الخميس 28-03-2024 14:48:53 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

مع الصائمين.. قيم، مبادئ، دروس (5-5) منظومة التزكية وأثرها في بناء المجتمع

الأحد 24 إبريل-نيسان 2022 الساعة 01 صباحاً / الإصلاح نت - خاص | عبدالعزيز العسالي
 

 

مستهل:

- أول مقصد للقرآن بعد كلية التوحيد هو بناء المجتمع من خلال غرس منظومة القيم الشاملة.

- نصوص القرآن زاخرة بالأدلة الصريحة حول ارتباط منظومة القيم الإسلامية بجذور عقيدة التوحيد، وهذا يعني أن الإيمان بمنظومة القيم فريضة، وأن بناء المجتمع على أساس منظومة القيم الشاملة مقدم على الشعائر التعبدية.

القرآن المكي خير شاهد.

- بناء شبكة العلاقات الاجتماعية الركن الأبرز في قيام بناء المجتمع.

- العيش للمبادئ أعظم الآليات السننية في صناعة شبكة العلاقات الاجتماعية وحماية النسيج المجتمعي.

- الدوران حول الأشخاص هو الطريق السريع إلى تدمير شبكة العلاقات الاجتماعية، كما أنه إيذان بسقوط الدول (الأندلس نموذجا).

- جبال الكتب التي زخرت بها المكتبات -العامة والخاصة- لم تنفع أهل الأندلس في ظل غياب المبادئ وحضور الشخصانية. (مالك بن نبي رحمه الله).

- إذا رأيت المجتمع يدور حول الأشخاص فاعلم أن المجتمع دخل في موت سريري. (د. ماجد عرسان الكيلاني، رحمه الله).

- يقاس نجاح الفكرة أو المشروع بتقييم ثماره. (مفهوم تنموي إداري).

وعليه، نجد أننا أمام عدد من التساؤلات في غاية الأهمية وهي:
- لماذا فشل الوعظ الإسلامي في صناعة القيم؟
- ما هي أسباب الفشل؟
هل الأسباب عقدية أو مقاصدية، أم أسباب متصلة بالجزئيات؟
- هل أسباب الفشل أحادية أم منظومية؟
- معالجة أسباب الفشل: من أين تبدأ وكيف؟

سنقوم بالإجابة على التساؤلات الآنفة في السطور التالية:

أولا، تشخيص المشكلة:

1- في آخر إحصائية قبل نصف عقد من الزمن بلغ عدد المساجد في العالم الإسلامي مليون مسجد.

2- تكاثرت أساليب الوعظ والتوجيه عبر عشرات الوسائط الإعلامية فضلا عن المحاضرات - توجيها وإرشاداً.

والنتيجة كانت سقوطا مرعبا لمنظومة القيم في أغلب الأحوال.. تمثل السقوط القيمي في:
1- سحق الإنسان جماعيا بالأسلحة المحرمة دوليا.
2- سحق لكرامة الإنسان وعرضه وماله وتهجيرا جماعيا واعتقالات وتدميرا للمنازل.
3- إفساد للأوطان وتدمير مقدراتها.
4- حضور الاستبداد والفجور السياسي والتسيد والعنصرية والعصابات الشلليية... إلخ صور الشتات الدال على تدمير النسيج المجتمعي.

باختصار، لقد فشل الوعظ الديني في حماية منظومة القيم.

ثانيا، أبرز أسباب الفشل:

الفصل النظري التام بين العقيدة ومنظومة القيم وذلك على النحو التالي:

1- فصل منظومة القيم الكونية وقيم التزكية الخلقية عن أركان الإيمان - العقيدة.. هذا هو السبب المحوري المركزي وبقية الأسباب متفرعة عنه.

2- فصل منظومة القيم عن مقاصدها وحكمتها الشرعية ومآلاتها الهادفة إلى بناء المجتمع وحمايته.

3- فصل منظومة القيم عن عقوباتها التي نص عليها القرآن والسنة الصحيحة دنيا وأخرى.

4- الفصل بين العقيدة والسنن الحاكمة للاجتماع.

