الجمعة 19-04-2024 02:34:01 ص : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

بين الضغط الشعبي والتحرك الأممي.. هل سيتم فك الحصار عن تعز؟

الإثنين 30 مايو 2022 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص | مدين قاسم

 

سبع سنوات ونيف؛ تعيشها مدينة تعز تحت وطأة حصار مليشيا الحوثي، التي أغلقت جميع منافذ المدينة الرئيسية والفرعية؛ لتحلّ محلها مخيمات الموت المنصوبة على أسوارها، حيث سُدّت جميع الطرق المؤدية إلى قرابة 5 ملايين نسمة، هم سكان مدينة تعز، ولم تترك لهم المليشيا سوى طرق وعرة ومتهالكة، محفوفة بالمخاطر والحوادث المرورية اليومية القاتلة.

أمس السبت، انتهت الجولة الأولى من المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة بين وفدي الحكومة الشرعية، ومليشيا الحوثي، بشأن فتح الطرق الرئيسية في تعز ومحافظات أخرى، والتي استضافتها العاصمة الأردنية عمّان، دون تحقيق أي تقدم يذكر، بموجب اتفاق الهدنة، والتي دخلت حيز التنفيذ مطلع نيسان/أبريل الماضي، بسبب التعنت الحوثي، والذي يحاول فتح ممرًا فرعيًا، غير الطرق الرئيسية المعروفة، وفقا لرئيس الوفد الحكومي عبد الكريم شيبان.

وعلى الرغم من إعلان المبعوث الأممي، أمس الجمعة، انتهاء الجولة الأولى من المحادثات إلا أن عبد الكريم شيبان رئيس الوفد الحكومي، أكد استمرار المشاورات في العاصمة الأردنية عمّان، لرفع المعاناة عن أبناء تعز وفتح الخطوط الرسمية المعروفة.

وأوضح أن الوفد الحكومي تقدم برؤية كاملة للمبعوث الأممي، حول فتح الطرق الرئيسية التي تربط تعز ببقية محافظات البلاد. مشيرًا إلى أن الوفد لا يزال ينتظر حتى (مغرب السبت)، نتيجة الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي، لإقناع وفد الحوثيين بالموافقة عليها.

واعتبرت الحكومة اليمنية، أن استمرار تعنت مليشيات الحوثي في حصار مدينة تعز، يؤكد سعيها المستمر لتسييس القضايا الإنسانية والتكسب من معاناة المواطنين، كما جاء على لسان وزير الخارجية أحمد بن مبارك خلال لقائه، الأحد، القائم بأعمال السفارة الروسية لدى اليمن الدكتور يفغيني كودروف.

 

صعوبة التنقل ومشقّة السفر

أدى الحصار الخانق الذي تشهده مدينة تعز إلى تزايد المعاناة الإنسانية للمدينة إلى إغلاق طرق الإمداد، وإعاقة تدفق المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين، كما قيّد الحصار تنقل السكان ودفعهم إلى اتخاذ طرق بعيدة ووعرة وخطيرة تسببت بوفاة العشرات منهم في حوادث منفصلة خلال السنوات السبع الماضية.

في تعز، يحتضر سكان المدينة يومًا بعد أخر، يكابدون فيها مشقة الوصول إلى مقاصدهم، مهددين بالموت على طرقات تكاد تكون مخفيّة، طرق ابتكرتها ظروف الحصار الغاشم؛ لتحلّ محل الطرق الرئيسية التي أغلقت من قبل مليشيا الموت الحوثية، ومدافعها وقناصتها المنتشرة على شرقي المدينة وغربها، وجنوبها وشمالها.

كما يعيش السكان في مدينة تعز، منذ سبع سنوات أوضاعا انسانية بالغ الصعوبة، وفي مختلف المجالات، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل كبير؛ نتيجة ارتفاع تكاليف النقل لطول وخطورة الطرق، إضافة إلى نقص المياه الصالحة للشرب، وضعف مستوى الخدمات الطبية المقدمة للسكان، وصعوبة الحصول عليها، وخصوصًا لأصحاب الأمراض المزمنة الذين يسكنون في ريف المدينة، ويضطرون إلى قطع مسافات طويلة عبر طرق خطيرة للوصول إلى المدينة والحصول على العلاج.

