الثلاثاء 16-04-2024 20:43:07 م : 7 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثية.. إرهاب سلالي طائفي بضلالات عقائدية (1-2)

الخميس 16 يونيو-حزيران 2022 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت-خاص | توفيق السامعي

 

لم يعد خافياً اليوم إدراك العالم ماهية المشروع الحوثي في المنطقة بعد أن وضحت الرؤية والراية الإيرانية المتحكمة في هذا المشروع كواحدة من أهم أذرعتها الإرهابية في المنطقة، بالتكامل مع قوى عظمى ترعى وتدلل هذه المليشيا في ابتزاز أغنى مناطق النفط في العالم.
فالمشروع الحوثي جمع في طياته بين السلالية العنصرية والطائفية الإرهابية، وهي أهداف معلنة ومغلفة بأغلفة مختلفة، لكنها تظهر من خلال أنشطتهم الميدانية وإرهابهم المدمر في غزو المحافظات وتهديد الجيران.
تزداد حدة توتر المنطقة أو تخف كلما كان اقتراب العالم من تحقيق تقدم في الملف النووي الإيراني والذي بات ترمومتر التحركات الحوثية الذي تقاس من خلاله هذه التحركات.

الحوثية بخلفية عقائدية

المشروع العقائدي الذي ترتكز عليه الحوثية هو المشروع الإمامي التاريخي المرتكز على الإرث الشيعي الكهنوتي عموماً الذي يستند إلى تفسير نصوص الدين بحسب رؤاها السياسية في طلب الولاية العامة على المسلمين تزعم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أحق بالولاية بعد النبي وخلافته من أبي بكر وعمر وعثمان.
تأولت النصوص الشيعة النصوص، وأقامت من جهتها إمامة مناوئة لعامة المسلمين، وشقت وحدة المسلمين وجيشت الجيوش لقتال المسلمين أنفسهم لا لقتال أي من الأعداء الخارجيين المهددين للأمة والأوطان، بل على العكس من كل ذلك فقد كانت تتكامل مع أي مهدد خارجي لبلاد المسلمين على اختلاف عقائد هؤلاء المهددين للبلاد الإسلامية.

ظل هذا المشروع الإمامي عبر التاريخ الإسلامي وإلى اليوم مهدداً للبلاد الإسلامية مضعفاً لها أكثر من أي غزو خارجي، وبين كل فترة زمنية تظهر أسرة من الأسر السلالية الإمامية في اليمن تتبنى هذا الفكر وتقيم مشروعها على أساسه وتدخل اليمن في دوامة من الصراع الأزلي الذي يدمر الوطن ويقضي على مكتسباته.
كان أول ظهور للإمامة كمشروع في اليمن في عهد إبراهيم الجزار الطبطبائي تحت دعوة الدولة الزيدية في طبرستان ليغرس غرستها في اليمن، ولما حاربه اليمنيون وولاة الدولة العباسية انهزم، وجاء من بعده ابن عمه يحيى بن الحسين الرسي الملقب بالهادي يدعو إلى إقامة دولة زيدية إمامية شيعية، وغرس أول بذورها.

عرفت دولة الرسي بالهادوية نسبة إلى لقبه ذاك وأسس مذهبه على أساس من لقبه وصار يعرف بالهادوية.
ارتكز هذا الهادي على النصوص القرآنية المؤوَّلة تأويلاً تعسفياً بحسب دعوته وسياسته وأهوائه، وعلى أساسها بدأ يكفر المسلمين المخالفين له ولم يعتبرهم مسلمين من الأساس.
يعتبر الهادي أول من جذر لولاية علي بن أبي طالب وأنه يتقدم على الشيخين أبي بكر وعمر، وهو بذلك إنما يقول إن الحق معه كوارث لعلي بهذه الولاية باعتباره من نسله حسب ادعائه وينبغي على اليمنيين مبايعته.
ومما جاء عن الهادي وهو يكفر الصحابة وأهل السنة، حيث يقول في مقدمة كتابه (الأحكام) ( 1/36-38 ): "إن ولاية أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب -عليه السلام- واجبة على جميع المسلمين؛ فرض من الله رب العالمين ولا ينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الإيمان حتى يعتقد بذلك يأيقن الإيقان، فمن أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام رسول الله -صلى الله وسلم- فلا بد أن يكون من كذب بهذين المعنيين في دين الله فاجراً وعند جميع المسلمين كافراً"( ).


