الثلاثاء 23-04-2024 14:09:59 م : 14 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

أمهات المعتقلين.. قصة نضال عرت الحوثيين وادعياء حماية حقوق الإنسان

الجمعة 30 سبتمبر-أيلول 2022 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت-خاص-زهور اليمني
 

انسحب إلى العقلية الحوثية قناعة بأنه إذا كان سقوط الدولة قد جاء بتلك السهولة، فإن ما بعده سيكون أسهل، لم يكونوا يعلمون خارطة التعقيدات التي تنتظرهم في جوانب كثيرة، كنتائج طبيعية لإفرازات ما بعد سقوط الدولة في أيديهم، وسيطرتهم على كل مقدراتها.

لذا وبعد انقلابه مباشرة أتجه الحوثي إلى تنفيذ الخطوة الثانية، والتي كانت في نظره "الخطوة الأهم" التي يستهدف من خلالها كل شخص يفترض أنه معارض، أو كان له سابق خصومة معه.

امتلأت السجون والمعتقلات بأعداد بشرية هائلة تفوق العشرة آلاف معتقل، كما أشارت التقارير الحقوقية التي وثقت تلك الانتهاكات.

ظن قادة الانقلاب بأنهم في خطوتهم تلك، وفي تكديسهم حياة الأبرياء خلف القضبان، يفتحون مساحة أخرى تضمن لهم نجاحا مكتملا لما قاموا به، وتؤمن جانبهم من أي ردة فعل مجتمعية محتملة.

لم يدركوا بأنهم قد فتحوا بخطوتهم هذه باباً للمعركة الحقيقية والامتحان الأصعب، وأنهم يضعون أنفسهم أمام إرادة وعزة وعزيمة الأحرار، الذين انتهت بهم تلك الأفعال إلى السجون والأقبية.

حيث أظهر المعتقلون في السجون صمودا كبيرا تجاه الغطرسة الممتدة اليهم، وقاوموا بصلابتهم عنجهية كانت مؤلمة وقاسية في أجسادهم وملامحهم.

أحد أولئك الأبطال يقف إلى جوار قفص المحكمة وهو يصرخ بأعلى صوته بأنه لن يعترف بالأحكام الباطلة، ويدعو العالم والمنظمات الحقوقية والمحامين إلى النظر في جسده، وما تعرض له من وحشية لم يسبق أن كانت في زنازين النازية، ومحاكم التفتيش في الأندلس.

كان ذلك المشهد محرجا لوسائل إعلام الانقلاب ولكل الحاضرين في قاعة المحكمة، كان مشهدا يعكس صورة مصغرة عن العناد المفتوح في صدور المعتقلين، وهم في الوضع الذي تسمح فيه النفس البشرية لأن تبدو ضعيفة، نتيجة الرعب النازل عليهم كل لحظة وكل حين، لكنهم ما يزالون غير منصاعين للإملاءات والإغراءات التي تقدم لهم، ويحتفظون بأخذ حقهم ممن جعلهم على حالتهم التي يعيشونها منذ بدء الانقلاب.

هذه المجالدة لم تكن عفوية كما سيتخيلها البعض، أو شعور اللحظة، إنها تذهب نحو امتداد آخر، نحو الأمهات اللواتي وضعهن أيديهن جيدا باسم الرحمن على تربية أبنائهن، وهن اللواتي جعلنهم يقفون على هيئة الشموخ تلك.

فمن تلك اللحظة التي تم فيها اعتقال أبنائهن، وهن يكافحن بشتى الوسائل والأساليب للتخفيف من المحنة، التي يتعرض لها فلذات أكبادهن.

بداية الحكاية:

عند أبواب السجون، تم التعارف والتواصل بين أمهات المخفيين قسرياً والمعتقلين وزوجاتهم وأخواتهم.

في منتصف أبريل من عام 2016، تجمعت جهودهن وتكاثفت عزائمهن فأنشأن رابطة أمهات المختطفين، ومن تلك اللحظة دشنت الأمهات عهدا جديدا في التعامل مع واقع أبنائهن، ومن مساحة أوسع وأعلى.

