الجمعة 29-03-2024 14:02:22 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الهدنة في اليمن.. بين الإرهاب الحوثي وأوهام السلام

الأحد 31 يوليو-تموز 2022 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد السلام الحاتمي

 


مع اقتراب الهدنة "الهشة" في اليمن من نهايتها، التي بدأت في مطلع أبريل الماضي ومُددت شهرين إضافيين ستنتهي بنهاية يوليو الجاري، تتوالى الدعوات من الأمم المتحدة وجهات أجنبية أخرى لتمديد تلك الهدنة، في حين تواصل مليشيا الحوثيين الإرهابية الحصار والقصف العشوائي على الأحياء السكنية بمدينة تعز طوال الهدنة وترفض فتح الطرقات ورفع الحصار عن المدينة، كما قصفت مؤخرا قرية "خبزة" التابعة لمديرية رداع بمحافظة البيضاء بعد حصار دام عدة أيام، متسببة بسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى خروقاتها اليومية في مختلف الجبهات منذ بدء سريان الهدنة.

لم تكن الهدنة إلا من طرف واحد، وهو الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي الداعم لها بقيادة السعودية، بينما مليشيا الحوثيين لم تنفذ أيًّا من بنودها، باستثناء وقف هجماتها الإرهابية بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة على الأراضي السعودية، في حين لم تمارس الأمم المتحدة ضغوطا حقيقية على الحوثيين لتنفيذ بنود الهدنة من جانبهم، وكان الأولى إجبار الحوثيين على تنفيذ جميع البنود منذ بدء سريان الهدنة بالتزامن مع فتح مطار صنعاء على الأقل، وليس ترك بعض الملفات عالقة أو للتفاوض، مثل بند رفع الحصار عن مدينة تعز، وإجراء مفاوضات حول ذلك مع المليشيا في العاصمة الأردنية عمان، وزيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء لإقناع قيادات المليشيا ببعض المقترحات لرفع الحصار عن تعز، لكن دون جدوى.

- لماذا وافق الحوثيون على الهدنة؟

خلال السنوات الماضية، رفضت مليشيا الحوثيين الإرهابية جميع الدعوات المتكررة التي أطلقتها الأمم المتحدة وغيرها لوقف إطلاق النار وإنجاز هدنة إنسانية في اليمن، ما يعكس نهجها الدموي وإصرارها على الاستمرار في خيار الحرب والإرهاب لتحقيق أهدافها، غير عابئة بالمآسي الإنسانية الناجمة عن ذلك، واعتقادها بأن استمرارها في خيار الحرب سيمكنها من السيطرة على البلاد كافة، وإعادة الحكم السلالي الإمامي العنصري، والانخراط الفعال في المشروع الإيراني في المنطقة.

أما موافقتها -أي المليشيا الحوثية- على الهدنة الحالية فلا يعكس ذلك نوايا سليمة أو موقفا أخلاقيا، وإنما يعكس حاجتها الماسة لهدنة كي تستغلها لتعزيز وضعها العسكري والمالي بعد تكبدها خسائر بشرية ومادية كبيرة طوال العام الماضي وخلال الأشهر الأولى من العام الجاري في محيط محافظة مأرب بهدف السيطرة عليها وفي جبهات أخرى، ولذلك فقد استغلت المليشيا الهدنة لحشد المزيد من المقاتلين لتعويض النقص الحاصل في عناصرها، وكثفت من تجنيد الأطفال، واستحدثت معسكرات للتجنيد والتدريب تحت لافتة مخيمات صيفية لاستقطاب الطلاب خلال العطلة الصيفية.

