الجمعة 29-03-2024 17:09:31 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المتمردون الحوثيون بين تدمير مكتسبات الجمهورية وتفخيخ مستقبلها

الأحد 27 مارس - آذار 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص | صادق عبد المعين

 


لم يكن انقلاب 21 سبتمبر 2014 المشؤوم سوى انفجار قنبلة موقوتة ضاعفت شحنتها وشظاياها تراكمات عقود طويلة واستعدادات جرت على قدم وساق ونوايا سيئة ترعرعت مع تقلبات الأيام والظروف التي رافقتها، وترتيبات محكمة لتلك اللحظة الفارقة من قبل أعداء الجمهورية وخصومها ومن تحالف معهم، من أجل إعادة العهد الإمامي الكهنوتي البغيض، دون أي اعتبار للنتائج التي خلفها ذلك الانقلاب الذي توزعت شظاياه لتطال كل شيء أنجزته ثورة 26 سبتمبر 1962.

وأد الحلم

وفي الوقت الذي كانت فيه اليمن على موعد مع عرس وطني ومرحلة تاريخية فاصلة، ورسم ملامح الدولة المدنية، وإرساء قواعدها من خلال الرؤية المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني الذي ضم مختلف مكونات المجتمع المدني والذي أفرزته ثورة الشباب السلمية التي انطلقت في 11 فبراير 2011 معلنة ميلاد فجر مشرق وعهد جديد متمثل في إرساء دولة النظام والقانون التي تضمن المواطنة المتساوية وتكفل الحقوق لرعاياها، وبعد أن تنفس الشعب اليمني الصعداء، أطل شبح الإمامة من جديد، وتصاعدت سحابة عهدها الغابر في محاولة منها لحجب شمس الثورة وتعكير صفو صباحها من خلال التمرد الذي قادته جماعة الحوثي الانقلابية في 21 سبتمبر 2014 الذي أوقع اليمن في هاوية بات من الصعوبة التعافي منها على المدى القريب.

وقد تسبب الحوثيون عبر ممثليهم في مؤتمر الحوار الوطني في إحداث المزيد من الفوضى التي رافقت جلساته منذ بداية انعقادها، بين احتجاجات غير مبررة، والتسبب في تعليق بعض الجلسات، وإلغاء بعضها، ومقاطعة البعض الآخر، ومطالبة الأعضاء بمغادرة الجلسات، ووضع شروط تعجيزية وغير منطقية لاستمرار الحوار، وممارسة سلوكيات غير حضارية في قاعة المؤتمر، في استهداف واضح ومباشر للتوافق الذي قام عليه مؤتمر الحوار الوطني، ورفض الانتقال من المرحلة الانتقالية إلى المرحلة الدستورية والشرعية، والسعي إلى إجراء الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في فبراير من العام 2014، وفقا لما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وبمخالفة القرار الجمهوري الذي انطلق الحوار على أساسه، قبل أن يتمكن الحوثيون من إفشال الحوار وعرقلة وإفشال المسار السياسي وتقويض مشروع الدولة المدنية بشكلها الفيدرالي ودستورها الجديد.

تمرد قصم ظهر اليمن

إعلان الحوثيين تمردهم وانقلابهم على الحكومة الشرعية وشن عملياتهم العسكرية ضد الجيش الوطني واجتياحهم لمناطق واسعة من البلاد وإجراء مناورتهم العسكرية على الحدود السعودية أدى إلى إغراق اليمن في دوامة حرب أهلية غير مسبوقة كلفت اليمن ثمنا باهظا، لتدخل اليمن ضمن أسوأ دول العالم مأساة ومعاناة، إذ صنفت تقارير أممية الأزمة اليمنية بأنها أكبر أزمة إنسانية في العالم، بينما صنفت تقارير أممية أخرى اليمن كرابع أكبر دولة على مستوى العالم من حيث أعداد النازحين داخليًّا، بعد سوريا وكولومبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إذ بلغت أعداد النازحين أكثر من 4 ملايين نازح، إلى جانب ما تسببت به الحرب من دمار هائل في البنية التحتية وفقدان الكثير من المواطنين لوظائفهم وأعمالهم وانقطاع الرواتب وارتفاع الأسعار رتدهور العملة وتوقف عجلة الاقتصاد.

