الأربعاء 24-04-2024 06:53:56 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الموت المجهول..أبعاد التصفيات البينية في أوساط مليشيات الحوثي

الأحد 19 ديسمبر-كانون الأول 2021 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد الرحمن أمين
 

خارج دائرة المعارك المحتدمة بين طرفي الحرب وخطوط التماس تبرز حاجة أخرى للقتل وبطريقة مختلفة أكثر هدوءا لدى مليشيا الحوثي الانقلابية ، لإشباع رغبة جامحة لتصفية الحسابات والتخلص من المشكوك فيهم أو المغضوب عليهم من المناوئين أو المعارضين، من خلال التصفيات الجسدية وعمليات الاغتيال التي تحدث بشكل متكرر بحق قيادات فاعلة وشخصيات بارزة في مناطق سيطرة الحوثيين سواء من داخل الجماعة أو من انتماءات أخرى.

وعادة وبعد كل عملية اغتيال يتم تنفيذها يلجأ الحوثيون إلى تقييد التهمة ضد مجهول أو إقحام مصطلحات فضفاضة في القضية، حيث يبادرون بتوجيه تهمة القتل إلى من تسميهم بـ "الدواعش" أو "دول العدوان" بالوقوف وراء عمليات التصفيات والاغتيالات المتكررة التي تحدث بحق شخصيات بارزة سواء من الموالين أو المنتمين للمليشيا، أو الاكتفاء بنعيها دون مباشرة التحقيقات أو البحث عن خيوط للحادثة، الأمر الذي يجعل من تلك الحوادث مثار شكوك عمن يقف وراءها وعن خلفياتها، ويفتح تساؤلات عدة لما تتسم به تلك الحوادث من غموض.

ما يزيد الأمر ريبة هو الطريقة التي تتعامل بها مليشيا الحوثي مع حوادث الاغتيالات والتي تتسم دائما بالضبابية والغموض، الأمر الذي يعزز الشكوك ويؤكد فرضية وقوف المليشيا خلف العديد من عمليات الاغتيالات والتصفيات التي تحدث بين الفينة والأخرى.
فمن بين العديد من العمليات ثمة خمس قضايا تصفية طالت قيادات حوثية بارزة في جناح صنعاء وهم: "محمد عبدالملك المتوكل" و "عبدالكريم الخيواني" و "أحمد شرف الدين" و "المرتضى المحطوري" و "حسن زيد" أفصحت أربع أسر عن وقوف مشرفين حوثيين وراء تلك الاغتيالات، وعن وجود تلاعب بملفات القضية، وإجراء محاكمات بدون علم أولياء الدم، فيما آثرت أسرة "المحطوري" الصمت حتى الآن، بعد أن أغلقت مليشيا الحوثي ملف التفجير الذي طال مسجده، باتهام تنظيم داعش.

وبعد يوم واحد من اغتيال القيادي والوزير في حكومة الحوثيين "حسن زيد" والذي اغتيل في اكتوبر 2020 أعلنت مليشيا الحوثي عن مقتل 2 ممن قالت إنهم نفذوا عملية اغتياله خلال ملاحقتهم في ذمار، ثم بعد فترة أعلنت عن مقتل المتهم الثالث بذات الطريقة (أثناء ملاحقته) ليتم إلصاق حادثة اغتياله بالتحالف، الذي قالت الجماعة حينها أنه هو من دبر لاغتيال "زيد" القيادي في الجماعة.

وقد كشفت أسرة "زيد" عن تفاصيل أكثر أهمية بشأن عملية تصفية والدهم، تفيد بأن منفذي الجريمة ما زالوا أحياء وليس كما زعمت مليشيا الحوثي بأن المجرمين قتلوا خلال عملية ملاحقة نفذتها أجهزتها الأمنية.
وتشير "سكينة حسن" ابنة القيادي "حسن زيد" في منشورين لها على صفحتها في الفيسبوك في وقت سابق إلى جانب من الغموض حول اغتيال والدها، موضحة أن هناك "حكم إعدام أصدره أحد القيادات الحوثية ضد والدها"، متهمة ذات الشخص بأنه من قتل والدها وأنه ما يزال حرًا طليقًا.
وتضيف ابنة القيادي "زيد" بالقول أن هناك تهديدات تتعرض لها أسرتها من قبل ذات القيادي الذي قتل والدها ، محمّلة الجهات الأمنية الحوثية مسئولية أي خطر قد تتعرّض له هي أو إخوتها من قبل القاتل الذي اعترف بأنه نفذ حكم إعدام بحق والدها.
وأرفقت "سكينة" صوراً لرسائل تلقتها على هاتفها من ذات القيادي، الذي لم تفصح عن هويّته، أقر لها فيها بأنه أصدر حكماً بإعدام والدها قبل أن يقتل، ويهددها وأفراد في أسرتها بذات المصير الذي لاقاه أباها إن هي أفصحت عن الحقيقة.
ووفق شقيق "حسن زيد" في منشور له على فيسبوك بالتزامن مع منشور سكينة، فإن القاتل يعمل مشرفًا تربويًا للحوثيين وهو نافذ في جهاز المخابرات التابع للجماعة.

