الجمعة 19-04-2024 23:32:35 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ذاكرة القهر.. معركة مأرب على الإمامة القديمة والجديدة

الثلاثاء 16 نوفمبر-تشرين الثاني 2021 الساعة 07 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد السلام الحاتمي
 

تسطر محافظة مأرب فصلا جديدا من النضال الوطني ضد مليشيا الحوثيين والمشروع الإيراني/الفارسي التخريبي في اليمن والمنطقة العربية بشكل عام، ولشراسة المعركة الدائرة في محيط المحافظة منذ فبراير الماضي، فقد وُصِفت بأنها ثاني أهم معركة بين العرب والفرس منذ معركة القادسية عام 637م، والتي انتهت بانتصار العرب وهزيمة الفرس وقتل قائدهم رستم، لأن محاولات الحوثيين دخول محافظة مأرب هذه المرة تتم بتخطيط وإشراف مباشر من إيران عبر الحاكم العسكري للحوثيين في صنعاء حسن إيرلو وعدد من الخبراء الإيرانيين وغيرهم من المنتمين لمليشيات طائفية موالية لإيران مثل مليشيا اللبناني حسن نصر الله، ويستخدم الحوثيون في تلك المعركة أسلحة إيرانية الصنع تشمل الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية وغيرها.

لا تعد معركة مأرب مفصلية في مسار الحرب باليمن فقط، وإنما تشمل تداعياتها الصراع الطائفي الذي أشعلته وتموله إيران في منطقة المشرق العربي كاملة، خصوصا مع ظهور مليشيات طائفية إرهابية موالية لإيران ذات ولاءات عابرة للقوميات والحدود والثقافات، وتخوض تلك المليشيات حروبا بالوكالة نيابة عن إيران في بلدان عربية عدة، وترتكب جرائم حرب بحق المدنيين خصوصا النساء والأطفال، وتعد الحرب في اليمن عموما وفي مأرب خصوصا من أشرس المعارك التي تخوضها إيران عبر مليشيات الحوثيين ضد اليمن والسعودية، غير مكتفية بإرسال خبراء عسكريين لإدارة المعارك، كما تُهَرّب للحوثيين الحشيش والمخدرات، وأنشأت شبكات دولية لجمع الأموال وإرسالها لهم بطرق ملتوية للتمويه على الرقابة الدولية على حركة الأموال المغذية للإرهاب.

- صمود أسطوري

عندما دشنت مليشيا الحوثيين حربها على مأرب بهدف السيطرة الكاملة عليها والاستحواذ على ثروات النفط والغاز فيها، في 8 فبراير الماضي، كانت تزعم أن معركة السيطرة على مأرب لن تدوم سوى أيام معدودة. لم يكن الجزم بالسيطرة الكاملة على محافظة مأرب نتيجة تقدير خاطئ لمدى استعداد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية للتصدي لذلك الهجوم، ولكن كان ذلك الجزم مبنيا على استعدادات المليشيات لذلك الهجوم والتي بلغت ذروتها عددا وعدة، وتجنيدها عددا كبيرا من المغرر بهم خصوصا أبناء الأسر الفقيرة التي تقايضها المليشيات بالسلال الغذائية مقابل تجنيد بعض أفرادها للقتال في صفوف المليشيات، كما أن نوعية الأسلحة التي استخدمت في الهجوم على مأرب من صواريخ بالستية وطائرات مسيرة إيرانية الصنع، تؤكد أن إيران استعدت هي الأخرى لمعركة مأرب بتهريب أسلحة نوعية للحوثيين، وأيضا تهريب خبراء عسكريين لتركيب تلك الأسلحة وإطلاقها والتخطيط الميداني للمعركة.

اصطدمت مليشيا الحوثيين بالصمود الأسطوري للجيش الوطني في مأرب الذي يضم جنودا من عدة محافظات يمنية، مسنودا بالمقاومة الشعبية، وبدأت أعداد الجثث الحوثية اليومية العائدة من مأرب كمشاهد مألوفة لدى المليشيات التي لا تأبه بحياة البسطاء والمغرر بهم، وإنما تكثف الحشود تلو الحشود، والنتيجة مزيدا من القتلى والجرحى. وبعد مرور ما يقارب عشرة أشهر من الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات، لجأت المليشيات إلى السيطرة على مناطق تقع في أطراف المحافظة، وبالغت المليشيات من الحديث عن انتصارات للتغطية على فشلها في دخول مدينة مأرب والسيطرة على منابع النفط والغاز بالمحافظة، وأيضا للرفع من معنويات مقاتليها المنهارة والتغرير على مقاتلين جدد، الذين تكيل لهم الوعود ولأسرهم بأنه سيكون لهم نصيب من ثروات مأرب بعد السيطرة عليها.

