الخميس 18-04-2024 12:16:50 م : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

دور الإصلاح في ترسيخ مفهوم الدولة واستعادتها من المليشيات الانقلابية

السبت 07 يناير-كانون الثاني 2023 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

منذ ولادته كحزب سياسي كبير تجاوز ظروف التأسيس قبل 32 عامًا، وتحديدا في 13 أيلول/سبتمبر 1990م، ظل التجمع اليمني للإصلاح يرتكز في مواقفه السياسية من منطلقات الجمهورية والوحدة والديمقراطية والسيادة والحفاظ على المصالح العليا للوطن، وترسيخ الدولة باعتبارها الدرع الحامي لكل تلك المرتكزات والثوابت الوطنية.

فمنذ اللحظة الأولى لإعلان ميلاد الإصلاح وما تلاها من أحداث ومواقف سياسية في البلاد، مرورًا بثورة الشباب 2011، وصولا إلى انقلاب مليشيا الحوثي وسيطرته على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، ظل موقف الإصلاح ثابتاً لم يتغير إزاء تلك المرتكزات والثوابت التي كانت تحدد رؤيته في كل موقف يتخذه أو قرار يتبنّاه.

هذا المسار الواضح الذي انتهجه الإصلاح ساهم في أن يكون واحدًا من أهم المكاسب السياسية الفاعلة في البلاد، نظير قدرته على اعتماد خطط فاعلة للانتقال الاستراتيجي من وضع إلى أخر، أهمها تحوله من السلطة إلى المعارضة، وفقًا لما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا، مُعطيًا بذلك المعادلة السياسية في البلاد أهميتها وتنوعها وفاعليتها.

ومن المهم في هذا المقام، الإشارة إلى أدوار الإصلاح الفاعلة في الانحياز للدولة، ومساندته للشرعية منذ التوقيع على المبادرة الخليجية(نوفمبر 2011)، وانتخاب الرئيس السابق عبدربه منصور هادي رئيسًا للجمهورية في 21 فبراير 2012، وما سبقها، وكذا المواقف التي اتخذها إعلاءً للمصلحة الوطنية، والتضحيات التي قدمها لأجل مساندة الدولة وسلطتها الشرعية منذ تأسيسه.

حيث ظلت مواقف الإصلاح خلال المراحل الماضية منحازة للدولة ولشرعيتها التي مصدرها الشعب؛ باعتباره المعيار الحاكم والضابط لخط سيره العام، وقبل الحديث عن أبرز تلك المواقف والأدوار سنحاول تسليط الضوء على مفهوم الإصلاح للدولة، وجهوده السياسية في حمايتها، وترسيخها واستعادتها من المليشيات الإيرانية.

الإصلاح ومفهوم الدولة

ينطلق الإصلاح من مفهومه للدولة من الحرص على التفريق بين مفهومي السلطة والدولة، وعدم الخلط بينهما، تجنبًا لتهميش المجتمع وإخراجه من معادلة الحكم، باعتبار أن الخلط الذي مصدره النخبة الحاكمة أو المعارضة قد عمل على إخراج المجتمع من الحكم، وتحويل الدولة إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية بين السلطة والمعارضة.

ولعل حرص الإصلاح على التفريق بين مفهومي السلطة والدولة، يأتي في سياق تأكيده على مشاركة المجتمع بحفظ حقوقه، ومنع السلطة من تحويلها للدولة وأجهزتها إلى أداة طيعة في يدها، فلا يبقى للمواطن أي قوة تحفظ وتضمن حقوقه، وتحرسها من الاعتداءات. وكذا منع الخلط الأخر إزاء هذا المفهوم من قبل المعارضة حين تستخدم حق الاعتراض السياسي بطريقة خاطئة، إذ لا تكتفي بمعارضة السلطة والحكومات، بل تستهدف معها سلطة الدولة نفسها.

ومن المهم التأكيد في هذا السياق، أن التمييز بين مفهومي السلطة والدولة، الذي انتهجه حزب الإصلاح قد سهّل عليه التعامل بشكل مختلف مع السلطة، وسهّل كذلك من مهمة انتقاله إلى المعارضة بسلاسة، جنّبته خطأ القوى التي دمجت تلكم المفهومين وجعلت منهما شيئًا واحدًا، من خلال عودته إلى ساحة المنافسة على السلطة من جديد، ضمن ما يقرره الدستور وتقرّه القوانين، والعمل كمعارض للسلطة وليس للدولة.