وتفرض مليشيات الحوثي حصارًا خانقًا على طرقات ومداخل المدينة من كافة الجهات، باستثناء الجهة الجنوبية الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، وفيها يوجد الطريق الوحيد الذي يشكّل متنفسًا لسكان المدينة، رغم مخاطره. حيث يقع هذا الطريق في مرتفع جبلي يبلغ 3000 متر عن مستوى سطح البحر، وتوجد فيه منعطفات شديدة الخطورة. ويعد هذا الحصار جريمة حرب لا تسقط بالتقادم، وجريمة إرهابية ضد الإنسانية، وفقا للقوانين الدولية والإنسانية.

 

حراك شعبي واصطفاف وطني

ورفضًا لهذا الحصار، تشهد محافظة تعز حراكًا شعبيًا غير مسبوق للمطالبة بفك الحصار عن المدينة التي ترزح لحصار غاشم من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية لسبع سنوات خلَت؛ بالتزامن مع قرب انتهاء الهدنة الأممية المُعلنة في اليمن، والمزمع انتهاؤها مطلع يونيو القادم، ما لم يتم الاتفاق على تجديدها.

كما يأتي هذا الحراك في ظل اصطفاف وطني يجعل تعز اليوم "تحمل غصن الزيتون، وتمتلك درعًا وسيفًا، يحصّنها اصطفاف وطني غير مسبوق يتعاظم كل لحظة"، وفقا لمحافظها نبيل شمسان.

وتزامنًا مع هذا الحراك الشعبي، نفذ عدد من أبناء تعز عدة وقفات ومسيرات احتجاجية منددة باستمرار الحصار على المدينة من قبل مليشيا الحوثي، ومنددين بالتواطؤ الأممي مع هذا الحصار الغاشم، الذي يعد الأطول في التاريخ.

وعبر المحتجون عن أسفهم لتغاضي المجتمع الدولي والأمم المتحدة عن معاناة أبناء ونساء تعز طوال سبع سنوات وغض الطرف عن تلك الانتهاكات الجسيمة التي تزامنت مع الحصار المستمر. واستغرب المحتجون من تحويل ملف الحصار الى مجال للمقايضة والابتزاز وفرض شروط سياسية في جريمة لا تقل قبحا وشناعة عن الحصار الذي تمارسه على تعز منذ سبع سنوات.

وتواصلت الاحتجاجات المنددة بحصار مليشيا الحوثي لتعز في الداخل وحتى في الخارج. حيث نفذ عدد من النشطاء اليمنيين وقفة احتجاجية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، يوم الأحد الماضي؛ للمطالبة برفع الحصار الحوثي عن مدينة تعز.

وندد المحتجون، بالصمت الدولي إزاء الحصار المفروض على المدينة التي يقطنها أكثر من 4 ملايين نسمة، مطالبين بإجبار مليشيات الحوثي على فتح الطرقات الرئيسية ونزع الألغام التي زرعتها. مؤكدين أن هذا الحصار الحوثي على مدينة تعز تسبب بمقتل 365 طفلاً عبر القنص المباشر كما عمل الحوثيون على زراعة الألغام في معظم مناطق محافظة تعز وبسبب هذه الألغام فقد 1355 حياتهم وأصيب 8149 مدنياً.

 

الصلاة أمام المنافذ المغلقة

وقوبل هذا الصلف الحوثي بحملة استهجان واستنكار واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي منددين بالإصرار الحوثي على الاستمرار في اغلاق طرق تعز، ومفاقمة معاناة الملايين من سكان المدينة المحاصرة منذُ 2015، كما شهدت المدينة إقامة صلاة الجمعة في منافذ المدينة المحاضرة، تأكيدا على ضرورة فك الحصار عن المدينة دون قيد أو شرط.

وفي هذا الصدد، أدى أبناء مدينة تعز صلاة الجمعة، للأسبوع الثاني على التوالي، في منافذ متعددة للمدينة المغلقة من قبل سلطة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران منذُ سنوات؛ تنديدًا باستمرار الحصار المفروض على المدينة منذ سبع سنوات.

واستنكر خطباء الجمعة التي أقيمت في أربعة منافذ مغلقة باستمرار حصار مليشيات الحوثي للمدينة، ومحاولتها التهرب والمماطلة من فتح المنافذ التي نصت عليها بنود الهدنة الإنسانية المؤقتة. مشيرين إلى أن هدنة الأمم المتحدة المزمنة أوشكت على الانتهاء، بينما لا يزال الحصار مفروضًا على الملايين من سكان تعز، في حين حصلت الميليشيا على كل مطالبها التي نصت عليها الهدنة.

