الجمعة 19-04-2024 01:39:39 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

فشل مساعي الأمم المتحدة في فك الحصار عن تعز.. الأسباب والدلالات

الأحد 14 أغسطس-آب 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت- خاص-عبد السلام الحاتمي
 

 

أصبحت قضية رفع حصار مليشيا الحوثيين عن مدينة تعز بمنزلة اختبار صعب للأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن هانس غروندبرغ، لا سيما أن مطالب رفع الحصار عن مدينة يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، طُرِحت كأحد بنود الهدنة التي دعت لها الأمم المتحدة في اليمن، وبدأت في مطلع أبريل الماضي، ثم مُددت شهرين إضافيين للمرة الثانية بدءا من مطلع أغسطس الحالي.

من الواضح أن موافقة مليشيا الحوثيين على الهدنة كان الهدف منها الحصول على مكاسب ما كان لها أن تتحقق لولا التوقف المؤقت للعمليات العسكرية، لكن ذلك لا يعفي الأمم المتحدة من استخدام أوراق الضغط كافة لإجبار مليشيا الحوثيين على رفع الحصار عن مدينة تعز كقضية إنسانية، وكان يُفترض التأكيد على تنفيذ جميع بنود الهدنة في وقت متزامن.

وفي حال رفضت المليشيا الحوثية ذلك، يُفترض اتخاذ إجراءات حاسمة تجبرها على الرضوخ والتنفيذ المتزامن لجميع بنود الهدنة، ومن أهم إجراءات الضغط استئناف العمليات العسكرية ضد المليشيا في الجبهات الرئيسية، خصوصا أن المليشيا قبلت بالهدنة تحت وطأة الخسائر التي تكبدتها في جبهات مأرب وتعز وشبوة وحجة وغيرها.

- ما أسباب العجز الأممي؟

إذا كانت الأمم المتحدة قد عجزت عن إقناع مليشيا الحوثيين برفع الحصار عن مدينة تعز، رغم طول مدة المفاوضات بشأن ذلك، والتي بدأت منذ سريان الهدنة الجارية واستمرارها بالتزامن مع تمديد الهدنة، فكيف يمكن إقناع المليشيا ذاتها بالانخراط الجدي في مشاورات السلام والحل السياسي الذي تدعو إليه الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن؟ وكيف يمكن الرهان على الهدنة والاعتقاد بأنه يمكن البناء عليها لتحقيق السلام وإنهاء الحرب التي أشعلتها المليشيا في البلاد منذ ثماني سنوات؟ وأيضا كيف يمكن فهم التحشيد الحوثي إلى الجبهات وزيادة وتيرة التجنيد واستعراض الأسلحة في ميدان السبعين بصنعاء والتهديد بإنهاء الهدنة واستئناف العمليات العسكرية؟

ثمة اختلالات كثيرة في اتفاقية التوصل إلى الهدنة الجارية مكنت مليشيا الحوثيين من توظيف الهدنة لصالحها والالتفاف على البنود التي يفترض تنفيذها من جانبها، وبنفس الوقت فإن تراخي الأمم المتحدة في المحادثات التي ما زالت مستمرة مع الحوثيين شجعهم على المضي في تشديد الحصار على مدينة تعز بدلا من رفعه.

ولم يقتصر الأمر على زيادة تشديد الحصار فقط، بل فقد كثفت المليشيا من هجماتها على مواقع الجيش الوطني في محيط المدينة، وعلى الأحياء السكنية في مناطق التماس، والاستمرار في قتل المواطنين قنصا، دون تفريق بين الشباب والشيوخ والأطفال والنساء، وكأن المليشيا -بهذه الإجراءات التصعيدية الإرهابية- تواجه مطالب رفع الحصار بزيادته وخرق الهدنة لأجل التراجع والاكتفاء بمطالبتها بوقف الهجمات على الأحياء السكنية وأيضا وقف قتل المواطنين قنصا بدلا من المطالبة برفع الحصار.

لكن كيف يمكن تفسير عجز الأمم المتحدة عن إحداث اختراق ولو بسيط في هذا الملف الإنساني البحت؟ لعل السبب الرئيسي في ذلك هو تدليل الأمم المتحدة الزائد للحوثيين وعدم التعامل معهم بجدية، وأيضا عدم ممارسة ضغوط قوية ضدهم أو التلويح بإجراءات قاسية بحقهم تجبرهم على احترام الشرعية الدولية والاستجابة لوساطتها والامتثال لقراراتها ولما تتخذه من إجراءات لإنهاء الصراعات وإحلال السلام.

إن تراخي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إزاء جرائم مليشيا الحوثيين، وفي مقدمتها استمرار المليشيا في حصار مدينة تعز منذ سبع سنوات، وفرضها عقابا جماعيا على أكثر من ثلاثة ملايين مواطن داخل المدينة، كل ذلك يمثل وصمة عار في جبين الأمم المتحدة والإنسانية جمعاء، لعجز الجميع عن إجبار أو إقناع المليشيا الحوثية برفع الحصار عن تعز كقضية إنسانية بحتة لا علاقة لها بالحرب وتداعياتها، ولا علاقة لها أيضا بتوازنات الصراع في الإقليم والتوظيف السياسي للمليشيات التابعة لإيران.

