الجمعة 26-04-2024 00:54:04 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

منعت الاحتفال بها.. لماذا تعادي مليشيا الحوثيين الوحدة اليمنية؟

الأحد 29 مايو 2022 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد السلام الحاتمي

 

لم يكن إيقاف مليشيا الحوثيين الاحتفالات السنوية بذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في العاصمة صنعاء وغيرها من مناطق سيطرتها من الأمور العارضة التي خلفتها الحرب، وإنما يعكس ذلك حقيقة موقف المليشيا من الوحدة اليمنية والذي يأتي امتدادا لموقف الإمامة السلالية العنصرية التي قدِمت من نسلها مليشيا الحوثيين، والتي تعتقد أن وحدة البلاد تشكل خطرا عليها وعلى مشروعها السلالي العنصري الطائفي فيما يتعلق بمزاعم الحق المقدس في السلطة والثروات العامة، لكن المليشيا الحوثية السلالية لا تجاهر بالعداء للوحدة الوطنية أمام الرأي العام، وإنما تعمل على تكريس واقع انفصالي يصب في مصلحتها، كما كان يفعل أجدادها الأئمة الكهنوتيون السلاليون.

تتعامل مليشيا الحوثيين مع الوحدة اليمنية من زاوية مصالحها الخاصة، فهي مع استمرار الوحدة إذا كان بقدرتها السيطرة على جميع الأراضي اليمنية ونهب كل ثروات البلاد لصالحها، أما إذا كان يتعذر عليها ذلك فهي مع الانفصال إذا كان سيضمن لها استمرار سيطرتها على أجزاء من البلاد، بصرف النظر عن مقدار المساحة التي ستبقى تحت سيطرتها، فشراهة المليشيا للسلطة والثروة والتحكم برقاب المواطنين وإشباع شهوتها بالقمع والإرهاب، يجعلها على استعداد لإقامة سلطتها الخاصة ولو بقيت حتى محافظة واحدة تحت سيطرتها، وستتخذ منها فيما بعد منطلقا للتوسع وشن الحروب على مختلف مكونات المجتمع اليمني.

- خطورة الوحدة على المليشيا الحوثية

ترى مليشيا الحوثيين أن الوحدة اليمنية تشكل خطرا وجوديا عليها، لأنه ليس بإمكانها فرض سيطرتها على كل الجغرافيا اليمنية، كون نسبتها العددية إلى سكان البلاد لا تؤهلها لفرض سيطرتها الأمنية والعسكرية على كل أنحاء اليمن، وبنفس الوقت فإنها تشعر بالتقزم في ظل اليمن الكبير والموحد. وإذا حاولت السيطرة على كل محافظات البلاد فإنها ستدخل في عداوة مع جميع مكونات المجتمع اليمني، والتي سيدفعها ذلك إلى التوحد جميعا ضد المليشيا الحوثية، ولن يكون للمليشيا القدرة على مواجهتها جميعا.

كما أن النظام السياسي لليمن الكبير والموحد يحاصر الفكر السلالي للمليشيا واعتقادها بأن السلطة وثروات البلاد حق مقدس وحصري بها، كما أن فكرها السلالي وقلتها العددية وتكوينها المنغلق لا يؤهلها للانخراط في الحياة السياسية وفق القواعد المعروفة، ولا يؤهلها للمنافسة على السلطة حتى وإن أسست حزبا ليكون لافتة سياسية لتركيبتها السلالية العنصرية والطائفية، يضاف إلى ذلك أن سجل السلالة الإجرامي والإرهابي في اليمن جعلها منبوذة شعبيا، وستظل أمام محكمة التاريخ ويستحضر الشعب جرائمها وممارساتها الإرهابية إلى الأبد، ولم يشجعها وينضم إليها إلا الجهلة والمغفلون والمغرر بهم ومن تقدم لهم وعودا بالمناصب والأموال في حال قاتلوا إلى جانبها.

يضاف إلى ذلك أن المليشيا السلالية فرضت على نفسها حصارا اجتماعيا لدواعٍ عنصرية بحتة، فهي ترفض المصاهرة مع مكونات المجتمع اليمني، وهذا الحصار الاجتماعي الذي تفرضه على نفسها يزيد من عزلتها الاجتماعية والسياسية، فتتزايد صعوبات اندماجها في المجتمع اليمني والانخراط في الحياة السياسية وفق القواعد المعروفة، لذلك لم يبقَ أمامها سوى حلم إقامة دولة خاصة بها ولو على منطقة جغرافية محدودة، بعيدا عن اليمن الكبير والموحد، لذلك فهي ترى أنها المستفيد الأكبر من تجزئة اليمن، وتخيفها وحدة البلاد التي تشكل خطرا وجوديا عليها.

