الجمعة 29-03-2024 13:14:28 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المنطق الإبليسي في التمييز السلالي الحوثي (2-2)

الثلاثاء 25 أكتوبر-تشرين الأول 2022 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت - توفيق السامعي

 

 

 في بيئة يسودها الجهل والعصبية المناطقية والقبلية جاءت العصبية السلالية الحوثية لتعلو كل تلك العصبيات بل وتستعبدها وتتسيد عليها وتستعلي عليها؛ مزجت الديني بالسلالي وزادت عليه بأن فرضته بالإرهاب المسلح الذي أخضع كل شيء لأجندتها، مستفيدة من الدروس التاريخية الفارسية واليهودية والنازية معاً؛ لذلك نجد المشروع الحوثي متصالحاً مع كل تلك المشاريع ولا يناصبها العداء كما غيرها، فضلاً عن تلقي المليشيا الحوثية الدعم من العنصرية الفارسية.

تدرك المليشيا الحوثية أنها لا تستطيع أن تسود في مجتمع متعلم ومثقف ولذلك تعمد أول ما تعمد إلى ضرب البيئة الثقافية والعلمية لهذا المجتمع لتنفذ بعدها إلى الساحة اليمنية؛ فأول ما عمد هذا المشروع السلالي الاستعلائي إلى مناصبة المعاهد العلمية العداء ولم يقر له قرار حتى جند كل إمكانياته لدى النظام السابق بإلغاء هذه المعاهد التي انتشرت في كل أرجاء اليمن تحارب التخلف والعنصرية والسلالية والخرافة وترسي مدامك العلوم الشرعية.

ثم كانت الخطوة التالية لهذا المشروع الخبيث أن قام بتدمير المدارس العلمية ومدارس تحفيظ القرآن الكريم وتفجيرها وتفجير المعاهد وكذلك الجوامع التي لا يسيطر عليها المشروع السلالي، وصولاً اليوم إلى إلغاء المناهج السابق واستبدالها بالمناهج الحوثية السلالية التي تمجد الإمامة ومشاريعها التدميرية وتحيي رموز العنصرية الإمامية التي سامت اليمنيين سوء العذاب عبر هذه المناهج لتخلق أجيالاً مشوهة ومتخلفة علمياً، فضلاً عن تسريح عشرات آلاف المعلمين من وظائفهم واستبدالهم بمعلمين سلاليين عنصريين، في خطوة اجتثاثية كبرى للمشاريع والهوية الوطنية عموماً.

وسط كل هذه الأعمال والمظاهر يتخلق جيل يرضى بالعبودية ويستكين لها، عززتها بدستورها الذي أعلنته عام 2012 فيما يسمى بالوثيقة الفكرية.

في هذه الوثيقة عززوا من هذا التمييز العنصري الذين يسمونه "الإصطفاء"، واعترفوا به صراحة بالقول: "أما مسألة الاصطفاء فالذي نعتقده أن الله -سبحانه وتعالى- يصطفي من يشاء من عباده جماعات وأفراداً كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) آل عمران الآية (33)، وكما قال -صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". ونعتقد أن الله – سبحانه - اصطفى أهل بيت رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة، وأنه يهيئ في كل عصر من يكون مناراً لعباده وقادراً على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها "إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله"، ومنهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت - عليهم السلام".

لم تتناول الوثيقة الفكرية تلك مسألة الاصطفاء لوحدها، بل إنها كرست العنصرية السلالية وعدم الاعتراف بكل علم لا يأتي من سلالتهم، مهما كان هذا العلم، ومن ذلك ما جاء في هذه الوثيقة: "أما أصول الفقه فما كان منه مخالفاً للقرآن الكريم أو بدلاً عن آل محمد فهو مرفوض ومنتقد من الجميع، وما كان منه موافقاً للقرآن ويستعان به على فهم النصوص الشرعية في إطار آل محمد".

إنهم لا يعترفون بأي علم لا يأتي من قبلهم، كما رأينا، فهم يعتبرون سلالتهم بوابة العلم والمعرفة.

لقد كرس هذا الأمر من قبلهم السفاح عبدالله بن حمزة الذي روى عنه كاتب سيرته فقال: "وقد روي الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة بن سليمان –عليه السلام- بإسناده إلى أمير المؤمنين عليّ –عليه السلام- أنه قال: أيها الناس، إن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء قبلكم في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم عن علم تنوسخ من أصلاب السفينة هؤلاء مُثُلها فيكم، وهم كالكهوف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم، فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخله غفر له، خذوا عني عن خاتم المرسلين، حجة من ذي حجة قالها في حجة الوداع: (لإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي. إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يرد علي الحوض). وهذا الخبر تسميه العترة وأشياعهم خبر السفينة الكبير"( ).