على هذا النحو مضى الهادي الرسي يقيم إمامته وفكره وأيديولوجيته ومذهبه في اليمن بعد أن اتخذ من صعدة عاصمة له.
مع الجانب العقائدي مضى الهادي لبناء دولته، وهذا البناء يتطلب أموالاً كثيرة لتجييش الجيوش والإنفاق عليها وعلى الأتباع، فسن جبي العشور على المواطنين ونهب أموال لمخالفين، وغلف ذلك النهب بنصوص دينية مؤولة ومزورة أيضاً.
فقال بوجوب الزكاة على الآخرين، حيث قال: "والزكاة كلها إلى إمام المسلمين من ولد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم"( ). ولذلك يفهم من خلال سيرة الأئمة من بعده كيف أنهم يقومون أول ما يقومون به هو قبض العشور على الرعية وفرض المطالب والإتاوات المختلفة على الناس ويستصفونها لهم دون سائر الخلق ودون الفقراء التي فرضت الزكاة لأجلهم.
اعتبر الهادي الرسي نفسه وأقاربه وذريته من أبناء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بهذا إنما يبيح له ولأتباعه جباية المسلمين بحجة الأخماس والأعشار والزكاة ليبني إمبراطوريته المالية التي يستعين بها على بناء الدولة.


عرفت دولته بدولة الإمام الهادي بصعدة، فوطد تلك الدولة، وسن سنة الإمامة في اليمن، فكان يتمدد قليلاً وينكمش أخرى إلى صعدة.
استخدم هذا الرسي كل وسائل البطش والإرهاب والقمع بالمخالفين ولولا تلك الأساليب لما رضخ الناس له ولما استطاع إقامة دولته.
من تلك الأساليب على سبيل المثال لا الحصر ويذكر المؤرخ محمد بن علي الأكوع الحوالي أن "الهادي كان كثيراً ما يلجأ إلى الخراب والدمار وقطع الأشجار والزروع، وتحريق الفواكه والثمار، بل إلى أبعد من ذلك، وهو التمثيل بالأسرى وصلبهم وتنكيس رؤوسهم، وكان يسن بهم سنة الكفرة المشركين"( ).

وقد جاء في سيرة الهادي أنه ما إن يحل بموضع من المواضع التي تكون لخصومه إلا قام بقلع أشجارها من النخيل والأعناب أو حرقها، وكذلك هدم بيوت الخصوم والمنشآت من آبار وسدود وحصون، ولم يكن ذلك خافياً أو ادعاءً.
فقد هدم منازل بني الحارث وبني يام وعلاف وكتاف ووائلة وأحرقها وقطع أعنابهم وثمارهم، ومن ذلك ما جاء في سيرته: "ووقع القتال من جوانب البلد( )، وحمل المؤمنون عليهم فطردوهم في الجبال وتبعتهم الخيل والرجال، ودخلوا إلى حصن علاف فهدموا المنازل وقطعوا الأعناب، وأقبل عند ذلك الزبير بن محمد الكليبي فطلب لنفسه الأمان ولأهل بيته، فأمنه وانصرف الهادي إلى الحق إلى معسكره فبات به ليلته، فلما أصبح يوم الأحد عبأ عسكره وسار حتى وصل إلى علاف، فبينما هو يهدم المنازل ويحرق إذ أتاه الزبير فطلب منه الأمان لآخر من بني كليب، فقال: لست أؤمنهم إلا أن تأتيني بسليمان بن حجر"( ).


ومن بعد الهادي جاء بنوه وجاءت أسر أخرى تدعي الإمامة، ومع كل وقت تظهر أسرة جديدة تدعي الإمامة وتقوم بما قام به الرسي، واعتبرت كل أفعاله ديناً وتشريعاً يقلدها من جاء بعده إلى عهد الحوثية اليوم.
فقد جاء من بعد زوال دولته وأبنائه وأحفاده دولة الإمام القاسم العياني (العيانية)، ثم دولة (الحمزات) نسبة إلى عبدالله بن حمزة، وهذا كان أشد من الهادي في تجذير وترسيخ الإمامة وفكرها وبطشها بالناس، واعتبر مجدد الإمامة في القرن الخامس السادس الهجري.
جاء عبدالله بن حمزة فإذا به يؤصل تأصيلات لأسرته وسلالته من أجل إقامة دولته ويتبنى نصوصاً يدعيها على الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل مناصرة الناس له ولمشروعه الإمامي الذي يحمله عمن قبله، ليأتي من بعده ويتخذ عمله تشريعاً أيضاً.


