الخميس 18-04-2024 08:08:12 ص : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ملشنة التعليم.. قراءة في ورقة الحوثيين: "التعليم في اليمن.. الواقع والتطلعات"

السبت 31 ديسمبر-كانون الأول 2022 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

بعد أن دمرت مليشيات الحوثيين التعليم في مناطق سيطرتها تماما وحولته إلى مجرد دعاية حربية ونشر ثقافة العنف والإرهاب، أعدت وزارة التعليم الانقلابية في حكومة المليشيات، غير المعترف بها دوليا، ورقة بعنوان "التعليم في اليمن.. الواقع والتطلعات"، باعتبارها خطة أعدها مكتب الوزير لتطوير التعليم، لكن الحقيقة هي أن تلك الخطة ليست سوى استكمالا للإجراءات العملية السابقة للمليشيات لهدم النظام التعليمي الذي كان قائما واستبداله بتعليم جديد يكرس السلالية والطائفية ومزاعم الحق الإلهي في السلطة، وتحويل المؤسسات التعليمية إلى أوكار للدعاية الحربية ونشر ثقافة العنف والإرهاب تحت لافتة التعليم.

بدأت تلك الورقة باستهلال طويل عبارة عن سرد تاريخي لمراحل تطور التعليم في اليمن، وذلك السرد منقول في الأساس من أوراق سابقة جاهزة موجودة في أرشيف وزارة التربية والتعليم قبل الانقلاب الحوثي، مع تعديلات طفيفة، لكن الفريق الذي أعد ورقة الحوثيين حرص على إيراد مراحل تطور التعليم في اليمن للإيحاء بأن ثمة عملا جبارا قدمته الوزارة ينسف كل ما سبق، وأن ثمة خطة عملية جادة لتطوير التعليم في مناطق سيطرتها، والهدف الحقيقي من ذلك هو التغطية على التوصيات أو الملاحق التي وردت في نهاية الورقة، ومحاولة يائسة لإدانة النظام التعليمي في العهد الجمهوري والتبشير بمرحلة جديدة من التعليم الذي لن يكون سوى تعبئة قتالية ومحاولة لتطييف الجيل الجديد وتسميمه بسموم الطائفية والسلالية وثقافة القتل والعنف والإرهاب.

- إدانة النظام التعليمي السابق

حاولت مليشيات الحوثيين إدانة النظام التعليمي السابق في سياق عرض مراحل تطور التعليم في اليمن، ومن ذلك ما جاء في الصفحة (15) من ورقة الحوثيين بوصف تزويد جمهورية مصر العربية لليمن بخبراء في التربية وبالكادر التعليمي والمناهج، بأنه كان لمصر "توجهاتها المقصودة وثقافتها التي لا تتعلق باليمن وبيئته"، وتقصد المليشيات الحوثية بذلك ما تضمنته بعض المناهج الدراسية من أبعاد سياسية وتاريخية تدين الحكم السلالي الرجعي الظلامي المتخلف والإعلاء من قيمة ثورة 26 سبتمبر 1962 والنظام الجمهوري، وسرد تفاصيل الثورة وتخليد ذكرى شهدائها الأبطال، وتحويلهم إلى رموز وطنية، ووصف العهد الإمامي السلالي الكهنوتي على حقيقته، وكان هذا أول ما عملت المليشيات الحوثية على التخلص منه بعد انقلابها على الجمهورية ومحاولتها إعادة الحكم الإمامي البائد.

ومما كشفته الورقة أن مساعي المليشيات الحوثية لتطييف التعليم بدأت عمليا منذ العام 2016، أي بعد نحو عام من انقلابها على السلطة الشرعية، حيث ذكرت الورقة أنه تم إعداد خطة انتقالية للتعليم في العام 2016، وأن هدف تلك الخطة هو "دراسة الواقع الذي يمر به اليمن (ظروف الحرب)، وأثره على التعليم"، واستدرك معدو الورقة بالقول إن تلك الخطة (2016) لم تشر إلى أهمية وضع برنامج شامل للطوارئ وما أطلقوا عليه "ظروف العدوان الذي يمر به البلد"، ويقصد بذلك العمليات العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية دعما للسلطة اليمنية الشرعية ضد الانقلاب الحوثي الإرهابي.

