الجمعة 29-03-2024 10:51:23 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الأسرى والمختطفون لدى الحوثيين.. معاناة مستمرة ومفاوضات عسيرة

الأحد 11 ديسمبر-كانون الأول 2022 الساعة 11 مساءً / الإصلاح نت-خاص

 

استمرارا في المضي بنهجها الإجرامي، تصر مليشيات الحوثي الانقلابية وكعادتها على استغلال كافة الملفات وكل ما هو متاح لها في خدمة مشروعها وتحقيق أهدافها، لا سيما الملفات الإنسانية منها والأكثر حساسية، إذ عادة ما تبدي تعنتها في أي مفاوضات تجري تكون طرفا فيها، وإظهار اشتراطات مبالغ فيها لتحقيق بعض المكاسب والحصول على الكثير من التنازلات.

تعنت حوثي

ويعد ملف الأسرى والمختطفين من الملفات الشائكة في اليمن والأكثر تعقيدا، إذ عادة وبعد كل مفاوضات تجرى بين الحكومة ومليشيات الحوثيين تقابل بتعنت واشتراطات حوثية وإملاءات تفرضها المليشيات تهدف من خلالها لحصد المزيد من المكاسب، وتفضي جميع تلك المفاوضات إلى الفشل.

ويعتبر الدور الذي اضطلعت به الأمم المتحدة في هذا الملف من الأدوار الأكثر سلبية والذي يعكس تخاذلا أمميا وتواطؤا واضحا تجاه المليشيات الحوثية، فعلى الرغم من معاناة المختطفين والأسرى في سجون المليشيات الحوثية وفقا لتقارير حقوقية وإعلامية، إلا أن الجهات الأممية المعنية تحاول من خلال تعاطيها مع الملف أن تنقل صورة مغايرة لما يحدث داخل السجون التابعة للحوثيين.

فبعد الزيارة التي قام بها فريق تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر لمركز الاعتقال العسكري التابع للحوثيين في العاصمة اليمنية صنعاء منتصف العام الجاري 2022، خرج المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، بشير عمر، بتصريح صادم يصف فيه المعاملة التي يلقاها المختطفون والأسرى في سجون المليشيات الحوثية بـ"الإنسانية".

ويقول المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر: "إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر زارت مركز الاعتقال العسكري في صنعاء، حيث أحصت عدد الأشخاص المعتقلين هناك".

ويضيف أنه "تم التأكد من حالة هؤلاء الأشخاص، وأنهم يعاملون معاملة إنسانية طبقاً لمعايير القانون الدولي الإنساني".

واعتبر أن هذه الخطوة "تعد تمهيدية في ضوء عملية الإفراج المحتمل حدوثها في وقت لاحق خلال هذا العام"، لافتا إلى أن التفقد "جاء ضمن الزيارة التي نفذها فريق تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر إلى صنعاء بالتعاون مع السلطات الموجودة في المدينة".

يأتي هذا التصريح في الوقت الذي تمارس فيه المليشيات الحوثية أبشع الجرائم بحق السجناء المختطفين وغيرهم، حيث يتعرضون -وفق تقارير حقوقية- لعمليات تعذيب مستمرة، وأصناف من التنكيل والعذاب تتنوع بين التعذيب النفسي والجسدي، كالصعق بالكهرباء والحرمان من النوم والطعام والشراب والدواء، والضرب بآلات صلبة على الرأس والأطراف، والضرب المستمر حتى الإغماء، وغيرها من ألوان التعذيب النفسي والجسدي.

جرائم في سجون المفاوض

وفي الوقت الذي أوكلت فيه مهام المفاوضات بشأن الأسرى إلى القيادي في المليشيات الحوثية عبد القادر المرتضى، وتسليمه ملف الأسرى، وتكليفه دورا إنسانيا، يمارس ذات القيادي جرائمه بحق السجناء بصفة شخصية، وانتهاكاته لحقوق الإنسان.

