الثلاثاء 19-03-2024 11:46:53 ص : 9 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

نكبة 21 سبتمبر.. عودة الأفكار الظلامية معززة بالقمع والفساد والإرهاب المنظم 

الجمعة 24 سبتمبر-أيلول 2021 الساعة 01 صباحاً / الإصلاح نت - خاص /عبد الرحمن أمين
 

 

سبعة أعوام خلت هي عمر الانقلاب المشؤوم والخراب الذي حل باليمن، انقلاب أخرج عفونة التاريخ من الجحور إلى الواقع، وكشف للناس حقيقة هذا التيار الإمامي العفن، الذي قاومه الأحرار بكل شجاعة وبسالة.

سبع سنوات عجاف عاش فيها اليمن ولا زال في ليل كهنوتي حالك وظلام دامس، في غياب لشمس الحرية والكرامة والعدالة التي ضحى لأجلها آباؤنا الأحرار بكل ما يملكون.

 فلم يكد يتنفس الشعب اليمني الصعداء ويستنشق عبير الحرية بعد خروجه من نفق الإمامة والرجعية المظلم في ثورة 1962، حتى باغته تيار الإمامة من جديد، محملا بثارات الماضي وأحقاد تراكمية تنوء عن حملها الجبال، باحثا عن كل ما له صلة بالثورة والتنوير والتنمية والبناء، ليصب عليه جام غضبه، وحمم ثاراته وأحقاده.

وقد مارس السلاليون أفعالهم المشينة منذ أحقاب طويلة والمستمدة من أفكارهم الهجينة والمتمثلة بعقيدة "الاصطفاء" و"الحق الإلهي".

ويرى المرشد الروحي للجماعة "بدر الدين الحوثي" ووالد مؤسسها أن الولاية بعد رسول الله ـصلى الله عليه وسلم- لعلي (رضي الله عنه)، ولا تصح ولاية المتقدمين عليه: أبي بكر وعمر وعثمان، ولا يصح إجماع الأمة عليهم، والولاية من بعده لأخيار أهل البيت دون سواهم.

ويقول الحوثي الأب في رسالته "إرشاد الطالب" موضحا عقيدته في الحق الإلهي «الحسن والحسين وذريتهما الأخيار أهل الكمال منهم، والولاية لمن حكم الله بها له في كتابه وسنة رسوله ـصلى الله عليه وآله وسلمـ رضي الناس بذلك أم لم يرضوا فالأمر إلى الله وحده، وليس للعباد أن يختاروا، ولا دخل للشورى في الرضا؛ لأنه لا خيار للناس في أمر قد قضاه الله ورسوله».

هكذا يقرر الفكر الحوثي أن الولاية "حق إلهي" لعلي وذريته من بعده، حق غير خاضع للنقاش ولا للمساومة ولا شورى فيه لأحد ولا خيار للأمة فيما اختاره الله.

فنظرية الحق الإلهي لدى الحوثيين لم تأتِ اعتباطا أو تنبع من فراغ بل هي نابعة من نظرية أخرى هي نظرية "الاصطفاء الإلهي" التي تعني بكل بساطة أن الله قد اصطفى عرقاً من الأعراق أو سلالة من السلالات لمهام لا تستطيع أي سلالة في الأرض القيام بها، فـ"الحق الإلهي" لم يأتِ عبثاً وإنما انبنى على أساس ديني من "الاصطفاء الإلهي" المقرر في الكتاب والسنة حسب النظرة الحوثية.

وقد عمل الإماميون بكل ما أوتوا من قوة على استعادة مجدهم المندثر والعودة إلى الساحة من جديد بعد أن عفى عليه الزمن وتجاوزته الأجيال وطمرته براكين الثورة.

ففي الوقت الذي كانت فيه الجمهورية الإيرانية الصاعدة لتوها بعد نجاح ثورتها عام (1979) تبحث في المنطقة عن أقليات تشاركها قواسم مشتركة وإن كانت ليست بالضرورة شيعة إثنى عشرية، فما يهمها هو أن تكسب ولاء تلك الأقليات وتوسع من دائرة تحالفاتها، في الوقت ذاته استغل الإماميون هذه الرغبة واندفعوا نحوها مستفيدين من دعم إيران اللامحدود.