ثم أشارت الورقة إلى ما سمتها "الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة (مارس 2019)"، الصادرة عن ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" للحوثيين وتبنتها الحكومة الانقلابية (غير المعترف بها دوليا)، وأن الرؤية تضمنت محاور مختلفة تشمل "قطاعات الدولة"، وجاء التعليم في المحور الثامن، ضمن تلك الرؤية التي قالت الورقة إنها "جاءت من محكات عدة أبرزها العدوان على اليمن"، حسب وصفها.

واحتوت الورقة على مغالطات كثيرة فيما يتعلق بحقيقة تطييف المليشيات الحوثية للتعليم وتسييسه، فمثلا ذكرت أن قيادة الوزارة (أي وزارة التربية والتعليم التي تسيطر عليها المليشيات) "أوكلت منذ منتصف العام 2015 مهمة تطوير مناهج التعليم العام في الجمهورية اليمنية إلى الجهة ذات العلاقة (الإدارة العامة للمناهج)، حيث شكل قرار (293) لسنة 2015 والصادر بتاريخ 22 يونيو 2015 بتشكيل لجان للمراجعة والتصويبات للمواد: (القرآن الكريم وعلومه، التربية الإسلامية، اللغة العربية، الاجتماعيات)، وذلك لإزالة الأخطاء اللغوية والخلافات المذهبية التي كانت في الكتب الدراسية، ومحاولة ترميمها، واستمر العمل في المراجعة والتصويب حتى مطلع العام 2017، وخرجت كتب تلك المرحلة إلى الميدان التربوي والتعليمي".

يتضح من النص السابق حجم المغالطات والأكاذيب بشأن التغييرات التي لمسناها تباعا خلال السنوات الماضية، وهي تغييرات تصب جميعها في تطييف التعليم وتسييسه والتركيز على ما يسمى الولاية والحق الإلهي في السلطة، والتعبئة القتالية، ونشر ثقافة الكراهية، وتشويه تاريخ اليمن، وغير ذلك من أوجه العبث التي وصفتها الورقة الحوثية بأنها إزالة للأخطاء اللغوية والخلافات المذهبية، مع أنه لا صحة لوجود أخطاء لغوية ولا خلافات مذهبية، لا سيما أن مناهج القرآن الكريم والتربية الإسلامية ألفها وأشرف عليها علماء ولجان تربوية من المذهبين الشافعي والزيدي، وتم تحاشي ذكر المذهبية فيها تماما.

وكانت تلك المناهج تشكل تجربة فريدة في التقريب بين المذاهب وتجاوز الخلافات المذهبية في مناهج التعليم العام، بيد أن ما تريده المليشيات الحوثية الإرهابية هو مناهج طائفية بحتة لا تقف عند حدود الخلافات المذهبية أو الترويج لمذهب وتغييب المذهب الآخر تماما، وإنما توظيف التعليم بشكل عام للتطبيل لسلالة عنصرية وتمجيدها ومنحها قداسة سياسية ودينية والترويج لثقافة القتل والعنف والإرهاب خدمة لتلك العائلة العنصرية.

- سخافات احتوتها الورقة

لم تجد مليشيات الحوثيين ما تدين به التعليم في اليمن منذ ثورة 26 سبتمبر 1962 وحتى عشية انقلابها على الدولة والعملية السياسية سوى أنه مدعوم من الخارج، من مصر ومن دول الخليج، ومن منظمات أجنبية، ووجه الإدانة للتمويل الخارجي المزعوم للتعليم يتمثل -من وجهة النظر الحوثية- في أن بعض الداعمين، مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، أنها تدعم أعداء الحوثيين بالسلاح الأمريكي في جبهات القتال، وأن بعض أوجه دعم المنظمات الأجنبية للتعليم تركز على: تعليم الفتاة والمهمشين والنوع الاجتماعي وغير ذلك من القضايا الهامشية، حسب تعبير معدي الورقة الحوثية لتطوير التعليم في مناطق سيطرة المليشيات.