العرب تفخر على العجم بأن محمداً -صلى الله عليه وآله- عربي، وقريش تفتخر على العرب لأن محمداً -صلى الله عليه- قرشي. فهم يفتخرون بحقنا، ولا يعرفون لنا حقاً، وقد تركونا بينهم طريدة صيد، من ظفر بها فهو الغانم. قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وآله: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}، فقيل يارسول الله: من قرابتك الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: فاطمة وولدها. فلما شكى عليه أهل بيته خوف الجفوة من أمته كما قد كان، قال عليه وعلى آله السلام: لن يبلغوا الخير حتى يحبوكم لله ولقرابتي، أترجو سلهب شفاعتي ويحرمها بنو عبدالملطلب؟! ونحن نجاة كل مؤمن ومؤمنة، وبنا يفتح ويختم، لا تتم الصلاة إلا بذكرنا، ولا تقع النجاة إلا باتباعنا، وقد روينا عن أبينا علي بن أبي طالب -عليه السلام-: إعلموا أن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيكم فأين يتاه بكم عن أمر تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة؟ هؤلاء مثله فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخل غفر له. خذوا عني عن خاتم المرسلين حجة من ذي حجة، قالها في حجة الوداع: إني تارك فيكم ما عن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي..إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"( ).

من مظاهر الاستعلاء الحوثيين وعنصريتهم أنهم أقاموا ضريحاً لمؤسس حركتهم ومقبورهم حسين الحوثي، واتخذوا جرفه الذي قتل فيه وضريحه مزارين، والأسوأ من ذلك يسمونه "مقدساً"، ويطلقون عليه لقب "قدس الله سره" و"عليه السلام"، وإقامة المنادب والمآتم والتبرك بالزيارة، ويؤسسون لأماكن حج جديدة في صعدة تأسياً بإيران والعراق، وأنه سيأتي بعد فترة يطلبون الشفاء من قبره، وصاروا يعظمونه كتعظيم الأنبياء.

لقد أجبر الحوثيون التجار على تمويل موالدهم ورعاية لجانهم بالمال والإطعام والكساء والمأوى، وفرضوا المكوس المختلفة عليهم، وفرضوا الخمس، وليس أدل على ذلك من تلك الوثيقة التي تناولتها وسائل الإعلام لناشطين، من طلب الحوثيين "دفع الخمس للجان الشعبية" دون تحديد إلى أي مورد ومصرف تذهب.

أما أهم مظاهر الاستعلاء والتمييز العنصري لدى الحوثيين فهو تقنينهم للخمس وللزكاة التي جعلوها أموالاً تجبى إليهم من كل شيء وعبر كل الأزمان، ففي منتصف شوال 1441 أصدر الحوثيون قانون الخمس الذي يكرس لهم أموال الناس بالباطل بناء على فهم مغلوط لحكم الخمس في القرآن الذي اعتبروه خاصاً بسلالتهم وهذا يولد لديهم مزيداً من نزعة التمييز العرقي والفرز الطائفي في المجتمع.

حشدت المليشيا الحوثية كل مؤسساتها الإعلامية والثقافية والمسلحة للرد على منتقدي هذا القانون الذي يكرس الاستعلاء العنصري، واعتبروا أن منتقدي هذا الأمر هو انتقاد للقرآن ذاته، مع أن المفهوم القرآني يحدد أن ذوي القربى المقصودين في آية الأنفال هم أقارب المجاهدين في تلك المعارك ممن حضروا المعارك وليس المقصود بها بني هاشم كما يقول السلاليون عموماً، فضلاً عن خمس الرسول الذي جعله الخلفاء بعد الرسول ضمن أموال الدولة والخزينة العامة للمسلمين.

إن المليشيا الحوثية تمضي تباعاً في تكريس هذه العنصرية في كل شيء، حتى أن بعض مسؤوليهم اعتبروا الأمة في ضلالة حينما تولى حكم اليمن رؤساء ومسؤولون من غير السلالة "مع وجود بني هاشم آل النبي" كما يقول نائب وزير خارجيتهم حسين العزي في تصريح أخير.

لم تكن تصريحات حسين العزي هي الوحيدة فخطابات زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي تطفح بذلك وكذا ناطقهم الرسمي محمد عبدالسلام وكذلك محمد علي الحوثي ومفتي ديارهم شمس الدين شرف الدين وغيرهم كثييير. 

إن تتبع مظاهر وتصريحات ومجالات الحوثيين ورصدها في تدوين عنصريتهم تحتاج لمجلدات وأزمنة كافية لرصد كل ما يقولونه في هذا التمييز الذي يزيد في تدمير الوطن ونسيجه الاجتماعي، ويخلق مجالات للثأر والحقد والتطهير الطائفي والصراع الذي لا ينطفئ.