استطاعت إيران بناء تحالف قوي مع الحوثيين الإماميين بدأ عن طريق جذب إيران لـ"حسين الحوثي" ووالده "بدر الدين الحوثي" المعجبين بالثورة الإيرانية وإقامتهم في إيران لعدة سنوات، ثم تقديم دعم مالي للأنشطة الثقافية للحركة الحوثية، ومن ثم دعمهم بالسلاح في مواجهاتهم المسلحة مع الدولة.

وقد تأثَّر حسين الحوثي المؤسس الأول لجماعة الحوثيين بالخميني وبالثورة التي قادها في إيران عام 1979، ولم تخلُ محاضراته وخطبه من ذكر "الإمام روح الله الخميني" على حد وصفه، فكان يرى في "الخميني" القدوة التي لا تتكرر والتي يجب اتباعها، فنقل هذه التجربة إلى اليمن، فحشد أتباعًا من حوله، وكسب ولاءهم، من خلال تبني خطاب مماثل للخطاب الإيراني المعادي -في الظاهر- لأمريكا والغرب ورفع الشعار الإيراني ذاته.

فما تسعى إليه "إيران" في هذه العلاقة هو استنساخ أنموذج آخر في اليمن على غرار "حزب الله" في لبنان، -والذي عملت على إنتاجه وتضخيمه- ليكون يدا لها في شبه الجزيرة العربية، وأوراقا حساسة قادرةً على تحريكها وتهديد الاستقرار في المنطقة متى شاءت، إلى جانب سعي إيران الحثيث إلى إيجاد بؤرة لنشر المذهب الشيعي الإثنى عشري في اليمن ومنها إلى جهات أخرى.
 
وقد توالى الدعم الإيراني للحوثيين منذ تأسيس الجماعة على يد "حسين الحوثي" بأشكال مختلفة وبأساليب عدة ووسائل شتى، ليشمل ذلك تزويدهم بالمال والسلاح وإرسال الخبراء والمقاتلين، والترويج لقضيتهم في المحافل الدولية وتزييف الوعي وتزوير الحقائق.

وقُبيل انقلاب جماعة الحوثي على حكومة الوفاق وتحديدا في الفترة التي تلت ثورة 11 فبراير الشعبية زودت إيران الحوثيين في هذه المرحلة بالأسلحة بمختلف أنواعها.

ويؤكد وزير الداخلية آنذاك اللواء عبد القادر قحطان في مؤتمر صحفي عُقد في صنعاء في فبراير/شباط 2013 بأنه تم ضبط شحنة أسلحة على متن السفينة "جيهان1" تُقدَّر حمولتها بحوالي 48 طنا من الأسلحة والمتفجرات والأجهزة والنواظير الليلية، وقد عاينت اللجنة الدولية الأسلحة، وأثبتت وجود صواريخ حرارية خطرة، ومتفجرات متطورة، وغير ذلك من الأسلحة.

قوة التدخلات الإيرانية في اليمن بلغت حدا جعل اليمن يطلب من مجلس الأمن الدولي العمل على منع الإيرانيين من تخريب العملية السياسية في البلاد وزعزعة الأمن والاستقرار فيه.

لم تتوقف فرص الحوثيين عند هذا الحد، بل كانت الظروف مهيأة أيضا لاستغلال حنق وحقد الرئيس الراحل "علي عبد الله صالح" ضد خصومه السياسيين نتيجة ثورة 11 فبراير التي أطاحت بحكمه، فقد عمل على تهيئة المناخ للحوثيين ووفر لهم دعما لوجستيا ومخابراتيا كرد انتقامي من خصومه ومناوئيه، إلى جانب إعلانه التحالف مع الحوثيين وتشكيل مجلس سياسي مشترك لإدارة الانقلاب، غير أن تلك العلاقة الحميمة لم تدم طويلا، فقد نشب الخلاف والصراع بين الحليفين أدى إلى مقتل "صالح" لتظهر مليشيا الحوثي بوجهها الحقيقي.

