الجمعة 29-03-2024 08:35:18 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الاغتيالات في أوساط المليشيا.. تهم حوثية متبادلة ونار تحت الرماد

الأحد 30 أكتوبر-تشرين الأول 2022 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت - خاص/ صادق عبد المعين

 

 

بين الفينة والأخرى تتجدد الاتهامات المتبادلة بين أوساط المليشيا الحوثية بالوقوف خلف ملف الاغتيالات التي طالت العديد من قيادات الصف الأول للمليشيا بمن فيهم سياسيون وعسكريون وقيادات ذات نفوذ وتأثير كبير في المليشيا، حيث يمثل ملف الاغتيالات -الذي تمسك بخيوطه أطراف عدة من المليشيا نفسها- ورقة ضغط وابتزاز متبادل، دائما ما يتم التلويح بها في أوساط المليشيا، لما تمثله هذه الورقة من أهمية، ولما تحتويه من تفاصيل أكثر حساسية.

 

معترك التصفيات

ومنذ أن تمكنت مليشيا الحوثي من السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد، والتفرد المطلق بالسلطة فيها، نتيجة التمرد الذي قادته أواخر العام 2014، دخلت المليشيا الإرهابية في معترك التصفيات البينية التي طالت العديد من القيادات البارزة، وتصاعدت بشكل ملفت، لتشمل تلك التصفيات شخصيات من انتماءات عدة انضوت في إطار المليشيا الحوثية، سواء من السلالة نفسها أو من انضمت للمليشيا من غير تلك الأسر، لأسباب كثيرة وحسابات عدة، إذ كثفت المليشيا من عملياتها السرية ونفذت التصفيات والاعتقالات والاغتيالات، التي أثارت الرعب في أوساط الكثير من منتسبي المليشيا الانقلابية، وسط انعدام الثقة بين قياداتها وظهور أجنحة متصارعة داخلها.

وعادة ما تتم التصفيات بسرية تامة وغموض مطبق وتعتيم شديد، وتتخذ تلك التصفيات أشكالا متعددة، سواء بإطلاق الرصاص بواسطة مسلحين مجهولين في الطرقات العامة، أو استدراج بعضهم إلى الجبهات والتخلص منهم في تلك المواقع، أو عن طريق الإيعاز إلى قيادات أخرى من خلال افتعال بعض المشاكل وتغذية تلك الصراعات، أو القتل بطرق احترافية وإلصاق التهم في الكثير من عمليات الاغتيال التي وقعت بدول التحالف أو "دول العدوان" كما يحلو للمليشيا تسميتها، أو القتل بطرق غامضة وإدراج من تمت تصفيتهم ضمن قائمة ضحايا بعض الأوبئة والأمراض، كما حدث مع الكثير من الشخصيات البارزة والمهمة في أوساط المليشيا والذين تم التخلص منهم بتلك الطريقة.

 

- ومن الخوف ما قتل

وتترك بعض الأدوار والحضور الملفت لبعض قيادات المليشيا من خلال المناصب التي يتقلدونها حساسية مفرطة وحنقا كبيرا لدى البعض الآخر من قيادات المليشيا الحوثية، لا سيما زعيم المليشيا نفسه.

وتقول بعض المصادر إن زعيم المليشيا "عبد الملك الحوثي" يبدي انزعاجا شديدا وحنقا كبيرا بسبب ظهور بعض القيادات في صف المليشيا عبر وسائل الإعلام، وتصدرهم للمواقف ولعب أدوار ملفتة في المشهد العام، الأمر الذي يولد رغبة جامحة لدى زعيم المليشيا في التخلص من تلك القيادات، وإفساح المجال له ولإخوته وأبناء عمومته وقرابته، وبعض القيادات المحسوبة على جناح صعدة، حيث عزا مراقبون بعض حوادث الاغتيالات والتصفيات البينية التي طالت العديد من القيادات لهذه الأسباب، الأمر الذي عكس مخاوف متبادلة وريبة متصاعدة في أوساط المليشيا.

فقد ذكرت مصادر إعلامية أن زعيم المليشيا كثف من تخفيه في الآونة الأخيرة، استجابة لتحذيرات وجهت إليه من خبراء الحرس الثوري الإيراني وخبراء تابعين لحزب الله وحتى قيادات أمنية لدى ميليشيا الحوثي، نتيجة لبعض الشكوك بوجود خيانات داخل صف المليشيا الحوثية.

