الخميس 28-03-2024 16:14:26 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

أزمات المشتقات النفطية.. استرزاق حوثي على حساب معاناة المواطنين

الأحد 30 يناير-كانون الثاني 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبدالرحمن أمين

 

لا تكاد تنتهي أزمة في مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين حتى تأتي أزمة أخرى، في سلسلة من الأزمات الاقتصادية والإنسانية المتلاحقة التي اعتادت المليشيا الحوثية على إنتاجها كجزء من نهجها العبثي وسياستها الإجرامية التي أرهقت المواطنين وضاعفت من معاناتهم في ظل ظروف إنسانية متدهورة، ووضع اقتصادي يزداد سوءا كلما طالت أزمة التمرد والانقلاب.

وكثيرا ما يعاني المواطنون في سبيل الحصول على الوقود والمشتقات النفطية، إذ بات من الصعوبة بمكان الحصول على تلك السلع الضرورية وتوفيرها إلا بعد جهد جهيد ومعاناة مريرة وبمبالغ باهضة.

وقد باتت مظاهر الطوابير في عواصم المدن اليمنية بمناطق سيطرة الحوثيين أمرا معتادا والتي تصل إلى مئات الأمتار للحصول على المشتقات النفطية بأسعار أقل من تلك التي تنتظر المواطنين في السوق السوداء.

وقد أصبحت تلك الأسواق وبسطاتها التي تباع فيها المشتقات النفطية جزءا لا يتجزأ من الأسواق اليمنية العتيقة والمستحدثة ومكوناتها، حيث انتشرت سوق سوداء في مناطق الحوثيين تبيع الوقود بأثمان باهضة، ويضطر الكثير من المواطنين تحت ضغط الحاجة للرضوخ لتلك الأسعار.

وعادة ما يلجأ الحوثيون إلى افتعال أزمات الوقود بهدف إحياء وتنشيط السوق السوداء التي يديرها تجار وقادة في المليشيا الحوثية، على عكس الرواية الحوثية التي تدعي أن السبب وراء أزمات المشتقات النفطية هو منع التحالف وصول سفن النفط إلى ميناء الحديدة بصورة دائمة.

ويقول المدير العام التنفيذي لشركة النفط التي يسيطر عليها الحوثيون "عمار الأضرعي": "الشركة لديها القدرة على توفير الوقود للمناطق اليمنية كافة عبر فروعها بأقل التكاليف وبسعر موحد، شريطة السماح لسفن الوقود بالوصول إلى ميناء الحديدة بصورة دائمة دون اعتراض، إلى جانب قيام الأمم المتحدة بواجبها الأساسي".

غير أن البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة تؤكد أن كمية المشتقات النفطية في مناطق سيطرة المليشيا تكفي للاستهلاك الشهري ولا يوجد أي نقص في الكمية، وتوضح البيانات أن كميات الوقود الواصلة عبر موانئ البحر الأحمر نهاية العام الماضي 2021 تزيد على الكمية التي وصلت في العام 2020.

ويعتبر ملف النفط من الملفات التي عبثت بها المليشيا الحوثية واستثمرتها منذ إحكام قبضتها على السلطة واستيلائها على المرافق الحكومية والشركات النفطية.

وتبدأ القصة منذ العام 2015 بعد أن قررت جماعة الحوثي تعويم أسعار المشتقات النفطية رسميا ورفع الدعم عن هذه المشتقات بشكل نهائي في السوق اليمنية وبيعها بالسعر العالمي، ما يعني أن الأسعار ستخضع للسعر العالمي صعودا وهبوطا، والتخلي بصورة كاملة عن دعم المشتقات النفطية.

وقد اعتبر نشطاء وخبراء اقتصاديون أن قرار الحوثيين تعويم أسعار الوقود قد قضى على مزاعمهم بأنهم قادوا "ثورة من أجل رفع الظلم عن الشعب ومكافحة قوى الفساد"، ويؤكد أنهم مجرد عصابة فاسدة تسعى لسرقة الشعب كما سرقت دولته ونهبت أسلحة جيشه.