لم تكن هذه الرابطة لتنشأ وهي في مجتمع محافظ للغاية، لا يسمح للمرأة بأن تمارس أي نشاط سياسي أو حقوقي، لو أن هناك قدرا من الحرية يسمح للأهالي بمتابعة قضايا أقاربهم المختطفين عبر القنوات القانونية المشروعة، لكنها وبرغم تلك التحديات المجتمعية، نشأت كضرورة حتمية وردّة فعل لآلة القمع الحوثية في صنعاء، وآلة البطش المليشياوية في عدن، تلك الأجهزة الأمنية التي لم تسمح لأحد من أهالي المختطفين بالسؤال والمتابعة، ولا بالمطالبة باللجوء إلى القضاء.

أهداف الرابطة:

رسمت الأمهات أهدافا لا بد من تحقيقها عبر الرابطة التي أنشأنها، منها:

• المطالبة بالأبناء المغيّبين في سجون الجماعات المسلحة والتشكيلات العسكرية.

• العمل على كشف مصير المخفيين قسرياً، وإطلاق سراح المعتقلين وضمان سلامتهم، ومتابعة أوضاعهم في السجون.

• التخفيف من معاناة الأمهات والأهل عموماً، من خلال التوعية والدعم النفسي وتقديم المساعدات.

• التعريف بمعاناة المختطفين، والإسهام في إيصالها إلى العالم عبر وسائل الإعلام، إضافة إلى رصد الانتهاكات في حق المختطفين وذويهم وتوثيقها.

وقد أقامت الأمهات مئات الوقفات الاحتجاجية أمام السجون والمعتقلات، وأمام المسؤولين الأمنيين والحكوميين، وتعرضن لعشرات الاعتداءات الجسدية واللفظية والابتزاز المالي والنفسي، أمام بوابات السجون، والمعتقلات، والهيئات الأممية، والمنظمات الدولية.

أهمية ملف المعتقلين:

الاعتقالات أجبرت الكثير من الأطفال والشباب أن يتنازلوا عن أحلامهم كي يعولوا أسرهم، كما أجبرت كثيرا من الأمهات الكريمات للعمل براتب زهيد، لأجل البقاء على قيد الحياة وتوفير القليل لعائلها في المعتقل.

التعذيب والتعذيب المفضي إلى الموت، أو إحداث عاهة جزئية أو كلية بصورتيها المادية والنفسية، يشمل كل المعتقلين وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، لكنه أكثر وحشية وقسوة بحق المخفيين قسريًا، حيث يلاحظ أن التعذيب يتم بوسائل بدائية تتسم بالقساوة والبشاعة وانعدام الرحمة.

المنتهكون عملوا على التهيئة للتعذيب مكانيًا ونفسيًا، مما جعل المتابع يجزم بوجود حالة منظمة وممنهجة، صادرة من أعلى مستوى قيادي للمشرفين على تعذيب الضحايا والخصوم بحجج متعددة، جميعها تجعل القائمين على التعذيب على المستوى النفسي والفكري، يشعرون بممارسة قربى دينية أو وطنية في هذا العمل غير الإنساني، بحيث يصبح التعذيب المفضي إلى الموت إنجازًا دينيًا ووطنيًا، وأمرا اعتياديًا، خاصة في ظل الإفلات من العقاب.

حرص المنتهكون على اختيار أمكنة ومعتقلات سرية وغير قانونية لإخفاء المعتقلين وممارسة التعذيب، كمنازل بعض المسؤولين، أو المساجد، أو المدارس، أو القلاع الأثرية، أو مخازن، أو بدرومات أرضية، أو سجون تابعة للأمن القومي والسياسي، وهي تمتد في المدن والقرى وتتسم بعدم الثبات، حيث يتم تغييرها من فترة إلى أخرى، بعد إحالة المعتقلين إلى سجن آخر يتم إغلاقه وفتح سجن جديد، تتصف كل هذه الأماكن بالسرية وعدم تأهيلها.

