الخميس 28-03-2024 16:05:59 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

صراعات وتصدعات بينية.. مليشيا الحوثيين تتآكل من داخلها

الخميس 23 يونيو-حزيران 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبد السلام الحاتمي

  

تتوالى التصدعات والانقسامات البينية في أوساط مليشيا الحوثيين الإرهابية، لتشمل جميع خطوط الانقسام داخلها، سواء في أوساط السلالة العنصرية بين من يوصفون بهاشميي صنعاء وهاشميي صعدة، أو بين من يوصفون بالقناديل والزنابيل بحسب التقسيمات العنصرية التي تكرسها المليشيا داخلها، أو وفق الانتماءات القبلية والمناطقية لقيادات المليشيا ومقاتليها، فضلا عن الأجنحة التابعة لكبار القيادات.

وتعبر تلك الانقسامات عن نفسها من خلال التصفيات الجسدية التي تطول قيادات في المليشيا من مختلف المستويات القيادية، كما تطول مقاتلي المليشيا لأسباب عدة منها اتهامهم بالفرار من الجبهات ورفض الأوامر والاتهام بالتخابر مع الحكومة الشرعية أو مع التحالف بقيادة السعودية، وأحيانا لأسباب تتعلق بالولاءات بين قيادات وأجنحة المليشيا، كما تمثل الخلافات المتزايدة على الإتاوات والمنهوبات والمناصب في المؤسسات الإيرادية من أبرز أسباب الخلافات والتصدعات البينية.

وأصبح الاقتتال البيني في أوساط المليشيا، بدءا بتصفية شخصيات تتبوأ هرم قيادة المليشيا، وانتهاء بعناصر الجماعة ومقاتليها المغرر بهم، أصبح من الظواهر الملازمة للمليشيا، وازدادت حدة ذلك في الآونة الأخيرة، وهو مؤشر على تآكل المليشيا من داخلها وتمزقها، وتسبب ذلك بمغادرة شخصيات سلالية إلى خارج البلاد خشية أن تطولها التصفيات الجسدية.

ويعكس كل ذلك النهج الدموي للمليشيا الحوثية ونشأتها على القتل وسفك الدماء، ولولا شعورها بالخطر الذي يهدد مصيرها ورفض اليمنيين لها، فإننا سنشهد دورات عنف فظيعة في أوساطها أسوأ من دورات العنف التي كانت تنشب بين الأئمة السلاليين الذين قدمت المليشيا الحوثية من نسلهم.

- جولة صراع جديدة

ظهرت في الآونة الأخيرة جولة صراع جديدة بين أجنحة مليشيات الحوثيين، وتحديدا بين القياديين النافذين أحمد حامد ومحمد علي الحوثي، حول ولاءات وتبعية مشايخ القبائل بمناطق سيطرة المليشيا.

ويسعى القيادي أحمد حامد، الذراع الطولى لزعيم المليشيا، لمنافسة نفوذ محمد علي الحوثي، نجل عم زعيم المليشيا، في أوساط المجتمع القبلي، عبر تغيير التركيبة القبلية وزعماء القبائل، وهو ما يعتبره الأخير تهديدا لنفوذه، ويتحرك لتشييد نظام حكم محلي جديد يعرف بـ"مجالس الحكم" على مستوى كل محافظة من المحافظات التي تسيطر عليها المليشيا.

- التصفيات الأخيرة

شهدت الأيام القليلة الماضية موجة تصفيات بينية طالت عددا من قيادات وعناصر المليشيا الحوثية، من أهمها: في 19 يونيو الجاري، لقي قيادي حوثي مصرعه مع اثنين من مرافقيه في أحد شوارع العاصمة صنعاء على يد مسلحين ينحدرون من محافظة صعدة معقل المليشيا.

وأفادت مصادر محلية بأن القيادي الحوثي، أبو فضل يحيى منير الحنمي، لقي مصرعه مع اثنين من مرافقيه على يد مسلحين حوثيين من محافظة صعدة في جولة الجمنة على شارع المطار شمال العاصمة صنعاء، وتأتي عملية الاغتيال تلك في إطار الصراع بين قيادات الحوثيين المنتمين لصعدة وآخرين من صنعاء وعمران.