وفي الوقت الذي أنكرت فيه مليشيا الحوثي وجود فايروس كورونا في مناطق سيطرتها سارعت وبطريقة مفاجئة إلى الإعلان عن وفاة القيادي في الجماعة "زكريا الشامي" في مارس من العام العام الجاري، والمنتحل رتبة لواء ومنصب وزير النقل ورئيسا للأركان سابقا، بذات المرض الذي أنكرت وجوده، وتفيد مصادر من داخل الجماعة بأنه فارق الحياة في المستشفى السعودي الألماني شمالي العاصمة، جراء إصابته بفيروس «كورونا»، وتضيف أن الشامي كان وقت وفاته إلى جانب رئيس حكومة الانقلاب عبد العزيز بن حبتور، مع ثلاثة وزراء آخرين يرقدون في المستشفى ذاته في غرف للعناية المركزة، وسط أنباء عن تدهور حالتهم الصحية.
إلا أن مصادر مطلعة على خلفية الصراع بين أجنحة الميليشيا لم تستبعد قيام جناح صعدة بتصفية الشامي أثناء وجوده في المستشفى مستغلين إصابته بالفيروس، إذ لم تبادر الميليشيا الحوثية على الفور إلى الاعتراف الرسمي بموت الشامي، حيث بقي خبر وفاته محاطا بالسرية لأيام، وهو ما أثار العديد من الشكوك حول طبيعة وفاته والملابسات التي رافقتها، في حين غرد أحد القيادات الموالية للجماعة، وهو أحمد القنع، بما يوحي بأن الشامي قُتل وليس كما ذكرته الجماعة.
ولم تمض ثلاثة أيام على وفاة "زكريا الشامي"حتى أعلنت المليشيا وفاة والده القيادي البارز والأكثر أهمية اللواء "يحيى الشامي" وهو ممن بات يطلق عليهم بـ "جناح صنعاء" حيث أعلنت عن وفاته بعد ثلاثة أيام من دفن زوجته وابنه "زكريا" وبنفس الغموض.
ويعتبر اللواء "يحيى الشامي" مرجعية عسكرية وسياسية للعديد من القيادات في أوساط الجماعة، ويُعد من الآباء المؤسسين للحركة الحوثية، بل تتهمه مصادر يمنية بأنه قائد التنظيم السري للحركة( مايسمى مجلس حكماء آل البيت الذي تأسس في العام 1970 على يد المدعو أحمد محمد الشامي بهدف استعادة حكم الإمامة) منذ عقود، والمطلوب رقم ١١ للتحالف.

وفي سبتمبر من العام الجاري 2021 أعلنت مليشيا الحوثي عن وفاة نجل نائب رئيس ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» الحوثية اللواء عبدالقادر الشامي دون أن تحدد أسباب الوفاة، فيما تقول مصادر إعلامية أن هناك معلومات موثقة تكشف أنه تعرض لعملية تصفية.
ووفقا لصحيفة «عكاظ» السعودية فإن "جهاز الأمن الوقائي التابع للمليشيا ويشرف عليه خبراء إيرانيون يقف وراء عمليات تصفية القيادات الحوثية التي لا تنتمي إلى صعدة، ويتهمها بالفساد والخيانة".
وتضيف الصحيفة "بأن الدكتور علي عبدالقادر الشامي (37 عاما) كان يشغل منصب نائب عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة صنعاء، وكان قد ألمح في منشور على حسابه في «فيسبوك» قبل يومين من إعلان وفاته إلى وجود رشوة ووساطات في القبول بكلية الطب".
وتؤكد الصحيفة أن "مصير "علي عبد القادر الشامي" لا يختلف عن مصير عمه يحيى الشامي وزوجته ونجله اللواء زكريا الذين جرت تصفيتهم في وقت سابق بشكل جماعي ليتم الإعلان بعدها عن وفاتهم بكورونا في أوقات متفاوتة.