ولذا يؤكد الإصلاح أن الدولة اليمنية لن تحقق وجودها واستقرارها إلا من خلال توقف الحاكم عن استخدام المؤسسات السيادية للدولة لصالحه، وأن يتوقف المعارض عن الذهاب لتفتيت المجتمع كرد فعل. كما يؤكد الإصلاح في هذا السياق أن واقع اليمن البائس اليوم هو النتيجة لفشل المكونات والنخب اليمنية في إرساء هذين المبدأين.

وتأكيدًا لذلك، تمكّن الإصلاح من الانتقال الاستراتيجي من الشرعية الحزبية إلى الشرعية السياسية، حين غادر السلطة عام 97م، والانتقال إلى المعارضة، لا لمحاربة الدولة، أو الانتقام منها، وإنما للعمل السياسي الواسع في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك؛ ليعطي بذلك المعادلة السياسية أهميتها وتنوعها، وليعيد القيمة للمعارضة السياسية ومركزيتها كركن فاعل في النظام السياسي اليمني التعددي "سلطة ومعارضة"، بعد أن كان على وشك أن يفقد أحد ركنيه عقب حرب 94م، وفقا لمحلل السياسي اليمني عبده سالم.

رؤية الإصلاح لشكل الدولة

في ورقته لمؤتمر الحوار الوطني، قدّم حزب الإصلاح رؤيته لشكل الدولة، مؤكدًا على أن الأسس والمحددات تنطلق من تحقيق اللامركزية بالشكل الذي يناسب اليمن أرضا وإنسانًا، وأن تكون دولة مدنية ذات نظام جمهوري تتحقق فيها أهداف الثورات اليمنية 26 سبتمبر، و14 أكتوبر، وثورة 11 فبراير السلمية، بما يحفظ لليمن وحدته وسيادته وأمنه واستقراره.

ويشدد الإصلاح على ضرورة أن يتضمن شكل الدولة مبدأ الانتخاب كأساس لتشكيل وتكوين قيادات الحكم اللامركزي، مع مراعاة التحديد الواضح للسلطات والصلاحيات المركزية واللامركزية، بما يمكن هيئات وقيادات الحكم اللامركزي من إدارة شؤونهم، وبما يحقق الديمقراطية الشوروية للشعب لأنه مالك السلطة ومصدرها.

كما تضمنت رؤية الإصلاح أن تعمل الدولة على "تحقيق مبادئ المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في السلطة والثروة، وتحافظ على كرامة الإنسان اليمني باعتبار أن الدولة غاية ووسيلة لتحقيق طموحات مواطنيها، وتحقق لشعبها نهضة شاملة وتضمن له تكافؤ فرص العمل وسبل العيش الكريم".

ويؤكد الإصلاح على ضرورة أن تكون الثروات الطبيعية والموارد العامة في الدولة ملكاً للشعب اليمني، مع ضمان حصول الوحدات اللامركزية على نسبة عادلة من عائدات الثروات المستخرجة منها، كما تتشارك جميع الوحدات المحلية في تنمية متساوية تمول من الثروات والموارد العامة للدولة.

كما يؤكد على ضرورة "التحديد الدقيق للموارد والثروات السيادية والموارد والثروات اللامركزي، وأن يكون القضاء هو الفيصل لحسم أي خلاف ينشأ بين السلطات المركزية واللامركزية وفقاً لما يحدده القانون".

الإصلاح وجهوده في مساندة الدولة

وتأسيسا على ما سبق، يحرص الإصلاح على مساندة الدولة، حسب المفهوم الذي تم توضيحه أعلاه، وشكل الدولة التي قدّمها في رؤيته لفريق بناء الدولة خلال مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم أعماله في يناير 2014، كونه يدين للدولة بوجوده وميلاده، حيث أعلن ميلاده بعد أربعة أشهر فقط من قيام دولة الوحدة في الـ 22 من مايو 1990م.

إذ أسهمت دولة الوحدة التي تزامنت مع ميلاد حزب الإصلاح، في إيجاد الآلية الانتخابية التي حولته إلى رقم مؤثر في المعادلة السياسية اليمنية، وحررته من جملة المحرمات السياسية، حيث كانت الأحزاب السياسية قبل الوحدة محظورة في شمال الوطن وجنوبه، ولذا عملت دولة الوحدة على الانتقال الاستراتيجي للإصلاح وبقية الأحزاب اليمنية من العمل السري المحظور إلى شرعية العمل الحزبي المعلن، بعد انتقال البلد من نظام الحزب الواحد، إلى نظام التعددية الحزبية والسياسية.