وفي 19 يونيو الجاري أيضا، أقدمت مليشيا الحوثيين على إعدام ثلاثة من عناصرها إثر رفضهم المشاركة في عملية تسلل شمال مدينة تعز.

وذكرت مصادر إعلامية أن القيادي الحوثي عماد جسار داحش المكنى "أبو مشاكل" طلب من ثلاثة من المهمشين المتحوثين المشاركة في عملية تسلل كانت تعد لها المليشيا باتجاه مواقع الجيش في موقع الدفاع الجوي فرفضوا المشاركة، فباشر بإعدامهم على الفور بدم بارد بعد مشادة معهم.

وفي 18 مايو الماضي، أقدمت مليشيا الحوثيين على تصفية أحد عناصرها المقاتلين في صفوفها يدعى "سيف أحمد الحزمي" في نقيل الحميض، عزلة القهراء، بمديرية جبل رأس، بتهمة التخابر مع الحكومة الشرعية، لكن الحقيقة أن الحزمي كان متجها من محافظة الحديدة إلى منطقته في محافظة إب، وتمت تصفيته لاعتقاد المليشيا أنه أحد الفارين من الجبهات بعد أن تلفق لهم التهم للتخلص منهم.

وفي 28 مايو الماضي، كشف القيادي السابق في مليشيا الحوثيين، صالح هبرة، عن تلقيه تهديدات حوثية بتصفيته، وحملهم مسؤولية حياته.

وقال هبرة، الذي سبق أن شغل رئيس ما يعرف بالمجلس السياسي الحوثي: "أرسل لي أحد الإخوان من قيادة الحوثيين مقطع فيديو يتضمن تحذيري من وجود طرف ثالث قد يستغل الوضع ويقوم بالاعتداء عليّ".

وأضاف: "هذا التحذير ذكرني بالتحذير الذي وقع للدكتور عبد الكريم جدبان من قبل أحد أصحابنا قبل اغتياله بحوالي أسبوع أو أسبوعين"، في إشارة إلى تصفية جدبان الذي كان ممثلا عن الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني من قبل المليشيا الحوثية نفسها.

وخاطب هبرة مليشيا الحوثيين، في منشورات له على فيسبوك وتويتر، قائلا: "لا يوجد لا طرف ثاني ولا ثالث.. أنتم الطرف الأول والثاني والثالث".

وفي يناير الماضي، ارتكبت مليشيا الحوثيين الإرهابية مجزرة بحق العناصر التي انسحبت من الجبهات ورفضت القتال، إثر استعادة الجيش الوطني لمدينة حريب في مأرب ومواقع إستراتيجية تقع بين محافظتي شبوة ومأرب.

وكشفت وزارة الدفاع حينها أنها حصلت على معلومات مروعة تفيد بإعدام مليشيا الحوثيين لمقاتليها المنسحبين والرافضين للقتال، لافتة إلى أنها وجهت وحداتها الميدانية باستقبال المقاتلين الحوثيين المنسحبين، متعهدة بمنحهم الأمان وفق الأعراف الدولية.

- نماذج سابقة

في أكتوبر 2017، ارتكبت مليشيا الحوثيين جريمة بشعة بحق مجموعة من عناصرها بعد أن أدخلتهم إلى منزل الشيخ عبده فرحان، بمنطقة بران قرية الحول في نهم، بعد زرع مواد متفجرة به، ثم فجرته وهم بداخله وقتلتهم جميعا، وتركت جثثهم تحت أنقاض المنزل.

وفي أكتوبر 2019، أعدمت المليشيا الحوثية 17 من عناصرها، كانوا يقاتلون في صفوفها، بمديرية قعطبة شمالي محافظة الضالع، بسبب رفضهم تنفيذ أوامر مشرفيها في المحافظة للقتال في جبهة الفاخر بمديرية قعطبة.

وفي أغسطس 2020، أعدمت مليشيا الحوثيين أربعة من عناصرها في نقطة تفتيش لها بمحافظة الجوف، بعد محاولتهم الهروب من مواقعها بجبهات القتال.