كما استغلت المليشيا الحوثية الهدنة للدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى عدد من الجبهات، وتحديدا جبهتي مأرب وتعز، وتهدد بالخيار العسكري وعدم القبول مجددا بتمديد أو تكرار الهدنة، وكان آخر ذلك الإعلان عن رفضها لما تضمنه البيان السعودي - الأمريكي المشترك على هامش زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية قبل أيام، حيث دعا البيان إلى تمديد الهدنة، وشجع مختلف الأطراف على ذلك، لكن مليشيا الحوثيين سارعت إلى رفضها تمديد الهدنة، قبل أن تتراجع وتوافق عليها بشروط تصب لصالحها.

إذن، لقد حصدت مليشيا الحوثيين من الهدنة كثيرا من المكاسب دون تقديم أي تنازلات، حيث استغلتها لتعزيز وضعها العسكري بعد أن كانت منهكة إثر مواجهات عنيفة في جبهات مأرب وشبوة وحجة وغيرها، والتي على إثرها تكبدت خسائر مادية وبشرية فادحة، فعملت لإعادة ترتيب صفوفها وحشد مزيد من المقاتلين لتعويض خسائرها البشرية.

وتنظر المليشيا للهدنة بأنها مجرد "استراحة محارب" وليست محطة للتخفيف من الأزمة الإنسانية الناجمة عن طول أمد الحرب وخفض الصراع والبدء في مفاوضات الحل السياسي، وهو ما يكشفه سلوك المليشيا منذ بدء الهدنة مثل: الخروقات اليومية للهدنة في مختلف جبهات الداخل، والتهديد بشن عمليات عسكرية في تعز ومأرب، والتهديد باستئناف هجماتها على الأراضي السعودية، ورفض رفع الحصار عن تعز، بالإضافة إلى قصف الأحياء السكنية وقنص المدنيين بما فيهم النساء والأطفال، كما حصل في حي الروضة مؤخرا من قصف تسبب بإزهاق روح طفل وإصابة 12 طفلا آخرين بجروح، وبعضهم إصاباتهم خطيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن المليشيا الحوثية بدأت منذ سريان الهدنة بتوزيع مندوبيها على عدد كبير من الأرياف والمناطق النائية في مناطق سيطرتها للالتقاء بمشايخها والوجاهات الاجتماعية فيها والضغط عليهم لحشد مقاتلين جدد في صفوف المليشيا، واستخدمت لإجبارهم على ذلك مختلف وسائل الترغيب والترهيب.

يضاف إلى ذلك أن الهدنة عززت الوضع المالي للمليشيا الحوثية، فخلال أول شهرين من الهدنة جنت المليشيا نحو 90 مليار ريال يمني من عائدات رسوم شحنات الوقود فقط عبر ميناء الحديدة. وبلغ إجمالي الرسوم الجمركية والضريبية على المشتقات النفطية التي جنتها مليشيا الحوثيين من ميناء الحديدة خلال الهدنة (أربعة أشهر) 105 مليارات ريال، وفق بيان للحكومة اليمنية الشرعية، دون الالتزام بما تم الاتفاق عليه سابقا بتوريد تلك العائدات إلى فرع البنك المركزي في الحديدة وتخصيصها لصرف رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين.

كما استغلت المليشيا إعادة فتح مطار صنعاء لصالحها، من خلال تهريب وسفر عدد من قيادات المليشيا بأسماء مزيفة وبواسطة جوازات سفر تصدرها المليشيا ووافقت عليها الحكومة الشرعية إثر ضغوط عليها، وبنفس الوقت حرمت المليشيا عددا كبيرا من المرضى من السفر، ومن تسمح لهم بالسفر تبتزهم وتجني منهم أموالا طائلة، وحولت مطار صنعاء إلى وسيلة لجباية مزيد من الأموال واستغلال ظروف المضطرين للسفر للعلاج.

وفي مقابل ذلك، لم يتمكن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبرج، من إقناع مليشيا الحوثيين بقبول المقترح الذي قدمه بشأن فتح الطرقات والمعابر في مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون منذ سبع سنوات، رغم أن ذلك أحد بنود الهدنة، حيث تواصل المليشيا تعنتها ورفضها فتح الطرقات والمعابر المؤدية إلى مدينة تعز، وهو ما دفع أبناء المدينة للخروج في تظاهرة حاشدة، الثلاثاء، 26 يوليو 2022، تعبيرا عن رفضهم لتمديد الهدنة قبل رفع الحصار وتخفيف معاناتهم.