وعلى الرغم من سماح الحكومة الشرعية بدخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة لأسباب إنسانية وتسهيل وصولها إلى مناطق سيطرة الحوثيين في وقت سابق، إلا أن ذلك لم يحل دون حدوث أزمات في الوقود.

ففي مطلع العام الماضي 2021، سمحت الحكومة اليمنية بدخول سفن محملة بالمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة غربي البلاد، للتخفيف من وطأة الوضع الإنساني.

وقالت وزارة الخارجية حينها -عبر تويتر- إن ذلك تم رغم خرق الحوثيين لاتفاق ستوكهولم، ونهبِهم 50 مليار ريال يمني من عائدات النفط المخصصة لرواتب الموظفين العموميين.

ووفقا لبيان وزارة الخارجية اليمنية الصادر في شهر مايو من العام 2020، فإن جماعة "الحوثي" نهبت أكثر من 58 مليون دولار من رسوم استيراد المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة.

وأوضح البيان أن "مليشيا الحوثي قامت بنهب الإيرادات من رسوم استيراد المشتقات النفطية من الحساب الخاص في البنك المركزي بمدينة الحديدة التي تصل لأكثر من 35 مليار ريال (قرابة 58 مليون دولار)، والمخصصة لصرف رواتب موظفي الخدمة المدنية".

ويضيف بيان الخارجية اليمنية أن "هذا التصرف يعد مخالفة صارخة لتفاهمات الإجراءات المؤقتة لاستيراد المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة التي تم الاتفاق عليها مع مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث".

وقد أبرمت الحكومة اليمنية، في أكتوبر من العام 2019، اتفاقا مع جماعة الحوثي يقضي بتوريد ضرائب المشتقات النفطية في ميناء الحديدة إلى البنك المركزي في المحافظة، على أن يتم إنفاقها في صرف رواتب الموظفين المدنيين في مناطق سيطرة الحوثيين، غير أن جماعة الحوثي ما لبثت أن انقلبت على الاتفاق والكشف عن وجهها الحقيقي لممارسة النهب والسلب، إذ لم تكتف الجماعة بسرقة المساعدات الأممية حتى طالت أيضا الأموال المخصصة لرواتب الموظفين.
 
ويكشف تقرير صادر عن مبادرة "استعادة" أن شركات تجارية وبنوكا ومكاتب صرافة محلية متورطة في تهريب النفط وغسيل الأموال لصالح تمويل مليشيا الحوثي بدعم وتخطيط وتسهيل إيراني غير محدود.

ويقول تقرير المبادرة المعنية بتعقب أنشطة الأموال والممتلكات المنهوبة لدى الانقلابيين الحوثيين، إن الحوثيين عملوا على إقصاء العديد من رجال الأعمال اليمنيين، وصعود قيادات حوثية كتجار ورجال أعمال وأشخاص آخرين مستحدثين ينتمون إلى الجماعة، وعملت على فتح حسابات مصرفية للعديد منهم في البنوك التجارية الواقعة تحت سيطرتها، بعد أن عطلت دور إدارة مكافحة غسيل الأموال في البنك المركزي، وتجاهل التحري حول أموال مالكي هذه الشركات ومجال عملها، ومصدر رأس المال، وإنشاء شركات نفطية بهدف التحايل على العقوبات الدولية، وتغذية خزينتهم وتمويل حروبهم لإطالة أمد الصراع في البلاد.

وقد ذكر التقرير أسماء أبرز تلك الشركات الوسيطة والضالعة بهذه الأدوار كـ"ستار بلاس" و"بلاك دايموند" والتي يملكها صلاح فليتة، شقيق الناطق الرسمي باسم مليشيا الحوثيين محمد عبد السلام، فيما تتبع شركة "بلاك دايموند" عدد من الشركات الأخرى، منها شركة "وزراكون للاستيراد" و"المركز التجاري"، وشركة "توب فود"، وشركة "جود هيبر التجارية"، حيث فتحت لها حسابات في البنوك لممارسة الأعمال التجارية دون التحري أو التدقيق حسب المعايير الدولية للبنوك، وتحدث التقرير عن امتلاكه معلومات ووثائق سرية تؤكد ذلك.