كثير من المعتقلين ممن يتم الإفراج عنهم يخرجون من السجن الصغير إلى السجن الكبير، حيث يوقعون على أوراق بعدم مغادرة المدن التي اعتقلوا فيها، أو التواصل مع قنوات إعلامية أو حقوقية، ووصل الأمر إلى التوقيع على إهدار دمه ودم أسرته في حال المخالفة، لذا كثير من المعتقلين يعيشون حالة نفسية صعبة جدًا، تشاركه أسرته وأولاده ذلك، مع وجود حملات تشويه ممنهجة واتهامات بالعمالة والإرهاب وغير ذلك، ما يجعل الكثير منهم حريصًا على الفرار بطرق آمنة إلى محافظات تكون أكثر أمانًا، أو مغادرة اليمن.

الإفراج يتم مقابل مبالغ مالية خيالية، وبعض الأسر أبلغوا أنهم إذا دفعوا مبلغًا معينًا من المال سوف يفرج عن أقاربهم، ولكنهم عجزوا عن توفير المبالغ التي تعد تعجيزية أحيانًا، وبعض الأسر دفعت مبالغ كبيرة ولكن تلك الوعود ظلت وعودًا عرقوبية، فذهبت الأموال ولم يفرج عن أقاربهم، وما زالوا يعيشون على الأمل.

حاولت وتحاول الجهات المنتهكة لحقوق الإنسان جاهدة على إسكات كافة الأصوات الحقوقية والصحفية، التي تسعى للكشف عن هذه الانتهاكات، لذا برزت لافتات مدنية أهلية ذات طابع نسائي في أغلبه، لحمل ملف المعتقلين وإيصال صوتهم إعلاميًا وحقوقيًا، ونقل الوجع والألم من خلف الجدران إلى العالم بأكمله، وتعرضن لاستهداف ممنهج في صنعاء وعدن، ونفذت وقفات سلمية، وأصدرن تقارير وبيانات، وأهم هذه اللافتات "رابطة أمهات المعتقلين" في صنعاء وعدن والحديدة ومأرب.

أمهات على أبواب العدالة:

المرأة اليمنية ذاك الجندي المجهول، في ظل أوضاع كانت سيئة قبل الانقلاب وازدادت سوءا بعده.

هي التي تساهم في إطلاق سراح المعتقلين، وإعادة المختطفين إلى أحضان أمهاتهم، وهي التي تشارك في جهود إحلال السلام ومنع الحرب، وعلاوة على التحديات الخارجة عن نطاق السيطرة، تواجه في كثير من الأحيان رفضا من المجتمع، وإقصاء وتهميشا.

كثيرة هي قصص النساء اللاتي يعملن من أجل إنقاذ مجتمعاتهن الغارقة في مآسي الحرب والجوع والمرض، رغم القمع والبطش الذي يواجهنه، ومن بين تلك النساء أمهات مكلومات فقدن الحيلة في البحث عن أبنائهن المختطفين والمخفيين قسريا، فطرقن كل الأبواب في سبيل إطلاق سراحهم، بلا فائدة، وبرغم تقدم الكثير منهن بالسن، إلا أنهن وجدن أنفسهن مجبرات على تنظيم مسيرات راجلة، ووقفات احتجاجية تحت كل ظروف الطقس الباردة والحارقة، وفي ظل حالات الاعتداء والقمع توفي بعضهن وهن يطالبن بإطلاق سراح أبنائهن.

"أمهات على أبواب العدالة"، أحد التقارير التي أصدرتها رابطة أمهات المعتقلين، رصد ووثق الانتهاكات المتعلقة بالاختطافات، والاعتقالات والإخفاء القسري، خلال العام 2019.

وُزع هذا التقرير على الجهات الرسمية، والمنظمات الدولية، ووكالات الأمم المتحدة العاملة في اليمن، ومنظمات المجتمع المدني.

منهجية التقرير:

وثق فريق الرصد التابع لرابطة أمهات المختطفين، خلال العام 2019، حالات الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون في 14 محافظة هي: أمانة العاصمة، صنعاء، عدن، تعز، الحديدة، إب، البيضاء، ذمار، الضالع، المحويت، حجة، لحج، صعدة، أبين، ومأرب، بعد أن جمع المعلومات حولها وتحقق منها.