ففي مطلع ديسمبر الجاري، اتهمت الحكومة اليمنية القيادي الحوثي "المرتضى" والمسؤول عن ملف أسرى جماعته، بنقل صحفيين معتقلين لدى المليشيات في صنعاء إلى زنازين انفرادية، والقيام بتعذيبهم بشكل شخصي، لدرجة تسببه في كسر جمجمة أحد الصحفيين.

ووفقا لتصريحات رسمية لوزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، فإن القيادي في مليشيات الحوثيين الإرهابية المدعو عبد القادر المرتضى، رئيس ما تسمى "لجنة الأسرى" وشقيقه أبو شهاب ونائبه أبو حسين، قاموا بنقل الصحفي توفيق المنصوري وزميليه عبد الخالق عمران وحارث حميد إلى زنازين انفرادية، وتعذيبهم بشكل متواصل لمدة 45 يوماً، وضرب الأول على رأسه ضربا مبرحا مما أدى إلى كسر جمجمته.

وطبقا لبلاغ لأسر الصحفيين المعتقلين في سجون المليشيات الحوثية تم توزيعه على وسائل الإعلام المختلفة في وقت سابق، فقد تم نقل الصحفي المنصوري، واثنين من زملائه الصحفيين، هما عبد الخالق عمران وحارث حميد، إلى زنازين انفرادية في الدور الأرضي بالسجن، مطلع شهر أغسطس 2022، وتم عزل كل واحد منهم في زنزانة انفرادية.

واتهم البلاغ القيادي الحوثي المرتضى بأنه "عذب الصحافيين الثلاثة بشكل متواصل، بحضور شقيقه أبو شهاب المرتضى، ونائبه أبو حسين، حيث استمر التعذيب والإخفاء القسري لمدة 45 يوماً، دون أن يُسمح بمعرفة مصيرهم حتى لزملائهم الذين كانوا معهم في الزنازين الجماعية، المعروفة بـ(السياج)".

وأكد البلاغ أنه بعد مرور 45 يوماً تم نقل الصحفي المنصوري وزميليه إلى الزنزانة الجماعية، وشوهدت آثار التعذيب عليه، وفيه ضربة بالرأس ولا تزال خيوط العملية عليه.

انتقائية التفاوض

وبحسب تصريح للمتحدث باسم التحالف العربي في اليمن، تركي المالكي، في وقت سابق من العام الجاري 2022، فإن هناك جهودا ومساعٍ تبذل أمام تعنت مليشيات الحوثيين لإطلاق الأسرى.

ويقول المالكي في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس"، تزامنا مع تأكيد حكومي يمني على الاستعداد لـ"تبادل كافة الأسرى مع الحوثيين دون انتقائية"، وذلك غداة اتهام المليشيات الحوثية للحكومة بـ"عرقلة إحراز تقدم في الملف".

ويشير المالكي إلى أن "تعنت الحوثيين في محادثات عمّان الأخيرة، أفشل جهود إطلاق جميع أسرى الحرب، بما يتنافى مع القيم الدينية والمبادئ الإنسانية والأعراف القبلية".

وأوضح المالكي أن "الحوثيين يقدمون أولوية ملف الوقود على ملف أسراهم الأكثر إنسانية"، مشيرا إلى أنهم عرضوا على الحوثيين زيارة أسراهم "ولم يجدوا منهم الجدية والعزيمة الصادقة".

وكشف أن "تحالف دعم الشرعية يبذل مساع حثيثة أمام تعنت الحوثيين لإطلاق جميع الأسرى ولم شمل العائلات".

تعقيدات وعراقيل

وتقول تقديرات غير رسمية إن عدد المحتجزين في سجون الحوثيين يتجاوز ثمانية آلاف شخص، غالبية هؤلاء المحتجزين معتقلون ومختطفون من أعمالهم ومنازلهم وخلال مرورهم عبر نقاط أمنية (حواجز تفتيش) تابعة للمليشيات الحوثية وليسوا أسرى حرب كما تحاول المليشيات الحوثية وصفهم، والبعض منهم تم اعتقالهم من قبل مليشيات الحوثيين أثناء الاجتياح المسلح لبعض مناطق البلاد قبل أعوام عدة.