وتكشف الصحيفة أن "الخلافات الداخلية بين صفوف المليشيا مستفحلة لكن تتم التغطية عليها، مؤكدة أن زعيم المليشيا الإرهابي عبدالملك الحوثي أصدر توجيهات بالتخلص من كل القيادات التي تحاول انتقاد ما يطلق عليه «المسيرة الحوثية» أو تطالب بإصلاحات وتعارض التدخلات الإيرانية في اليمن".
وتتخذ عمليات التصفية البينية لجماعة الحوثي أبعاد عدة، تكشفت بعضها فيما لايزال البعض الآخر يراوح مربع الغموض.
وتعد معارك مأرب المحتدمة منذ سنوات والتي يصر الحوثيون من خلالها السيطرة على المحافظة أبرز الأسباب التي أثارت خلافات حادة وتصدعات كبيرة في أوساط الجماعة، حيث كلفت المليشيا الحوثية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وأفشلت الكثير من الخطط العسكرية والمحاولات المتكررة لاقتحام المحافظة بغية السيطرة عليها والاستحواذ بثرواتها والقضاء على خصومها وإحراز نصر معنوي مثَّل تأخره إرباك للجماعة ومن يقف وراءها.

فقد أحدثت المعارك خلافات حادة داخل صفوف الحركة الحوثية , تمثلت في تصدر التيار الذي كان يقوده اللواء "يحي الشامي" وهو تيار يمثل "الهاشمية السياسية القاطنة في المدن وتحديدا العاصمة صنعاء ويرمز اليه بـ "هواشم الطيرمانات" حيث يرى هذا التيار ضرورة إعادة النظر في معركة مأرب التي ابتلعت القدرات البشرية وأفنت الترسانة المسلحة للمليشيات وأحرجت الجماعة كثيرا، وأوجعت المئات من الأسر الهاشمية بعد تقديم آلاف القتلى منهم في معارك مأرب لوحدها، حيث يطالب هذا التيار "تيار الطيرمانات" بتأجيل معركة مأرب أو الانتظار لنتائج أي مباحثات سياسية قادمة.

وقالت مصادر أن الخلافات بدأت تعلو بقوة خاصة بعد قيام أطراف داخل هذا التيار بتسريب أرقام وأن كانت متواضعة عن حجم الضحايا والخسائر التي تكبدها الحوثيون خلال الأشهر الخمسة الماضية على أطراف محافظة مأرب بهدف توجيه رسالة للحاضنة الحوثية في مناطق سيطرتها لإيقاف التهور الذي ينتهجه التيار الموالي لإيران ممثلا بالحاكم العسكري الجنرال "حسن إيرلو" الذي يطالب بحسم معركة مأرب مهما كانت التضحيات، ومعه عبدالملك الحوثي زعيم الجماعة وقيادات أخرى من نفس الجناح الذي بات يطلق عليه بـ "تيار الكهوف".
فقد سرب تيار "طيرمانات صنعاء" عبر مصدر في وزارة" الدفاع التابعة للحوثيين في صنعاء لوكالة فرانس برس في وقت سابق معلومات تفيد أن معارك مأرب "أدت إلى مقتل 14700 مقاتل حوثي منذ منتصف حزيران/يونيو" ، وإن كان هذا الرقم ليس دقيقا مقارنة بحجم الجنائز وعدد الأرقام التي تسجل كل يوم، إذ يرى مراقبون أن الرقم الذي تكبدته المليشيات الحوثية على أسوار مأرب يفوق 30 الف قتيل بينهم الآلاف من السلاليين بنيران التحالف أو رصاص الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.

ووفقا لموقع (مأرب برس) فإن القيادات الميدانية للحوثيين "قدمت تقريرا لقيادة وزارة الدفاع الحوثية في وقت سابق أكدت فيه مصرع أكثر من إثني عشر ألف قتيل من المليشيات العام الماضي خلال 8 أشهر فقط في جبهة الكسارة لوحدها، وهو ما يكشف عن أرقام مهولة من الخسائر الفادحة التي تتكبدها المليشيا الحوثية في معارك مأرب".
ويكشف الموقع "أن السفير الإيراني انتقد بقوة من يطرح تأجيل معركة مأرب قائلا ضحوا مهما كانت الكلفة "هل تعلمون أن إيران ضحت بأكثر من مليون شهيد في معاركها مع صدام حسين".

وتقول مصادر إعلامية أن الخلاقات في أوساط الجماعة تتسع يوما بعد يوم منذ وصول الحاكم العسكري الإيراني إلى اليمن والذي بدأ منذ وصوله صنعاء في إقصاء العشرات من الشخصيات الذين عينهم اللواء "يحي الشامي" في مناصب حساسة سواء في وزارة الداخلية أو الأمن القومي أو وزارة الدفاع ، وبدأ بتعيين شخصيات موالية وتابعة لعبد الملك الحوثي ، خوفا من سحب البساط من تحت أقدام أسرة زعيم الجماعة "عبد الملك الحوثي" ذات الولاء المطلق لإيران.