اعتمد هذا التقرير على المنهجية التالية:
استمعت الرابطة ووثقت بالصوت والصورة شهادة 200 من المختطفين المفرج عنهم، في مختلف السجون في المحافظات التي تحدثوا فيها عن الانتهاكات، التي تعرضوا لها أثناء فترة الإخفاء القسري، والتعذيب النفسي والجسدي، وسوء المعاملة، وحرمانهم من الزيارات والتواصل بالعالم الخارجي، ومن الرعاية الصحية.

التقت فرق رصد بعدد 331 من أهالي الضحايا، الذين سجلوا بلاغاتهم وشهاداتهم حول الانتهاكات التي طالتهم ومختطفيهم.

صممت الرابطة استمارة خاصة بالرصد والتوثيق لحالات ضحايا قصف كلية المجتمع بذمار، من قبل طيران التحالف في تاريخ 1 سبتمبر 2019، وتسجيل إفادات أقاربهم.

تم النزول الميداني لعدد 80 أسرة من أهالي من تعرضوا للقصف على سجن كلية المجتمع بذمار.

زار فريق الرابطة موقع سجن كلية المجتمع بذمار، والمشاركة في الدفن الجماعي للضحايا.

قام الفريق بزيارة 9 سجون هي سجن الأمن السياسي بإب، السجن المركزي، وسجن احتياطي الثورة، وسجن الأمن السياسي -مبنى الأمن والمخابرات- والسجن الحربي، وسجن الاستخبارات العسكرية بصنعاء، وسجن الأمن السياسي بمأرب، وسجن بئر أحمد بعدن، وسجن الأمن السياسي بذمار، واستمع الفريق لمختطفين فيها تحدثوا عن ظروف الاحتجاز في هذه السجون.

عقدت الرابطة مع ممثل مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومسؤولي حقوق الإنسان في مكتب المفوضية، أربعة اجتماعات، كما عقدت سبعة اجتماعات مع مسؤولي الحماية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عرضت فيها كل الانتهاكات المتعلقة بالاختطاف والاعتقال، وغيرها من الانتهاكات التي يتعرض لها المختطفون والمعتقلون في السجون وأماكن الاحتجاز.

التقت الرابطة بالسلطات في عدن والسلطات في مأرب وطرحت عليهم شكاوى الضحايا، والانتهاكات المتعلقة بالاختطاف والاعتقال، وتلقت عليها الردود، لكنها لم تصل إلى حد التفاعل المأمول.

نفذت الرابطة 65 وقفة احتجاجية توزعت على سبع محافظات، هي: عدن، صنعاء، تعز، إب، الحديدة، حجة ومأرب. وأصدرت 69 بيانا مبنية على المعلومات، بعد التحقق فيما يخص المختطفين والمعتقلين، وطالبت فيها بالإفراج عن المختطفين والمعتقلين والمخفيين قسرياً، وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية والقانونية.

تم إعداد المسودة الأولى لهذا التقرير ومراجعتها من قبل خبير حقوقي، والتحقق من كل المعلومات بعد تنقيحها.

السياق القانوني والإنساني لملف المعتقلين:

يعتبر ملف سياسي بامتياز، ذو بعد إنساني وحقوقي، حيث إن الأسباب والخلفيات التي أدت إلى الاعتقالات ذات أبعاد سياسية وفكرية، وبالتالي يعد معظم المعتقلين تعسفيًا معتقلين سياسيين، بغض النظر عن التهم التي يدعيها الطرف المنتهك للحقوق، بالتالي يجب أن تحل قضية المعتقلين في هذا الإطار، على المستوي الداخلي والإقليمي والدولي، وعلى المجتمع الدولي أن يضغط في هذا الإطار لإيجاد حل عاجل لملف المعتقلين، قبل الحديث عن أي حل سياسي.

في قضايا التعذيب المفضي إلى الموت، يحرص المنتهكون على إخفاء معالم الجريمة، ومحاولة الإفلات من العقاب عن طريق استخراج تقارير طبية تذكر أن الضحايا توفوا بسبب حالة طبيعية أو الانتحار، أو عدم استخراج تقارير أصلًا، وإلزام وإجبار أهالي الضحايا على دفن الضحية دون عرضه على طبيب لمعاينة حالته، ومنع حقه بالحصول على جنازة تليق به شرعًا وقانونًا.

