الجمعة 19-04-2024 15:26:27 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

دوافع إرهابية.. لماذا تعادي المليشيات الدولة والأحزاب السياسية؟

الإثنين 31 يناير-كانون الثاني 2022 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبدالسلام الحاتمي

 

تعد تهمة ممارسة الإرهاب أو دعمه في اليمن من أسهل التهم تداولا في التناولات السياسية والإعلامية، خصوصا على ألسن قيادات المليشيات الانقلابية على الدولة بمختلف توجهاتها وخلفياتها العنصرية سواء الطائفية السلالية أو المناطقية، وصار توزيع تلك التهم من قيادات المليشيات مثيرا للسخرية وتستهجنه الأوساط الشعبية، ومن الصعوبة تمريره على دول الجوار أو المجتمع الدولي، كون ذلك صادر من مليشيات مرفوضة شعبيا ولا تتمتع بأي صفة قانونية، ولمعرفة الجميع بأن تلك التهم تعكس ما يمكن وصفه بـ"العجز السياسي" لدى أصحابها، وبالتالي فلا أحد يأخذ بتلك التهم، وليست ذات تأثير في أوساط الرأي العام.

كما أن تلك التهم ليس لها أي تأثير في أوساط المجتمع الدولي، نظرا لأن الجميع يدركون تماما ما هو الإرهاب، وما هي مواصفات الجماعات الإرهابية، فالإرهاب الحقيقي هو الاغتيالات وسفك دماء المدنيين الأبرياء من أكاديميين وعلماء دين ودعاة وناشطين حقوقيين وإعلاميين وقيادات سياسية وغيرهم، وإنشاء سجون سرية تُمارس فيها كل صنوف التعذيب بحق الأبرياء المعتقلين، وبالتالي فإنه من المثير للسخرية أن يلصق الإرهابي تهمة الإرهاب بضحيته، فالإرهابي الحقيقي هو القاتل وليس المقتول ظلما وعدوانا.

- المليشيات تحت المجهر

يتعامل المجتمع الدولي بشكل عام مع أي مليشيات خارجة على سلطة الدولة أو تتخذ من السلاح وسيلة لفرض سيطرتها بأنها مليشيات إرهابية، وهو ما نلاحظه في التصنيفات التي طالت تنظيمي القاعدة وداعش والمليشيات الطائفية الموالية لإيران في العراق ولبنان وسوريا وأخيرا اليمن، ذلك أن المليشيات متشابهة تماما مع بعضها من حيث سعيها لتحقيق أهدافها من خلال القتل وسفك الدماء والانقلاب على سلطات الدول ومحاولة خلق وضع شاذ تغيب فيه الدولة وتفرض المليشيا حكمها كأمر واقع، وتتخذ من العنف والقمع وسيلة لتكريس هيمنتها وقمع معارضيها، وتنشئ السجون والمعتقلات وتنهب الممتلكات العامة والخاصة ولا تؤدي أي وظيفة من وظائف الدولة مثل صرف رواتب الموظفين وتوفير الخدمات العامة كالتعليم والماء والكهرباء ورصف الطرقات وحفظ الأمن وغير ذلك.

وإذا كانت بعض الأنظمة العربية الحاكمة قد اتخذت من تهمة "الإرهاب" ضد معارضيها وسيلة لإسكاتهم أو لتبرير قمعها لهم، غير أن اليمن تبدو -في هذه المرحلة تحديدا- كحالة استثنائية وغرائبية، كون المليشيات الانقلابية والخارجة على الدولة تتهم كبار مسؤولي الدولة وبعض الأحزاب السياسية بدعم الإرهاب أو تبنيه، وكانت البداية من مليشيا الحوثيين الإرهابية التي تصف جميع خصومها ومناهضيها بأنهم "دواعش"، رغم أنه سبق أن صنفتها عدد من الدول العربية منظمة إرهابية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرس إعادة تصنيفها منظمة إرهابية، ومع ذلك ما زال الخطاب الإعلامي لتلك المليشيا يصف خصومها من كل مكونات المجتمع اليمني بأنهم "دواعش"، ثم لحقتها مليشيات انقلابية أخرى تصف بعض كبار مسؤولي الدولة وبعض الأحزاب السياسية بأنهم يتبنون أو يدعمون أو يمارسون الإرهاب.