ويضيف التقرير أن هناك بنوكا ومصارف قدمت تسهيلات كبيرة للحوثيين، من خلال إنشاء حسابات بنكية وبشيكات وهمية، وإضافة إلى البنوك التجارية فإن شركة "سويد للصرافة" و"كاك بنك" الواقع تحت سيطرة الحوثيين يعملان لصالح تلك الشركات، ويتجهان إلى سوق الصرافة والدخول في المضاربة في سوق العملة بالنيابة عن المليشيا الحوثية، مستفيدين من الفارق الزمني بين استلام المبالغ من تجار التجزئة بالريال وتسليمها بالدولار لتجار الاستيراد، في ذات الحين الذي يستفيد منه صرافو المليشيا في سوق العملة.

وقد دأب الحوثيون منذ سيطرتهم على السلطة إلى افتعال أزمات عدة في المشتقات النفطية لتعويض النقص في الجانب المادي وإثراء قاداتهم، إذ تعمد المليشيا إلى إحداث أزمات في المشتقات النفطية بشكل متكرر.

ففي العام 2016، أوقف الحوثيون توزيع المشتقات النفطية في محطات البيع، ووجهوا بتوفير معظم الكميات المتوفرة لديهم إلى السوق السوداء التي تديرها عناصر تابعة لهم، ليتم حينها بيع صفيحة البنزين حجم عشرين لترا التي تباع بمحطات الوقود بـ3600 ريال بمبلغ مضاعف في السوق السوداء، إذ وصل سعر الصفيحة ذاتها إلى 7 آلاف ريال.

وفي العام 2017، شهدت صنعاء وعدد من المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي أزمة حادة في الوقود، ألحقت أضرارا وخسائر مادية كبيرة في أوساط المواطنين، حيث بدت الطوابير في صفوف طويلة أمام محطات الوقود، وإغلاق المئات من المحطات، بعد يوم واحد من إغلاق التحالف العربي المنافذ البحرية للبلاد، مما حدا بجماعة الحوثي حينها إلى اتهام التحالف بالتسبب بتلك الأزمة، الأمر الذي دفع وزارة النفط بالحكومة الشرعية إلى إصدار بيان عبر وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" أوضحت فيه طبيعة الأزمة وملابساتها.

وأرجع المصدر أزمة المشتقات النفطية إلى "إعلان المليشيا الانقلابية قانون تعويم أسعار الوقود، وحصر عملية استيرادها لصالح عدد من تجار السوق السوداء التابعين للمليشيا في المحافظات التي تقع تحت سيطرتها".

وأضاف أن هذه السياسة "أوصلت سعر اللتر الواحد إلى أسعار قياسية، وصلت إلى ألف ريال في أوقات كثيرة، بينما يباع اللتر في المناطق التي تم استعادتها من الانقلابيين بـ175 ريالا"، واعتبر أن "مشكلة أزمة المشتقات النفطية توجد فقط في المناطق التي تقع تحت سيطرة الانقلاب".

وأوضح أنه "بالإمكان شراء النفط بمشتقاته عبر الموانئ اليمنية الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية وترحيله لجميع المحافظات اليمنية بما في ذلك المحافظات التي لا زالت خاضعة لسيطرة الانقلابيين".

وأكد المصدر أن "الحكومة اليمنية سبق أن وافقت على مقترح المبعوث الأممي إلى البلاد -حينها- إسماعيل ولد الشيخ لتولي إدارة ميناء الحديدة من قبل الأمم المتحدة".

وقال إن "هذه الآلية كفيلة بوقف الابتزاز الذي تمارسه المليشيا على التجار، وكسر احتكار عملية الاستيراد والتسويق وبيعه للمواطنين بأسعار خيالية، لجني المليارات من الريالات وتمويل حربها العبثية ضد الحكومة الشرعية والمواطنين، وتهديد أمن الجيران وسلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب".

وفي العام 2018، شهدت العاصمة اليمنية صنعاء أزمة كبيرة في المشتقات النفطية بما فيها البنزين والديزل، بسبب إغلاق العديد من المحطات أمام المستهلكين من قبل مليشيا الحوثي الانقلابية.