ويقول تقرير صادر عن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" بأن الحرب الدائرة في اليمن تسببت في تراجع التنمية البشرية بمقدار عشرين عاما، وخلف هذا الصراع المتواصل منذ 2014 عواقب مدمرة منها مصرع نحو 250 ألف شخص سواء بسبب الحرب بشكل مباشر، أو لانعدام الرعاية الصحية وشح الغذاء، مضيفا أنها "ستكون له (الصراع) آثار سلبية واسعة النطاق تجعله من بين أكثر النزاعات تدميرا منذ نهاية الحرب الباردة".
ويؤكد الممثل المقيم للبرنامج الإنمائي في اليمن "أوك لوتسما" أنه "لو تحقق السلام غدا فقد يستغرق الأمر عقودا حتى يعود اليمن إلى مستويات التنمية ما قبل الصراع، هذه خسارة كبيرة للشعب اليمني"

غير أن دراسة أعدها فريق من الباحثين من جامعة دنفر في الولايات المتحدة الأمريكية، تناولت بالبحث انعكاسات الصراع في اليمن على مسار تحقيق أولويات التنمية التي اعتمدتها الدول الأعضاء في خطة 2030 للتنمية المستدامة، توقعت هذه الدراسة أنه إذا ما انتهى الصراع خلال عام 2019، سيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 88,8 مليار دولار، ويعني ذلك انخفاضا قدره 2000 دولار في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، أما إذا ما انتهت الحرب عام 2022، فسيبلغ معدل التراجع في مكاسب التنمية حوالي 26 عاما، أي ما يقارب جيلا بأكمله، وإذا ما استمرت الحرب حتى عام 2030 فسيتزايد معدل النكوص إلى أربعة عقود. 
وإذا استمر الصراع حتى عام 2030 وفقا لتوقعات الدراسة أن يعيش 71% من السكان في فقر مدقع، فيما سيعاني 84% منهم من سوء التغذية، وسيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 657 مليار دولار، أي فقدان 4,600 دولار من نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي. 

توزيع الإرهاب

ومع ما تعانيه المناطق الجنوبية من اليمن من حساسية مفرطة جراء الآثار التي خلفتها حرب صيف 1994 وما نتج عن ذلك من ملفات وقضايا حقوقية أهملت وتم التسويف في البت فيها من قبل النظام السابق، وظهور أصوات مناوئة للوحدة وبروز حركات انفصالية تدعوا إلى تشطير اليمن وتجزئة البلاد، وظهور النزعة المناطقية لدى بعض ممن صودرت حقوقهم، يأتي اجتياح مليشيا الحوثي لمناطق جنوب اليمن وما رافقه من إجرام وعدوان وحشي ضد أبناء تلك المناطق خصوصا أبناء العاصمة الاقتصادية عدن، ليزيد الطين بلة ويصب الزيت على النار ويعزز تلك النزعة، ويحولها إلى قناعة لدى البعض منهم، خصوصا مع ما رافق تلك العمليات العسكرية من سياسة وتعامل عنصري من قبل المليشيا الحوثية الإجرامية

ووفقا لتقرير صادر في وقت سابق عن فريق الخبراء الدوليين المعني بالشأن اليمني فإن ميليشيا الحوثي ارتكبت في يوم واحد مجزرة مروعة بحق المدنيين أثناء العمليات العسكرية التي شنتها في محافظة عدن، في العام 2015 ، حيث قتلت 107 مدنيين بينهم 32 امرأة و29 طفلاً، مشيراً إلى أن عدد المصابين في هذا الهجوم الدموي للميليشيات الحوثية على مناطق مدنية في مديرية دار سعد بعدن بلغ 198 مدنياً، بينهم 42 امرأة و28 طفلاً، فضلاً عن تدمير 14 منزلا بشكل كامل.

ويشير التقرير إلى جرائم أخرى ارتكبتها ميليشيات الحوثي في عدن ترقى إلى جرائم حرب، منها منع عشرات المرضى من الوصول إلى المستشفيات ما تسبب بوفاة العشرات بينهم النساء وكبار السن، نتيجة عدم حصولهم على الخدمات الطبية.
ويضيف التقرير أن الحوثيين قاموا بتصفية وإعدام عشرات المرضى والجرحى بعد سيطرتهم على المستشفيات في عدن وتحويلها إلى مواقع عسكرية.
ويقدر ناشطون ومنظمات حقوقية أن الحوثيين تسببوا بمقتل قرابة (5801) مدنيا، بينهم ( 372) طفلا و(337 )امرأة و( 105) مسن، وتتحمل قوات الحوثي وحلفائها المسؤولية عن إصابة عدد (26105) حالة بينها (586) طفلا و( 614 ) امرأة و(281) مدنيا اغلبهم من المسنين.
وبحسب مدير مكتب الأشغال العامة في عدن "ياسر الصراري" فإن فريق حصر الأضرار وثق تضرر (1090) منزلا في عدن نتيجة الحرب منها (645) منزلا غير الصالحة للسكن في المدينة.