- الهدنة وسراب السلام

بالنظر إلى السياق الزمني للهدنة، فهناك عوامل اقتضتها أو ساعدت على إقرارها. فمن جانب، كان توالي خسائر مليشيا الحوثيين وتقهقرها في جبهات شبوة ومأرب وحجة وتعز، وتنفيذها هجمات يائسة على السعودية والإمارات، بمنزلة مؤشر على حلول "اللحظة المواتية" التي تجعل مليشيا الحوثيين أكثر حاجة للهدنة وستوافق عليها فورا حتى لا تتعاظم خسائرها.

ومن جانب آخر، كان لتداعيات حرب روسيا على أوكرانيا تأثيرها على إمدادات الطاقة عالميا، فكان لا بد من استغلال "اللحظة المواتية" لخفض حدة الصراع في اليمن لتأمين بدائل لمصادر الطاقة بعد فرض الغرب الحصار على روسيا، ويبدو أن ضغوطا إقليمية ودولية على الحكومة اليمنية للقبول بالهدنة كون مليشيا الحوثيين في موقف ضعف وستوافق عليها فورا في حال قُدّم المقترح بشأنها، وهو ما حدث بالفعل.

لا شك أن بنود الهدنة كانت مجحفة وبدا من أول لحظة أنها تصب في صالح الحوثيين، لكن الحكومة اليمنية وافقت عليها استجابة لضغوط خارجية وكالتزام إنساني منها بخفض حدة الصراع وتخفيف معاناة المواطنين.

ورغم التفاؤل الذي ساد في الأوساط الدبلوماسية، وأيضا تعامُل الأمم المتحدة مع الهدنة كأهم اختراق حققته في جدار الأزمة اليمنية منذ اندلاع الحرب والانقلاب، واعتبار الهدنة منجزا يمكن البناء عليه لتحقيق السلام، لكن كانت المفاجأة الصادمة منذ الأيام الأولى لسريان الهدنة عندما اندفعت مليشيا الحوثيين بقوة لحشد مقاتلين جدد وتدريبهم وتجنيد الأطفال وتكثيف نشاط ما تسميها المخيمات الصيفية وهي ليست سوى معسكرات تدريب، والدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى عدد من الجبهات، وفي مقدمتها جبهات مأرب وتعز.

وهكذا سرعان ما تبخر سراب أوهام السلام الذي بدأ يلوح في الأفق، وبدت الأجواء شبيهة بالأيام الأولى للانقلاب والحرب عندما كانت مليشيا الحوثيين الإرهابية تدفع بعناصرها وتعزيزاتها العسكرية إلى مختلف الجبهات، وهو ما يعني في المجمل أن المليشيا الإرهابية تستعد لدورة عنف جديدة أسوأ من سابقاتها، وأن السلام غير وارد في أجندتها، وأنه ما دام ثمة فرص تمكنها من الاستمرار في الحشد والتجنيد، مع استمرار تهريب السلاح لها من إيران، فإن ذلك يشجعها على الاستمرار في خيار العنف والإرهاب.

ومما يشجع المليشيا الحوثية على المضي في خيار الحرب وسفك الدماء أن الصف الجمهوري ما زال على انقساماته، مع أنه لو اتحدت جميع أطراف الصف الجمهوري، وتقدمت جميع القوات نحو العاصمة صنعاء، ستنهار مليشيا الحوثيين بمجرد القضاء على تحصيناتها الأمامية، وسيكتشف الجميع مدى ضعف المليشيا التي تستمد بقاءها من انقسامات الصف الجمهوري وليس من قوتها الهشة.

كلمات دالّة

#اليمن