وعلى الرغم من أن بعض المحطات بقيت تعمل إلا أن العديد من المواطنين لم يستطيعوا الحصول على الوقود بسبب الازدحام الكبير أمامها والحصول على المشتقات النفطية.

وفي 2019، احتجزت المليشيا عشرات الناقلات للمشتقات النفطية القادمة من محافظة الحديدة، وتسببت حينها في أزمة وقود خانقة في صنعاء والمناطق الأخرى، لترتفع جراء ذلك أسعار الوقود إلى أكثر من 40%، وانتعاش للسوق السوداء التي يديرها الحوثيون كسوق موازية ومصدر مهم لتنمية استثماراتهم على حساب مضاعفة أعباء المواطنين في مناطق سيطرتهم. 

وفي العام 2020، اتهم المجلس الاقتصادي الأعلى في اليمن جماعة الحوثي بإنعاش السوق السوداء في تجارة الوقود ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود في مناطق سيطرتها بنسبة تزيد على 150% عن السعر الطبيعي.

وأكد المجلس الاقتصادي التابع للحكومة الشرعية، في بيان له، أن واردات اليمن من الوقود خلال العام 2020 تكفي احتياجات اليمنيين حتى نهاية شهر أكتوبر من العام نفسه دون وقوع أي أزمات، مشيرا إلى أن أي أزمات حالية هي مفتعلة لتعزيز السوق السوداء من قبل الجماعة الحوثية.

وفي العام الماضي 2021، ضربت أزمة أخرى مناطق سيطرة الانقلاب، وبنفس الذرائع اتهمت مليشيا الحوثي التحالف بالوقوف وراء الأزمة، غير أن وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، فند تلك المزاعم بالقول إن "مؤشرات تدفق الوقود إلى اليمن خلال النصف الأول من شهر أبريل من العام 2021 التي نشرها المجلس الاقتصادي الأعلى تؤكد أكذوبة الحصار، وافتعال مليشيا الحوثي أزمة المشتقات النفطية في مناطق سيطرتها لإنعاش السوق السوداء التي تديرها، ونهب المواطنين لتمويل ما تسميه المجهود الحربي".

وأشار في تغريدات نشرها على حسابه في تويتر، إلى أن المؤشرات تؤكد أن كمية الوقود المتدفق إلى اليمن في النصف الأول من شهر أبريل 276.503 طن متري، وهي تلبي متوسط الاحتياج المدني والإنساني في جميع مناطق اليمن لمدة 20 يوما، وأن 70% منها تم نقلها برا إلى مناطق سيطرة مليشيا الحوثي بمتوسط يومي 12.000 طن متري وجهتها المليشيا للسوق السوداء".

وأضاف أن "مؤشرات تدفق الوقود أكدت أن 56.856 طنا من الوقود تم توريده إلى الموانئ المحررة بواسطة شركات وتجار من المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، وأن 150% هي نسبة الزيادة التي تفرضها المليشيا في أسعار الوقود بمناطق سيطرتها، وتفرضها عن طريق السوق السوداء التي تديرها بعد أن جففت السوق الرسمية".

مؤخرا لا تزال أزمة الوقود التي افتعلتها المليشيا الحوثية في أوجها، وسط استياء شعبي وسخط عارم، إذ وصلت أسعار الوقود في السوق السوداء إلى مستوى قياسي، حيث بلغت قيمة الجالون 20 لترا إلى مبلغ 26.000 ريال.

وإلى جانب خلق الأزمات واستغلال أوضاع الناس وظروفهم المادية الصعبة، يعمد الحوثيون أيضا إلى ابتزاز محطات النفط بمبالغ مالية كبيرة تحت مبررات عدة وذرائع كثيرة في ظل الانهيارات والخسائر الكبيرة التي منيت بها مليشيا الحوثي في مأرب وعدد من الجبهات، فقد شنت مليشيا الحوثي قبل أيام حملة مداهمات على عدد من محطات النفط للمطالبة بمبالغ مالية كبيرة تصل إلى مليون ريال يمني عن كل محطة من المحطات.