كان الرئيس الراحل يبحث عن طرف وحليف للعبة أخرى للعودة إلى المشهد السياسي مجددا، ومارس العديد من عمليات التخريب ونشر الفوضى في البلاد، ليبعث رسالة للعالم أنه رقم لا يمكن تجاوزه أو الاستغناء عنه، وما تحالفه مع الحوثيين إلا واحدة من الأساليب وأوراق الضغط التي كان يعبث بها، حيث سعى إلى تمكين الحوثيين من السيطرة على البلاد، وتقديم الدعم والتسهيلات لهم، وعمل على تضخيمهم، من أجل الابتزاز والضغط على دول المنطقة وتحديدا السعودية وإلزامها بالتحالف معه مجددا، كخيار وحيد لتخليصهم من خطر الحوثيين المتصاعد ومدهم المتنامي.

الشعارات الدينية والوطنية كانت المطايا السهلة للحوثيين للوصول إلى أهدافهم وتمكنهم من دخول صنعاء والسيطرة على مقرات الدولة واستيلائها على السلطة، في حالة استثنائية هي مزيج من الغفلة والتواطؤ.

"إسقاط الجرعة، وإسقاط حكومة الوفاق، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني"، كانت هذه المطالب هي الكذبة الكبرى للحوثيين، والقشة التي كسرت ظهر الدولة، حيث اختبأ الحوثيون خلف هذه المطالب، وتخفوا بقناع المظلومية.

وفوق ذلك فإن الحوثيين لم يستغلوا فقط العزف على المعاناة اليومية للناس، ولكنهم وظفوا أيضاً الجانب الديني في تحشيد المقاتلين على تخوم صنعاء تحت تسميات جهاد الظالمين، وإسقاط عملاء اليهود والأمريكيين، كما أنهم غالباً ما يعزفون على الوتر الطائفي على اعتبار أن الزيدية مستهدفة من قبل التكفيريين والوهابيين، على الرغم من أن الزيدية شكلت محتوى السلطة السياسية والعسكرية والأمنية في اليمن قبل الثورة على نظام الأئمة وبعدها.

ولم ينته كذب الحوثيين ومغالطاتهم وتزييفهم للوعي عند هذا الحد، بل استمرت الجماعة باختلاق المبررات وقلب الحقائق من خلال خطابها المتكرر والذي ما فتئت تردده ليل نهار، إذ عمدت الجماعة إلى إبراز نفسها بلباس الوطني الثائر المتحرر، وأن أنصارها ما خرجوا للميادين وانتشروا في الساحات وتوزعوا في الجبهات إلا دفاعا عن الوطن من العدوان الخارجي كما تقول، وبقيت تردد هذه الأكاذيب للحصول على المشروعية في البقاء في السلطة، حيث انطلت تلك الأكاذيب على الكثير من أبناء الشعب، دون الأخذ في الاعتبار أو الالتفات إلى تاريخ انقلاب المليشيا على الحكومة الشرعية وانطلاق عملية عاصفة الحزم.

لم يكن وصول الحوثيين إلى السلطة أمرا عابرا بل كانت ولا زالت مرحلة أكثر بؤسا وأكثر ظلاما، حيث رسمت الجماعة صورة أكثر بشاعة لفترة حكمها، إذ تسببت المليشيا بالكثير من المعاناة للشعب اليمني، وتركت دمارا شاملا للأرض والإنسان وجراحا لا تندمل.

فقد تسببت المليشيا بقتل وجرح عشرات الآلاف من الضحايا، ودمار واسع في البنى التحتية ونزوح الملايين الفارين من موجة القتال المستمرة منذ سبع سنوات، وشللا تام للمرافق العامة وتدهورا كبيرا في الوضع الاقتصادي، وغيرها من الآثار الناتجة جراء الانقلاب.

كلمات دالّة

#اليمن