كما أن حضور الإصلاح الفاعل عبر الانتخابات التي شهدتها البلاد، قد جاءت كثمار إعلان الدولة، وأطلقت له عنان الحركة والتوسع الشعبي، حتى غدا من القوى الاكثر قربًا من الجماهير وتعبيرًا عنها. وهذا الواقع الذي وفرته الدولة الواحدة ونظامها التعددي يستحق من وجهة نظر الإصلاح معارضة كل التوجهات التي تنتقص منها أو تهدد كيانها الجامع.

ولذا كان التجلّي الأبرز لمساندة الإصلاح للدولة، إبان ثورة الربيع العربي، حيث وقف الإصلاح بخندق مطالب الشعب، جنبًا إلى جنب، مع مطالب الشباب، مع الحفاظ على مفهوم الدولة، والحفاظ على السيادة والجمهورية والعلاقات الإقليمية، في ظل حلقة نضالية متشابكة، افضت في النهاية إلى تسوية تاريخية جسّدتها المبادرة الخليجية للحفاظ على الدولة من الانهيار، وتخليصها من عملية سطو إيراني، باتت مؤشراتها واضحة، وهي التسوية التي تم الانقلاب عليها بأدوات إيرانية عبر مليشيات الحوثي الإرهابية.

الإصلاح وتعزيز حضور الدولة

وعطفا على ما سبق، وبمراجعة بسيطة لمواقف وأدبيات حزب التجمع اليمني للإصلاح، ودوره في إسناد الشرعية، منذ اليوم الأول للتوقيع على المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011، وانتخاب الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي رئيسًا للجمهورية، يلحظ المراقب مدى ثبات الرؤية، وواحدية المواقف التي اتخذها الإصلاح لمساندة مؤسسات الدولة، والحرص على ترسيخها وعدم الانحراف بها عن المعركة الوطنية، رغم السهام الحاقدة التي نالته من كل حدب وصوب، ولكن تلك السهام لم تجعله ينحرف عن دعم وإسناد الشرعية ومؤسساتها المختلفة، حيث ظلت مواقفه تدور حول الدولة دعما وتأييدا وإسنادًا.

وهي المواقف ذاتها التي دأب عليها الإصلاح منذ تأسيسه، من خلال أدواره البارزة على صعيد العمل السياسي والحزبي، ومحطاته المشرقة التي ساهمت في بلورة العمل السياسي في اليمن، بدءًا من المشاركة في السلطة ثم مغادرتها وتأسيس اللقاء المشترك، مرورًا بالثورة الشعبية 2011، وصولا إلى انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة والنظام الجمهوري، حيث كان الإصلاح ولا يزال يلعب أدوارًا فاعلة في دعم ومساندة الدولة الشرعية، في مواجهة الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانيًا حتى اليوم.

هكذا ظلت مواقف الإصلاح ثابتة إزاء تعزيز حضور الدولة، خصوصا عندما تكون الدولة في أسوأ مراحل ضعفها، لإيمانه بأهمية دور الدولة في لملمة شتات المجتمع اليمني والحفاظ على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي لأبناء البلد الواحد، ناهيك عن دورها في أمن دول الجوار، ولذا فقد قدم الإصلاح تضحيات كبيرة بعد أن تعرضت الدولة لخطر المليشيات الحوثية المدعومة من إيران، وكرس كل جهوده لنصرة السلطة الشرعية في حربها على الانقلاب، بدعم ومساندة دول التحالف العربي.

وتأتي مواقف الإصلاح المساندة للدولة والشرعية، ترجمة للأدبيات السياسية للحزب، التي تؤكد أن مواقفه من القضايا الخارجية والعلاقة مع البلدان الأخرى يجب ألا تكون مخالفة لسياسة الدولة الخارجية، ليعكس مدى تعزيز الحزب لدور الدولة، ومساندتها في كل الظروف والأحوال، وإعلاء شأن الدولة وتعزيز حضورها الفاعل، لكي تكون هي المرجع والمظلة الحامية لكل القوى السياسية الوطنية في البلاد.