ورغم هيمنة الجناح الموالي لإيران واستحواذه على القرار السياسي والعسكري إلا أن الخلافات تصاعدت بقوة إلى العلن بعد قرار أطراف مخالفة لعبد الملك الحوثي في إدارة المرحلة والحرب وتحديدا معركة مأرب في الحد من نفوذ "إيران".
فقد كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال، الجمعة 17 ديسمبر، في تقرير لها عن تطور سلبي غير مسبوق بين مليشيا الحوثيين والنظام الإيراني، يتعلق بسفير طهران لدي الحوثي “حسن إيرلو”.
حيث نقلت الصحيفة عن مسؤولين شرق أوسطيين وغربيين قولهم بأن الحوثيين يريدون إعادة “إيرلو” إلى طهران، والذي يعتبر أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني، والذي عين سفيرا للمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وقد طلبت المليشيات الحوثية من المملكة العربية السعودية، السماح للدبلوماسي الإيراني في البلاد بالعودة على الفور إلى إيران بمزاعم إصابته بفيرس كورونا، الأمر الذي اعتبره المسؤولون السعوديون علامة على توتر العلاقة بين طهران وجماعة الحوثي الإنقلابية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين قولهم لقادة الحوثيين بأنهم لن يسمحوا لإيران بقيادة طائرة إلى اليمن لإيصال "إيرلو". وقد غادر هذا الأخير اليمن بواسطة طائرة عراقية سمح لها التحالف بالوصول إلى مطار صنعاء الدولي.

ويقول مراقبون أن زعيم المليشيا يبدي تحسسا ملحوظا من ظهور بعض الشخصيات في الجماعة أو بروز بعض القيادات وتسليط الأضواء عليها خوفا من أفول نجمه بين تلك القيادات، وهو ما يفسر تغييب بعض القيادات السياسية الفاعلة التي لاصلة لها بالجانب العسكري والتخلص منها وتصفيتها بطريقة أو بأخرى.

الأصوات المعارضة أو المنتقدة لبعض جوانب الفساد هي سبب آخر من أسباب التصفيات البينية في أوساط الجماعة الحوثية، إذ يعد انتقاد السياسة التي تنتهجها المليشيا أو أي شكل من أشكال الفساد المتفشي داخل الجماعة أو محاولة إحداث تغيير أو تعديل للمسار بمثابة توقيع على الموت.
وقد تعرض القيادي البارز عضو المجلس السياسي الأعلى لمليشيا الحوثي الفريق "سلطان السامعي" في منتصف ديسمبر الجاري 2021 لمحاولة اغتيال وسط العاصمة صنعاء ، أثناء تواجده في أحد الأعراس حيث اقدمت عناصر مسلحة بإطلاق النار داخل قاعة العرس التي يتواجد فيها الفريق سلطان السامعي.
وتشير مصادر إلى أن محاولة الاغتيال هذه مدفوعة الثمن لمحاولة إنهاء مسيرة السامعي الذي يدين بولائه للجماعة والذي قد خدمات جليلة للمليشيات التي لاتحبذ أن يكون لأحد عليها فضل وتعمل على التخلص تباعا من كل الذين ساعدوها وقدموا لها الدعم والإسناد.

وتتزايد الشكوك حول المنتمين للجماعة من خارج السلالة ويتم تكثيف الرقابة عليهم برغم التضحيات والخدمات التي يقدمونها ثمنا لولائهم للجماعة، سواء خوفا من بطش المليشيا أو طمعا بامتيازات أو مناصب أو وعود تتلقاها من قبل المليشيا الحوثية.
ويذهب الكثير من المحللين إلى أن مليشيا الحوثي تحمل بذور فناءها بداخلها وأن زوالها ماهو إلا مسألة وقت وأن صراعاتها البينية المتافقمة على مغانم السلطة والثروة ستؤدي إلى تصدعها وتفجرها من داخلها على الرغم من الدور الإيراني الذي يجهد في محاولة الحفاظ على تماسكها ووحدة قيادتها، فيما يرى البعض أن الدور الإيراني نفسه هو أحد أسباب تفاقم الخلاف والصراع في اوساط المليشيا التي أخفقت في قيادة مسار سياسي يمني رغم كل الفرص التي واتتها وفضلت عوضا عن ذلك قيادة مسار صراع دموي قاد إلى تدمير البلاد وإنهاك الشعب وتحطيم كل فرصه بالعيش الكريم.

كلمات دالّة

#اليمن