع التوسع في عمق أبرز قبائل حاشد.

وبدأت ميليشيات الحوثي التقدم من محافظة صعدة، المجاورة لمحافظة عمران حيث معقل قبائل "آل الأحمر" ودارت معارك عنيفة مع مسلحي القبائل استمرت أشهر، على إثرها استطاعت ميلشيات الحوثي السيطرة على المحافظة في يوليو 2014، وفجرت منزل والده الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر التاريخي في مدينة خمر عقب سيطرتها، وكانت الاسرة محل استهداف مباشر للميلشيات.

رغم الخذلان التي تعرضت له القبائل أثناء مواجهة الحوثيين من قبل الدولة، والتي لم تقم بأي دور إما لمنع الاقتتال أو ردع المعتديين من الميلشيات الحوثية، الا ان الشيخ الأحمر انتقل بعد ذلك للاستقرار في صنعاء، ورغم سيطرة الحوثيين عقب ذلك بشهرين على العاصمة، الا انه بقي في منزله ولم يغادره.

وكان أبرز اعتداء حوثي على الشيخ الأحمر، هو اقتحام ميلشيات الحوثي منزلهم في حي الحصبة، في أواخر نوفمبر 2014، ودارت اشتباكات مع حماية منزله سقط على إثرها قتلى وجرحى، وبعد الاعتداء قدم زعيم ميلشيات الحوثي تحكيماً قبلياً، لكن الأحمر أعلن رفضه لبشاعة الانتهاك التي ارتكبته الميلشيات.

ورغم سنوات الحرب الطويلة وتزايد سطوة الحوثيين إلا أن الشيخ الأحمر لم يهادن أو يجامل ميلشيات الحوثي، والتي حاولت عدة مرات زيارته عبر قياداتها، أبرزهم صالح الصماد الذي كان حينها رئيسا لما يسمى بالمجلس السياسي، قبل أن يقتل بغارة جوية في العام 2018.

 

مناضلاً جسورا

وفور إعلان وفاته جراء المرض الذي ألم به، تداعت التعازي وبيانات النعي على المستوى الرسمي والشعبي، وأكدت على حقيقة النضال الوطني للشيخ الأحمر، والتسامح والبساطة التي كان يتمتع بها في علاقاته السياسة والاجتماعية، بالإضافة إلى صلابة الموقف والشجاعة فيه بلا مواربة.

ووصفه رئيس مجلس الرئاسة رشاد العليمي – في برقية العزاء – "انه كان أحد أبرز رجال اليمن الشجعان الذين أخلصوا لمبادئ الجمهورية وظلوا على العهد والثبات في وجه القوى الامامية الظلامية حتى اخر رمق من حياته".

من جانبه، قال الإصلاح في بيان النعي "لم يكن الشيخ صادق طيلة عمرة إلا جمهورياً جسوراً ومناضلاً وطنياً، سائراً على درب والده مقتفياً نهج أسرته النضالي ضد الإمامة والكهنوت، منحازاً إلى الشعب وقضاياه، لم يتنكب عن هذا الطريق حتى وفاته، ورحل وهو ثابت على قيم ومبادئ الجمهورية رافضاً لمخلفات الإمامة".

إلى ذلك قال السياسي اليمني ورئيس جنوب اليمن سابقاً، على ناصر محمد "كان الشيخ صادق شخصية متميزة جمعت بين الإيمان بالتحديث والتعامل مع متغيرات العصر وبين الحرص المعتدل على الحفاظ على الروابط القبلية وعلى دور القبيلة السياسي في إطار دولة النظام والقانون، تميز الفقيد بعدم عصويته ونزوعه المدني".

أما رئيس الحزب الاشتراكي السابق، وسفير اليمن لدى بريطانيا حاليا، ياسين سعيد نعمان فقال "كان صادق الأحمر يشق طريقه إلى قلوب زملائه بتواضعه وشخصيته الاستثنائية التي لم ترهقها متطلبات القبيلة ولا الحياة الاجتماعية المركبة بتقاليد مرهقة". وأضاف: "كان حاضراً في كل المناسبات الاجتماعية، وصاحب واجب، حافظ من خلالها على ما بقي من روح القبيلة".