ويرفض الحوثيون الاعتراف بوجود كثير من الأسماء ممن تم اعتقالهم أو اختطافهم، على الرغم أنه في كل المشاورات كانت المحادثات والمفاوضات تضع ملف الأسرى والمعتقلين والمخفيين من الأولويات التي يتم النقاش حولها.

وقد تعثرت جميع المفاوضات التي عقدت بين الحكومة ومليشيات الحوثيين الإرهابية في العديد من عواصم الدول العربية والأجنبية للوصول إلى حل نهائي لهذا الملف، غير أن تلك المفاوضات رافقتها الكثير من التعقيدات، وتبادل الطرفان الاتهامات حول سبب تعثر تحقيق تقدم في هذا الملف، لا سيما تلك الحزمة من الإملاءات والاشتراطات التي تحاول المليشيات الحوثية فرضها، وسعيها الحثيث للحصول على الكثير من التنازلات من الجانب الحكومي.

وتتمثل أبرز العراقيل التي حالت دون نجاح المفاوضات في ملف الأسرى والمختطفين والتي "يصعب تجاوزها أو تقديم تنازلات فيها" بحسب مصدر حكومي، برفض المليشيات الحوثية لبند إطلاق سراح الكل مقابل الكل، وإنكار وجود الكثير من أسماء المختطفين رغم وجودهم في أماكن الاختطاف، والإخفاء غير القانوني الذي تمارسه المليشيات، إضافة إلى تقديم أسماء قتلى المواجهات من عناصرهم ضمن قوائم الأسرى لدى الجيش الوطني، بالإضافة إلى تصنيفهم أسماء أخرى ممن تطالب الحكومة بإطلاقهم في قوائم الإرهاب، أو يعتبرونهم معتقلين على ذمة قضايا جنائية مختلفة للتنصل من إطلاقهم، الأمر الذي ترفضه الحكومة وهو ما تسبب بعرقلة التوصل إلى تقدم شامل لحل هذا الملف.

مرونة مريبة

التعقيدات التي رافقت وما زالت ترافق عملية تبادل الأسرى لم تكن حاضرة في الصفقة التي جرت بين الحوثيين وتنظيم القاعدة إبان تبادل الأسرى بين الطرفين في العام 2019، فقد كشف مصادر إعلامية في وقت سابق عن إتمام صفقة لتبادل الأسرى بين مليشيات الحوثيين وتنظيم القاعدة بمحافظة البيضاء بوساطة محلية تمكنت من إنجاز الصفقة، والتي أفضت إلى الإفراج عن ثلاثة من عناصر تنظيم القاعدة، مقابل 6 من عناصر المليشيات الحوثية.

ووفقا للمصدر، فقد تمت الصفقة في 13 سبتمبر من العام 2019 وتسلم الفريقين عناصرهما في منطقة قيفة بالبيضاء، بعد وجبة غداء جمعت الطرفين.

ونشرت لجنة الأسرى التابعة للحوثيين حينها أسماء ستة حوثيين قالت إنه "أفرج عنهم في صفقة تبادل مع العدو في محافظة البيضاء"، دون الإشارة إلى الطرف الذي جرت معه صفقة التبادل، أو أسماء المفرج عنهم بالمقابل.

وساطات دون حلول

وقد نجحت صفقات لتبادل أسرى بين القوات الحكومية ومليشيات الحوثيين في جبهات عدة خلال السنوات الماضية، غير أنها لم تشمل سوى عدد يسير من المحتجزين.

كما سبق أن تم تنفيذ العشرات من الوقفات الاحتجاجية المطالبة بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين المغيبين في سجون المليشيات الحوثية، معظمها نظمتها رابطة أمهات المختطفين.