تحول ملف المعتقلين للإثراء غير المشروع، ووسيلة ابتزاز حقيرة لدى المنتهكين، حيث يسعى القائمون على السجون، أو من لديهم سلطة مقربة من المنتهكين لاستخدام المعتقلين وسيلة لجني المال.

وهذا الإثراء يتم بطريقتين: الأولى حيث يتم تضخيم أهمية معتقل ما، وكتابة تقارير عن خطورته، لكي يحصلون على مبالغ مالية كبيرة من قبل الجهة التي يعمل فيها السجان، كما يقومون بابتزاز أهالي المعتقلين بإخفائهم فترات طويلة للحصول على مبالغ مالية أقرب إلى الفدية، قد تصل إلى 10 ملايين ريال يمني.

لوحظ أن نسبة كبيرة من المعتقلين والمخفيين قسريا لدى مليشيات الحوثيين هم ممن شاركوا في ثورة 11 فبراير، وبحسب الرصد والتوثيق وجد أن جانبًا من التحقيق صب حول مشاركتهم في فعاليات ومسيرات ثورة 11 فبراير.

وفي الجنوب لوحظ أن نسبة كبيرة من المعتقلين هم ممن شاركوا في القتال ضد مليشيات الحوثي في عدن ولحج، ومنهم قيادات كبيرة معروفة دون وجود تفسير منطقي خاصة في الجنوب لهذا التصرف.

ارتبط ملف المعتقلين تعسفيًا باستخدام القضاء كوسيلة لإضفاء المشروعية المنعدمة، حيث حولت المحاكمات التي تفتقر لأبسط الشروط اللازمة لمحاكمة عادلة، إلى فصل جديد للتشهير والمعاناة للمعتقلين تعسفًا أو المخفيين قسريًا، بحيث يستمر الاعتقال بحجة التحقيق والمحاكمات وبحجة استكمال التقاضي، أو تستخدم للفت الأنظار ومزيد من أوجاع أهالي المعتقلين.

إن المعتقلين المفرج عنهم أصبحوا في مناطق آمنة، هم أدلة ناطقة عن حالة الانتهاك التي يتعرض له المعتقلون تعسفًا، والمخفيين قسرًا، بل ذاكرتهم تحتفظ تفاصيل مرحلة مهمة وحرجة من تاريخ اليمن، يجب أن تعقد لهم جلسات استماع داخلية وخارجية، ويسمع العالم أوجاع المعتقلين من خلال تجاربهم الطافحة بالوجع، وهي تجربة يمكن أن تفتح وعينا للتحولات النفسية والفكرية التي أصابت الإنسان اليمني في هذه المرحلة بالذات، وخاصة الفئات التي تمارس هذه الانتهاكات ببشاعة تفوق الخيال.

أخيرا، الأم اليمنية لا تفقد الحيلة حين يتعلق الأمر بابنها، وحين تكون متيقنة من براءته أيضا، وأنه يعيش ظلما مكتملا يسعى للقضاء عليه، حينها لا تكل، ولا تمل، ولا تهدأ، تسعى مفتوحة الفؤاد، وتقف حادة العينين، وتستمر كما لو أنها تبدأ.

الأم اليمنية كانت أقوى من قلاع العسكر، وأدهش من مصفحات الجيوش، وأصلب من آلاف الوجوه التي صمتت، وفتحت الخط الأسود كما قيل حينها.

هي التي ظلت وما تزال صامدة في وجه الإرهاب والانقلاب معا، إذ لا يجرؤ أحدا وفي وسط العاصمة صنعاء أن يحرك عيناه في وجه الانقلاب، فضلا عن أن يحرك شفتيه فيقول كلمة.

ليس في مقدور أحد ذلك سوى أم مكلومة، تأتي إلى باب المعتقل وتصرخ في وجه الحوثيين، وتنفذ وقفة احتجاجية تعيد بها صياغة وعينا الذي كدنا نفقده، جراء صدمات عدة تعرض لها، تفعل ذلك وتعود لمنزلها كي تعد خطة اليوم المقبل.

كلمات دالّة

#اليمن