وما زالت قطاعات شعبية ونخبوية واسعة تتهم الأمم المتحدة وبعض الدول الكبرى بتدليل مليشيا الحوثيين، وتحُول دون القضاء عليها أو حتى إجبارها على تقديم تنازلات في الجوانب الإنسانية، لأنها تستخدم تلك المليشيات كرأس حربة في صراعات ومشاريع وأهداف تخضع لتوازنات دقيقة وما زالت تُطبخ على نار هادئة.

ويُعد تدليل مليشيا الحوثيين في اليمن جزءًا من سياسة الدول الكبرى المنخرطة في صراعات إقليم المشرق العربي، وتقتضي سياستها تدليل المليشيات الطائفية الموالية لإيران في بلدان عربية عدة لاستخدامها في مهام آنية أو مؤجلة، واتخاذها شماعة لاستمرار تواجدها العسكري، ورفعها كفزاعة في وجه دول الخليج العربي تحديدا لتظل في حاجة دائمة للمظلة الأمنية الغربية لحمايتها من إيران ومليشياتها، وما يترتب على ذلك من استنزاف لثروات المنطقة والتوظيف السياسي للورقة الأمنية في لعبة المصالح وصراعات الدول الكبرى.

- دلالات الفشل

لعجز الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في إقناع مليشيا الحوثيين أو إجبارها على رفع الحصار عن تعز، دلالات عدة، من أهمها أن ذلك العجز يعكس فشل مساعي تلك المنظمة في اليمن منذ أكثر من 10 سنوات لوضع حد للصراع والاقتتال في اليمن، أي منذ ما قبل الانقلاب الحوثي واندلاع الحرب في البلاد وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية، ثم انخراطها -أي الأمم المتحدة- في أجندة الدول الكبرى بعد الانقلاب الحوثي الطائفي العنصري وتشابك أزمات الإقليم بسبب توسع نفوذ إيران ودعمها للمليشيات الطائفية الموالية لها في بلدان عربية عدة والدفع بها نحو ممارسة الإرهاب وإشعال الحرائق والحروب الأهلية، وصولا إلى تهديد مصادر الطاقة وتهديد أمن السعودية وأيضا تهديد طريق التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب.

كما أن عجز الأمم المتحدة في إقناع الحوثيين أو الضغط عليهم لفك الحصار عن مدينة تعز يعني أن الفشل سيكون أيضا مصير جميع مساعيها المقبلة لإنهاء الحرب في اليمن وحل الأزمة سياسيا، لأنه لا يمكنها أن تنجح في تحقيق هدف كبير بينما الواقع يثبت أنها فشلت في هدف جزئي، لذلك فإن جميع مساعيها المقبلة لحل الأزمة اليمنية سياسيا ستقابل بالاستهتار أو بعدم الاهتمام من قِبَل مختلف أطراف الصراع، وأيضا لن تجد الدعم من قِبَل الأطراف الإقليمية المنخرطة في الأزمة اليمنية.

كما أن الشعب اليمني لن يعوّل كثيرا على أي جهود للأمم المتحدة في اليمن، سواء فيما يتعلق بإنهاء الصراع أو في تحقيق انفراجات في بعض الملفات، وفي مقدمتها ملف حصار مدينة تعز وتداعياته الإنسانية وتأثيره على حياة أكثر من ثلاثة ملايين مواطن يقطنون داخل المدينة.

وهكذا ستظل مختلف جهود الأمم المتحدة تُصب في قربة مثقوبة، ليس لأنها لا تمتلك أدوات الضغط لإجبار الطرف المتعنت على الرضوخ للسلام والاستجابة لجهود تحقيق انفراجات جزئية يمكن البناء عليها لتحقيق تسوية شاملة، ولكن لأنها -الأمم المتحدة- مجرد ورقة بيد الدول الكبرى التي تستخدمها كقفاز لسياساتها في المنطقة والعالم تحت شعار حفظ الأمن والسلام الدوليين، بدليل أن من أسس منظمة الأمم المتحدة هي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وقد منحت نفسها حق العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للمنظمة ذاتها، واحتكرت لنفسها ما يسمى حق النقض (الفيتو).

ويبقى السؤال الملح: إذا كانت الأمم المتحدة قد عجزت عن إنهاء الحصار الحوثي على مدينة تعز، فكيف يمكنها التوسط وحل الأزمة اليمنية سياسيا وتحقيق تسوية شاملة للصراع؟ وإذا كان الفشل مصير جميع مساعيها في اليمن فلماذا لم تنسحب وتعلن عجزها عن تحقيق أي اختراق في جدار الأزمة وتترك اليمنيين يمضون في الخيار المناسب؟

لعل النتيجة الوحيدة لاستمرار دور الأمم المتحدة في اليمن هي توفير الغطاء لانقلاب المليشيا الحوثية ومنحها فرصة استهلاك الوقت لتثبيت انقلابها، وانتظار أي متغيرات محلية أو إقليمية أو دولية تصب في مصلحة مشروعها الانقلابي العنصري.

كلمات دالّة

#اليمن