ويعد ملف الأسرى من أهم الملفات العالقة التي تفاوضت عليها الحكومة الشرعية وتحالف دعم الشرعية مع مليشيات الحوثيين الانقلابية في محطات متعددة من المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة على مدى ست سنوات، ومن بين المشاورات التي عقدت بين الجانبين مفاوضات الكويت عام 2016، ومفاوضات السويد عام 2018، إضافة إلى جولات عدة انعقدت خلال السنوات الماضية في العاصمة الأردنية عمّان برعاية من الأمم المتحدة.

توقيع على الرمال

وأدت سنوات من الحرب المستمرة في اليمن إلى وقوع الآلاف في دائرة الأسر أو الاختطاف من قبل المليشيات الحوثية الإرهابية، غالبية هؤلاء لا علاقة لهم بالحرب الدائرة بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا، بل تم اعتقالهم لأسباب سياسية.

ولا توجد حتى الآن إحصائية رسمية دقيقة بخصوص عدد الأسرى حاليا، غير أن الحكومة اليمنية والمليشيات الحوثية قدمتا قوائم وكشوفات تضم نحو 16 ألف أسير من الطرفين، وذلك في مشاورات السويد بين الجانبين نهاية العام 2018.

وقد تم تنفيذ صفقة لتبادل الأسرى بين القوات الحكومية والحوثيين في شهر أكتوبر من العام 2020 بوساطة قامت بها منظمة الأمم المتحدة والصليب الأحمر.

وبناء على تلك الصفقة فقد تم إطلاق سراح 1056 أسيرا من الجانبين، من بينهم 15 سعوديا و4 سودانيين، حيث تعد تلك الصفقة امتدادا لاتفاق ستوكهولم الذي أبرم بين الحكومة اليمنية والحوثيين نهاية 2018، حيث كان من المقرر أن يتم إطلاق سراح جميع الأسرى من الطرفين على مراحل، بناء على الاتفاق الذي وقع عليه الطرفان، غير أنه لم يتم إطلاق سوى تلك الدفعة فقط وسط اتهامات متبادلة بشأن عرقلة التقدم في الملف.

زيارات متبادلة

وقد زار وفد فني من فريق الحوثيين التفاوضي المعني بملف الأسرى في أكتوبر الماضي السعودية، تزامنا مع زيارة وفد سعودي مماثل إلى صنعاء، في سياق آلية التحقق من كشوفات الأسرى الذين يجري التفاوض بشأنهم، ومطابقة الأسماء والتأكد من صحتها وفق التفاهمات الأخيرة التي رعتها الأمم المتحدة في العاصمة الأردنية عمان.

فقد أعلنت الأمم المتحدة، مطلع أغسطس الماضي، عن توافق أطراف التفاوض في اليمن على تكثيف جهودها من أجل الاتفاق وتحديد قوائم المحتجزين بشكل نهائي في أقرب وقت ممكن، بالإضافة إلى تسهيل زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مراكز الاحتجاز للتحقق من هويات المحتجزين، وبموجب تلك التفاهمات التي رعتها الأمم المتحدة اتفقت الأطراف المعنية على تشكيل لجنة مشتركة لدعم عملية التحقق من هوية أسماء المحتجزين المدرجة في قوائم التفاوض.

وقد أفضت المشاورات التي عقدت بين التحالف الحكومي والحوثيين، في مارس الماضي، إلى تفاهمات واتفاق على الإفراج عن 2223 أسيرا ومحتجزا، في صفقة تبادل مستقبلية، غير أنها لم تتم حتى اليوم.

وشملت تلك الصفقة الإفراج عن 1400 أسير من الحوثيين، مقابل الإفراج عن 823 من التحالف، ومن ضمن تلك القائمة من الأسماء وزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي و16 سعوديا و3 سودانيين.

كلمات دالّة

#اليمن