ثالثا، الفصل السلوكي:

1- اهتزاز الخطاب الوعظي الداعي إلى التزام منظومة القيم كونه يفتقر إلى معايير عقدية ومقاصدية توضح بجلاء مكانة القيم وخطورة مخالفتها عقديا وآثارها على المجتمع والعقوبات التي تخلد المخالف في نار جهنم، وهذا الاهتزاز تولّد عنه أمر أخطر وهو:

2- تقزيم منظومة القيم في الذهنية المجتمعية.

3- ظهر الوعظ حول منظومة القيم ممجوجا في الأسماع بل وصمه بأنه كلام مكرور مملول.

4- ترسخ في الأذهان أن الالتزام بمنظومة القيم عمل ترفي، وأن التزام منظومة السنن الحامية للاجتماع فكرة علمانية مخالفه للدين كله.

5- تضخم الوعظ حول فضائل الأعمال إلى درجة يرفضها الدين والشرع والعقل السليم، فالذي يقوم ليلة القدر فقط يغفر له ما تقدم من ذنبه، والذي يقوم رمضان يغفر له ما تقدم من ذنبه وكذلك من يصوم رمضان.

ومن صام يوم عاشوراء غفر له ذنوب عام، ومن صام يوم عرفة يغفر له ذنوب عام مضى وعام قادم.

ومن يقول سبحان الله وبحمده مئة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت كزبد البحر، ومن عمل حسنة في أيام عشر ذي الحجة يحوز من الفضل ما لا يحوزه المجاهد في سبيل الله، إلا مجاهدا خرج بنفسه وخيله ولم يعد من ذلك بشيء.

6- شفاعة الرسول: لا يخلو خطاب وعظي من الحديث عن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، وهذا كلام مجافٍ للخطاب القرآني القائل:
- "ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره".
- "وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها".
- "وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون".

7- العقل الوعظي والفقهي لم يكلف نفسه عناء التساؤل ولو مرة عن أسباب فشل الوعظ، بل لم يقدم سؤالا واحدا تجاه الذات عن سبب تدخل السماء في شؤون الأرض، أو ما علاقة العبادة بالحضارة؟

8- إغفال منظومة القيم:
في ظل الصراع العلماني الإسلامي برز مفهوم تحريضي خلاصته الإسلام عقيدة وشريعة، فترسخ في الأذهان أن العقيدة هي أركان الإيمان النظرية والشريعة هي فقه الشعائر ومعاملة عقد الزواج وما شابه ذلك، هذا المفهوم همش منظومة القيم وأصبحت منظومة القيم أبعد عن العقيدة ومنفصلة عن حكمتها ومقاصدها الشرعية الحامية للاجتماع، وغابت العقوبات عن الذهنية المجتمعية.

10- ظل العقل الوعظي راسفا في غيبوبته الحضارية، ولم يكلف نفسه بسؤال مفاده: لماذا كان القرآن المكي زاخرا بالحديث عن منظومة القيم ولا عن الهدف منها ولا عن فائدتها اجتماعيا ولا ولا.

النتيجة الكلية:
دمار لإنسانية الإنسان وتخلف حضاري شامل مصحوب بفخر كاذب وغرور فاضح بأن أمة الإسلام تمتلك تشريعا مقدسا كفيل بحل مشاكل الدنيا كلها.

وأسوأ مما سبق أن العقل الوعظي قاد الأمة إلى قطع ما أمر الله به أن يوصل في الوقت الذي يظن أنه قد قام بالواجب الديني وزيادة.

رابعا، التأصيل العقدي للقيم:

الحل المنشود لهذه المعضلة المزمنة والتي لم تستثن أحدا إلا من رحم الله.. يكمن الحل في:
1- إعادة التأصيل العقدي لمنظومة القيم وربطها بأصول العقيدة وتعزيز التأصيل بمئات الأدلة الصريحة في القرآن.

2- ربط منظومة القيم بحكمتها الشرعية وتعليم المجتمع بمقاصد منظومة القيم وحمايتها لحقوق الإنسان وكرامة الشعوب.

3- ربط منظومة القيم بركن الإيمان باليوم الآخر وتعزيز ذلك بالأدلة الزاخرة الصريحة حول عقوبات إهمال منظومة القيم دنيا وأخرى.

4- ضرورة إدخال التأصيل الآنف في المناهج التعليمية وحلقات الفقه الشرعي ومقررات الثقافة الإسلامية.

