الجمعة 29-03-2024 13:03:43 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

تصفية مليشيا الحوثي لجناحها السياسي.. الدوافع والدلالات

الجمعة 30 إبريل-نيسان 2021 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص - محمد العربي

 

تثير التصفيات البينية التي تنفذها مليشيا الحوثي الإرهابية بحق عدد من قادتها، التساؤلات حول دوافع وأسباب ذلك، وما الذي يمكن أن تجنيه المليشيا من تلك التصفيات المكشوفة والممنهجة، والتي أصبحت ظاهرة ملفتة للنظر ولا يمكن إخفاؤها أو التكتم عليها، على أنه يمكن تفهم جانبا منها المتمثل في زحزحة بعض العوائل السلالية من خلال تصفية رموزها وإخلاء الساحة لعائلة آل الحوثي (جناح صعدة) وتطويع بقية العوائل السلالية لخدمتها، لكن تصفية ما يمكن وصفه بالجناح السياسي للجماعة، رغم أن رموزه ليس لهم أي ثقل عسكري أو نفوذ اجتماعي يشكل خطرا على نفوذ آل الحوثي، تثير التكهنات حول دوافع ذلك.

بدأت التصفيات الحوثية البينية منذ التحضير للانقلاب واستمرت حتى الآن، وطالت بعض قادة المليشيا الحوثية والشخصيات السلالية، من أهمها: اغتيال أحمد شرف الدين، وعبد الكريم جدبان، والصحفي عبد الكريم الخيواني، ومحمد عبد الملك المتوكل، والمرتضى المحطوري، وحسن زيد، وأخيرا يحيى الشامي ونجله زكريا، وغيرهم.

وتسببت هذه التصفيات بالذعر والقلق في أوساط قادة المليشيا، وانعدام الثقة فيما بينهم، وشعور كل واحد منهم أنه ربما يكون الهدف القادم بالتصفية، والحرص على اتخاذ كافة إجراءات السلامة وتخفيف التحركات، وصار حتى مجرد الذهاب للمستشفى في حال المرض مثيرا للقلق حتى لا يتم تسميم المستهدف بالتصفية والزعم بأنه مات بسبب إصابته بفيروس كورونا.

 

- إيرلو وإعادة هيكلة المليشيا الحوثية

تسارعت وتيرة التصفيات الحوثية البينية منذ قدوم القائد العسكري في الحرس الثوري الإيراني المدعو حسن إيرلو إلى العاصمة صنعاء ليكون حاكما عسكريا للحوثيين تحت لافتة "سفير"، وكانت أول مَهمة بدأ العمل عليها هي إعادة هيكلة المليشيا الحوثية وجعلها أكثر تطرفا وعنفا وإرهابا، وجعلها مرتبطة تماما بإيران وتسليم مصيرها وقرارها لملالي طهران، من خلال تعزيز دور جناحها العسكري/العقائدي وتصفية جناحها السياسي تماما، وبالتالي إبعادها كليا عن السياسة حتى لا يكون هناك تجاوب من قبلها مع الدعوات الأممية والدولية للحوار والحل السياسي للأزمة اليمنية.

إن ازدياد وتيرة تصفية الجناح السياسي في المليشيا منذ قدوم حسن إيرلو، يعني أن ذلك النهج الذي بدأ منذ التحضير للانقلاب كان بتعليمات إيرانية، والهدف منه زحزحة المليشيا بعيدا عن العمل السياسي وجعل العنف والإرهاب والقتل وسيلة وحيدة لتحقيق أهداف إيران ومليشياتها، نظرا لما يحققه ذلك من مكاسب سريعة ودمار للبلاد وهلاك للعباد، ويعكس انصياع مليشيا الحوثي للتعليمات الإيرانية مدى ارتهانها لطهران وقدسية تلك التعليمات من دولة تعتبرها المليشيا مرجعية مقدسة وأن تعليماتها صائبة وحكيمة، ولعل ذلك لاقى هوى في الجناح العقائدي المتطرف في المليشيا كانعكاس لنشأة الجماعة منذ البداية على العنف والإرهاب.