وفي يناير 2021، نقلت صحيفة "عكاظ" السعودية عن مصادر "موثوقة" في صنعاء أن مليشيا الحوثيين صفت موالين لها بـ"السم"، بينهم قضاة ومحامون وقيادات ميدانية، ومسؤولون سابقون من حزب المؤتمر.

وقالت المصادر إن ثلاثة قضاة أعلنت المليشيا وفاتهم حينذاك، أحدهم عضو المحكمة العليا التجارية ويدعى محمد الوادعي، ورئيس حزب المؤتمر بالدائرة 47 بمديرية مقبنة غربي تعز، أمين الجرزي، موضحة أن الحوثيين يزعمون أن كورونا تسببت في وفاتهم، لكن تأكيدات أقاربهم كشفت قتلهم بالسم.

وأضافت المصادر أن المليشيا لجأت للتصفية بالسموم للعناصر التي رفضت العمل معها في تجنيد المدنيين في تعز والبيضاء ومناطق أخرى، مبينة أن توجيهات زعيم المليشيا الإرهابي عبد الملك الحوثي صدرت بالتخلص منهم.

ما سبق ليس سوى مجرد نماذج حدثت في تواريخ مختلفة، وهناك نماذج بارزة ومعروفة، مثل قتل المليشيا لشخصيات سلالية مثل: محمد عبد الملك المتوكل، وأحمد شرف الدين، وعبد الكريم جدبان، وحسن زيد، وإبراهيم الحوثي شقيق زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي.

إن المسيرة الدموية لمليشيا الحوثيين الإرهابية مليئة بنماذج مفزعة من القتل وسفك الدماء، ولا تفرق بين خصومها وقياداتها وكبار الشخصيات السلالية ومشايخ القبائل الذين مهدوا لها الطريق إلى العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى مقاتليها الذين يتعرض بعضهم للتصفيات الجسدية، وبعضهم يتعرضون للتعذيب والتحقيق في السجون بتهم مختلفة.

- تداعيات الاقتتال البيني

لا شك أن الاقتتال البيني في صفوف المليشيا الحوثية سيكون له نتائج إيجابية مثل تآكل المليشيا من داخلها والنفور المجتمعي منها وتوجيه رسائل تحذيرية لمن قد تغرر بهم للانخراط في صفوفها خشية أن يطولهم شرها، لكن على الجانب الآخر سيكون لمثل هذه التصفيات نتائج كارثية مؤجلة، مثل تفخيخ المجتمع بثارات وأحقاد وضغائن ستنفجر في الوقت المناسب لا محالة، فكل ضحية يعرف غريمه جيدا، وكل مظلوم مغرر به يعرف من ظلمه، وكل واحد منهم ينتظر الفرصة المناسبة للانتقام.

ويزيد من خطورة الأمر أن كبار قيادات المليشيا يتوارون خلف قيادات من الدرجة الثانية والثالثة ليكونوا أدواتهم في القتل والتصفيات البينية، ويتخذون منهم ستارا لغسل جرائمهم والتنصل منها، ليعفوا بذلك أنفسهم من الثارات المقبلة.

ويعكس ذلك نهج السلالة العنصرية قديما أثناء حكم الإمامة، فتلك هي عادتها في نقل خلافاتها البينية وتنافس أجنحتها إلى أوساط القبائل اليمنية لشرذمتها وتمزيقها وتفخيخها بالثارات.

وهذا يتطلب حملات توعوية عبر مختلف وسائل الإعلام لتحذير القبائل اليمنية من السماح لبعض أبنائها المغرر بهم بالانخراط في صفوف المليشيا والتمترس وراء أجنحتها المتصارعة.

فمثلا، ماذا ستستفيد قبائل صنعاء وعمران وذمار وحجة وغيرها من الانخراط في الخلافات بين عبد الملك الحوثي وابن عمه محمد علي الحوثي؟ وما الذي يمكن أن تستفيده القبائل من انخراط بعض أبنائها في صراعات أجنحة السلالة العنصرية التي ترى نفسها طبقة أعلى من الجميع وتتفق أجنحتها المختلفة على قتل اليمنيين ونهب أموالهم ومقدراتهم وهدم الدولة والاستئثار بالمال والسلطة؟

كلمات دالّة

#اليمن