لكن معدي الورقة لم يتطرقوا إلى دعم منظمات أجنبية للحوثيين تحت لافتة دعم التعليم، ونهب المليشيات للخمسين دولارا للمعلم شهريا المقدمة في وقت سابق من جهات أجنبية، ونهب الحوثيين لتك المكرمات، وتغيير بعض المدرسين وإحلال آخرين مكانهم طمعا في الدعم الأجنبي المحدود للتعليم وللمعلمين، بما فيها الخمسين دولارا شهريا ولمدة محددة، فدعم المنظمات الأجنبية للتعليم حلال للحوثيين وحرام على أي طرف آخر يصنفونه في خانة الأعداء.

يضاف إلى ذلك أن وزارة التربية الحوثية في ورقتها للارتقاء بالتعليم ذكرت أن الدعم الأجنبي للتعليم له "سموم وأفكار"، ذلك أنه -حسب الورقة- يرسخ "عند المتعلم أن الداعمين محبين لا أعداء، فتتولد شخصية مهزومة غير قادرة على فعل شيء، مما يولد في نهاية المطاف التبعية لأعداء الله"، لكن إذا كان المتلقي لذلك الدعم من المعلمين الحوثيين فإنه لهم "حلال زلال" ولن يؤثر على تبعيتهم لزعيم المليشيات وعائلته.

لقد أدانت المليشيات الحوثية -في ورقتها عن التعليم في اليمن- كل ما له صلة بالعملية التعليمية، فالدعم المصري بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 مدان، والدعم الخليجي مدان، ودعم المنظمات الأجنبية مدان، والمناهج الدراسية مدانة بذريعة أنها احتوت خلافات مذهبية وأخطاء لغوية، والقوانين واللوائح التي أصدرتها وزارة التربية والتعليم مدانة، بما فيها القانون العام لوزارة التربية والتعليم ولائحته التنفيذية اللذين تم إعدادهما في المرحلة الانتقالية بعد الوحدة عام 1990، فهذا القانون ولائحته التنفيذية، من وجهة نظر المليشيات الحوثية، أصبحا "غير صالحين في الظروف الحالية كإطار مرجعي للتعليم"، وأن "ظروف تلك المرحلة لها ركائز أيديولوجية أدت إلى إشكالات في المضامين التربوية والتعليمية"، وغير ذلك من عبارات الإدانة للتعليم في اليمن منذ ثورة 26 سبتمبر 1962 وحتى الانقلاب الحوثي الإرهابي في سبتمبر 2014.

- ما هو التعليم الذي تريده المليشيات الحوثية؟

بعد إدانة الورقة الحوثية للتعليم في اليمن من كل جوانبه، فيا ترى ما هو التعليم الذي تسعى المليشيات لتعميمه في مناطق سيطرتها؟ باختصار، وحسب ما تضمنته الورقة المذكورة من توصيات وملاحق، فالهدف الرئيسي هو هدم النظام التعليمي بمجمله وإحلال تعليم جديد يكون أساسه ملازم الهالك حسين الحوثي، شقيق زعيم المليشيات عبد الملك الحوثي، وهو ما أكدته الورقة الحوثية في (ص 127 - ملحق 3)، بالقول إن "من أهم ما يدعو إلى التطوير العام والمواكبة للمتغيرات بالنسبة للعملية التعليمية وفق منهج قرآني، وفي ضوء هدى الله عز وجل، أن يبدأ الاختصاصيون في القراءة والتحليل للملازم بحيث يتم الخروج برؤية تربوية واضحة وفق مرتكزات إيمانية"، هكذا هو الهدف باختصار، أن تكون ملازم حسين الحوثي الأساس لتطوير العملية التعليمية الحوثية.