الإصلاح ودوره في استعادة الدولة

لا ينكر أحد، أن حزب الإصلاح مثّل أبرز القوى السياسية الفاعلة في اليمن، المساندة للحكومة الشرعية، والرئيس السابق عبدربه منصور هادي، باعتباره الحزب الذي ظل متماسكًا في كيانه التنظيمي، وموقفه السياسي، إزاء تعرض السلطة الشرعية لانقلاب مليشيا الحوثي في 2014م، فضلا عن كونه الحزب الوحيد الذي لم يشهد انقساما إزاء موقفه الواضح من الانقلاب الحوثي، بعكس بعض القوى الأخرى التي ظلت تتنقل مابين الشرعية والانقلاب.

برز هذا الموقف الواضح والمُعلن لدعم للسلطة الشرعية، من خلال تأييد الإصلاح المُعلن لتحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية منذ 26 مارس/آذار 2015، وقد دفع الإصلاح ثمنًا باهضًا جراء هذا الموقف الوطني الواضح والمعلن إزاء رفضه للانقلاب، والوقوف مع الشرعية والتحالف بقيادة السعودية، حيث اختطفت مليشيا الحوثي أكثر من 122 من قيادات وأعضاء الإصلاح ونشطائه في العاصمة صنعاء، خلال يوم واحد، وذلك بعد ساعات من إعلان الحزب تأييد عاصفة الحزم، كما تم اقتحام 17 منزلا من منازل قيادات ونشطاء الإصلاح، و9 من مقرات الحزب التي تعرضت لأعمال نهب واسعة، وفقا لتقارير حقوقية.

كما أعلنت مليشيا الحوثي حلّ حزب الإصلاح، ليتعرض بعد ذلك للتنكيل الذي طال قيادات الحزب وأعضاءه ومقراته وبنيته التحتية، وشمل ذلك القتل والاختطاف والاخفاء واقتحام المنازل والمؤسسات في صنعاء ومختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية، فضلا عن استمرار اختطاف المئات من أنصاره وأعضائه، وإصدار المليشيا احكاما بالإعدام بحق بعض قياداته وأعضائه، ووفاة البعض منهم داخل سجون المليشيا الحوثية نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له في سجونها جراء هذا الموقف المساند والمؤازر للدولة وشرعيتها.

ومع تبلور حركة الرفض والمقاومة المجتمعية في مختلف المناطق والمحافظات اليمنية، بعد حالة الضعف والتشرذم التي سيطرت على الدولة والأحزاب السياسية عقب انقلاب مليشيا الحوثي، ظهر موقف الإصلاح بكل قوة مساندًا وداعمًا للمقاومة الشعبية التي تشكّلت في كثير من المناطق، وكان للإصلاح قيادة وقواعد إسهام فاعل في حثّ المجتمع اليمني للنزول لميدان المعركة، لمواجهة انقلاب مليشيا الحوثي.إذ كان للدور الفاعل للإصلاح في مواجهة مليشيا الحوثي، مبررًا لقيام مليشيا الحوثي بصب جام غضبهم على أعضاء الإصلاح في مناطق سيطرتها، حيث تعرضوا لكثير من أصناف التنكيل، وصل حد احتجاز قيادات ونشطاء إصلاحيين في مستودعات الأسلحة ليكونوا عرضة لاستهداف طيران التحالف، وفقَد الإصلاح كثيرًا من قياداته في الحرب ضد مليشيا الحوثي، سواء في السجون والمعتقلات أو في ساحات المعارك أو في القصف الذي شنه الحوثيون وطال مؤسسات ومبانٍ ومنازل واقعة وسط الأحياء السكنية في مدن وقرى عدة.

وهكذا يتضح مدى حجم التضحيات التي يقدمها التجمع اليمني للإصلاح في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، إلى جانب السلطة الشرعية وبقية الشركاء السياسيين، وبإسناد ودعم دول التحالف العربي بقيادة السعودية، وبرز تجمع الإصلاح كأكبر طرف يمني مؤازر للسلطة الشرعية، وأكبر تنظيم سياسي يشكل حماية للوحدة الوطنية كونه يتجاوز الانقسامات القبلية والمناطقية والمذهبية وغيرها من الشروخ التي مزّقت المجتمع اليمني نتيجة الدمار الذي سببه الانقلاب على الدولة والسلطة الشرعية من قبل المليشيات الحوثية الإرهابية.

كلمات دالّة

#اليمن