وأوضحت المصادر أن الاحتياطات الأمنية شملت منع التقاء زعيم المليشيا بالصحفيين والشخصيات الفنية والإعلامية المسؤولة عن ترتيب وتسجيل خطاباته التي يتم بثها مسجلة عبر شاشات الفيديو.

وأشارت إلى أن الخطاب الأخير لعبد الملك الحوثي سجّل من قبل مكتبه وأرسل إلى الإعلام دون مشاركة الطاقم الفني والإعلامي المسؤول عن تسجيل خطاباته المعتادة.

 

تهديد من الداخل

وقد كشف تقرير سنوي صدر في وقت سابق عن فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، عن تصاعد الصراع بين قيادات المليشيا الحوثية على مستوى الصف الأول، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام والتكهنات حول العديد من عمليات التصفية الداخلية والاغتيالات التي رافقت مسيرة المليشيا.

ويؤكد التقرير أن ثلاثة قيادات حوثية بارزة تخوض صراعا محتدما في ما بينها على النفوذ والأموال، وأسسوا هياكل أمنية واستخباراتية منفصلة عن قيادة زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي.

ويضيف التقرير أن "التهديد الرئيس لزعيم المليشيا عبد الملك الحوثي هو من داخل الحركة نفسها"، مؤكدا أنه "خلف قشرة الوحدة، يتنافس أولئك الموجودون في القيادة السياسية العليا، لإثراء أنفسهم من موارد الدولة المحدودة".

ويقول التقرير إن "محمد علي الحوثي وأحمد حامد وعبد الكريم الحوثي قاموا ببناء قواعد قوة متنافسة، مؤمَّنة بواسطة هياكل أمنية واستخباراتية منفصلة"، مشيرا إلى أن "محمد علي الحوثي، الذي يترأس ما تسمى (اللجنة الثورية العليا)، يعد التهديد الأبرز لعبد الملك الحوثي في قيادة المليشيا الحوثية".

ويتابع: "محمد الحوثي أنشأ جهازا هيكليا فاعلا وموازيا للمؤسسات الحوثية، ويتحرك من خلالها في بناء نفوذ قوي خاص به"، لافتا إلى أن عملية اغتيال وزير الشباب والرياضة في سلطة الانقلاب حسن زيد في صنعاء "كانت أكبر عملية اغتيال رفيعة المستوى منذ الإعلان عن مقتل إبراهيم الحوثي في أغسطس 2019".

 

تبعية مطلقة

ويرى الباحث والأكاديمي اليمني المهتم بالظاهرة الحوثية الدكتور "أحمد الدغشي" في حديث خاص لـ"الإصلاح نت" أن المليشيا الحوثية سعت للتخلص من الرموز الكبيرة التي كان لها تأثير كبير، والتي عرفت بآرائها المخالفة للكثير من أطروحات المليشيا وفي مقدمتها محمد عبد الملك المتوكل، وأحمد شرف الدين، وعبد الكريم جدبان، وغيرهم من القيادات ذات الوزن الكبير في أوساط المليشيا.

يقول الباحث اليمني: "ولكل منهم موقفه الحاد مع المليشيا في ذلك الحين، فمثلا محمد عبد الملك المتوكل هو رجل معروف وأنا عرفته عن قرب، فرغم أنه كان محسوبا على المليشيا، وكان مؤيدا ومناصرا ومشايعا لهم، وإن كان ليس بالمعنى المباشر ، لكنه لم يكن على طول الخط، فكان يتحفظ بمحطات، وينتقدهم بشدة، وهم لم يتعودوا على هذا الصوت الناقد، هم تعودوا على السمع والطاعة، فالرجل حينما أكثر من النقد بحكم ثقله وتأثيره، من الوارد أن يتخلصوا منه".

ويضيف "الدغشي" حالة أخرى مشابهة كان لها نفس المصير وبنفس الأسباب حيث يقول: "الدكتور أحمد شرف الدين أيضا كان رغم مناصرته ومتابعته لهم، إلا أنه لم يكن موافقا لهم على موقفهم، في ما يتصل تحديدا بمخرجات الحوار الوطني، إذ كان معروفا بموافقته على مخرجات الحوار الوطني التي كانوا يبدون رفضهم لها".