وطالب أبناء تعز عقب الصلاة منافذ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بالضغط على الميليشيا لرفع حصارها عن المدينة وفتح الطرق الرئيسية المعروفة من والى المدينة. كما طالبوا مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بتحمل مسؤولياتهم الوطنية والإنسانية تجاه أبناء تعز، والتوقف عن تقديم التنازلات للميليشيا.

 

توافق مبدأي.. هل سينجح؟

وبين التعنت الحوثي، والضغوط الشعبية والأممية، لإجبار مليشيا الحوثي على فتح الطرقات وفك الحصار عن مدينة تعز، تنفيذًا لبنود الهدنة الأممية المُعلنة، كشفت مصادر إعلامية عن توافق مبدأي بين وفدي الحكومة الشرعية والحوثيين لفتح المنفذ الشرقي للمدينة، "طريق الحوبان - جولة القصر" كمرحلة أولى.

ونقلت وكالة شينخوا الصينية نقلا عن مصادر سياسية يمنية مطلعة، أمس الأحد، قولها، إنه "سيتم توقيع الاتفاق بين وفدي الحكومة والحوثيين، يوم الأربعاء المقبل في العاصمة الأردنية عمّان؛ عقب زيارة المبعوث الأممي إلى عدن، ومسقط".

وفي الوقت الذي لم يصدر أي تعليق رسمي حول هذا الأمر حتى اللحظة، لكن المبعوث الأممي كان قد وصل بالأمس إلى عدن والتقى رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي، لبحث هذا الموضوع، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل حيال هذا المقترح.

وجاءت زيارة المبعوث الأممي، بعد يوم من إعلانه انتهاء المرحلة الأولى من المشاورات، دون تحقيق أي تقدم يذكر؛ بسبب التعنت الحوثي، الذي يرفض فتح الطرق الرئيسية، ويقترح فتح طريقًا فرعية، في محاولة للتهرب من فك الحصار على المدينة، وفق طلب الوفد الحكومي الذي يؤكد على ضرورة فتح الطرقات الرئيسية وفقا لما كانت عليه في 2015م.

 

مبادرات لم يكتب لها النجاح

خلال السنوات السبع الماضية، قُدمت عدة مبادرات محلية وأممية لإنهاء الحصار على مدينة تعز، الذي تصفه منظمات حقوقية بأنه الأطول في تاريخ العصر الحديث، لكن تلك المساعي باءت بالفشل؛ نتيجة التعنت الحوثي المستمر إزاء هذا الحصار الحوثي الغاشم.

وكان أول حضور سجّله ملف حصار تعز في المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة بين الحكومة والحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2015 خلال مشاورات استضافتها مدينة "بيل" السويسرية، لكنها انتهت بلا نتائج تذكر.

وفي أبريل/نيسان 2016 تشكلت لجان تفاوض فرعية في العديد من المحافظات انبثقت عما سمي بـ "اتفاق ظهران الجنوب" بالسعودية، بين الحكومة والحوثيين، من ضمنها لجنة تخص محافظة تعز كانت أبرمت اتفاقا مع الحوثيين بشأن فتح المنافذ؛ لكن الحوثيين عادوا ونكثوا بالاتفاق وشددوا الحصار على المدينة، وأطلقوا النار على اللجنة.

وخلال عامي (2018- 2019)، أُعلن عن تشكيل لجان محلية لإنهاء الحصار، ومبادرة تقدم بها الحوثيين؛ لكن في نهاية الأمر أخفقت تلك المساعي لاسيما وأن الحكومة كانت تتمسك بفتح كافة المنافذ المؤدية إلى مدينة تعز، فيما الطرف الآخر يشترط فتح منفذ واحد.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، وقعت الحكومة في العاصمة السويدية مع الحوثيين، اتفاق "ستوكهولم" الذي تضمن بنودًا إنسانية حيوية، بينها "تفاهمات" لفك الحصار عن تعز. واتفق الطرفان حينها برعاية أممية، على تشكيل لجنتين من الحكومة والحوثيين، مهمتها مناقشة آلية لحل الوضع الإنساني في تعز، وعودة الأوضاع إلى ما قبل الحصار؛ لكنه لم يتم إحراز أي تقدم بهذا الجانب.

وترفض ميليشيا الحوثي فتح طرق تعز الرئيسية، التي كانت مفتوحة قبل عام 2015 وهي طريق: (تعز- الحوبان- صنعاء، وطريق تعز- الحوبان- عدن، وطريق بير باشا- مصنع السمن والصابون- البرح- الحديدة، وطريق البرح -المخا، كمرحلة أولى).