5- العمل على تبسيط منظومة القيم الكونية والخلقية وآثارها، وتحويلها إلى ثقافة عامة لدى المجتمع.

خامسا، أدلة التأصيل العقدي للقيم:
دل القرآن على الارتباط الوثيق بين العقيدة والقيم..
1- قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب كل مختال فخور" (النساء، 36).

2- قال تعالى: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيين وآتى على حبه ذوي القربى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون" (البقرة، 177).

3- قال تعالى: "لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا • وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا..." إلخ الآية. النص طويل بدأ من الآية 22 وانتهى عند الآية 39 من سورة الإسراء، ابتدأ النص آمرا بعبادة الله وحده وانتهى آمرا بعبادة الله وحده، وتضمن النص بين المطلع والنهاية منظومة من القيم الخلقية والقيم السننية الحاكمة للاجتماع بلغت 16 قيمة.

بدأ المقطع بجملة ترهيب سننية - إذا تركت القيم ستقعد مذموما مخذولا.
القعود هنا يحمل دلالات
التخلف المزري والشتات.

انتهى المقطع بوعيد شديد: "ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا".

النصوص الآنفة دلت بوضوح على:
- الارتباط بين العقيدة والقيم.
- أن القيم هي أمر الله ومراده.

- الترهيب من الوقوع تحت طائلة انتقام السنن الكونية والخلقية المتعدد الأوجه - كالتخلف والدمار الاجتماعي... إلخ.

- الوعيد الشديد على من خالف العقيدة أو خالف منظومة القيم: "فتلقى في جهنم ملوما مدحورا".

- أن منظومة القيم هي أمر الله وقضاؤه الكوني ومراده وحكمته كما هو أمره بالتوحيد.

- أن الإيمان بمنظومة القيم هو جزء من الايمان بالله والرسول والقرآن.

- أن مكانة منظومة القيم تأتي بعد العقيدة مباشرة ومقدمة على الشريعة.

- أن بناء المجتمع يقوم على القيم، كما أن بناء المجتمع على القيم يتقدم الشعائر التعبدية.

- أن المشروع الكلي الإسلامي تضمنه القرآن.

4- قال تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء..." (النحل، 90). وقد تضمن المقطع عددا من القيم أمرا ونهيا، والمقصود هنا هو بناء المجتمع أساسه منظومة القيم وأن هذا هو أمر الله ونهيه.

5- قال تعالى: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا" الآية 63 إلخ قوله: "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" (الفرقان، 74).

جاء النص بصيغة خبرية تضمنت صفات عباد الرحمن المؤمنين بأنهم:
- متواضعون، وهذه قيمة نادرة لأن غير المؤمنين صفتهم الاستكبار في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

تضمن النص قيم حماية الاجتماع وصيانة النسيج المجتمعي.
- وردت بعض صفة الشعائر التعبدية - السجود بطريقة الإشارة.

سادسا، منظومة القيم الكونية:
الرحمة، الكرامة، الحرية، العدل، المساواة، القيام بالقسط، الإحسان بمعناه الحضاري المتضمن كتلة من القيم الحامية للنسيج المجتمعي الضامنة بالنهوض الحضاري، فمنظومة قيمة الإحسان في القرآن هي: الجودة، الكمال، الجمال، الإتقان، النظام، التزام النظام.

سابعا، التزكية الخلقية:
القيام بالقسط بين أعضاء المجتمع، البر، الصلة، الإحسان، التعاون على البر، مناصرة الحق، محاصرة الظلم، العفو، الصفح، حب الخير، نشر ثقافة السلام، ترسيخ الهدوء والسكينة في المجتمع، الحلم، الأخوة، التعارف، الأمانة، العفة، المودة، الجوار، الكرم، الإنفاق، عدم التجسس، الصدق، القناعة، المواساة، التهنئة، عدم الغش، التواصي بالحق والصبر، حماية وحدة المجتمع، التواضع، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، ترك الحسد، نشر العلم والوعي، وربط كل قيم التزكية بحكمتها الشرعية السننية عقيدة وسلوكا وحماية للمجتمع واستحضارا للثواب والعقاب الأخروي، إلى غير ذلك من القيم الإيجابية المولودة في مواجهة الأحداث والمستجدات.

كلمات دالّة

#اليمن