ويؤكد الباحث الدغشي أنهم "وجهوه بعدم التوقيع عليها في يوم التوقيع ولكنه أبى، وبعيد مغادرته من منزله متوجها إلى مؤتمر الحوار الوطني تمت تصفيته في بداية الطريق".

 

دوافع الصراع

ويضيف الباحث اليمني دوافع أخرى للصراع في أوساط المليشيا الحوثية -والذي تزداد حدته يوما بعد يوم- بالقول: "يمكن القول إن هناك دوافع كثيرة لهذا الصراع منها الصراع على النفوذ، ومنها التشكك في ولاء بعض القيادات، ومنها الأطماع والمصالح الخاصة، ومنها الولاءات المتعددة".

وأردف بالقول: "يصل البعض من القيادات الحوثية في البذل والتضحية إلى حد مبالغ فيه، حتى يرى أنه أولى من غيره في الكثير من الامتيازات التي تمنح، ثم يتفاجأ بتمكين غيره ممن هو دونه وأقل تضحية، وبعضهم يرى أنه مهمش مناطقيا أو عرقيا، خاصة ممن ليسوا من السلالة، وهؤلاء ربما ينتاب بعضهم شكوك أن تهميشهم يعود لأنهم ليسوا من السلالة، ومنهم من يطمع بمزيد من النفوذ والمال والمناصب، فيجدون أنه بدأ يتسع طموحه، وبالتالي ليس هناك أفضل من التخلص منه بطريقة أو بأخرى".

ويختم الدكتور "أحمد الدغشي" حديثه بالقول: "بعض هؤلاء، لا سيما من المشايخ القبليين ومن ذوي الوجاهات، تمت تصفيته لأنه قد تجاوز حده في نظرهم، بالإضافة إلى الكثير من الشخصيات التي حامت حولهم شكوك بولائه وإخلاصه للمليشيا، فهناك قيادات قدمت كل شيء ثم تكتشف أن هناك من قدم عليها من هو دونه أو من ليس له من الولاء بل من التضحية ما قد قدمه، مما ولد الغبن لدى الكثير منهم وشعور سيئ أن مرد ذلك كونهم ليسو من السلالة، فيشكون في ولائه لهم، أو يتذرعون بمثل هذه المواقف التي تظهر منه خارجة عن السياق مما ينتج عنه ضربات استباقية متمثلة بالصفيات الجسدية للكثير من هؤلاء، لا سيما الشخصيات البارزة من قيادات المليشيا".

 

تعتيم وتناقض

ومما يزيد من التكهنات ويعزز من فرضيات التصفيات الداخلية داخل صفوف المليشيا هو الغموض الذي يكتنف تلك العمليات، والتعتيم الشديد وتناقض الروايات حول العديد من حوادث القتل التي تتم بحق تلك القيادات.

فبعد يوم واحد من اغتيال القيادي الحوثي والوزير في سلطة المليشيا الحوثية "حسن زيد" والذي اغتيل في أكتوبر 2020، أعلنت مليشيا الحوثي عن قيامها بقتل اثنين من المتورطين بقتله، بعد تعقبهم في محافظة ذمار، ثم بعد فترة أعلنت عن مقتل المتهم الثالث بذات الطريقة "أثناء ملاحقته" ليتم إلصاق حادثة اغتياله بالتحالف، الذي قالت المليشيا حينها إنه هو من دبر لاغتيال "زيد" القيادي في المليشيا.

في حين كشفت أسرة "زيد" نفسها عن تفاصيل مناقضة للرواية الرسمية أكثر أهمية بشأن عملية تصفية والدهم، تفيد بأن منفذي الجريمة ما زالوا أحياء وليس كما زعمت مليشيا الحوثي بأن المجرمين قتلوا خلال عملية ملاحقة نفذتها أجهزتها الأمنية.

وتشير "سكينة حسن"، ابنة القيادي "حسن زيد"، في منشورين لها على صفحتها في الفيسبوك في وقت سابق، إلى جانب من الغموض حول اغتيال والدها، موضحة أن هناك "حكم إعدام أصدره أحد القيادات الحوثية ضد والدها"، متهمة ذات الشخص بأنه من قتل والدها وأنه ما يزال حرًا طليقًا.