- الإمامة وجذور تشطير اليمن

في ذروة ذهاب كبار أعيان مشايخ القبائل اليمنية ومن يمكن وصفهم بقادة الرأي العام للمشاركة في حركة الفتوحات الإسلامية في شمالي أفريقيا والأندلس، قدم مؤسسو الإمامة السلالية العنصرية إلى مناطق شمال الشمال من اليمن، وغرروا على البسطاء بمزاعم النسب النبوي والتظاهر بالتقوى والصلاح، ثم ادعوا أن السلطة والثروة حق مقدس حصري بهم، وأقاموا دولتهم الخاصة في مناطق شمال الشمال. ورغم محاولاتهم التوسع فيما بعد، لكن كانت ترعبهم فكرة الوحدة اليمنية، ورفضوا دعوات تنادي بوحدة البلاد بعضها قدمها مشايخ وأعيان حضرموت وغيرها، وكل ذلك ناجم من مخاوف التقزم في ظل اليمن الكبير والموحد، والخوف من صعوبات فرض رؤية الإمامة للسلطة والثروة على جميع اليمنيين.

هذه التوجهات الانفصالية توجتها الإمامة السلالية العنصرية بتوقيع أخطر اتفاق لتكريس تجزئة اليمن ورسم الحدود بين شطريه، وهو الاتفاق الذي تم التوقيع عليه عام 1934 بين سلطات الاحتلال البريطاني في جنوبي اليمن من جهة، والإمام يحيى حميد الدين، مؤسس نظام الحكم السلالي الملكي في شمالي اليمن (1918-1962)، من جهة أخرى. وقد كرس ذلك الاتفاق التجزئة بين شطري اليمن، وشرعن الاحتلال البريطاني، ودمّر الامتدادات الطبيعية والديموغرافية والثقافية بين أبناء الشعب اليمني الواحد، وكان التوقيع على ذلك الاتفاق أكبر خطأ إستراتيجي ارتكبه نظام الحكم الإمامي السلالي بحق اليمنيين، كونه أول اتفاق يقسم اليمن إلى شطرين ويرسم الحدود بينهما.

وهكذا يتضح أن الإمامة السلالية العنصرية أول من رسم حدودا شطرية بين شمالي اليمن وجنوبه بالاتفاق مع الاحتلال البريطاني في جنوبي البلاد، ولو أنها رفضت ذلك الاتفاق واتجهت للتواصل مع الأحرار في جنوبي البلاد لما حدث انقسام البلاد إلى شطرين، لكن الإمامة السلالية فعلت ذلك متعمدة لتعفي نفسها من تبعات وحدة البلاد، والتي ستنعكس سلبا عليها، ليس لأنها غير قادرة على مواجهة الاحتلال البريطاني، ولكن لمخاوفها من أن تفقد احتكار السلطة في حال توحدت مختلف مكونات المجتمع اليمني ضدها، ولذلك فقد كانت -وما زالت- تفضل تجزئة اليمن، كون ذلك سيمكنها من السيطرة على مناطق جغرافية محدودة وحكمها بسهولة، وتجنب التحديات التي تشكلها الوحدة اليمنية عليها.

وخلال أزمة 1993 وحرب صيف 1994، كانت العناصر السلالية الطائفية، التي أسست فيما بعد جماعة الحوثيين الإرهابية، تتبنى خطابا مساندا للانفصال، لاعتقادها أن الانفصال سيُحيّد الجنوب عن الصراع، وهو ما سيمكنهم من القدرة على التمرد والانقلاب على الدولة في شمالي اليمن.

- دعم إيران لتجزئة اليمن

ترى إيران أن تفكك وتمزق دول المشرق العربي سيمكنها من اختراقها ومد نفوذها إليها، وهو ما فعلته منذ العام 2007 في جنوبي وشرقي اليمن، إثر ظهور حراك يطالب بالانفصال، حيث بدأت إيران بعملية الاستقطاب والتجنيد لمشروعها بكل أنواع الدعم والتمويل المالي والتدريبي والإعلامي وإنشاء قنوات فضائية ناطقة باسم الانفصال تبث من الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت (معقل حزب الله اللبناني/الإيراني).

كما دعمت بعض الفصائل الانفصالية بالمال والسلاح، وتدريب عناصرها على نشر الفوضى الأمنية لعرقلة جهود الاستقرار في الجنوب، لأن في ذلك إضعاف لليمن حكومة وشعبا وتشتيت جهود الدولة واستنزافها، وهو ما سيعطي قوة لمليشيا الحوثيين بحيث يكون من السهولة إحكام سيطرتها بعد ذلك على محافظات شمال الشمال تمهيدا للانقلاب على الدولة، وما زالت إستراتيجية إيران والحوثيين المعادية للوحدة اليمنية قائمة حتى اليوم، لأن الوحدة أكبر خطر وجودي على مشروع المد الفارسي في اليمن ومليشياته الحوثية.

كلمات دالّة

#اليمن