وهناك عدة عوامل تظافرت لجعل المليشيا الحوثية كالنار تأكل بعضها، فبالإضافة إلى التعليمات الإيرانية لجعل المليشيا أكثر عنفا وإرهابا وإبعادها كليا عن العمل السياسي، فإن الصراع على النفوذ والمصالح والمنهوبات في أوساط قادة المليشيا جعل بعض تلك التصفيات تطال أشخاصا محسوبين على الجناح السياسي وأيضا الجناح العقائدي/العسكري المتطرف، ومن أمثلة ذلك مقتل إبراهيم الحوثي، شقيق زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، الذي كان مسؤولا عن "الملف الاقتصادي" للجماعة، ولعل طريقة إدارته للأموال المنهوبة أثار غيض قادة آخرين مما جعلهم يتآمرون لتصفيته، ليتحكموا هم بالأموال المنهوبة ويكون لهم النصيب الأكبر منها.

 

- دلالات التصفيات البينية

تمثل التصفيات البينية في أوساط مليشيا الحوثي ظاهرة غريبة في تاريخ جماعات العنف والإرهاب في العالم، فحتى أسوأ الجماعات الإرهابية لم تلجأ إلى اغتيال بعض قادتها لأي سبب كان، بل فإن المليشيات الطائفية الإرهابية التابعة لإيران في بعض البلدان العربية لم نسمع أنها تقتل بعض قادتها لأي سباب كان، وتكاد هذه الظاهرة أن تكون حصرية بمليشيا الحوثي، ولها أسبابها، غير أن التبعية المطلقة للمليشيا لإيران زادت من حدتها.

ورغم أن التنافس بين العوائل السلالية على النفوذ والمنهوبات يمثل أبرز الأسباب في التصفيات والصراعات البينية المتوارثة من زمن الحكم الإمامي السلالي العنصري المستبد، وتعزيز ذلك بآراء فقهية مذهبية من وضع السلالة ولا علاقة لها بالدين الإسلامي، إلا أن التركيز على تصفية ما يمكن وصفه بالجناح السياسي للجماعة له دلالات عدة، تعكس نهج المليشيا الحوثية ومدى قابليتها للحوار والانخراط في العمل السياسي.

ومن أبرز هذه الدلالات، أن التصفيات الممنهجة للجناح السياسي ركزت على القادة السلاليين الذين قدموا من زمن السياسة وكانوا منخرطين في العمل السياسي وفي الأحزاب السياسية، وكانوا على علاقة بالأحزاب الأخرى، وبعضهم كان لهم صداقات شخصية ببعض قادة الأحزاب السياسية، ولذا فإن تصفيتهم الهدف منها إبعاد المليشيا عن العمل السياسي وقطع صلتها بالسياسة تماما، وجعلها جماعة مغلقة يقودها ممن لم يسبق لهم الانخراط في العمل السياسي ولم يأتوا من زمن السياسة، حتى لا يكون هناك أي ثغرة تتسلل منها السياسة إلى جماعة متطرفة نهجها العنف والإرهاب.

يضاف إلى ذلك أن النشأة العقائدية المتطرفة والعنيفة للمليشيا انعكست على سلوكها العام، سواء في التعامل مع الآخرين أو في التعامل فيما بينها، وصار القتل وسفك الدماء هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخصوم ومن المنافسين المحتملين في أوساط المليشيا على حد سواء، ولم تكترث المليشيا باحتمال أن ذلك قد يتسبب في انشقاقات في صفوفها أو إحداث فراغ في القيادة أو إحجام العوائل السلالية الأخرى عن مساندة عائلة آل الحوثي، ذلك لأن المليشيات تعتمد غالبا على المقاتلين القبليين المغرر بهم للزج بهم في معارك أشبه بالانتحار العسكري، وتكتفي في نفس الوقت بتطييب خاطر العوائل السلالية المهمشة بمنحها امتيازات محدودة وخدمات مجانية مثل العلاج والغاز والديزل والمواد الغذائية وما شابه ذلك.

ختاما، إن الدعوات للحوار والحل السياسي مع مليشيا نهجها العنف والإرهاب، هي دعوات عبثية، ومن يرددونها أو يعتقدون إمكانية نجاحها فهم لم يقرؤوا المشهد جيدا ولم يعرفوا بعد مدى إجرام المليشيا الحوثية وإرهابها الذي لم يسلم منه حتى قادتها ومن تعاونوا معها من مشايخ القبائل وسهلوا لها السيطرة على مناطقهم في بداية الانقلاب ومهدوا لها الطريق إلى العاصمة صنعاء، فكيف يمكن لمختلف فئات الشعب التعايش مع ذلك الإرهاب والعنف الذي طال بعض قادة المليشيا ذاتها قبل أن يطال خصومها، ولذا، يبقى الحسم العسكري هو الخيار الوحيد للتخلص من الإرهاب الحوثي وتوجيه صفعة مدوية لإيران التي تنشر العنف والإرهاب الطائفي في جوارها العربي.