ومن الأهداف التفصيلية لتطوير التعليم الحوثي، وفق الورقة الحوثية: "ترسيخ التولي لله ورسوله والإمام علي وأعلام الهدى، ومحبتهم، واتباعهم، والارتباط بهم"، وهذا يعني أن المليشيات الحوثية تريد تعليما يعلم الطلاب كيف يوالون عبد الملك الحوثي ومحمد علي الحوثي ويحيى الحوثي، وكيف يحبونهم ويرتبطون بهم، ويسلموا لهم بالولاية أو السلطة باعتبارها حقا مقدسا لهم، وتصويرهم بأنهم "أعلام هدى" وليسوا مجرد سلاليين عنصريين قتلة ومجرمين ولصوص وإرهابيين.

ومن دواعي تطوير التعليم الحوثي وفق ورقتهم: "الحاجة إلى تنمية الروح الجهادية في نفوس أبناء المجتمع"، أي تحويل الجيل الجديد إلى مليشيات إرهابية مقاتلة ضد جميع أعداء المليشيات الحوثية تحت لافتة "الجهاد". كما لفتت الورقة، في بند "دواعي تطوير التعليم"، إلى "افتقاد المشروعات الموجودة إلى إدراك أبعاد الولاية من حيث الارتباط والالتزام والشمول لمضامينها"، بمعنى أن التعليم سابقا لم يهتم بالولاية، وهذا من دواعي تطوير التعليم ليؤمن الجيل الجديد بأن الولاية والسلطة والثروة لعبد الملك الحوثي وعائلته فقط، وعلى الشعب أن يعتقد بأن هذه الخزعبلات من الدين.

وفيما يتعلق بمنطلقات الحوثيين لتطوير التعليم، حسب ورقتهم: "القناعة التامة لدى القيادة بضرورة التغيير لما هو موجود، وتطوير ما يمكن تطويره، وفق الرؤية القرآنية الشاملة من خلال ملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي". وأما الآلية المقترحة لتطوير التعليم، وفق الورقة الحوثية: "الاستقاء من ملازم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في طرح الموجهات العامة للمشروع القرآني".

ومن المنطلقات الأساسية لتطوير التعليم، وفق رؤية الحوثيين كما بينت ورقتهم: "ولاية من أمرنا الله بتوليه من أعلام الهدى، المفهوم، الدلالة، الآثار المترتبة عنها". وهكذا يتمحور تطوير الحوثيين للتعليم بين ملازم الهالك حسين بدر الدين الحوثي والولاية التي تعني الحق المقدس في السلطة والثروة لعائلة الحوثيين السلالية العنصرية الإرهابية، وسيكون مضمون المناهج ما يخدم فكرة الولاية والتسلط الأبدي على رقاب اليمنيين من خلال التطييف ونشر ثقافة العنف والإرهاب.

الخلاصة، لقد كشفت المليشيات الحوثية الإرهابية عن حقيقتها كاملة، ولم يعد لديها ما تخفيه، وها هي تؤكد للشعب اليمني وللعالم أجمع أنها مشروع قتل وخراب ودمار وإرهاب دائم، وأنه يستحيل أن تتعايش مع مختلف مكونات الشعب اليمني تحت أي عناوين ما لم يكن الجميع تحت سلطتها وإمرتها والخضوع التام لها، وأنها ليست فقط خطر على اليمن واليمنيين، وإنما خطرها عابر للحدود ويهدد دول الجوار ومصالح العالم في المنطقة ويهدد الملاحة الدولية، وهذا يتطلب من الجميع التحرك العاجل للقضاء على أخطر مليشيات إرهابية في المنطقة قبل أن يستفحل شرها وتكون كلفة القضاء عليها مستقبلا باهظة الثمن.

 

لتحميل التقرير ملشنة التعليم .. اضغط تحميل

عدد الزيارات 1840
عدد التحميلات 127

كلمات دالّة

#اليمن