ومن ذلك مثلاً ما كتبه عبدالله بن حمزة في رسالة لشريف مكة قتادة بن إدريس في ادعاء الحق الإلهي وأن الأمة حرفت الكتاب، فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله وسلم. ولما بعث الله أبانا( ) محمداً صلى الله عليه وآله بشيراً ونذيراً {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} الأحزاب46، دعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وحارب بمن أطاعه من عصاه حتى {جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}الإسراء81، فلما قبل الله سعيه، ورضي عمله، وأكمل عليه نعمته، وأتم له دينه، اختار له ما عنده، ونقله إلى دار كرامته، وخلف في هذه الأمة عترته وكتاب ربه، فحُرِّف الكتاب، ورُفِضَتِ العترة، فتجرعنا أمر من العلقم، وصبرنا على ألم من حز الشفار، ولم نزل ندعوا إلى الله -عز وجل- ونهدي إلى سبيله على جفوة من الأمة، ونبوة من الدهر، وميل عن سبيلها، وتنكب لمنهاجها، واجتماع الأمة إلا القليل على إنكار حقنا وجحدان فضلنا، ونحن مع ذلك صابرون محتسبون"( ).


ومن ذلك التضليل والادعاء الكاذب بلغ حد التقول على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال كاتب سيرة الامام عبدالله بن حمزة: "وقد روي الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة بن سليمان –عليه السلام- بإسناده إلى أمير المؤمنين عليّ –عليه السلام- أنه قال: أيها الناس، إن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء قبلكم في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم عن علم تنوسخ من أصلاب السفينة هؤلاء مُثُلها فيكم، وهم كالكهوف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم، فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخله غفر له، خذوا عني عن خاتم المرسلين، حجة من ذي حجة قالها في حجة الوداع: (لإني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي. إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يرد علي الحوض). وهذا الخبر تسميه العترة وأشياعهم خبر السفينة الكبير"( ).


بل إنه ادعى أنهم نجاة المؤمنين، فقال: "ونحن نجاة كل مؤمن ومؤمنة، وبنا يفتح ويختم، لا تتم الصلاة إلا بذكرنا، ولا تقع النجاة إلا باتباعنا، وقد روينا عن أبينا علي بن أبي طالب -عليه السلام-: إعلموا أن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء من قبلكم في عترة نبيكم فأين يتاه بكم عن أمر تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة؟ هؤلاء مثله فيكم، وهم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب السلم فادخلوا في السلم كافة، وهم باب حطة من دخل غفر له. خذوا عني عن خاتم المرسلين حجة من ذي حجة، قالها في حجة الوداع: إني تارك فيكم ما عن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي..إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"( ).
لم تنقطع الإمامة في اليمن يوماً، وظلت تورث من أسرة إلى أسرة، ومن بلاد إلى بلاد، ومن شخص إلى آخر، وانقطعت دولتهم بل ظلت دعوتهم إمامة دون دولة، إلى أن وصلت حد تكوين الدول في عهد الإمام شرف الدين وابنه المطهر الذي سام اليمنيين سوء العذاب فدمر ديارهم وقتل أبناءهم، وذبح أسراهم، وأحرق قراهم ومزارعهم، وانتهت تلك الدولة بدخول الأتراك.

ما إن خرج الأتراك حتى جاءت الدولة القاسمية لمؤسسها القاسم بن محمد بن الرشيد، وظلت هذه الدولة ردحاً من الزمن، تتوارث الفكر الشيعي الهادوي الإمامي القائل بإمامة الشيعة وإمامة علي وبنيه من بعده.
انتهت الدولة القاسمية فأتت الدولة المتوكلية، وكرست ذات المنهج العقائدي والعنصري السلالي، والبطش باليمنيين فدمروا ديارهم وأحرقوا مزارعهم، وقتلوا أبناءهم وأسراهم، وهجروا كثيراً من المواطنين، وتسببوا بالمجاعات التي أفنت معظم سكان اليمن.


انتهت الدولة المتوكلية الإمامية وجاءت الجمهورية؛ أمن الناس، وقضي على العنصرية، وتم التسامح، وأعيد بناء اليمن فترة من الزمن، حتى جاء الانقلاب الحوثي امتداداً لتلك الإمامة الشيعية العنصرية التدميرية.
الحوثية في هذا الزمن كأسرة شرف الدين والقاسمية والمتوكلية في الأزمان الغابرة؛ أسرة هي رأس حربة المشروع الإمامي الذي لم ينقرض يوماً بل كان ناراً تحت الرماد.

كلمات دالّة

#اليمن