 

لا سلام بدون فك حصار تعز

وفي الوقت الذي يجري الحديث عن تمديد الهدنة التي وصفها المبعوث الأممي بالتاريخية لشهرين إضافيين، تستمر حتى نهاية شهر ذي الحجة؛ إلا أن مراقبين قللّوا من أهمية الهدنة وسط استمرار حصار مدينة تعز، إذ لا معنى لهدنة او سلام بدون فك الحصار عن مدينة تعز.

وفي هذا الصدد، حذرت مجموعة الأزمات الدولية، من استمرار رفض ميليشيا الحوثي فتح الطرق الرئيسية الى المدينة المحاصرة منذُ سنوات، مشيرة الى أن ذلك قد يقوض إمكانية توسيع الهدنة الإنسانية في البلاد، التي أعلنتها الأمم المتحدة مطلع الشهر الماضي.

فيما اعتبر مراقبون، أن إصرار مليشيا الحوثي على حصار تعز هو نتيجة لشعورها بأن الحل العسكري لم يعد مطروحًا على طاولة خصومها كما أنه محصلة للتدليل الذي تلقاه من المجتمع الدولي ما يدفعها للإمعان في تعذيب المدنيين وتحويل حياتهم إلى جحيم.

ويؤكد استمرار حصار مليشيا الحوثي على تعز، حقيقة حقد العصابة الحوثية على اليمنيين واستعصاؤها على فكرة التعايش بحدّها الانساني المجرد من أي فلسفة حقيقة، وأنه عدو للسلام، لذلك لم ولن يقدم أي تنازلات لإنجاح العملية السياسية المرتقبة، والدليل اليوم رفضه فتح الطرقات من وإلى مدينة تعز واستمراره في حصارها.

وعزى مراقبون، سبب رفض مليشيا الحوثي رفع الحصار عن تعز، إلى خوفهم من أن فتح الطرق سيتسبب ذلك في سقوطهم عسكريًا، وهزيمتهم فيها، وهذا يؤكد أن ما يحصل لتعز منذ سبع سنوات، إنما هو حصار عسكري على المدينة للسيطرة عليها.

مؤكدين، أن أي تمديد للهدنة من الشرعية دون حلول حقيقية لفتح الطرق في تعز وعودة الأوضاع لما كانت عليه قبل ٢٠١٥، سيضع قيادة الشرعية في مواجهة أبناء تعز الذين يعانون الحصار للعام السابع على التوالي، وأنه لا حل الا بطرد مليشيا الحوثي من تعز ودعم الجيش لأجل ذلك.

 

محاولة حرف المسار

ومع استمرار الضغط الشعبي المطالب بفك الحصار عن المدينة، تسعى مليشيا الحوثي إلى محاولة حرف المسار عن هذه القضية، من خلال التعميم على أتباعها ببث مزاعم تتحدث عن اعتقالات للنساء في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.

كما تحاول حرف المسار عن هذه المعاناة التي باتت تتصدر اهتمام الرأي العام المحلي والدولي، إلى محاولة افتعال قضايا هامشية في محاولة منها للتنصل عن الالتزامات الملقاة عليها، خصوصًا بعد التنازلات الكبيرة التي قدمتها قيادة الشرعية، والتي أدى إلى مزيد من التعنت الحوثي.

حيث أكد رئيس الوفد الحكومي المفاوض في عمّان بشأن فك الحصار عن تعز، عبد الكريم شيبان، أنّ فتح ميناء الحديدة وتشغيل مطار صنعاء، قبل فتح طرق تعز ومنافذها، خطوتان دفعتا المليشيا الحوثية، إلى مزيدٍ من التعنّت حيال المدينة، بعد تلبية مطالب هذه المليشيا من الهدنة الأممية.

ومع كل المحاولات الحوثية المستمرة لحرف المسار عن هذه القضية الانسانية والوطنية؛ إلا أن محاولاتها ستبوء بالفشل كما فشلت في سابقاتها، وأن محاولاتها تلك، ستتحطم أمام وعي اليمنيين، الذين باتوا على إدراك تام، بأكاذيب المليشيا الانقلابية، وألاعيبها، وتنصلها المستمر في تنفيذ بنود الهدنة التي يفصل اليمنيين خمسة أيام على انتهاءها، ما لم يتم الإعلان عن تجديدها مرة أخرى.

كلمات دالّة

#اليمن