وفي غمرة نشوة مليشيا الحوثي بانتصارات حققتها في مناطق بأطراف المحافظة، رغم أنها مناطق لا يتواجد فيها الجيش الوطني، وأيضا المقاومة الشعبية فيها قليلة العدد والعدة، ظهر محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة في خطاب وضح فيه كثيرا من الحقائق، وكشف زيف المليشيا، وأعاد الطمأنينة لمن تأثروا بتزييفها للواقع، وأعاد تعريف الأشياء وتسميتها بمسمياتها، ووُصِفت تلك الكلمة بأنها خارطة للطريق للقضاء على المليشيات، وأشاد كثيرون بكلمته التي أعادت الأمل لليمنيين، وقزمت المليشيات التي خاطبها قائلا: "لن تدخل يا حوثي مأرب لو يرجع حسين الحوثي من قبره".

وأكد اللواء سلطان العرادة أن "مأرب صمدت وستصمد في وجه المشروع الإيراني، ولن تصل مليشيا الحوثيين الإيرانية إلى مبتغاها وأن اليمنيين سيرون في الأيام المقبلة ما تقر به الأعين".

وقال المحافظ العرادة -في حديث لوسائل الإعلام عقب اجتماع اللجنة الأمنية في 6 نوفمبر الجاري- إن "مأرب وكما كسرت أنوف مليشيا الحوثي الإيرانية في البداية ستقضي على هذا المشروع في النهاية، وهي اليوم برجالها والجيش الوطني وأمنها وبالشعب اليمني والتحالف العربي تقف لصد هذا المشروع الدخيل على البلد".

وطمأن محافظ مأرب الشعب اليمني والقيادة السياسية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية بأن مأرب صامدة صمود الجبال الرواسي، مثمنا في ذات السياق موقف القيادة السياسية والتحالف العربي بقيادة السعودية وكل الدول العربية المشاركة في التحالف إلى جانب الشعب اليمني.

وأوضح محافظ مأرب أن "سقوط بعض المديريات سواء في البيضاء أو شبوة أو مأرب ليس معيبا وأن ذلك من طبيعة الحروب، فالحرب سجال، ورجال هذه المديريات الذين قاتلوا المليشيا وسيقاتلونها اليوم مرة أخرى إلى جانب جميع أبناء الشعب اليمني"، مشيراً إلى أن "القيادة السياسية تقف بكل ما تملك من قوة في المعركة، وليس بالضرورة أن يظهر ذلك للجميع".

وقال العرادة: "نحن على تواصل مع كل الأشقاء ومع كل الأخوة اليمنيين على كل المستويات، وأنا لا أجد أبدا أي شيء يحول بيني وبين أخ يقاتل الحوثيين، والإخوة في العمالقة والإخوة الذين جاؤوا من عدن ومن لحج ومن أبين ومن حضرموت ومن شبوة ومن كل المحافظات اليمنية، يقفون إلى جانبنا في المعارك الآن ويقدمون الشهداء والجرحى".

- مأرب تقهر الإمامة مرة أخرى

كانت مأرب قديما قد قهرت نظام الحكم الإمامي السلالي الكهنوتي حتى عندما كان في أوج قوته وسيطرته على مساحات واسعة من اليمن، وها هي اليوم تقهر ورثة ذلك المشروع العنصري الهمجي المتخلف (مليشيا الحوثيين الإرهابية)، وتعد اليوم قلعة جمهورية عصية على المليشيات الإمامية وعلى سلطة الولي الفقيه في طهران التي أرسلت ضابطا بارزا، حسن إيرلو، ليشرف على معركة الحوثيين ضد مأرب، التي كانت معركتهم المؤجلة منذ بداية الحرب، ولم يجرؤوا على محاولة اقتحامها خشية أن تدفن مشروعهم السلالي في شعابها وصحاريها، إلا أن إيران كان لها رأي آخر، وهو لا بد أن يتقدم الحوثيون نحو مأرب مهما كلفهم ذلك من خسائر.

واليوم يبدو بوضوح أن ما كان يخشى منه الحوثيون في حال تقدموا نحو مأرب للسيطرة عليها قد تحقق، لقد استنزفت المعارك هناك مسلحيهم وعتادهم العسكري، وأحبطت مشروع الانقلاب في وقت تخيل فيه الحوثيون أنهم اقتربوا من استكماله، كما أن فشل المليشيا الحوثية في دخول مأرب بعد كل تلك الاستعدادات الكبيرة التي لن تتكرر، أصاب المليشيا باليأس والقهر، وهو ما تعبر عنه من خلال القصف العشوائي على الأحياء السكنية في مأرب بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، كأسلوب انتقامي لا مبرر له سوى شعور المليشيات بالقهر وتراكم الضغائن والأحقاد ضد الشعب اليمني الرافض لها.

كلمات دالّة

#اليمن