واقع عنصري

وقد أدى انقلاب جماعة الحوثي واستيلاء مليشياتها على السلطة وبسط نفوذها على مناطق واسعة من اليمن إلى إبراز ظواهر فكرية دخيلة وخلق واقع اجتماعي جديد وإعادة إحياء النزعة العنصرية بأبشع صورها والنفخ فيها مجددا بعد أن كانت قد تلاشت عقب ثورة 26 سبتمبر 1962 التي اندلعت ضد حكم الإمامة والذي بسط سيطرته على شمال اليمن قرابة 40 عاما، لتأتي الإمامة مجددا بثوبها العصري للشروع في الفرز الطائفي في المجتمع، وتأكيدها من خلال ممارستها كسلطة أمر واقع المضي في التأسيس لمشروع الفصل العنصري الذي ابتليت به جنوب افريقيا عقودا من الزمان.
هذا الفرز الطبقي والتمييز العنصري بين أبناء الوطن الواحد على أساس سلالي والذي سعت جماعة الحوثي إلى إحلاله في المجتمع وفرضه على المجتمع، قوبل بردات فعل مشابهة تم إشهارها والدعوة إليها مؤخرا تمثلت بحركة "الأقيال" والتي يرى أفرادها ومنظروها بأفضلية الحميريين على غيرهم من أبناء اليمن بمن فيهم الهاشميين، ويرون ضمن أدبياتهم لزوم طرد هذه الأسر كسلالة والتخلص من كل من ينتمي إليها كان سلاليا أو لم يكن سواء بسواء.

الطائفية على حصان طروادة

وبعد أن شهدت اليمن فترة من الزمن استقرار مجتمعيا إلى حد كبير وخلوها من الطائفية وتعايشا فكريا متباينا، فقد أطلت الطائفية برأسها في اليمن مؤذنة بعهد جديد يسعى إلى الإقصاء وشرعنة العنف وتمزيق النسيج الاجتماعي، والقضاء على مفهوم المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون، وتقويض الأمن والسلم الوطني والدولي في اليمن والتأسيس لحروب وتصفيات طائفية، إذ غدا ذلك واضحا من خلال أطروحات جماعة الحوثي وممارساتها واحتفالاتها ومناسباتها الدينية الدخيلة على المجتمع، وهذا ما سعى إليه نظام الملالي في إيران منذ عقود من خلال إنشاء كيانات قوية مساندة له في المنطقة، على شاكلة حزب اللـه في لبنان، والجماعات الشيعية في العراق، لتأجيج تلك الكيانات والطوائف الشيعية على المجتمعات والحكومات في المنطقة وفرض إملاءاتها وشروطها كأوراق ضغط للتفاوض من خلالها وتحريكها وفق آليات معينة، حيث عمل الحوثيون على نسخ المظاهر الإيرانية ذات الطابعين الديني والسياسي، ليصنعوا من أنفسهم حصان طروادة لنفوذ النظام في إيران.

من المهد إلى اللحد

وعلى الرغم من حداثة عهد الديمقراطية في اليمن وتجربتها الوليدة ومسيرتها المتعثرة منذ إعلان التعددية السياسية في 22 مايو 1990، وهو التاريخ الذي أعلنت فيه اليمن التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، وانطلاق ثورة الشباب السلمية في 11 فبراير 2011 لتصحيح المسار الديمقراطي وترسيخ قواعد الديمقرلطية في اليمن، فإن التمرد المسلح لجماعة الحوثي المدعومة من إيران، واستيلائها على السلطة وسيطرتها على العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية عدة، قد قضى على العملية السياسية وأجهض التجربة الديمقراطية وانقلب عليها ساعة الانقلاب على السلطة، سعيا لإعادة إنتاج النموذج الثيوقراطي الذي نبذه العالم المعاصر، من خلال ترسيخ مفهوم الولاية الدينية والسياسية في العائلة الحوثية، ليعود بذلك عصر الإمامة الكهنوتية ونظام الفصل العنصري، إذ يأتي هذا بعد أن أكملت البلاد إجراء انتخابات ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها وفى الوقت الذي كانت اليمن قد تأهلت للالتحاق بعضوية مجلس التعاون الخليجى وانعقاد مؤتمر الدول المانحة فى لندن.

اليمن في الخارج

تعطيل الحوثيين للعملية السياسية والقضاء على التجربة الديمقراطية، لم تكن هي الصدمة الوحيدة التي أصابت اليمنيين بالإحباط، فقد رافق ذلك تدهور مريع للعملية التعليمية ، باستهدافها الممنهج طيلة ثمانية أعوام ماضية لقطاع التعليم في العاصمة صنعاء وبقية مناطق سيطرتها، وارتكابها لجرائم بحق التعليم تنوعت بين الفصل التعسفي من الوظيفة العامة، وعمليات استهداف وقمع وتنكيل وفساد، وارتفاع لوتيرة الرشوة وازدياد معدل الغش إضافة إلى إدراج الجماعة أخيرا لتعديلات طائفية على ما تبقى من مناهج التعليم.
هذه الممارسات الممنهجة من قبل الجماعة الانقلابية كانت كفيلة بنقل اليمن إلى مربع الدول الأسوأ تعليما في العالم، فقد أعلن تقرير دولي خروج اليمن من دائرة التصنيف في مؤشر دافوس لجودة التعليم العالمي للعام الماضي 2021، لغياب معايير الجودة في التعليم.

كلمات دالّة

#اليمن