وتثير تلك الاتهامات السخرية لسببين رئيسيين: الأول، أن فكرة الأحزاب السياسية تمثل عصارة الفكر السياسي المعاصر، وبالتالي فهي النقيض الموضوعي للجماعات الإرهابية. والثاني، أن المليشيات الانقلابية العنيفة ذات الطابع البدائي القروي والمناطقي والطائفي والسلالي، يتطابق فكرها ونظرتها للدولة ووظائفها مع فكر المنظمات والجماعات الإرهابية، بدليل عدائها للأحزاب السياسية ولحقوق المواطنة المتساوية ومناهضتها للدولة والانقلاب عليها، وبالتالي كيف يستقيم أن توزع تلك المليشيات تهم الإرهاب على أحزاب سياسية مدنية ديمقراطية رغم المسافة الفكرية الطويلة بين الطرفين.

- عداء المليشيات للدولة والأحزاب

في الحالة الطبيعية للدول، فإنه لا مكان للمليشيات، فهي في كل الأحوال تعد خارجة على القانون باعتبارها حالات شاذة، ولا توجد أي قوانين في أي دولة بالعالم تشرعن وجود تلك المليشيات أو تمنحها صفات قانونية حتى وإن كانت بذريعة الاعتراف بها كممثل عن أحد مكونات الدولة، بما ذلك الدول ذات التعقيدات الإثنية والعرقية وتعدد الهويات الثقافية والدينية، لأن المليشيات ليست سوى أدوات لتفخيخ المجتمعات بالقتل وإثارة الفوضى الأمنية وإثارة العصبيات البدائية، وهي أيضا وسائل وأذرع للتدخل الأجنبي لنخر الدول من داخلها وتفكيك المجتمعات.

ولذلك نجد أنه مع ظهور الدولة الحديثة فإن أول عمل كانت تقوم به الدول هو أن تبسط سيطرتها على كامل ترابها وتقضي على أي مجموعات مسلحة تحاول أن تبقى ككيان يعمل خارج أدوات الدولة، كما أنه بعد طرد المحتل الأجنبي -في حال الدول التي كانت محتلة- فإنها تحرص على دمج كل المجموعات الثورية التي شاركت في الثورة والحرب ضد الاحتلال لتكون جميعها ضمن تشكيلات قوات الجيش والأمن بعد إعادة هيكلتها، لأنه لا تستقيم فكرة الدولة ويتحقق الأمن والاستقرار في ظل مجموعات مسلحة أو مليشيات عنصرية ذات ارتباطات خارجية أو أهداف مشبوهة.

وتمثل المليشيات الإرهابية امتدادا للأساليب البدائية غير المشروعة التي تسلكها للوصول إلى الحكم القائمة على الانقلابات والإخضاع والسخرة، حيث تتخذ من العصبيات البدائية المكبوتة وقوة السلاح وسيلة وحيدة للاستيلاء على السلطة وترسيخ حكم متخلف تؤول بموجبه الممتلكات العامة والخاصة لصالح القيادات العليا لتلك المليشيات، وجعل العنف والإرهاب وسفك الدماء وسائل وحيدة لفرض هيمنتها، وما على الآخرين سوى الإذعان لتلك المليشيات وخدمتها والقتال في صفوفها وإلا فهم تحت الخطر.

وتتعامل المليشيات الإرهابية مع الحكومات والجيوش النظامية والأحزاب السياسية كأعداء رئيسيين لها، لأنه لا توجد أي قواسم مشتركة بين المليشيات من جهة، والأحزاب السياسية والحكومات الحديثة من جهة أخرى، خصوصا أن أدوات ووسائل المليشيات الإرهابية للسيطرة على السلطة بقوة السلاح تختلف جذريا عن الأدوات والوسائل العصرية التي تسلكها الأحزاب السياسية وتقرها القوانين والدساتير الحديثة للتداول السلمي للسلطة، مثل الانتخابات أو الاستفتاء الشعبي.

ويزيد من شدة ذلك العداء أن المليشيات الإرهابية غير قادرة على خوض المنافسة السياسية بالوسائل الديمقراطية المشروعة، كونها لم تكتسب أي صفة قانونية تخول لها حق الاندماج في المشاركة السياسية، وحتى إذا شكلت تنظيما سياسيا ليكون واجهتها في زمن السلم فإنها لن تستطيع المنافسة بسبب انغلاقها العنصري أو الفئوي وعدم قابلية طبيعة تكوينها لجذب أنصار جدد من خارج منظومتها المغلقة، ولهذا فهي ترى أن العنف والقتل والإرهاب الوسائل الوحيدة لمصادرة السلطة وإقصاء الآخرين.

كلمات دالّة

#اليمن