وكشفت ابنة القيادي "زيد" أن هناك تهديدات تعرضت لها أسرتها من قبل القيادي الذي قتل والدها ، محمّلة الجهات الأمنية الحوثية مسؤولية أي خطر قد تتعرّض له هي أو إخوتها من قبل القاتل الذي اعترف بأنه نفذ حكم إعدام بحق والدها.

وأرفقت "سكينة" صوراً لرسائل تلقتها على هاتفها من ذات القيادي، الذي لم تفصح عن هويّته، أقر لها فيها بأنه أصدر حكماً بإعدام والدها قبل أن يقتل، ويهددها وأفراد في أسرتها بذات المصير الذي لاقاه أباها إن هي أفصحت عن الحقيقة.

ووفق شقيق "حسن زيد" في منشور له على فيسبوك بالتزامن مع منشور سكينة، فإن القاتل يعمل مشرفًا تربويًا للحوثيين وهو نافذ في جهاز المخابرات التابع للمليشيا.

 

اتهامات متبادلة

وقد كشفت صحيفة "عكاظ" السعودية مؤخرا نقلا عن مصادر وصفتها بالموثوقة، عن موجة من الاتهامات المتبادلة بين قيادات حوثية بالوقوف وراء ملف الاغتيالات لكبار قادة المليشيا طوال السنوات الماضية.

وأفادت الصحيفة بأن ما يعرف بـ"جناح صنعاء" وجه اتهامات لحوثيي صعدة (الجناح الإيراني) بالتورط في تصفية رئيس مكون المليشيا في مؤتمر الحوار الوطني الدكتور أحمد شرف الدين، وقيادات أخرى أبرزها الدكتور محمد عبد الملك المتوكل، والدكتور عبد الكريم جدبان، والصحفي عبد الكريم الخيواني، والقيادي حسن زيد، وزيد المحطوري.

وأكدت أن هذه التصفيات "تأتي في إطار مخطط للإبقاء على الجناح الإيراني المتحكم بملف المليشيا بما يراعي مصالح طهران".

وبحسب الصحيفة فإن "جناح صنعاء يتهم جناح صعدة بالوقوف وراء تلك الجرائم والتلاعب بملف الاغتيالات طوال السنوات الماضية والتستر على مرتكبيها الحقيقيين وإجراء محاكمات شكلية لا علاقة لها بالجرائم وإنما المتاجرة بالدماء لتحقيق مكاسب مالية وسيطرة على مؤسسات الدولة".

 

فيما ذكرت الصحيفة أن "جناح صعدة يتهم جناح صنعاء بالوقوف وراء إفشال مخططات المليشيا وإغراقها في الأزمات والفساد"، مؤكدة أن قيادات صعدة يتهمون قيادات صنعاء بأنهم "عفاشيون" وبقايا نظام سابق، وأنهم وراء كل ما يجري من تراجع لمليشياتهم وعدم تحقيق أي مكاسب عسكرية.

 

إرث إجرامي

وقد عرفت مليشيا الحوثي منذ ظهورها ومنذ اليوم الأول من إعلان تمردها وبروز أنشطتها، بالعنف والوحشية في التعامل مع الخصوم، والتعاطي مع الأحداث والمستجدات، وإدارة الخلافات الداخلية، الأمر الذي يعكس خطورة الأفكار التي تعتنقها والمنهج الذي تسلكه، كمليشيا عقائدية تدين بالولاء لإيران، والتي تعتبر الراعي الذهبي للمليشيا ومصدر الكثير من أفكارها ومعتقداتها.

ووفقا لمهتمين بالشأن الإيراني فإن ثقافة العنف التي تغلب على المليشيا الحوثية تأتي نتيجة لعوامل عدة، شكلت تلك العقلية، وأضفت عليها طابع العنف والإرهاب، فبالإضافة إلى الأفكار وثقافة العنف التي يطفح بها المذهب الشيعي الإمامي الذي يمثل الرافد الرئيسي للمليشيا الحوثية، والذي يقوم على مبدأ الثأر والعنف والانتقام، فقد شكلت الثورة الخمينية المسلحة عاملا آخر من العوامل التي صاغت تلك العقلية، بالإضافة إلى جذور المليشيا الحوثية، واستلهامها للكثير من أدبيات العنف والإجرام من تاريخها السلالي، ودويلاته المتعاقبة التي حكمت أجزاء من اليمن مدة طويلة، واتسم حكمها بالعنف والدموية والإجرام.